أرشيف المقالات

24 محرم - 1317هـ

مدة قراءة المادة : 21 دقائق .
10الكاتب: محمد رشيد رضا __________ تقرير لجنة مشيخة الأزهر الشريف المؤلفة لفحص مشروع تعميم التعليم الأَوَّلِي [*] بسم الله الرحمن الرحيم حضرة صاحب الفضيلة مولانا الأستاذ الكبير شيخ الجامع الأزهر يا صاحب الفضيلة بما لك من الحق الشرعي والرياسة الكبرى الدينية في الديار المصرية، أصدرت أمرك إلينا بتعيين لجنة منا لفحص مشروع تعميم التعليم الأولي مع تقريره الذي أصدرته لجنة وزارة المعارف العمومية المؤلفة بالأمر الوزاري في 30 مايو سنة 1917، والذي فرغت من وضعه في 25 نوفمبر سنة 1918 طالبةً أن ينفذ العمل به من أول أبريل سنة 1920 ريثما تأخذ الحكومة العدة لتنفيذه. وها نحن أولاً نتشرف برفع تقريرنا هذا إلى فضيلتكم شاملاً لما عنَّ لنا في الموضوع، والله الهادي إلى سواء السبيل: (1) اللجنة ترحب بمشروع تعميم التعليم الأولي من حيث هو تعميم لتعليم طبقات الأمة بأسرها، وتعتبره بدء خير جديد للأمة المصرية في سائر شؤونها ومصالحها الدينية والدنيوية، قال الله - تعالى -: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9) . (2) خلاصة المشروع من الوجهة التي تهمنا هو أن يعمل كل مجلس مديرية في المديريات، وكل سلطة معادلة له في المحافظات على إيجاد مدارس أولية في كل مدينة وقرية تضم كل سنة عددًا من البنين والبنات الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والحادية عشرة بنسبة واحد في المائتين من مجموع السكان وذلك بأن تأخذ 4% من البنين و 2.5% من البنات حتى تكون نتيجة هذه المدارس بعد عشرين سنة تعليم 80% من مجموع البنين و50 في المائة من مجموع البنات بالقطر المصري، وذلك يعادل 10 في المائة من مجموع السكان يتلقون في تلك المدارس دراسةً مناسبةً وفق منهج خاص تضعه وزارة المعارف العمومية أو تقره، ويشمل على الأقل تعليم الديانة، والقراءة والكتابة، والحساب، وغير ذلك من المواد التي يعينها وزير المعارف العمومية (فقرة 45 و47 ومادة 1 و2) [1] . *** تأثير المشروع من الوجهة الدينية إن تعليم القرآن للأطفال، والعمل على حفظهم له في هذه السن (من سن ست سنوات إلى إحدى عشرة سنة) أمر جرت عليه الشعوب الإسلامية منذ التاريخ الإسلامي لا سيما الشعوب العربية، وخاصةً منها القطر المصري حتى قال ابن خلدون في الفصل 32 الذي كتبه في هذه الموضوع (اعلم أن تعليم الولدان للقرآن صار شعارًا من شعار الدين أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن، وبعض متون الحديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات) ومعلوم أن الولدان هم أبناء هذه السن التي يقضي المشروع بالاستيلاء عليهم فيها، ويكون القضاء على حفظ القرآن فيها، ولا ندري كيف غاب ذلك عن لجنة الوزارة، وهي بنفسها تقول في تقريرها المرفق بالمشروع (فقرة 59) عن المستر (لكي) في كتابه (الديمقراطية والحرية) ج2 ص62 (والقاعدة الوحيدة التي يعول عليها أن يجعل الشارعون نصب أعينهم رغبات الأمة وميولها كيفما تنوعت أشكالها، وأن يسعوا إلى تحقيقها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً) [2] . (3) بل رمى أحد الأعضاء بهذا العنوان، كما جاء في التقرير (فقرة 83) [3] إلى أبعد من ذلك حيث لفت أنظار اللجنة قائلاً: إن الإعفاء من الخدمة العسكرية لحفظ القرآن القاضي به قانون القرعة الصادر في سنة 1902 عقبة في سبيل التعليم الأولي، ونحن مع دهشتنا من هذا الحكم لبعد المسافة ما بين سن القرعة، وسن المشروع نعجب من موافقة اللجنة بإجماع عليه حتى قالت بالفقرة 87 (أن نجاح هذا المشروع أو أي مشروع آخر يرمي إلى ترقية التعليم الأولي يتوقف على إزالة هذا العائق الذي يصرف الناس عن الاهتمام بالتعليم الأولي) [4] . (4) من حيث إن المشروع يقضي باستيلاء وزارة المعارف تدريجيًّا مع الهيئات الإدارية التي تشاركها على 80 في المائة على الأقل من أبناء المسلمين من سن ست سنوات إلى إحدى عشرة سنة - فهو يقضي على المعاهد الدينية من أساسها؛ لأن ينبوع المعاهد هو تلك المكاتب الأهلية التي تقوم بتعليم القرآن الكريم وحفظه؛ ولا يمكن لقانون الأزهر والمعاهد الدينية أن يتخلى عن شرط حفظ القرآن؛ لأنه شرط ضروري لمن ينتسب للمعاهد الدينية، ويتلقى علوم الدين التي تستمد كلها من القرآن.
كما يقضي ذلك المشروع أيضًا على جميع الوظائف الشرعية التي يشترط في مبدئها حفظ القرآن الكريم، وما جاء في (الفقرة 90) [5] من تقرير لجنة الوزارة (أن من يرغب من النشء في الانتظام في تلك المعاهد الدينية فلديهم متسع من الوقت بعد إتمام مقرر المدارس الأولية - أي بعد السنة الحادية عشرة إن فرض نجاحه فيها - للوصول إلى غرضهم هذا بالتعلم في مدارس إعدادية يشرف عليها رجال الدين) غير كاف في الإجابة، ولا مذلل لتلك العقبة التي يضعها المشروع في سبيل المعاهد الدينية لوجوه: (أ) المدارس الإعدادية التي تحيل عليها لجنة الوزارة هي شيء لا في عالم الوجود ولا في عالم المشروعات، فضلاً عن كون تعميمها في جميع المدن والقرى حتى تقوم بحاجة البلاد من تخريج القدر الكافي لطلاب المعاهد الدينية، ومن وجود الحفاظ بها - أمر لا يكاد يكون ممكنًا، ولا يبلغ درجة انتشار المكاتب الأهلية الحالية التي تقوم بذلك الآن. (ب) إذا فرض أن التلميذ الذي يريد الانتظام في سلك المعاهد الدينية لم يساعده الحظ، ورسب في بعض امتحاناته السنوية بتلك المدارس الأولية، ثم التحق بالمدارس الإعدادية المذكورة؛ ليتمكن من الالتحاق بالمعاهد الدينية - فكم يكون قد بلغ من السن عند الخروج منها؟ وهل يسمح له الحظ دائمًا من التمكن من تتميم الدراستين بالمدارس الأولية والمدارس الإعدادية قبل فوات السن المحدودة للدخول في المعاهد الدينية، أو يحال بينه وبينها؟ ثم إذا صح أنه تمكن من الدخول في المعاهد في آخر سنة يسوغ القانون الدخول فيها للطالب، والمعاهد الدينية أقل مدة التعليم فيها خمس عشرة سنة، فلا ينتهي الطالب من دور التعليم إلا وهو في طريق الكهولة، وهذا ما لا يرضاه رجال الإصلاح. (ج) باعتبار أن آخر سنة للتلميذ في هذه المدارس الأولية هي السنة الحادية عشرة من عمره إذا فرض نجاحه فيها، وأنه يحتاج إلى مدة أخرى يقضيها في حفظ القرآن ليتمكن من الانتظام في المعاهد الدينية - يكون المشروع قد حاف حيفًا ظاهرًا على قانون المعاهد في تضييق دائرة من ينتسبون إليها بعد أن كانت من سن عشر سنوات إلى سبع عشرة سنة (مادة 61) من قانون الأزهر، وحال بين الآباء وبين إعدادهم أبناءهم للتعلم في باكورة شبابهم بالمعاهد الدينية، وقد دل البيان الرسمي بدفاتر الانتساب بالقسم الأولي من المعاهد الدينية على أن الذين ينتسبون بالسنة الأولى يوجد بينهم عدد كبير من أبناء الإحدى عشرة سنة والاثنتي عشرة سنة. (د) إن وجود الحرية التامة التي يتمتع بها الآباء الآن في تعليم أبنائهم القرآن الكريم في هذه السن (من ستة إلى إحدى عشرة) هو الوسيلة الوحيدة في التمهيد للانتظام بالمعاهد الدينية، وبعبارة أخرى: لحياة المعاهد الدينية، والوسيلة في صيانة حفظ القرآن بين الأمة؛ لأن الحفظ بعد هذه السن يكاد يكون مستحيلاً، والمثل الشهير في ذلك عند الشعب (الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر) . (هـ) إن وجود حملة القرآن الكريم مستظهرين له أمر ضروري اقتضته الشريعة الغراء على سبيل فرض الكفاية في كل أمة لا سيما في مصر (التي تعتبر - لمركزها الديني ووجود الأزهر فيها - كعبة لسائر الشعوب الإسلامية) ليقوموا بفريضة كيفية الأداء والتجويد للقرآن، وإتقان رواياته وأحكامه، ومعرفة رسمه، وليحفظوه على الأمة، وينقلوه بطريق التواتر من جيل إلى جيل. فضلاً عن أن من خصائص أولئك الحفاظ أيضًا ما جرت به العادة في منتديات المسلمين ومجتمعاتهم العامة والخاصة من تلاوة آيات الكتاب الحكيم عند اقتضاء الظروف والعادات القومية؛ ليعظوا النفوس ويذكروا الأمة بكتابها المقدس الكريم، وما فيه من هدى وإرشاد وحث على مكارم الأخلاق، ولا يتأتى للأمة المصرية القيام بالفريضة المذكورة، والمحافظة على تلك العادة القومية الإسلامية ما لم تبق الوسيلة التي تُمكِّن الأبناء من حفظ القرآن في أول تعليمهم وعهد مرونتهم. (6) توجد بالقطر المصري أوقاف جمة مرصودة على تعليم القرآن الكريم للأطفال بطريق الحفظ له غيبًا (وتفتيش الوادي مشهور) وتقضي أوامر الشريعة الغراء باحترام شروط الواقفين، حتى قال العلماء: (شرط الواقف كنص الشارع) فلا بد من تنفيذ هذه الأوقاف على الوجه المنصوص بها، ولا يجوز بحال أن يصرف ريع تلك الأوقاف في غير هذا النوع من التسليم، والمشروع باستيلائه على 80 في المائة من البنين يقضي بتعطيل تلك الأوقاف وصرفها في غير ما رصدت له، وبعبارة أخرى: يقضي بتعطيل أوامر الشريعة الغراء في تنفيذ هذه الأوقاف في سبيلها، بل يصرف الناس عن مثل هذا العمل البار (الوقف على التعليم) الذي قام بنهضة كبرى في سبيل التعليم الأولي بمصر، وقد اعترفت لجنة الوزارة في (الفقرة 25) [6] أن أقوى البواعث على تعليم الشعب المصري إلى وقتنا هي البواعث الدينية، وإذًا يحسن بالمشروع المذكور أن يكون أساسه الذي يعتضد به هي تلك البواعث؛ ليكون أنجح له في سبيله لا أن يقاومها ويقضي عليها. وترى اللجنة أن إيجاب حفظ القرآن الكريم في تلك المدارس، وجعله أساسًا فيها (نظرًا لشدة تعلق الشعب المصري بمبادئه الدينية) هو أقرب وسيلة لترغيب الأمة في تلك المدارس التي ستعاني الحكومة في الترغيب فيها الصعوبات الجمة. (يتلى) ((يتبع بمقال تالٍ)) __________ (*) نشرنا هذا التقرير إنجازًا لما وعدنا به في الجزء الماضي، وقد قال لنا أحد أعضاء لجنة المشروع: تذكروا أن المشروع وضع في غير هذا الوقت، وإننا نسلم بأكثر الانتقاد الذي ورد عليه..
إلخ. (1) نص الفقرة 45 (الغرض العاجل من القانون) يرمي مشروع القانون الذي وضعناه إلى أن ينشأ في كل مدينة وقرية في مدة لا تتجاوز عشرين سنة مدارس أولية حسنة البناء جيدة المعلمين، يبلغ مجموع تلاميذها 80 في المائة من أبناء الأمة، ومجموع تلميذاتها 50 في المائة من بناتها ممن تتراوح أعمارهم وأعمارهن بين السادسة والحادية عشرة، وإنا نرى أن هاتين النسبتين هما الحد الحقيقي الذي يجب التعويل عليه في إعداد ما يلزم من الأمكنة إذا راعينا أن عددًا من الأطفال سينصرف عن التعليم، وأن آخرين سيلحقون بالمدارس الابتدائية وغيرها، وراعينا العادة التي لا تزال مسيطرةً على قسم كبير من الأمة، وهي قلة الرغبة في تعليم البنات وتحرير المرأة من قيود الجهل وأغلال الأمية.
والفقرة 47 (نسبة تلاميذ المدارس الأولية بالبلاد الغربية) وإذا قدرنا نسبة التلاميذ المصريين الذين يجب تعليمهم بالمدارس الأولية ممن تتراوح أعمارهم بين السادسة والحادية عشرة بثمانين في المائة من مجموعهم، ونسبة التلميذات اللاتي من هذه الأعمار بخمسين في المائة من مجموعهن - فإن مجموع ذلك يعادل 10 في المائة من مجموع سكان القطر، أي أن بلوغ هذه الغاية يرفع درجة التعليم في مصر إلى درجة إيطالية وأسبانية وبلغارية وفنلندة وبلاد اليونان.
ونص المادة الأولى (تعريفات) العبارة الآتية يقصد بها في هذا القانون ما يلي: (أ) المدرسة الأولية معهد تلقى فيه دراسة مناسبة لأبناء المصريين بين السادسة والحادية عشرة من عمرهم، ويكون التعليم فيها باللغة العربية فقط وفق منهج خاص تعينه وزارة المعارف العمومية أو تُقِرُّه يشمل على الأقل تعليم الديانة والقراءة والكتابة والحساب، وغير ذلك من المواد التي تعينها وزارة المعارف العمومية. (ب) (السلطات المعادلة لمجالس المديريات) : هي السلطات التي يخولها هذا القانون - أو أي قانوني يليه - أن تتولى في المحافظات ما تتولاه مجالس المديريات من شؤون التعليم الأولي في المديريات. (ج) (المدارس الأولية الأهلية) : هي المدارس الأولية التي لا تديرها مصالح الحكومة ولا مجالس المديريات، أو السلطات المعادلة لها. (د) (المدارس الأولية الأهلية المعترف بها) : هي المدارس الأولية الأهلية التي ترى وزارة المعارف العمومية أنها قد أدركت الغرض المقصود من هذا القانون من حيث أمكِنَتِها ومُعداتها، والقائمين بالتعليم فيها وإدارتها العمومية. (هـ) (السلطة البلدية) : كل مجلس بلدي أو مختلط أو محلي أو قروي، أو أي سلطة منتخبة من هذا القبيل تخول حق إدارة الشئون المحلية بإحدى المدن أو القرى. (و) (السنة) : هي السنة المالية المتفق عليها في الحكومة المصرية. ونص المادة الثانية (إنشاء المدارس الأولية) : يجب على كل مجلس مديرية (في المديريات) وكل سلطة أو سلطات تعادله (في المحافظات) أن يوجد كل سنة من المدارس الأولية المناسبة ما يكفي لنصف في المائة (أي لواحد في كل مائتين) على الأقل من مجموع السكان الذين في دائرته، باعتبار كل مدينة أو قرية وحدة قائمة بذاتها، لها ما يخصها من المدارس بنسبة عدد سكانها، وينتفي هذا الوجوب فيما يختص بأي مدينة أو قرية متى أصبح بها من المدارس الأولية المناسبة ما يكفي لعشرة في المائة من عدد سكانها، ومع ذلك يجوز لمجالس المديريات والسلطات المعادلة لها أن تستمر في إيجاد معاهد جديدة للتعليم بعد بلوغ هذا الحد في الجهات التي تتطلب أحوالها ذلك، وجميع المدارس الأولية التي تديرها مجالس المديريات أو السلطات المعادلة لها في وقت صدور هذا القانون، وكذلك المدارس الأهلية التي يعترف بها فيما بعد - يمكن اعتبارها وافيةً بما تتطلبه هذه المادة من إنشاء المدارس وافتتاحها إذا أقرتها وزارة المعارف العمومية، ولكن لا يجوز اعتبارها كذلك إلا عن السنين الأخيرة من السنين المقررة لإنفاذ هذا القانون، وتقرر وزارة المعارف العمومية عدد ما تسعه كل مدرسة أولية من التلاميذ ولا يتحتم على مجالس المديريات أو السلطات المعادلة لها أن تنشئ مدرسةً في جهة ما، أو توسع في بنائها إلا إذا كان عدد التلاميذ الذين يراد إيجاد محال لهم على النسبة الموضحة في الفقرة الأولى من هذه المادة قد بلغ 150 تلميذًا في المدن التي يزيد عدد سكانها على 8000 نفس، أو 75 تلميذًا في البلدان التي يتراوح عدد سكانها بين 4000 و8000 نفس، أو 40 تلميذًا في البلدان والقرى التي يقل عدد سكانها عن 4000 نفس، وكذلك لا يتحتم على مجالس المديريات أو السلطات المعادلة لها أن تنشئ مدرسةً أوليةً في جهة ما، أو توسع في بنائها ما دام بمدارسها الأولية الجامعة للشروط المطلوبة من المحال ما يزيد كثيرًا على مبلغ إقبال الأهالي في تلك الجهة على التعليم، ويكون البت في ذلك لوزارة المعارف العمومية. (2) نص هذه الفقرة 59 (الصعوبات الدينية) لا تكاد توجد مملكة من الممالك إلا كان نمو التعليم الأولي فيها مصحوبًا بعقبات ناشئة من صعوبة التوفيق بين الآراء المتضاربة فيها بشأن التعليم الديني، ولقد كانت هذه المسألة دائمًا منبع جدال طويل وربما جاز القول بأنه لم توفق مملكة من الممالك إلى حلها حلاًّ مرضيًا من جميع الوجوه، ثم عبارة المستر (لكي) المذكور أعلاه. (3) نص الفقرة 83 (تأثير قانون القرعة) لفت أحد الأعضاء المسلمين نظر اللجنة إلى العراقيل التي يضعها قانون القرعة الصادر في سنة 1902 في سبيل وضع نظام وافٍ للتعليم الأولي؛ لأن الفقرة السادسة والعشرين منه تعفي من الخدمة العسكرية حفظة القرآن الكريم إذا لم تكن لهم مهنة أخرى، ولما كان المصريون ينفرون أشد النفور من الخدمة العسكرية كان معظم الأهلين شديدي الرغبة في العمل على إعفاء أبنائهم منها، وكانت الوسيلة الوحيدة لذلك عند الفقراء منهم أن يعدوا أبناءهم ليكونوا حفظةً، وأن يبعثوهم إلى الكتاتيب الأهلية لقضاء جميع أوقاتهم في حفظ القرآن بدلاً من إرسالهم إلى المكاتب المنتظمة حيث يتعلمون تعلمًا وافيًا مع تلقي المقدار الكافي من التعليم الديني، وأما ما يشترطه هذا القانون من عدم الاشتغال بمهنة أخرى فلا فائدة منه؛ لأن المقترعين لا يلتفت إليهم بعد إعفائهم، ولا تعرف الحكومة شيئًا مما يزاولونه من الأعمال، وقد قيل لنا: إن الأحداث الذين يذهبون إلى هذه المكاتب لا لشيء سوى حفظ القرآن، وتضييع أوقاتهم بها إلى السادسة عشرة أو السابعة عشرة يربو عددهم كثيرًا على من يُنتظر أن يشتغلوا بشيء من الأعمال الدينية، أو يلحقوا بأحد معاهدها، على أن الأزهر الشريف ومدرسة القضاء الشرعي لا يشترطان على راغبي اللحاق بهما أن يحفظوا من القرآن أكثر من نصفه، وقد بلغنا أن حكومة تركية - وهي حكومة إسلامية - لا تعفي أحدًا من الخدمة العسكرية لحفظ القرآن. (4) عنوان الفقرة 87 (إزالة هذا العائق) وتتمتها (الوافي بالغرض) وذلك يتم بأحد أمرين: إما بالسير على النهج المرسوم في مشروع القانون الذي ارتضاه صاحب الفضيلة مفتي الديار المصرية في سنة 1905، وإما باتباع طريقة أخرى تقرها هيئة رجال الدين الإسلامي، ونود لو وضعت الآن قاعدة عامة تقضي بعدم إعفاء أحد بعد مضي زمن طويل من الآن (أي بعد سنة 1930 مثلاً) من الخدمة العسكرية لسبب من الأسباب (سواء أكان دينيًّا أم صناعيًّا أم تعليميًّا أم غير ذلك) إلا إذا كان طالب الإعفاء قد أتم المقرر الدراسي للمدارس الأولية أو الابتدائية؛ فإن ذلك يساعد على نشر التعليم الأولي مساعدةً عظيمةً) . (5) ونص الفقرة 90 (المدارس الإعدادية) أما من يرغب من النشء في الانتظام في سلك المعاهد الدينية، أو في أن يكونوا من حملة القرآن الكريم فلديهم متسع من الوقت بعد إتمام مقرر المدارس الأولية للوصول إلى غرضهم هذا بالتعلم في مدارس إعدادية يشرف عليها رجال الدين.
ونرى أن تمنح الحكومة ما يكون جامعًا لشروط الجدارة من هذه المدارس إعانةً ماليةً. (6) عنوان الفقرة 25 (الحكومة وتعليم الأطفال) ونصها: من الأقوال المأثورة عن نابليون: (إن التعليم يجب أن يكون أول أغراض الحكومة) ولقد أصبح معظم الحكومات المتمدينة في الوقت الحاضر يعتبر تعليم الأطفال من أعظم واجباته، وقد وصل تعليم طبقات الشعب في البلاد الأوربية إلى ما هو عليه الآن بفضل أربع حركات كبيرة، وهي: (أولاً) : غيرة الطوائف الدينية على نشر مذاهبها وتوطيد أركانها بتعليم الأحداث. (ثانيًا) : قيام مذهب الإنسانيين (Humanitarianism) الذي يرمي إلى وقاية الأحداث من العمال. (ثالثًا) : قيام الديمقراطية لأنها خولت جمًّا غفيرًا من الشعب حق الاشتراك في أعمال الحكومة فاستدعى ذلك تعليم الأطفال؛ لأن منهم ينبغ ويُصبح من كبار أعضاء مجالس النواب. (رابعًا) : الحركة الصناعية فإنها أقنعت الأمم بأن انتشار التعليم بين جميع الطبقات، ولو اقتصر على ما سيتناوله التعليم الأولي - يزيد في مقدرة العمال، وقد كان أقوى البواعث على تعليم الشعب بمصر إلى وقتنا هذا على النمط الحالي بواعث دينية، ولكن تقدم البلاد من الوجهات الصناعية والسياسية والأدبية والاجتماعية سيوجد بواعث قوية جديدة، يزيد عظم شأنها على مر الأيام، ولا يمكن غض الطرف عنها، ولا التسويف فيما توحي به من الجد والعمل.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن