في مزارات الإسكندرية
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
مع الشيخ الخالدي
للدكتور عبد الوهاب عزام
لقيت الشيخ العلامة خليلا الخالدي في الأسكندرية، ففرحتُ بمقدمه إلى هذه المدينة، وكنت أحسبه لا يعرف كثيراً من مشاهدها وأخبارها. جلسنا نتحدث والشيخ إذا ترك لشأنه لم يتجاوز حديثه الكتب والمؤلفين ومعاهد العلم ودور الكتب.
فلما تحدث عن خطوط العلماء الجيدة والرديئة - وقد ذكرت هذا في مقال سابق - قال: وكان الطرطوشي من أصحاب الخطوط الرديئة.
فلما ذكر الطرطوشي وهو من علماء الإسكندرية نقلت الحديث إلى علماء هذه المدينة؛ فإذا الشيخ عالم بأخبارها خبير بمزاراتهم.
ذكر من المحدثين والعلماء عبد الرحمن بن هرمز والسِّلفي والقاضي سند وابن المنّير.
وذكر من الصوفية أبا العباس المرسي والبوصبري والأسمر وياقوت العرش.
وتواعدنا يوماً نزور فيه هؤلاء الكبراء وتلاقينا يوم الاثنين سادس رجب (21 أغسطس)، وكان معنا الأستاذان عبد الفتاح عزام وعبد الغفار الطنطاوي.
فذهبنا صوب الميناء نسأل عن عبد الرحمن بن هرمز حتى وقفنا على مسجد صغير في أحد جوانبه حجرة يتوسطها قبر يقول الناس إنه لأبن هرمز، ورأينا لوحاً على الجدار كتب فيه أن هذا قبر عبد الرحمن ابن هرمز المتوفى سنة سبع عشرة ومائة.
قال الشيخ: وهو ممن روي عن أبي هريرة: قلت: بل هو من واضعي علم النحو ومن تلاميذ أبي الأسود الدؤلي.
قال ابن الأنباري: وأما الأعرج فهو أبو داود عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.
وكان مولى لمحمد بن ربيعة بن الحارث بن المطلب.
وكان أحد القراء عالماً بالعربية وأعلم الناس بأنساب العرب.
وخرج إلى الإسكندرية وأقام بها إلى أن مات سنة سبع عشرة ومائة ونقل السيوطي عن الزبيدي أنه كان من أول من وضع العربية.
ثم سرنا إلى مسجد آخر فألفينا في حجرة متصلة به قبرين كبيرين كتب على أحدهما: أبو بكر محمد بن محمد بن الوليد النهري الطرطوشي المتوفى سنة 521.
قال الشيخ: له كتاب البدع وهذا الكتاب وكتاب البدع لابن وضاح مأخذ كتاب الاعتصام للشاطبي صاحب الموافقات.
قال وبين وفاة الطرطوشي وابن رشد الكبير شهران أو ثلاث أقول: هو أحد علماء المسلمين الأعلام ينسب إلى طرطوشة من بلاد الأندلس نشأ بها وطلب العلم في البلاد الأندلسية، أخذ عن أبي الوليد الباجي وابن حزم.
ورحل إلى الشرق سنة ست وسبعين وأربعمائة وحج ولقي شيوخ العراق وأقام بالشام زمناً ودرس بها.
وله مؤلفات أعظمها سراج الملوك ونقل ابن خلكان عن كتاب الصلة لابن بشكوال أنه: (دفن في مقبرة وعلة قريباً من البرج الجديد قبليّ الباب الأخضر في الإسكندرية) والقبر الذي بجانب قبر الطرطوشي كتب عليه أنه قبر محمد الأسعد.
ولست أدري من هو تركنا مسجد الطرطوشي لنزور اثنين من جلّة العلماء القاضي سند والحافظ السِّلَفي، فدُللنا على مسجد صغير جداً فإذا قبر بجانب جداًره الغربي علّق فوقه لوح كتب فيه أنه قبر القاضي سند بن عنان الأزدي المتوفى سنة 541 هـ.
قال الشيخ الخالدي: وهو شارح المدونة في فقه الإمام مالك.
وقرأت في حسن المحاضرة أنه (تفقه بالطرطوشي وجلس في حلقته بعده وانتفع به الناس وشرح المدونة وكان من زهاد العلماء وكبار الصالحين، فقيهاً فاضلاً مات بالإسكندرية سنة إحدى وأربعين وخمسمائة) وسألت أين قبر الحافظ السلفي فأشار خادم المسجد إلى موضع بجانب سارية أمام المنبر وقال: قد سوّي القبر بالأرض ليتسع المكان للصلاة.
قال الخالدي وكذلك رأيت في مساجد المغرب يصلي الناس على بلاطات تحتها قبور والحافظ السلفي ولد في أصفهان حوالي سنة 475 وشغل بالحديث ورحل في طلبه وورد بغداد وأخذ اللغة عن الخطيب التبريزي.
وقدم ثغر الإسكندرية سنة إحدى عشرة وخمسمائة وأقام بها أكثر من ستين سنة حتى توفى سنة 576.
وقصده الناس من مصر وغيرها يأخذون عنه وذاع صيته في الآفاق.
وبنى له العادل وزير الظافر الفاطمي مدرسة في الإسكندرية وبقيت تعرف باسمه زمناً طويلاً ودفن في مقبرة وعلة أيضاً وكانت مقبرة وعلة مقبرة كبيرة بالإسكندرية دفن فيها كثير من العلماء.
وسمعت من الشيخ الخالدي ثم قرأت في رحلة ابن رشيد رواية عن النجيبي: (وكان شيخنا الحافظ السِّلفي رحمه الّله يقول لا أعلم في البلاد التي تطوفتها تربة جمعت قبور ثلاثة أئمة في ثلاثة مذاهب إلا التربة التي بمقبرة وعلة، وقبور الأئمة الثلاثة في الثلاثة المذاهب بالمقبرة المذكورة متلاصقة: قبر أبي الخطاب الشافعي، وقبر أبي بكر الطرطوشي المالكي، وقبر أبي بكر محمد بن إبراهيم الحنيفي) (يعني الحنفي على عادة الأندلس في النسبة إلى أبي حنيفة) وقرأت في رحلة ابن رشيد أيضاً: (زرنا بالإسكندرية حماها الّله تعالى قبر الإمام الزاهد المحدث، آخر الحفاظ بقية المحدثين أبي الطاهر السلفي داخل باب الأخضر على مقربة منه وله سنام كبير عال، وعلى مقربة من قبر الزاهد الفقيه الإمام أبي بكر الطرطوشي رحمه الّله، وعلى قبره مكتوب: توفى الإمام الزاهد أبو بكر محمد بن الوليد الفهري في جمادى الآخرة سنة 520 وبمقربة من الجدار الغربي قبر يقال إنه قبر عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج رحمه الّله) اهـ وسرنا بعد إلى جامع المنير فراقنا جمال هندسته ونقشه وتهللت وجوهنا وانبسطت أنفسنا لمدخله حتى قلت: حبذا جلسة طويلة في هذا المسجد الطويل.
وزرنا ضريح الشيخ ابن المنير وهو في جانب من المسجد عليه قبة شاهقة وابن المنير هو عبد الواحد بن شرف الدين بن المنير.
قال السيوطي نقلاً عن ابن فرحون: كان شيخ الإسكندرية ويلقب بعز القضاة فاضلاً أدبياً عُمّر وانتفع به الناس، أخذ الفقه عن عمّيه ناصر الدين وزين الدين، وألّف تفسيراً في عشرة مجلدات) (لعله يريد تفسيره المسمى الانتصاف من صاحب الكشاف) ولد سنة 651 وتوفى سنة 736 ثم قصدنا إلى زيارة الصوفية فزرنا أبا العباس المرسي، وقبره الآن تحت المسجد العظيم الرائع الذي تشيده وزارة الأوقاف الآن ويرجى إتمامه قريباً.
وهو أبو العباس أحمد بن عمر الأنصاري من كبار الصالحين، وأكبر أصحاب أبي الحسن الشاذلي.
توفى سنة 686 وعلى مقربة منه قبر العالم الكبير عثمان ابن عمر المعروف بابن الحاجب أحد أئمة العلماء المصريين في القرن السابع.
ولد بإسنا في العقد الثامن من القرن السادس وتوفى بالإسكندرية سنة 646.
وله مصنفات في الفقه والأصول.
وأما مصنفاته في النحو فقد طبقت شهرتها الآفاق وعدت من أمهات كتب العربية.
وحسبك في النحو الكافية وشرحها وفي الصرف الشافية وشرحها لم نستطع الوصول إلى قبره إذ حالت دونه العمارات القائمة في جامع أبي العباس.
قال ابن خلكان: ودفن خارج باب البحر بتربة الشيخ الصالح ابن أبي أسامة وخرجنا بعد زيارة أبي العباس فمررنا باثنين من كبار الصوفية: المكين الأسمر عبد الّله بن منصور الإسكندراني شيخ القراء بالإسكندرية في وقته.
مات سنة 692 وقال ابن رشيد: (الشيخ المقري المجود مكين الدين أبو محمد عبد الّله بن منصور بن علي ويلقب بالمكين الأسمر أحد الصلحاء الفضلاء، وهو المتصدر لإقراء القرآن بالإسكندرية.
قرأت عليه بدكان منزله - عمره الّله ببقائه - ضحا يوم السبت الحادي والعشرين لجمادى الآخرة من عام أربعة المذكور، جميع المجالس الخمسية السلمانية التي أملاها الحافظ أبو طاهر السلفي الخ.) وبجانب المكين قبر لياقوت العرش أحد الصالحين.
وهو ياقوت بن عبد الّله الحبشي العارف تلميذ أبي العباس المرسي.
وكان الناس يقصدونه للدعاء والتبرك.
مات بالإسكندرية 732.
قال الشيخ الخالدي: ذكره ابن عطاء الّله في تآليفه وأما ابن عطاء الّله السكندري صاحب الحكم فهو أحمد بن محمد ابن عبد الكريم الجذامي الاسكندراني.
كان صوفّياً على طريقة الشاذلية، جامعاً لعلوم شتى من تفسير وحديث ونحو وأصول وفقه، وأخذ عن أبي العباس المرسي، وأخذ عنه التقى السبكي، وله كتب منها كتاب الحكم وهو من أروع ما أثر من أدب الصوفية.
وكتاب التنوير في إسقاط التدبير.
وكتاب لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس، والشيخ أبي الحسن (أبي العباس المرسي وأبي الحسن الشاذلي) ومات بالمدرسة المنصورية بالقاهرية سنة 709 ودفن بالقرافة وعلى مقربة من ضريحي الأسمر وياقوت في الجانب الآخر من الشارع بناء جديد نقلت إليه بلدية الإسكندرية رفات جماعة من الصالحين كانت في قبور متفرقة في المدينة.
وقد قرأت على الجدار من الخارج أسماء أحد عشر منهم.
وأخبرنا الخادم أنهم تسعة عشر. (للكلام صلة) عبد الوهاب عزام