إلى معالي وزير المعارف
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
التعليم الزراعي
- 2 -
دعوتك لما يراني البلاء ... وأوهن رجلي ثقل الحديد وقد كان مشيهما في النعال ...
فقد صار مشيهما في القيود وكنت من الناس في محفل ...
فها أنا في محفل من قرود فلا تسمعن من الكاشحين ...
ولا تعبأت بعجل اليهود وكن فارقاً بين دعوى أردت ...
ودعوى فعلت بشأو بعيد (المتنبي) المستقبل: وهكذا تتكبد الدولة ستين وخمسمائة جنيه في السنة للمكتب الزراعي الواحد، أي حوالي خمسين جنيهاً للتلميذ الواحد في السنة، أي خمسين ومائة في السنوات الثلاث لينتهي بعدها إلى جهل مسطور في شهادة يسمونها (الدبلوم)، ثم يُلفظ إلى الشوارع والطرقات يتسكع يطلب الوظيفة كدأب أي طالب تخرج في مدرسته ليزداد به عدد العاطلين عاطلاً آخر. وقد تنفرج شفتا الحياة لواحد منهم عن ابتسامة فيجد عملاً فما يلبث أن يبدو جهله، وكثير منهم طردوا من الدوائر والضياع وشرّدوا ولم يبق منهم إلا من أصاب عملاً في مدارس الزراعة المتوسطة. والآن حين أسفرت التجربة عن إخفاق يندى له الجبين، قام ناس ينافحون عنها، ويريدون أن ينشروا الفكرة وينشئوا مكاتب أخر إشفاقاً على أنفسهم أن تجتاحهم العاصفة. مشروع جديد: إلى هنا هوى المشروع بين يدي النقد الصريح، وما كان لي أن أهدم مشروعاً دون أن ألتمس له طريقاً يسلكه صوب النجاح.
وبينا أنا أفتش عن طريق الإصلاح إذا بالجرائد تطلع علينا تقول: (أشرنا من قبل إلى رغبة وزارة المعارف في تيسير التعليم الزراعي لتلاميذ المدارس الإلزامية وقد انتهت إلى وضع النظام التالي على أن يعمل به ابتداء من السنة الدراسية القادمة. أولاً: يلحق تلاميذ المدارس الإلزامية بالمدارس الزراعية المتوسطة ليتمرنوا تمريناً عملياً في أقسامها المختلفة كالحقل ومعامل الصناعات الزراعية ومعامل اللبن. ثانياً: أن تكون مدة الدراسة خمس سنوات: اثنتان إعداديتان والسنوات الثلاث الباقية يوزع فيها التلاميذ للتخصص بأحد القسمين وهما: قسم الحقل ويشمل معمل الألبان وتربية الحيوانات.
وقسم البساتين ويشمل الصناعات الزراعية وتربية النحل ودودة القز. ثالثاً: ألا تقل سن التلميذ عند الدخول عن 13 سنة ولا تزيد على 15 سنة وبشرط أن ينجح في كشف الهيئة والكشف الطبي). (الأهرام، 381940) فقلت: لا جرم، فقد تكسر المكتب الزراعي القديم ليكون هذا المشروع مكتباً زراعياً أخراً من نوع جديد، وهالني أن (يلحق تلاميذ المدارس الإلزامية بالمدارس الزراعية المتوسطة) لأمور أفصلها فيما يأتي: أولاً: لأن التعليم الإلزامي يعم القطر المصري كله، والمدارس الزراعية المتوسطة في دمنهور وشبين الكوم ومشتهر والمنيا فحسب؛ فكيف يستطيع التلميذ الإلزامي في قنا أو جرجا أو كفر الشيخ أو كوم حمادة - مثلاً - أن يأخذ قسطه من التعليم الزراعي الجديد ونحن نعلم أن تلامذة الإلزام فقراء لا يستطيع الواحد منهم أن ينأى عن أهله، وإن استطاع هو فلن يرضى أبوه وهو في حاجة إليه شديدة، وإذن لا يمكن أن ينتشر هذا التعليم بين تلامذة الإلزام في سهولة وبتكاليف قليلة.
وإذا قيل إن هذا المشروع ستغذيه فئة قليلة ممن يستطيعون.
فقد ضاعت الفائدة المرجوة؛ وانمحى مبدأ (التيسير) الذي تنشده الوزارة. ثانياً: لأن إجازات التعليم الإلزامي - ولاسيما في القرى - مرتبطة بمواسم الزراعة فالتلميذ هو عضد أبيه.
ولقد جاء في أهرام 2771940 ما يأتي: (وافق معالي وزير المعارف على تعديل نظام الإجازات بمدارس الزراعة المتوسطة ابتداء من أول السنة القادمة بحيث لا تقع هذه الإجازات أثناء المواسم الزراعية المهمة فيفوت على الطلبة ما يمكن أن يفيدوه من خبرة ودربة على الزراعة العملية تحت إشراف أساتذتهم).
ولا ريب فهذا قانون يسري على كل طالب وتلميذ في المدارس الزراعية ومن بينهم تلميذ الإلزام، فهل يا ترى، يضحي الأب بقوته، أم تضحي الوزارة بالفائدة؟ ثالثاً: لأن تلاميذ التعليم الإلزامي سيخلقون في المدارس الزراعية فوضى يحق لي أن اسميها (فوضى الاضطراب) أو (فوضى التوسع).
ذلك لأنهم لا يستطيعون أن يقوموا بما يقوم به الطالب الزراعي في حين أنهم يقفون معاً جنباً إلى جنب فالطالب الزراعي يستطيع أن ينهض بأعباء الدراسة في سهولة لأنه نال حظاً من الثقافة المتوسطة، وأن ينتظم في الدراسة في غير عنت لأنه كرس حياته لهذا النوع من التعليم، وأن يدفع المصروفات لأنه غني.
أشياء تعضل كلها على التلميذ الإلزامي. ولعل إنساناً يقول: إن التلميذ الإلزامي سيتعلم مجاناً.
لا بأس وإذن يجب أن يتعلم الطالب الزراعي بالمجان أيضاً، وإلا فعلى أي أساس تكون التفرقة بين هذين التلميذين.
فإن اعترض إنسان بقوله إن لكل منهما عملاً.
قلت: وكيف يضمهما بناء واحد يشعر أحدهما بالكبرياء والترفع ويشعر الآخر بالضعة والذلة؟ وكيف يضم بناء واحد فئتين من التلاميذ يدرسان فناً واحداً غير أن إحداهما دون الأخرى.
لا مرية، فهذا عمل تأباه الإنسانية وإذن لابد أن ينفصل أحدهما عن الآخر. وهنا ينهد هذا المشروع الجديد قبل أن يبدأ. رابعاً - لأن (فوضى الاضطراب) أو (فوضى التوسع) تبدو للعين واضحة جلية حين نرى أن ناظر مدرسة الزراعة المتوسطة سيشرف على المدرسة الجديدة والمدرسة القديمة وتلامذة الإلزام ولكل فئة من هؤلاء منهج ونظام، ثم الحقل والعمال والمخازن والآلات و.
مما ينوء بالعصبة أولي القوة.
ولكن الشغف بالشيء يعمي عن الحقيقة البينة. الإصلاح: إن نشر التعليم الزراعي بأقل التكاليف وأبسط الطرق هو المبدأ الذي وضعته أمام عيني حين أخذت نفسي - بادئ ذي بدء - بنقد هذا التعليم.
وهذا المبدأ يستطاع تحقيقه بتنفيذ عملين معاً. العمل الأول: أن تصير سنوات الدراسة في المدارس الإلزامية خمساً وتلحق بكل مدرسة قطعة أرض صغيرة تقسم إلى خمسة أقسام لكل فصل قسم يزرعه نوعاً أو أنواعاً من المحاصيل الزراعية أو الخضراوات حسب تقسيم المنهاج.
وهذه القطعة يزرعها التلاميذ بأنفسهم لا يساعدهم أحد إلا أن يكون للتدريب والتوجيه ليشهدوا ويعملوا بأيديهم تحت إشراف مدرس من خريجي المدارس المتوسطة.
أما الماشية التي يحتاجون إليها فيستطيعون الحصول عليها من أحد أعيان الناحية أو من عمدة البلدة.
ويقوم التلاميذ على حساب الإيرادات والمصروفات، ويكلفون بجمع الحشرات المختلفة ويتعلمون (سورة الفدان).
وهكذا يستطيع التلميذ أن يتعلم فن الزراعة وفلاحة البساتين ومبادئ الكيمياء الزراعية وعلوم الحيوان والنبات والحشرات ومساحة الأراضي في صورة بسيطة.
ولا ريب عندي أن التلاميذ يستطيعون بجدهم أن يسددوا إيجار قطعة الأرض الملحقة بالمدرسة، وبذلك لا تخسر الوزارة شيئاً في حين قد كسب الوطن أشياء كثيرة. وهذا عمل تقوم به مراقبة التعليم الإلزامي في سهولة، وفي غير إرهاق. ولتمام فائدة هذا العمل ينشأ في كل مركز معمل ألبان وآخر للصناعات الزراعية يقوم عليه طائفة ممن أتموا مرحلة التعليم الإلزامي ويبتغون الزيادة: يشترون المواد الخام، ويبيعون المنتجات، ويحسبون الأرباح والخسائر بأنفسهم. العمل الثاني: أن ينشأ في كل قرية أو عدد من القرى المتجاورة مكتب إرشاد يشرف عليه أحد خريجي كلية الزراعة. ويكون رئيس هذا المكتب هو رئيس مدرس الزراعة بالمدرسة الإلزامية، وحلقة الاتصال بينه وبين المباحث الحديثة، فهو يبلغه النشرات الجديدة، وما يطرأ على فن الزراعة من تجديد وتغيير، ويفتش على عمله بالمدرسة وبالحقل، ويكتب التقارير إلى جهة الاختصاص و.
وهذا العمل تقوم به وزارة الزراعة أو وزارة الشئون الاجتماعية. هذا.
وللمدارس المتوسطة جولة أخرى إن شاء الله. (للموضوع تكملة) (*)