أرشيف المقالات

الكتب

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
معنى النكبة تأليف الدكتور قسطنطين زريق (معنى النكبة) هو كتاب جديد للدكتور قسطنطين زريق وكتاب الدكتور هذا يذكرنا بكتاب سابق له هو وإنما ينزعان إلى رأي واحد كتاب (الوعي القومي).
وليس الكتابان في موضوع واحد وفكرة واحدة، هي الفكرة القومية، التي يرى فيها الدكتور من دون غيرها فكرة الخلاص للشعوب العربية في جميع أقطارها ومع أن كتاب (معنى النكبة) يقوم على الفكرة القومية إلا أنه كتب عن الوضع الحضر في فلسطين.
وعنوان الكتاب يدل على أن الدكتور يعتقد (ونحن نوافقه) أن ما وقع في فلسطين كان نكبة بكل ما في الكلمة من معنى.
بل هو يقول: إنها جاءت (محنة من أشد ما أبتلي به العرب في تأريخهم الطويل على ما فيه من محن ومآس). ويتناول الدكتور في كتابه هذا الصغير، الذي ينشره في وقت ملائم، مواضع تدل عناوينها بعض الدلالة على ما فيها؛ فهو يبدأ بالحديث عن (فداحة النكبة) ثم يتحدث في فصل آخر عن (معنى النكبة) في هذا الباب وعن (الحل الأساسي) و (المعالجة القريبة) لدرع هذه النكبة التي حلت بالعرب. وكان المؤلف قد كتب قبل أن ينشر هذا الكتاب فصلين أذاعهما قبل ظهور الكتاب: أحدهما عن (الصراع بين المبدأ والقوة في قضية فلسطين) والآخر عنوانه (لماذا نجاهد في فلسطين). وأنت تقرأ الكتاب كله فتشعر بميزتين أو ثلاث له، تبرز بروزاً واضحاً لا غموض فيه: فأما واحدة من هذه الميزات فهي أن الكتاب يعبر تعبيراً تاماً عما يجول في خاطر الناس بعدما وقع في فلسطين.
فالناس بعد هذا الذي وقع تبلبلت أفكارهم وتحيروا ماذا يقولون.
وقد عبر المؤلف تعبيراً صادقاً وآلم به إلماماً موفقاً.
وميزة أخرى للكتاب هي أنه ينظم البحث تنظيماً يدل على فكر منظم وعقل مدبر.
وقد عرف هذا عن الدكتور زريق في تأليفه، ويظل ما عرف عنه صحيحاً في هذا الكتاب الصغير.
وميزة ثالثة للكتاب نوردها لأننا نتحدث عنه لا لأنها كبيرة الأهمية وعي الوضوح في التعبير، والجمال الطبيعي في الأسلوب والجدة في الأداء؛ صفات تستهويك حين تطالع فصول الكتاب فتكسبه عند عامة القراء قوة على إبلاغ الرأي الذي يراه المؤلف إلى ذهن القارئ في يسر وإمتاع. وعندما يتحدث الدكتور زريق عن (معنى النكبة) التي حلت بالعرب في قضية فلسطين، يقول شيئاً يجد القارئ العادي صعوبة في إدراكه، ولكنه صحيح وإن كان مطبوعاً بالطابع النظري المحض.
فالدكتور يقول: أن النكبة تقاس بمقدار تأثيرها في نفسية الشعب العربي.
فإن هي أرهقت هذه النفسية وشلت قدرتها على الصمود في وجه التعسف والإغراء، وإن هي مكنت لقوى الرجعية العربية من السيطرة انهزمت أمام هذه القوى، وإن هي لم تثر مواطن الضعف ولم تحتفظ بعناصر القوة فقد وقعت كنكبة، وإن كان الأمر على العكس من ذلك فلم يرهق النفس العربية ولم تشل قدرتها على الصمود في وجه الظلم ولم تهن أمام قوى الرجعية والإغراء، عادت وكأنها ليست نكبة وإنما كانت مناسبة لتنقية جوهر الأمة العربية وبلورة كيانها.
وهذا مله صحيح وإن لم أشعر أن المؤلف الكريم وفق كل مرة إلى وصف الطريقة التي تمكننا من أن نصمد لما حل بنا، وأن تخرج منه بعبرة للمستقبل بحيث يخرج كما قال (من العسر يسر ومن النكبة بذور ظفر) وسأبين ذلك عن قريب، لأنني أحب في هذه اللحظة أن أتحدث عن أهم ما تناوله الكتاب، وأهم ما جاء به في نظري هو الحل الذي يراه للنكبة التي وقعت بفلسطين، وهو يقسم الحل إلى قسمين: أحدهما (المعالجة القريبة) والآخر (الحل الأساسي) وكلا الموضوعين هام تطالعه في شغف وسرعة وهو يرى أن المعالجة القريبة تقوم على أركان خمسة: هي تقوية الإحساس بالخطر، وتجنيد قوى الأمة الحربية بكاملها وتحقيق أكبر قسط من التوحيد الممكن بين الدول العربية في ميادين الحرب والسياسة والاقتصاد وسواها.
والركن الرابع هو إشراك القوى الشعبية في النضال، أي لا يقتصر الجهاد على الحكومات والجيوش النظامية، والركن الخامس في الجهاد العربي لحفظ فلسطين هو استعداد العربي للمساومة، وللتضحية ببعض المصالح لدرء الخطر الأكبر. هذه هي الأركان الخمسة عند الدكتور زريق للمعالجة القريبة لقضية فلسطين، وهو يشرح كل واحد من هذه الأركان شرحاً وافياً لا مجال للخوض فيه ههنا، وأنا أثق على كل حال أن القارئ الكريم سيعرف شيئاً من المقصود بهذه الأركان من مجرد ذكر عناوينها، وذلك لثقافة الناس العامة الآن بقضية فلسطين وبقضايا بلادهم.
ولا أتعرض لأي واحد من هذه الأركان اللهم إلا لركن المساومة السياسية هذه، التي يتحدث عنها الدكتور، على أساس موجب أشد الوجوب للنقد، وسأوضح لك ذلك عما قريب. أما المعالجة البعيدة لقضية فلسطين، أو الحل الأساسي فيتطلب عند المؤلف (حرباً مديدة الأفق بعيدة الأجل) وتبدلاً (أساسياً في الوضع العربي، وانقلاباً تاماً في أساليب تفكيرنا وعملنا وحياتنا بكاملها) أنه يتطلب (كياناً عربياً قومياً متحداً تقدمياً) (وإنشاء هذا الكيان هو الركن الأول للجهاد العربي البعيد) ثم يمضي الأستاذ فيشرح كل واحدة من هذه الصفات التي يجب أن يتصف بها الكيان العربي.
وهو يلاحظ أثناء هذا الشرح أن أساليب تفكيرنا ما تزال عتيقة وأننا لا نساير الزمن فنأخذ مما في الحضارات الإنسانية من قيم عقلية وروحية. ولو أردنا تقريب الحل لقضية فلسطين من أذهان القارئ الكريم لقلنا إن الدكتور زريق يضع أركاناً خمسة لكل من الحلين القريب والبعيد لقضية فلسطين.
ومجموع ما يريد من كلا الحلين يتلخص في خلق أمة عربية على طراز الأمم الغربية.
ويشمل ذلك القوة العسكرية والقوة العلمية والخلقية والاقتصادية وبعض هذه القوى يحتاج إنشاؤه إلى زمن طويل.
والذي أراه أن أعجل ما يمكن أن يأتي بنتيجة من آراء الدكتور هو ما أسماه (المساومة) فالواقع أن هذا سلاح ماض جداً في أيدي العرب إذا سددوه إلى ناحية أصاب الهدف وأصمى. فالعرب يشبهون في حالهم السياسي الحاضر وضع اليهود بين حزبي الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا أو وضع حزب الأحرار بين حزبي العمال والمحافظين في بريطانيا - فإذا مالوا بثقلهم مهما هان شأنه على ناحية من ناحيتي الكتلتين العالميتين اليوم، رجحت كفته بثقلهم وأنتصر على خصمه.
وهذا السلاح الماضي لا يقتضي إلا اتفاق الرأي بين العرب في جميع أقطارهم على الناحية التي يرجحونها.
وهم غير مضطرين حين يرجحون كف أن يظلوا على موقفهم زمناً طويلاً.
بل الواجب يقضي أن يعدلوا موقفهم بحسب الظروف تعديلاً ملائم مصلحتهم كأمة.
وهذا السلاح الماضي من أسلحة المعالجة القريبة يستطيع العرب أن يفيدوا منه منذ الآن، أنه لا يحتاج إلى مثل ما تحتاج إليه الأسلحة الأخرى من استعداد طويل ووقت بعيد، ففي العرب اليوم فئة من الساسة المحنكين الذين يفهمون التيارات السياسية العالمية وما يحمل في طواياها من مغازهم قادرون إذا أخلصوا أن يوجهوا شعوبهم معهم إلى الناحية التي يجدون فيها الخير لهم. وهنا أستطيع أن أوضح لك الخطأ الكبير الذي أرتكبه الدكتور زريق حين تحدث عن أحد أركان المعالجة القريبة وهو (المساومة)، وحين شرح لقرائه معنى كلمة (تقدمي) التي وصف بها الكيان العربي الذي يريده.
قال الدكتور أن الخطر الصهيوني لا يرده إلا كيان عربي قومي متحد تقدمي.
وهو حين تستعمل هذه الصفة (تقدمي) يقول (أن قوميين إذا أرادوا أن يحاربوا الشيوعية حقاً فسبيلهم الوحيد أن تكون قوميتهم مجارية لقوى الزمان (ص48) فمحاربة الشيوعية عند الدكتور إذن إرادة صميمة يدل الناس على السبيل الوحيد إليها.
ولكنه حين تحدث عن أركان الجهاد العربي لحفظ فلسطين تكلم عن استعداد العرب للمساومة مع الدول الأخرى على أساس تبادل المصالح والمنافع.
وهذا حق في نظرنا.
فإذا أراد أن يبسط معنا للقارئ قال: (لا نحالف مثلاً الدول الديمقراطية على الشيوعية ونضطهد الأحزاب اليسارية في بلادنا لوجه الله وجرياً مع الصداقة أو لمجرد التخاذل) أن الاستعداد للمساومة على الحقوق المتبادلة عنصرها من عناصر الجهاد العربي كما ذكرنا والعرب يفتقرون إلى استخدامه كل الافتقار، والعالم الآن منقسم إلى قسمين فقط: الديمقراطية والشيوعية.
فإذا نفى الدكتور قابلية المساومة مع الشيوعية لأننا يجب أن نحاربها كما سبق، فلم يبقى معنا من طرف نساومه إلا الديمقراطية، فإذا أدركت الديمقراطية أن المساومة لا تكون إلا معها بكل معنى المساومة وتعنتت الديمقراطية معنا فأخذت منا دون أن نأخذ منها، وهذا هو السر الأكبر للضعف في موضوع فلسطين في الوقت الحاضر، والدكتور لا يخلصنا منه، وأني أثق أن المؤلف فعل ذلك عن نية حسنة. وبعد فقد قال الدكتور في مقدمة كتابه (لست أدعي أني في هذه الدراسة قد (اخترعت البارود) وإنما هي محاولة لتصفية تفكيري في هذه الأزمة الخانقة).
والحق أن الكتاب لا بد وأن يكون قد أحدث صفاء في التفكير عند القراء الذين طالعوه في الوقت الذي يجب أن يطالعوه فيه.
والفضل في ذلك يعود إلى المؤلف الكريم. 1 - بناء دولة - مصر محمد علي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢