أرشيف المقالات

شوقيتان لم تنشرا في الديوان

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
8 بقلم محمد عدنان حسين قرأت في العدد (992) من مجلة الرسالة الغراء مقالا للأستاذ عبد القادر رشيد الناصري بنفس العنوان الذي أكتب به مقالي. كان عنوانا أثار الرغبة الجارفة في حتى لم أستطع أن أبدا بمطالعة المجلة من أولها، وإنما استعجلت الأمر وقلبت صفحاتها إلى أن وقفت على المقال المذكور، وطفقت أقرأها بلهفة.
وكيف لا؛ وأنا الآن أمام عقدين لؤلؤيين سأمتع ناظري ببهجتهما، ومنهلين عذبين سأغذي روحي بسلسالهما الخصب. كنت أنساب مع أفكاري في القصيدة دون ما شعور خارجي وكأن جميع أوصالي انقلبت مشاعر، وحلقت طائرة في جو فسيح من المتعة والنشوة حتى انتهيت منها فجأة وامتد بصري إلى ما بعدها لأنها من غدير الثانية ما يطفئ أوامي بعذوبتها، ولكن كلمة (العدد القادم) صدمتني وتمنيت أن لو نشرت القصيدتان معا حتى لا ينقطع عليّ حبل هذه اللذة الروحانية، وكان عزائي أن موعد العدد القادم قريب. وتلقفت العدد التالي (993) بنهم وملت على الشوقية الثانية لأسبغ على نفسي من رونقها غلالة سحرية تجعلني. ولم تكن التوطئة التي قدم بها الأستاذ الناصري لمقاله لتزيدني إعجاباً بأمير الشعراء، فلقد ملك عليّ كل عواطف الإعجاب منذ أمد طويل، ولا عجب فهو يضطر كل مكابر إلى الاعتراف بعظمته ومكانته في ذروة الأدب. وإنني لأذكر تماما أنني كنت من المكابرين الذين يأبون أن يعترفوا بأن (شوقي) هو حامل لواء الشعر منذ أكثر من عشرة قرون، وكنت أفضل عليه المرحوم (حافظ إبراهيم) شاعر النيل؛ ذلك لأنني قرأت ديوان (حافظ) وأعجبت به وأحتل في قلبي مكانة سامية قبل أن أطلع على بحر (شوقي) الزاخر وأمواجه المتلاطمة في حال الانفعال والقوة، أو حين تتلاعب النسمات الرقراقة.
وإنما كنت قد اجتزأت ببعض النتف من شعره، وعلمتني هذه التجربة ألا أطلق الحكم اعتباطا قبل الدرس والتدقيق. ولأعد إلى الحديث عن الشوقيتين اللتين أزفهما الآن إلى إخواني قراء الرسالة الغراء نز عند رغبة الأستاذ الناصري، ولأنني أعلم أن النفوس صادية إلى السلسبيل القراح: الفرق بين الشوقيتين اللتين نشرهما الأستاذ الناصري، وهذه التي أنشرها الآن على صفحات (الرسالة) الزهراء هو أن الأوليين ترف طيور البشر في سمائهما، وترن ألحان السرور في جوهما، لأنهما قيلتا في مهرجانين شارك أمير الشعراء القائمين عليهما في التفاعل مع تموجات الأعراس والانطباع بقالب الفرح، وهذه إنما هي موجات من الأسى تجتاح النفوس، وأنغام بائسة مصطدمة بقوة الأقدار لأنها قيلت في رثاء (الخديوي توفيق). لا عجب إذا انتحى أمير الشعر زاوية الحكمة في عبقريته ليغرف منها ما عركته به تجارب الحياة ويلبسه برد الوعظ ويبرزه للملأ الغافل الغارق في غفلته القاتلة حتى يوقظ النفوس النائمة من سباتها، ويجعلها تنتفض أمام هذا التذكار الذي يهزها هزا: الموت: القضاء: الحساب: كلها بيد الله.
الكون ما أحقره أيها الغافلون: وبئست الحياة فيه. بئست الدار دارنا بكت المولود من قبل علة للبكاء حسنت نارها وساء قراها ...
هل رأيت المجوس في الظلماء بينما القوم موقدوها صباحا ...
إذ تراهم وقودها في المساء) حديث يطول! ولكنني أكتفي بما قلت لأقدم إلى إخواني القراء هذه المرثية التي حرم منها ديوان أميرنا لعل بها ما يرجونه.
وسأقدم لهم في العدد القادم شوقية أخرى خلا منها الديوان.
.
إن شاء الله! وهذه هي القصيدة. رثاء الخديوي توفيق بين ماضي الأسى وآتي الهناء ...
قام عذر النعاة والبشراء نبأ معذر نفي بعضه بع ...
ضا فكان السفيه في الأنباء سر من حيث شاء كل مصاف ...
ساء من حيث سر كل مراء ما نظرنا محمداً في فتاه ...
إن غفرنا الضراء للسراء هابنا الدهر فيه حيا وميتا ...
فأتانا من دائنا بالدواء وعزاء البلاد أن يخلد الم ...
لك ويحيى الآباء في الأبناء لهف نفسي على نظام نعيم ...
حله الدهر باليد العسراء كل شيء إلى شتات ويبقى ...
في التئام جماعة الجوزاء بئست الدار دارنا أبكت المو ...
لود من قبل علة البكاء حسنت نارها وساء قراها ...
هل رأيت المجوس في الظلماء بينما القوم موقدوها صباحاً ...
إذ تراهم وقدوها في المساء وثراها بينا يرى المرء منه ...
ذا وطاء حتى يرى ذا غطاء عاذت الطير منه بالجو لكن ...
علقت من حبالها بهباء ود (لازار) يوم أحياه عيسى ...
لو تذوق المنون طعم الفناء وهوى يوم عاود لموت لو لم ...
يحيه للردى فتى العذراء ولو أن الفرار في وسع نفس ...
لزم العرش صاحب الإسراء إن سر الحمام في النفس سار ...
وقصاري الطبيب في الإفشاء فهو الداء واحد ورثته الن ...
اس عن آدم وعن حواء والذي ارتاحت العقول إليه ...
زخرف من وساوس الحكماء (في أمان النعيم توفيق مصر) ...
فرع خير الولاة والأولياء يا جمادى ألم يكن كل بدر الأ ...
رض يفدي بنصف بدر السماء يا جمادى أما ترى حاضر الب ...
درين عطلا من السنى والسناء يا جمادى فجعت فيه أباه ...
رجباً صاحب اليد البيضاء يا أميري أبا أميري المفدى ...
من لشعري بذلك الإصغاء أسهرتني النون فيك ونامت ...
لا خلت علينها من الأقذاء وأطارت عن المضاجع جنبي ...
أسكن الله جنبها كل داء أعجلت منك مصدر العدل والإح ...
سان والحلم والتقى والسخاء من رأت مصر ملكها مطمئن الم ...
هد فيه وفي ابنه بالوفاء قام بالأمر والبلاد بلا ما ...
ل وشمل الأمور ذو أجزاء جاو العصر فخره ببنيه ...
وفخار المصري بالقدماء فبنى للبلاد للعلم دوراً ...
تتباهى بالفتنة النجباء وأبى أن يقال عن مصر والأه ...
رام فيها تضن بالبناء ويحول المحراث من هرم بي ...
ن ثراها الوافي وبين الثراء ويرى الناس أن فلاح هذا العص ...
ر فلاح غابر الآناء فحباها دار الفنون وحيا ...
ها بدار الزراعة الفيحاء ومحا السخرة التي عهدها عه ...
د قيام الأهرام في الغبراء ليس للناس بعد خطبك رأي ...
يا مبيد الخطوب بالآراء علم السلم عند رأسك ساهي ال ...
طرف باك بالعبرة الحمراء أمسك النعش منك سيفا مهيبا ...
طاهر النصل زاهداً في الدء وذوى فيه منك روض كريم ال ...
غرس داني مواقع الأفناء وانطوت فيه منك شمس تجلى ...
عند تهطال خمسة الأنواء ملأ النعش منك والكفن الأط ...
هر ملء السرير ملء الرداء ما هممنا بأن نفديك حتى ...
نقض الدهر فيك عهد الفداء وبعثنا لك الرجاء طبيباً ...
فنعوه إليك قبل اللقاء لا جزلا الله قصر حلوان خيراً ...
وجزى عابدين خير الجزاء ذاك أخفى عنا سناك وهذا ...
بفتاك السامي العلي في أزدهاء أعذرت يوم أنذرت فتلقت ...
ك ونار الفراق في الأحشاء شاد توفيق مصر ما شاء ومن فض ...
ل وعدل لقومه وعلاء وأبى الدهر سرعة فيه إلا ...
أن يتم الله نظام البناء هو ذا الدهر عند بابك ألقى ...
عذره فاعف لا بعد للرياء وتجلد لأجل مصر فلولا ...
ك لماهم قلبها بالعزاء واحمل السيف والبس التاج وارق ال ...
عرش وانهض بالدولة العلياء وزد الملك من شبابك حسناً ...
وأثر عصره بذاك الذكاء فكفى الوقت مرشداً لك ترقى ...
فيه مرقى ملوكه العظماء وكفى العلم منك أنك تدري ...
كيف ترقى البلاد بالعظماء فأعد دولة المنابر فينا ...
إن هذا الزمان بالخطباء وارع قانوننا الرحيم وخذه ...
مستضيئاً بأشراف الأسماء أنت إن أحصيت لغات البرايا ...
ترجمان الزمان في الفصحاء زرت ما زارت النجوم من الأ ...
رض وفارقته مقيم الثناء فسبرت الزمان أرضا وناسا ...
وقلوب الملوك والأمراء وتركت الورى يقولون لا يت ...
رك هذا الأمير للأذكياء لك عند الملوك منزلة في الس ...
حب فاغنم رعاية الأصفياء وتعزز برب (يلدز) حامي ...
حوزة الدين قدوة الخلفاء إن (عبد الحميد) سيف نضته ...
آل عثمان (هاشمي) المضاء صدق الوغد مصر فيك ومازا ...
ل حفيا بآلك الكرماء ورأى فيك رأى نور من الصد ...
ق جديراً بذاتك الغراء لك شورى أبيك تلقى صوابا ...
في مائي رجالك الأمناء إن تحرر عقولهم تملكك الآ ...
راء والنيرات بالأضواء ولك المجلس الرفيع جلاه ...
أبلج الرأي مكرم الوزراء بايع الجيش منك إسنكدر الأك ...
بر في البأس والنهى والفتاء ضاحك السن لا بتسام المواضي ...
مائل العطف لاهتزاز اللواء إن خيلا حملن (سوز ستريس) الع ...
صر أولي الجياد بالخيلاء ضاقت الأرض عن جلالك في السل ...
م فماذا تركت للهيجاء حبذا الجند أنهم يا ابن (إبرا ...
هيم) أبناء صحبة الأقوياء قمت فيهم قيام جديك من قب ...
لك في يومي الندى والفداء وعلى الآل من علاك جلال ...
وكذا الرأس زينة الأعضاء وحواليك (كامل) الفضل والص ...
نو (علي) متوجا بالبهاء دام يرقي في ظل ملكك بدراً ...
في ذرى السعد ساطع اللألاء وتهنأ بالنعمتين وفاخر ...
بسماء أعظم بها من سماء وطني قبلتي وأنت إمامي ...
بك فيها لوجه ربي إقتدائي راعني وارعني وكن لي أصفى ...
لك حبي وخدمتي وولائي ولساني فإنه لك إرثا ...
عن أبيك اشتراه بالآلاء أنت مصر ومصر أنت فدوما ...
أبداً في رفاهة ووفاء جبلة سوريا محمد عدنان حسين

شارك الخبر

مشكاة أسفل ١