الشهداء تحرسهم السماء أم تأكلهم الكلاب؟
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الشهداء تحرسهم السماء أم تأكلهم الكلاب؟الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن للشهيد عند الله عز وجل منزلةً عاليةً، ومكانةً ساميةً، وثوابًا عظيمًا، وفضلًا كبيرًا، وقد دلَّ على ذلك كتاب ربنا، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في آيات كثيرة، وأحاديث وفيرة، منها، قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آل عمران: 169، 170].
ومن السنة: ما صحَّ عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُحلَّى حلَّة الإيمان، ويزوَّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتةُ منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنسانًا من أهل بيته؛ رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يجد الشهيد من مسِّ القتل، إلا كما يجد أحدكم من مسِّ القرصة.
وعن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله"؛ رواه الحاكم، وصحَّحه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كان الشهيد في هذه الدرجة الرفيعة، وإذا كان قد ارتقى إلى الله شهيدًا، فلماذا تنال منه أيدي الأعداء، ولماذا تتركهم السماء، تنهشهم الكلاب، ولماذا لا تحفظهم عناية الرحمن من عبث الطغيان، وبطش الغلمان؟
وللإجابة عن هذا السؤال:
نقول بعون الله وحده: إن حياة الإنسان هى أغلى ما يملك في هذه الحياة، وإذا كان الإنسان قد بذل حياته رخيصةً في سبيل مرضاة ربه، فلا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، أما التمثيل بجثث الشهداء، وعدم دفنها، وعدم تمكُّن البعض من الصلاة عليها، ومواراتها الثرى، وربما تأكلها الكلاب، وربما حيوانات أخرى تنهش جثامين الشهداء وتفتك بهم.
فمن المعلوم أن كل أذى ينزل بجثمان الشهيد هو أجر جديد، فإذا نهشته الكلاب فهذا أجر جديد، وإذا مَثَّل الأعداء بالجثمان، فهذا أجر فوق الشهادة، وإذا ترك الجثمان حتى تحلل وفاحت منه رائحة كريهة، فهذا أجر فوق الشهادة، وإذا لم يجد الشهيد من يواريه الثرى فهذا أجر شهادة أخرى؛ لأن الله عز وجل أخبرنا أن ما يصيب المسلم من هَمٍّ أو غَمٍّ أو أذًى إلا كفَّر الله عنه من خطاياه، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، كما ثبَت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل"، وقال: "يُبْتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه"؛ رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح.
فما ينزل بجثامين الشهداء من بلاء يضاعف الأجر والثواب، ويُكفِّر السيئات، ويرفع الدرجات، ويباعد من الخطيئات، ويضاعف الحسنات.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.