أرشيف المقالات

فضل المدنية العربية على المدنية الغربية

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
للدكتور فيليب حتي أستاذ التاريخ بجامعة برنجستون بالولايات المتحدة خلاصة موجزة لسبع محاضرات ألقاها الأستاذ باللغة الإنجليزية في جامعة سان باولو 5 - نهوض الشعوب العربية الحديثة العالم العربي قطعة متصلة تمتد من مراكش على الأتلنتيكي غرباً إلى العراق على خليج فارس شرقاً تجمعها اللغة والثقافة.
وهي تتألف من وحدات أربع: أفريقية الشمالية، مصر، الجزيرة العربية، والهلال الخصيب فأفريقيا الشمالية هي من حيث الجغرافية جزء من القارة الأفريقية، ومن حيث الثقافة والتاريخ جزء من الشرق الأدنى.
وهي تتميز عن غيرها من الوحدات العربية بقربها من أوربا وبعدها عن قلب الإسلام وقلة الدم العربي في سكانها وكثرة المستعمرين الأوربيين المستوطنين فيها مما جعلها تسير في طريق لنفسها.
وهذه الوحدة الإفريقية هي الأولى التي وقعت تحت النفوذ الأوربي السياسي وانفصلت عن جاراتها المسلمات.
فالروح القومية العربية للآن لم تبلغ فيها حدا عالياً وكانت الجزائر أول بقعة فيها احتلها الأوربيون وهم الفرنسيون وذلك عام 1830.
وتبعها تونس التي احتلها الفرنسيون عام 1881.
أما مراكش فتقاسمها الفرنسيون والأسبان في بداءة القرن العشرين؛ وبقيت طرابلس الغرب في حوزة الأتراك العثمانيين إلى عام 1912 عندما احتلها الطاليان وأطلقوا عليها الاسم الروماني القديم ليبيا.
وستكون ليبيا أول بلاد من هذه الوحدة تتحرر وتستقل بفضل قرار من الأمم المتحدة يقضي بذلك في أول كانون الثاني من عام 1952 ومصر من حيث الجيولوجيا والجغرافيا جزء من أفريقية ومن حيث التاريخ والثقافة جزء من آسيا الغربية.
فمصير مصر في كل أدوارها كان مرتبطا بالبلدان في شرقيها لا في غربيها.
وهي باعتبار سكانها (20 , 000 , 000) وخصب أرضها وغنى أبنائه مقدمة الدول العربية وتطمح إلى الزعامة بينها.
وكان الإنكليز قد احتلوا مصر عام 1882 ولكنها نالت استقلالها الناجز سنة 1936 والجزيرة العربية تمتاز باحتوائها الأماكن المقدسة، مكة والمدينة.
وهي بداعي تقاليدها الدينية وجغرافية أرضها تعيش عيشة منفردة انعزالية غير متأثرة بالعوامل الخارجية.
لذلك انكسرت موجه التأثير الغربي الأوربي بما فيها من قومية وعلمانية ونزعات عصرية حديثة، على شواطئ الجزيرة دون أن تحدث بها هياجاً ملحوظاً.
وفي أوائل الثلاثين من هذا القرن اكتشف الأمريكيون في شماليها - في البلاد السعودية - معادن غنية للزيت ولكن أثر الشركة الأمريكية يكاد يقتصر على بقعة محاذية للخليج الفارسي.
وفيما سوى المملكة السعودية فهنالك مملكة اليمن المستقلة وهذه أيضاً متصفة بالمحافظة على القديم وعدم الإجابة لدواعي المدنية العصرية الحديثة والهلال الخصيب يتألف من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق.
ولقد كانت سورية ولبنان إلى نهاية الحرب العالمية الثانية تحت الانتداب الفرنسي ولكنهما اليوم جمهوريتان مستقلتان.
وكانت فلسطين وما وراء الأردن والعراق تحت الانتداب الإنكليزي.
ومقاومة الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان ونشط الروح القومية الوطنية، كما أن مقاومة الانتداب الإنكليزي في سائر بلدان الهلال الخصيب ومقاومة الصهيونية نشط الروح القومية فيها.
ولقد كان تقدم العراق السياسي من الانتداب في عام 1918 إلى الملكية عام 1921 إلى الاستقلال والانضمام إلى جامعة الأمم عام 1932 أمراً مذكوراً.
والعراق اليوم مثل مصر حكومته ملكية دستورية وعليه نرى أن الأمم العربية في غربي آسيا التي كانت حتى الحرب العالمية الأولى خاضعة للحكم العثماني قد فازت بين الحربين العالميتين باستقلالها وأخذت تسير في قافلة الأمم العصرية الديمقراطية الناهضة 6 - أثر الغرب الحديث في البلدان العربية ظلت البلدان العربية رازحة تحت الحكم العثماني أربعة قرون (1516 - 1918) كانت بمثابة القرون المظلمة في تاريخها الطويل.
عاش أبناء العربية في هذه القرون محافظين على القديم مقيدين بالتقاليد لا يشعرون بشيء من التقدم الأوربي ولا يهتمون به.
فكان الجمود أهم ميزة لمدنيتهم وجاءت حملة نابليون على مصر عام 1797 بمثابة الهزة الأولى التي أيقظتهم من سباتهم.
وكان نابليون قد جاء بمطبعة عربية من روما فأقامها في القاهرة وأنشأ معها أكاديمية للآداب والعلوم ومكتبة.
فكانت هذه المطبعة أول مطبعة في وادي النيل.
وعقب نابليون في حكم البلاد محمد علي فأرسل البعثات العلمية والحربية إلى البلدان الأوربية ولا سيما فرنسا وإيطاليا، ولم يكتف بذلك بل استدعى من أوربا إلى بلاده ضباطاً وأساتذة وأطباء ومهندسين، وأسس في القاهرة مدرسة طبية وأخرى هندسية.
وكان يحلم محمد علي على بتشييد إمبراطورية عربية يكون هو على رأسها وأثر الغرب الذي بدأ في مصر ما لبث أن امتد إلى سورية ولبنان وذلك في عهد إبراهيم باشا ابن محمد علي في العقد الرابع من القرن التاسع عشر (1831 - 40) فأخذت الرسالات التبشيرية من كاثوليكية وبروتستانتية تشيد المدارس والكنائس فالأمريكيون أسسوا في بيروت عام 1834 المطبعة التي لم تزل تعمل باسمهم.
وفي عام 1866 بنوا الجامعة الأمريكية.
وعلى الأثر شيد اليسوعيون الفرنسيون مطبعتهم التي لم تزل في مقدمة مطابع الشرق وجامعتهم المعروفة في بيروت.
وما لبث أبناء لبنان وسورية أن أقاموا المطابع والمدارس والمكاتب والجمعيات العلمية والأدبية على منوال المنشآت الغربية.
وعقب عصر الترجمة من الإنكليزية والفرنسية عصر الإبداع والاستنباط في الأدب والعلم والفن وكان من نتائج النهضة الأدبية أن تولد الوعي القومي بين أبناء العربية وذلك بعد أن أدركوا بفضل هذه المدارس شيئاً من ماضيهم المجيد وتاريخهم المليء بالمفاخر.
فاليقظة السياسية عقبت اليقظة الأدبية.
وتولدت في أفكار القوم الروح القومية بما فيها من الرغبة في التخلص من الحكم التركي وتقرير المصير والاستقلال السياسي وكان رواد هذه النهضة معظمهم من أبناء لبنان المسيحيين ومن خريجي المدارس الأميركية الذين وجدوا في مصر مجالا أوسع للعمل فأساس النهضة العربية الحديثة إذن أدبي علمي.
وعلى ذلك الأساس تشيدت دعائم الوطنية والقومية العربية.
وكل ذلك بتأثير الموجة الغربية التي نقلت إلى الشرق أفكارا علمانية واقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة.
وكان من أهم الأفكار السياسية فكرة الديمقراطية وتقرير المصير ولم تكن الروح القومية العربية في بادئ أمرها من النوع الإقليمي بل من النوع الشامل.
كان أساسها اللغة والثقافة لا الدين، وكانت ترمي إلى جمع المسلم والمسيحي المصري والسوري واللبناني على صعيد واحد هو الصعيد الأدبي 7 - نشوء القومية والفوز والاستقلال كانت البلدان العربية الآسيوية حتى الحرب العالمية الأولى وحدة مفردة تخضع للحكم العثماني.
على أن تلك الحرب كان من نتائجها تفكك عرى الإمبراطورية العثمانية وسلخ البلدان العربية وتجزئتها إلى وحدات متعددة مما آل إلى تجزؤ القومية العربية البدائية فمصر بعد أن احتلها الإنكليز عام 1882 صار همها الأول التخلص من ذلك الاحتلال.
فأصبح لها مشاكل خاص بها.
وبفضل ذلك أخذت القومية فيها تصطبغ بصيغة محلية موضعية وانفصلت عن القومية العربية الشاملة.
يومئذ اكتشف المصري أنه مصري واتخذ شعاره (مصر للمصريين) وفي عام 1931 نالت مصر استقلالها بعد أن أمضت مع إنكلترا معاهدة لعشرين سنة تخول الإنكليز حق استخدام المرافئ وطرق المواصلات المصرية في أيام الحرب وإبقاء حامية بريطانية على ترعة السويس كذلك سورية ولبنان بفضل مقاومتها للانتداب الفرنسي الذي أصبح مشكلهما الخاص بهما افترقتا عن بقية البلدان العربية وتولدت فيهما روح إقليمية خاصة.
وكان أبناء سورية ولبنان يشكون من عدم اعتبار فرنسا لقوميتهم ومن فرض اللغة الفرنسية عليهم ومن تقسيم البلاد السورية إلى ولايات والسماح لتركيا باحتلال سنجق هاتاي.
فمقاومة الانتداب جاءت بمثابة مسن يشحذ عليه القوميون سيوف وطنيتهم إلى أن أعلن لبنان جمهورية مستقلة وكذلك سورية وذلك عام 1945.
وكان لبنان في الكثير من أحقابه ولا سيما في العهد العثماني يتمتع بمقدار مختلف من الحكم الذاتي أما مشكلة فلسطين التي وقعت تحت الانتداب الإنكليزي فما زاد عرقلته حشر الصهيونية فيه.
وهي الحركة الأجنبية التي اعتبرها العرب بكليتهم حركة اعتداء وظلم.
فالجهاد ضد بريطانيا والصهيونية نتج عنه روح فلسطينية محلية.
وبعد أن ظهرت إسرائيل (1948) ضم الملك عبد الله ما تبقى من فلسطين إلى مملكته وبذلك زالت فلسطين من الوجود وكان الملك عبد الله قد بدأ حياته السياسية الهامة أميراً على ما وراء الأردن وذلك عام 1922 بعد أن طرد الفرنسيون أخاه فيصل من عرش سورية المحدث بيد أن سياسة الانتداب الإنكليزي في العراق جاءت من الطراز المستنير المتساهل، ففي عام 1921 بعد أن فشل الأمير فيصل في محاولته الملكية في دمشق نصبه الإنكليز ملكا على العراق.
وفي عام 1930 تخلى الانتداب البريطاني عن كل حقوقه في هذه البلاد واعترف بالعراق بلاداً مستقلة.
فالعراق سبقت شقيقتها سورية في ميدان التطور السياسي مع أن سورية كانت تسبقها في التقدم العمراني والثقافي والمملكة العربية السعودية هي من صنع ملكها الحالي عبد العزيز بن سعود الذي شيد لنفسه مملكة جديدة منتشرة من الخليج الفارسي إلى البحر الأحمر ومنطوية على معظم الجزيرة العربية الشمالية والمتوسطة.
وهو الذي طرد الملك حسين والد عبد الله وفصيل من الحجاز.
وجاء اكتشاف الزيت بغزارة فائقة في صحاري هاته البلاد حادثاً تاريخيا هاما إذ بواسطته فتحت بعض أطراف البلاد أبوابها لقبول العوامل العمرانية الغربية الحديثة.
ولشركة الزيت الأميركية التي نالت امتياز الاستثمار عام 1933 الفضل في جعل دخل المملكة العربية السعودية أعظم دخل لبلاد عربية في العالم وفيما سوى هذه المملكة فهنالك مملكة اليمن في الجنوب التي لا تزال حكومتها ثيوقراطية وأبناؤها بعيدون عن المؤثرات الخارجية العصرية من علمية وفنية وعلمانية.
فاليمن لا تزال محافظة على القديم بعيدة عن مجاري العمران التقدمي الحديث إن كانت الحرب العالمية الأولى نتج عنها تقسيم البلدان العربية وتجزئتها وتوليد قوميات وطنية فيها فالحرب الثانية جاءت نتائجها عكس ذلك.
شعر أبناء العربية أن مصلحتهم الاقتصادية والسياسية تقضي بجمع كلمتهم وتوحيد أهدافهم فمالوا إلى التعاضد والتعاون والوقوف المحد في وجه العدو الخارجي.
وكان من نتيجة ذلك تأليف جامعة الدول العربية وقوامها مصر وسورية ولبنان والأردن والعراق والبلاد العربية السعودية واليمن.
وللجامعة دستور يكفل لكل دولة فيها الاستقلال التام ويقضي بحل المشاكل بين الأعضاء إذا كان ثمة مشاكل بطرق سليمة ويفرض التضامن على دفع الاعتداء من الخارج.
وللجامعة لجنة سياسية وثانية اقتصادية وثالثة ثقافية.
ومع رغبة الجزائر ومراكش وتونس في الانضمام إلى عضويتها فالدستور لا يجيز ذلك إلى أن تحقق كل واحدة من هذه البلدان استقلالها الداخلي التام ومع أن الجامعة نالها شيء من الكسوف بداعي المعضلة الصهيونية التي تولدت منها إسرائيل فهي الآن تحدد حياتها وتسعى للعمل الصالح الشامل.
وعلى نسبة ازدياد شأن هذه المنظمة في الشؤون الدولية تزداد قسمة الأعضاء فيها فيليب حتي

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢