أرشيف المقالات

مدخل إلى الهدى والهداية

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
مدخل إلى الهدى والهداية

الحمد لله الذي امتنَّ على الناس بشرعهِ، وبعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بشيرًا ونذيرًا، وجعل الهداية منةً منه وفضلاً؛ فقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]، وقال تعالى: ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]، وما من نعمة أنعمها الله على خلقه إلا منة منه؛ يقول تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، ويقول سبحانه: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 5]، ويقول جلَّ وعلا: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ [طه: 37]، ويقول تبارك وتعالى: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، فندرك من هذا أن نِعَم الله من هدى وتوفيق وسداد وعلم وعمل وأجر وثواب إنما هي من الله وحده، يمنُّ بها على من يشاء من عباده بفضله وكرمه وتوفيقه، ويحجبها عمن شاء منهم بعدله وحكمته.
 
وعليه، فإننا إذا طلبنا الهدى والعلم وجب علينا - قبل السعي إليه وعند السعي فيه - أن نلجأ إلى الله تبارك وتعالى، وأن نسأله الهدى والتوفيق إلى الصواب، وأن يجنِّبنا الفتن والشبهات التي قد تعصف بيقيننا، إذا كنا في أول الطريق لم نزَلْ بعد ضعافَ الإيمان واليقين، قليلي العلم، ضعاف الحجة، فإنه لولا الله ومنته وتوفيقه لما كنا مسلمين أصلاً، ولو كنا، لَمَا كنا مسلمين حقًّا، ولو كنا، لما أمِنَّا أن تضلنا أنفسنا وشهواتنا وشبهاتنا بعد إذ هدانا الله؛ يقول سبحانه: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56]، ويقول - جل وعلا - على لسان عباده الصادقين المخلصين المتوكلين الخاضعين: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]، ويقول نبيه صلى الله عليه وسلم: ((القلوب بين إصبَعين من أصابع الله، يقلبهما كما يشاء))[1]، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دِينك))[2]، كما أوجب الله علينا دعاءه في اليوم سبع عشرة مرة؛ فنقول: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، في كل ركعة من كل صلاة مفروضة، هذا غير النوافل، وما ذاك إلا لعظم هذا الأمر، ولأنه أساس الإيمان، وسبب وجوده وبقائه، ثم الموت والبعث والجزاء عليه؛ ولذا فإن الله يهدي المخلصين الصادقين الراجين الباحثين عن الحق، لا المجادلين المتنطِّعين المتبارزين بالقول، الباحثين عن شهرة أو تعالُم، وكذا يهدي المتوكلين عليه لا على فطنتهم وذكائهم وعقولهم.



[1] سنن الترمذي: 2140.


[2] الحديث السابق.

شارك الخبر

المرئيات-١