أرشيف المقالات

مشروع سكة حديد بين بورسعيد والبصرة

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
10الكاتب: عبد الحق الأعظمي البغدادي __________ الأعياد ] لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ [[1] لحضرة الفاضل الأزهري صاحب الإمضاء عبد الحق حقي البغدادي الأعظمي الأزهري العيد اسم لما يحصل فيه الاجتماع العام على وجه معتاد، سواء كان سنويًّا أو شهريًّا أو أسبوعيًّا، زمانيًّا أو مكانيًّا وقد يصدق على مجموع اليوم وما يصنع فيه، وعلى المكان وما به وعلى الاجتماع وحده أو مع ما يصحبه من العبادات والعادات وبضرورة تباين العرب في المذهب والمشرب - تباينت أعيادهم في الزمان والمكان ولمناسبة عيدنا الأكرم أردت توضيح ذلك على وجه الإجمال والاختصار تفكهة لقراء (المنار) بهاته النبذة التاريخية. اعلم أن العرب كانوا في الجاهلية شيعًا متفرقين وفرقًا مختلفين فقد كانت (النصرانية) في ربيعة وغسان وبعض قضاعة، وكانت (اليهودية) في حِمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكِندة، وكانت (المجوسية) في تميم، وكانت الزندقة في قريش، أخذوها من الحيرة، والمراد بالزندقة هنا عدم الإيمان بالآخرة والربوبية وكان بنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية إلهًا من حيس فعبدوه دهرًا طويلاً ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه، فقال فيهم رجل من تميم شعرًا: أكلت حنيفة ربها ...
زمن التقحم والمجاعة لم يحذروا من ربهم ...
سوء العواقب والتباعة ولا شك أن الأعياد من الديانات ولواحق العبادات، وإلى ذلك ذهب بعض المفسرين في قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوه} (الحج: 67) حيث فسروا المنسك بالعيد، فلم يكن العرب يومئذ متفقين في الأعياد كما لم يتفقوا في الدين والاعتقاد. أما المشركون من عَبَدَة الأصنام فقد كان لهم في الجاهلية أعياد كثيرة، منها مكانية، ومنها زمانية: أما (المكانية) فكثيرة وهي مواضع أصنامهم وأوثانهم وأمكنة طواغيتهم، وكانت الطواغيت الكبار التي كانت تشد إليها الرحال وتقام عندها الأعياد ثلاثة: (اللات) و (العزى) و (مناة الثالثة الأخرى) وكل من هذه الثلاثة لمصر من أمصار العرب؛ فكانت اللات لأهل الطائف، والعزى لأهل مكة، ومناة لأهل المدينة، يهلّون لها شركًا بالله تعالى.
وكانت لهم مواسم من السنة مخصوصة للاجتماع عند هذه الثلاثة وتقصدها العرب من كل فج وتعظمها كتعظيم الكعبة، وكان لها سدنة وحُجَّاب، وكانوا يهدون إليها كما يهدون للكعبة ويطوفون بها وينحرون عندها مع اعترافهم بفضل الكعبة؛ عليها لعِلمهم أنها بيت أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام ومسجده.
وكان ذو الخلصة بيتًا باليمن لخثعم وبجيلة فيه نُصُب يعبدونها ولهم فيه من السنة موسم وعيد، وكان أهل نجران يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها في كل سنة موسم وعيد، وإذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وحُلي النساء ثم خرجوا إليها وعكفوا يومًا. وأما (الزمانية) فهي كثيرة، منها أيام مسراتهم وأفراحهم لظفرهم على عدوهم ونصرتهم على خصومهم ومحاربيهم، وذلك يختلف باختلاف الشعوب والقبائل، فيتفق أن يكون يوم عيد لقوم يوم حزن وبؤس على آخرين.
وكان لأهل المدينة يومان يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال لهم: قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما يوم الفطر والأضحى.
ومنها يوم السبع وهو عيد من أعياد قبيلة من قبائل العرب في الجاهلية، كانوا يشتغلون فيه باللهو واللعب، وكذلك يوم السباسب. وأما أعياد المجوس - وهم الفرس وشرذمة من العرب وغيرهم - فهي كثيرة جدًّا، إلا أنَّا نقتصر على المشهور منها الذي أولع الشعراء بذكره واعتنى الأمراء بأمره وهو (النيروز) والمهرجان والسذق - فهو تعريب نوروز وهو أعظم أعيادهم ويقال: إن أول مَن اتخذه جمشاد وهو أحد ملوك الطبقة الأولى من الفرس، وسبب اتخاذهم هذا اليوم عيدًا أن طمهورة لما هلك ملك بعده جمشاد فسمي اليوم الذي ملك فيه نوروزًا؛ أي: (اليوم الجديد) ومن الفرس من يزعم أن النيروز هو اليوم الذي خلق الله تعالى فيه النور، وأنه كان معظمًا قبل جمشاد.
وبعضهم يزعم أنه أول الزمان الذي ابتدأ الفلك فيه بالدوران ومدته عندهم ستة أيام، أولها اليوم الأول من شهر أفرود ريزماه الذي هو أول شهور سنتهم، ويسمون اليوم السادس النيروز الكبير؛ لأن الأكاسرة كانوا يقضون في الأيام الخمسة حوائج الناس على اختلاف طبقاتهم ثم ينتقلون إلى مجالس أُنسهم مع خواصهم فيه، وهو يعمل في 17 حزيران، وقيل: في 11 منه.
وأما المهرجان فوقوعه في 16 تشرين أول من شهور السريان، ومن شهور الفرس في 16 من مهرماه وهو ستة أيام ويسمى اليوم السادس المهرجان الأكبر. وسبب اتخاذهم له [2] أن بيوراسب وهو الضحاك ويقال له: أوذهاق.
ذو الحبتين والأفواه الثلاثة والأعين الست الداهية الخبيث المتمرد لما قتل جمشاد وملك جاءه إبليس في صورة خادم فقبَّل منكبيه فبدت فيهما حبتان وكانتا تؤلمانِه فوصف له دمعة الناس فكان يقتل كل يوم غلامين لذلك، فأجحف بقتل الولدان في الرعية، فخرج رجل بأصبهان يقال له: كابي.
وعقد لواءً من جلد أسد ودعا الناس إلى محاربة الضحاك، فاجتمع له خلق كثير ولما تحقق عند الضحاك ذلك هابهم وهرب منهم فاجتمع الفرس إلى كابي ليُملِّكوه فقال: ما أنا من أهله. وذكر لهم أن معه صبيًّا من ولد جمشاد يسمى فريدون وقال: أرى أن تملكوه وتعيدوا المُلك إلى أهله.
فملكوه، فخرج فريدون في طلب الضحاك فوجده، فأخذه وشده وحبسه في جبل دنياوند وجعل ذلك اليوم عيدًا وسماه المهرجان.
وقيل في سبب اتخاذه غير ذلك. وكانوا يتهادون في النيروز والمهرجان بالمسك والعنبر والعود الهندي والزعفران والكافور.
وأول من رسم هداياهما في الإسلام الحجاج بن يوسف الثقفي، وأول من رفع ذلك عمر بن عبد العزيز واستمر ذلك إلى أن فتح الهدية فيه أحمد بن يوسف الكاتب، فإنه أهدى فيه للمأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه وكتب معه: (هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد للسادة) ..
إلى آخر ما قال. وأما السذق فيعمل في ليلة 11 من شهر أيار - مايو - ويسمى هذا اليوم عند الفرس روزابا؛ لأن لكل يوم من أيام الشهر عندهم اسمًا، ويقال في سبب اتخاذهم له أن فراسياب لما تملك سار إلى بلاد بابك فأكثر فيها الفتنة وخرب ما كان عامرًا منها فخرج عليه زفرب بن طهمازشب فطرده عن مملكة فارس إلى بلاد الترك، وكان ذلك في يوم روزابان فاتخذ الفرس هذا اليوم عيدًا وجعلوه ثالثًا لعيدي النيروز والمهرجان ولما تملك وضع عن الناس خراج سبع سنين فعمرت البلاد.
وقيل في السبب غير ذلك، وللفرس أعياد دون ما ذكرناها منها عيد يسمى نيركان وأيام الفيروزجاة، أي: تربية الروح وركوب الكوسج وبهمنجه. أما القبط والنصارى فقد قيل: إن أعيادهم أربعة عشر عيدًا، سبعة يسمونها كبارًا وسبعة أخرى يسمونها صغارًا. فالكبار: البساره (1) والزيتون (2) والفصح (3) وخميس الأربعين (4) وعيد الخميس (5) والميلاد (6) والغطاس (7) ، وأما الأعياد الصغار: فالخنان (1) والأربعون (2) وخميس العهد (3) وسبت النور (4) وحد الحدود (5) والتجلي (6) وعيد الصليب (7) . وأما اليهود فقد قيل: إن أعيادهم خمسة، يسندونها إلى التوراة وهي: (1) عيد رأس السنة يعملونه عند رأس سنتهم وينزل عندهم منزلة عيد الأضحى عندنا.
(2) وعيد صوماريا وهو عندهم الصوم العظيم الذي فرض عليهم صومه ومدته خمس وعشرون ساعة، (3) وعيد المطل (4) وعيد الفطير (5) وعيد الأسابيع - وهذه الثلاثة الأخيرة حجوج عندهم - والذي أحدثوه بعد الخمسة عيد الفور وعيد الحنكة. وأما المسلمون فلنذكر ما اشتهر من أعيادهم على سبيل الاختصار والإيجاز فنقول: قد تقدم أصل مشروعية عيدي الفطر والنحر وأنهما استبُدلا بيومين كان أهل المدينة يلعبون فيهما في الجاهلية وقيل: هما النيروز والمهرجان.
وسبب الاستبدال أنه ما من عيد إلا وسببه إقامة شعار ديني أو تعظيم بعض أئمة الدين أو شيء مما يضاهي ما ذُكر، فكان في هذا الاستبدال محو ما عساه يكون منشأ اللعب في ذينك اليومين من شعار الجاهلية وإقامة سنة سلفهم الضالين وإثبات شعائر الملة الحنيفية وإقامة سَننها، وشرع فيهما مع التجمل والتوسع والفرح والسرور - ذكر الله تعالى وطاعات أخرى تنزهًا عن إمضاء الوقت كله في اللهو واللعب وخلوّه من إعلاء كلمة الله. أحد العيدين يوم الفطر من صيامهم وأداء نوع من زكاتهم، فيجتمع فيه الفرح الطبيعي بالتفرغ من مشقة الصيام، وبتوسعة الأغنياء على أنفسهم وأخذ الفقراء الصدقات، والفرح العقلي بالتوفيق لإكمال العدة والتعرض للمثوبة والأجر وببلوغ الموسم مع النعم في الأهل والمال بالنسبة للأكثرين. والثاني يوم الفراغ من معظم أركان فريضة الحج الواجب على مجموع الأمة، ويقوم به بعضها في كل عام، وتذكار محاولة سيدنا إبراهيم ذبح ولده إسماعيل (عليهما الصلاة والسلام) وإنعام الله تعالى عليهما بأن فداه بذِبْح عظيم.
وناهيك بتذكر أئمة الملة الحنفية والاعتبار بهم في بذل المهج والأموال في طاعة الله تعالى وقوة الصبر، وفيه تشبّه بالحجاج وتنويه بهم وتشويق لما هم فيه. وشرعت في الأول زكاة الفطر وهي واجبة، وفي الثاني الأضحية وهي سنة عند بعض الأئمة وواجبة عند آخرين.
وبهذين النوعين من الصدقة تكون أيام العيدين أيام سعة على الأمة كلها وهو معنى كونها ضيافة الله تعالى، وشرع في كل منهما التكبير والصلاة المخصوصة والخطبة؛ ليجتمع لهم السرور الروحاني والجسماني معًا، وفي العيدين مقصد من أهم مقاصد الشريعة وهو الاجتماع العام للتعارف والتآلف، ومعلوم أنه لا بد لكل ملة من اجتماع في صعيد واحد؛ لتظهر شوكتهم وتعلم كثرتهم؛ ولذلك استحب في العيدين خروج جميع المسلمين إلى المصلَّى حتى الصبيان والنساء، ومن لا يصلي من النساء يعتزلن المصلى ويقفن جانبًا يشهدن المصلين؛ ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يخالف في الطريق ذهابًا وإيابًا؛ ليطلع أهل الطريقين على شوكة المسلمين.
ولما كان الأصل في العيد إظهار الفرح والسرور بالزينة ونحوها استحب فيهما حسن اللباس والتقليس - ضرب الدفوف - وروي عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان - وفي رواية تغنيان - بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث، والنبي صلى الله عليه وسلم متغشٍّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال: دعْهما يا أبا بكر؛ فإنها أيام عيد، وفي رواية: (يا أبا بكر لكل قوم عيد وهذا عيدنا) حديث متفق عليه. وتفصيل القول - فيما يُطلب شرعًا في الأعياد - يراجع في كتب الفقه. ...
...
...
...
...
عبد الحق حقي البغدادي الأعظمي الأزهري __________ (1) (الحج: 67) . (2) المنار: هذه الحكاية من أساطير الفرس الخرافية يتناقلها المؤرخون الذين ألفوا الخرافات.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢