رباط الأسرة والخيل
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
ليست هي خشبة مسرح يؤدي عليها الممثلون أدوارا حفظوها، ويعودون إلى منازلهم ليلا، ليخلو كل منهم إلى نفسه إلى حقيقته التي لا يعرفها إلا الله، ثم هو.وهي ليست مباراة في الدهاء يستعرض طرفاها مهارات الخبث، ويستعرضان قدرتهما على الاستفزاز، ويزهو كل منهما بأنه جعل الآخر يفقد أعصابه أولاً.هي أيضا ليست مؤسسة عسكرية تحكمها قواعد صارمة جامدة مجردة من المشاعر والاعتبارات الإنسانية.كما أنها ليست ديوان شعر عاطفي محتشد بكلمات الحب والعشق والهيام، ولا مكان فيه لصوت العقل ونداء المسئولية.وهي ليست - كما يظن البعض - سجنًا سيقوا إليه قسرا ، وأوصدت دونهم أبوابه فلم يستطيعوا منه فكاكا ، وقضوا حياتهم داخله يحلمون بيوم التحرر .وليست ورطة يعجز المرء عن التخلص منها ، فيظل يتحايل ليتكيف معها ، ويتقبلها دون جدوى ، فيضطر للاستسلام يائسًا ، ويواصل حياته مع الورطة حالمًا بالخلاص في كل لحظة.وهي - كذلك - ليست قيدًا يكبل الحرية، ويغل اليد بالمسئوليات، ويجعل أيام خلو البال ذكريات سعيدة يسري بها المأسور عن نفسه ، ويتمني لو يعود به الزمن إلى الوراء ليعيشها مرة أخرى ، وليست صفقة يربحها من يدفع أكثر ويفوز بها من يملك ، بينما الآخرون يقفون في عجز أمام شروط هذه الصفقة التي تتضاءل دونها إمكاناتهم .ليست الحياة الزوجية الميثاق الغليظ - كلمة الله - شيئا من ذلك ، ولكن هذا ما تصوره لنا الأفلام والمسلسلات، وهذا ما يؤكده واقع كثير من بيوتنا للأسف.فكم من بيوت يتقن أربابها التمثيل ليواصلوا حياتهم ، ويضمرون لشركائهن أو يضمرون لشريكاتهم البغض نادمين على ربط حياتهم بهم .كم من زيجات المرأة فيها تقضي فترة تجنيد إجباري ، وعلى الطرف الآخر زيجات لم تبن على غير الحب ، أو توهم الحب ، وعندما انغلقت الأبواب ، وخرج الواقع من قمقم الحلم انكشف الوهم ، واكتشف الزوجان أنهما لا يملكان ما يصمدان به أمام مسئوليات حياته، ويعجزان عن الاستمرار ، فيسدلان الستار على مسرحية هزلية، وينسحبان محملين بأطنان من الإحساس بالندم والخذلان .وكم من رجال الزواج عندهم نهاية مأساوية لحياة الحرية وأيام الانطلاق ، يتعاملون معه كفريضة اجتماعية يؤدونها كارهين ، فتُظهر تصرفاتهم ضجرهم وضيقهم ، وعندما تحين فرصة الفرار لا يترددون في الهرب، والخروج من الورطة .وكم من فتيات يرفضن صعوبات البداية، ولا يقبلن إلا البدء من حيث انتهت الأخريات اللاتي عشن سنوات طويلة مع القليل، رافعات شعار "خذوهم فقراء" صبورات قنوعات.وهكذا يشوه الإعلام صورة الزواج قيراطًا، ويشوهها المتزوجون أنفسهم أربعة وعشرين ، وتتعدد أسباب هذا التشويه لتكون المحصلة تجارب فاشلة، ونفوسًا معقدة، وصغارًا ضائعين، أو رفضًا قاطعًا للإقدام على التجربة من الأساس ، وبالتدريج تتراجع وتتراجع قيمة الأسرة برونقها الإسلامي الوسطي الجميل، وتفقد مجتمعاتنا أو تكاد ما كانت تزهو به على غيرها ، ويصفق أعداؤنا طربًا ، فقد تحققت أهدافهم ، حققناها نحن غفلة أو عمدًا .كيف نرد لهذه القيمة الرائعة اعتبارها ؟ كيف نتشبث بالبقية الباقية من بيوتنا الأسرية ؟ كيف نحبط المخطط ؟ ونمزق خيوط المؤامرة؟الطريق طويلة، وربما غير ممهدة، ولكن الخطوة الأولي ستجر وراءها قاطرة باقي الخطوات، ولا أحسب هذه الخطوة إلا تربية زواجية واعية يضع المتخصصون أسسها ، ويجعلها دعاتنا ضمن أولوياتهم بحيث لا يخلو درس أو خطبة من التذكرة بأهمية الزواج ، وبسط الحل الإسلامي لمشكلاتنا الأسرية ، ووضع الزواج في إطاره الأشمل، فهو ليس مجرد علاقة مشروعة بين رجل وامرأة ، إنه خط دفاع أول ضد الهجوم على ثوابتنا ، ولا أظن البيوت المسلمة السعيدة أو التي تعرف كيف تتعامل مع مشكلاتها إلا جزءًا من القوة التي طالبنا الله سبحانه وتعالى بأن نعدها لنرهب أعداءه وأعداءنا، كما لا أظن رباط الزواج المؤسس على شرع الله، وعلى أعمدة السكن والمودة والرحمة أقل أهمية من رباط الخيل.