أرشيف المقالات

تحقيقات تاريخية

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 الأمير سيف الدين تغري بردى الاتابكي والد الأمير جمال يوسف المعروف بإبن تغري بردى المؤرخ المصري للأستاذ أحمد رمزي بك حينما قدمت دار الكتب الجزء الأول من كتاب (النجوم الزاهرة)، وضعت للمؤرخ ثلاث تراجم نقلا عن القدماء.
الأولى من وضع تلميذة أحمد بن حسين التركماني المعروف بالمرجى، والثانية عن الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للسخاوي، والثالثة عن شذرات الذهب لأبن العماد الحنبلي وهو عن ذلك العصر وقد جاء في الأولى: (هو يوسف بن تغري بردى الأمير جمال أبو المحاسن بن الأمير الكبير سيف الدين تغي بردى اليشبغاوي الظاهري أتابك العساكر تل مصرية ثم كافل الممالك الشامية). وجاء في الثانية: (يوسف بن تغري بردى الأمير جمال أبو المحاسن الأتابكي بالديار المصرية ثم نائب الشام اليشبغاوي الظاهري الحنفي) وجاء تغري الثالثة: (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن الأمير الكبير سيف الدين تغري بردى). فيفهم من هذا أن والده كان أميراً معروفاً من كبار أمراء الدولتا المصرية، والمطلع، على تاريخه يستخلص منه أنه شغل أعلى وظائف الدولة، من يوم أن عين على رأس نوبة الجمدارية ثم نقل منها إلى نيابة حلب، ثم على رتبة أمير مائة فأمير مجلس فأمير سلاح ومنها عين واليا أو نائبا للسلطنة في دمشق، ثم رفع إلى رتبة الاتابكية ومات وهو على نيابة السلطة بالشام. وأسم (تغري يردي) عريق في تركيبته.
ومعناها (الله أعطى) أو (عطية الله) وهو مأخوذ من طاتري فيردى. وقول المؤرخين الظهري نسبة إلى أستاذة العظيم الملك الظاهري برقوق. وجاء في الضوء اللامع نقلا عن ابن خطيب الناصري أنه (كان عنده عقل وحياء وسكون) ثم ذكر السخاوي أنه نظم إلى الأمير ايتمش) في خروجه بالشام، وأرجع أنه انظم إليه بحكم الجنسية التركية على رغم قرابته لبيت الظاهر برقوق. ولقد دهشت لما قرأت في ترجمة ابنه صاحب النهل الصافي والنجوم الزاهرة، وفي كتاب الإفرنج والمشتغلين التاريخ الإسلامي من المتأخرين، تفسيرهم لكلمة الرومي باليوناني. 1 - فقد ورد في كتاب تاريخ المماليك لسير وليم موير في مقدمة المؤلف صفحة 7 ما يأتي: (أما أبو المحاسن فقد عاش بعد المقريزي ثلاثين سنة وهو ابن الأمير تغري بردى الذي كان مملوكا يونانيا للسلطان برقوق) 2 - وذكر الأستاذ أنور زقلمة في كتابه عن تاريخ المماليك (أن الأمير تغزى بردي كان مملوكا يونانيا) 3 - كما جاء في الصفحة 26من كتاب الدكتور محمد مصطفى زيادة عن مؤرخي القرن الخامس عشر عند كلامه عن صاحب النجوم الزاهرة لفظ يوناني بين قوسين. وتكلم عن بعض سلاطين دولة الأمراء الجر الجراكسة في محاضرة له بجمعية الدراسات التاريخية فنسب بعضهم إلى لا أصل يوناني. وتحميل لفظ الرومي على أنه يوناني لا يتفق مع ما هو متداول في ذلك العصر لأن أرض الروم هي آسيا الصغرى، وكان يطلق على سلطان المسلمين هناك ملك الروم، هكذا ورد في أيام السلاجقة وآل عثمان. ويظهر لنا جليا أن آسيا الصغرى كانت منذ القدم موطنا للشعوب الأسيوية لا الروم، وفي العهود التي عاش فيها تغري بردى، كانت آهلة بالعناصر التركية والتركمانية، حتى قبل مجيء العثمانيون واستيلائهم على ربوعها وأقطارها، وكان يطلق على المسلمين من سكانها أهل الروم وهم ليسوا بروم، وإلا كان جلال الدين الرومي بمجرد نسبته يونانيا، وآباؤنا وأجداده في أواسط آسيا ومكانته في الشعر الصوفي وأثره في العالم معروفان. أما تغري بردى فيكفي استعراض تاريخه واسمه للحكم على تركيته الصافية، ولا صلة له بالإغريق واليونان. ويظهر من نتبع أحواله أنه كان على صلة وثيقة بالملك الظاهر برقوق، لأن المؤرخين ذكروا أن برقوق تروج الأميرة شيرين الطويلة الرومية، وهي ابنة عم تغري بردى، وقد ولدت له والده الذي أسماه (بلغق) ومعناه كما فهمت بالتركية (فتنة) ويظهر أنه ولد في إبان محنة ألمت بوالده فلما زالت اسماه (فرجاً) بالعربية وهو الذي تولى السلطنة بعده تحت اسم السلطان فرج. وقد صاهر السلطان فرج ابن عم والدته أي الأمير تغري بردى على ابنته الكبرى، أما بناته الأخر فقد صاهره عليهن الأمير آقبغا التمرازي الذي جمع بين الأتاكية ونيابة السلطنة، وصاهره الأمير يشبك بن أزدمر الظاهري على إحدى بناته الصغار، والذي وصل إلينا عن زوجاته اثنتان. الأولى ابنة الأمير تمر باي الحسني الذي تولى نيابة سيس ثم حجوبته الحجاب وتوفي 792 والثانية ابنة الملك المنصور ناصر الدين أبي المعالي محمد بن حاجي الناصر محمد حاجي بن ناصر المنصور قلاوون. فأنت ترى علاقات المصاهرة والقوابة والنسب بين الأتابكي تغري بردى وكبار البيوتات التي في عصره، لتحكم على منزلته العالية وأن مكانته في الصفوف الأمامية، ولا يمكن أن تسلم أتابكية العساكر الإسلامية لمن يكن في أرومته، والكلام عنه لا ينفي أن تذكر كلمة عن ابنة عمه الأميرة شيرين زوجة السلطان برقوق، وهي التي اشتهرت بجمالها وعنفتها وكانت الخوند الكبرى في عصرها ولذلك أسكنها السلطان قاعة العواميد بقلعة مصر، كما اتفق أصحاب السير على أنها سارت في حياتها سيرة محمودة مقترنة بالحشمة والرياسة والكرم مع التواضع الزائد والخير والتمسك بالدين، وهي ذكرى تعلمنا الكثيرة عن طيب عنصر أصلها وأصل الأمير تغري بردى والد صاحب النجوم الزاهرة. ولا يشبع الباحث من سيرة هذه الأميرة الجليلة، بل أن الحديث عن مآثرها وأياديها على الفقراء وما قامت به من أعمال البر وتجديد الرباطات على طريق مكة وما وقفته من الأوقاف وما أصلحته من المباني، طويلا لا يتسع له المجال. أما تشعب عائلته بردي واتصالها بالناس فأمر طويل يحتاج إلى تابعها وقيد الكثير من السير في مختلف المراجع، وأهمها الضوء اللامع إليَّ أرخ لبعض أفراد العائلة حتى عهد قايتاباني إذ ذكر محمد بن سنقر القادري ابن عمة أبي أخت المؤرخ. ويظهر من كلام الشخاوي أن جاع السلطان برقوق بالصاغة يحتوي على رفات عدد من أولاده وأحفاده غير أولئك الذين دفنوا بمدرسته المشهورة بالصحراء بجوار تربته: كما تبين لنا صلة بيت برقوق بعائلته تغري بردى وإن كانت أسرة برقوق تنحدر من أصل جركسي عريق والثانية من أصل تركي في آسيا الصغرى. والذي أقلقني في ترمة الأمير سيف الدين تغري بردى النسمة الآتية التي جاءت على ثلاثة أوجه: اليشغاوي الكمشبغاوي والقشبغاوي. والذي أعرفه أنه لم يرد تحت كمش بغا ومعناها (الثور الفضي) غير الأمير سيف الدين يعقوب شاه الكمشبغاوي الظاهري وترجمته في المنهل الصافي وكان أمير ألف وقتل سنة 802 كما له ترجمة في الضوء اللامع وكان تركي الأصل مقداما جميل الصورة، حسن القامة، انظم إلى (ايتمش) وآل أمره إلى أن قتل بقلمه دمشق، أي بعد أن نظم إلى الحزب الذي كان فيه تغري بردى ولولا علاقة الأخيرة بالبيت المالك لكان نصيبه هذا الأمير أي القتل.
ولذا استبعد موضوع النسبة إلى كمشبغا هذا.
ولكن ابن الفرات الذي استعمل أولا لفظ كمشبغا عاد فاستعمل لفظ قشبغا وإليك النصوص: عند خروج السلطان برقوق إلى الريدانية ترك بالقلعة من مماليكه نحو الستمائة مملوك عندهم الأمير تغري بردى من كمشبغا رأس نوبة.
صفحة 249 جزء 8. أنعم الملك الظاهر على الأمير على تغري بردى من قشبغا ص 306 أحد أمراء الطلبخانات بتقدمه ألف. جاءت الأخبار في ذي الحجة سنة196 إلى الديار المصرية الظاهر خلع على الأمير سيف الدين تغري بردى من قشبغا واستقر في السلطنة بحلب عوضا عن الأمير سيف الدين الكمشبغاوي صفحة 378 جزء. فاشترك الأميرين الكبيرين تحت اسم سيف الدين جعل المؤرخين يخلطون بينهما وينسبون كلا منهما إلى أنه الكمبشغاوي. ويستمر ابن الفرات على الأمير سيف الدين نوروزز الحافظي واستقر رأس نوبة صفير ثاني عوضا عن الأمير سيف الدين تغري بردى من قشبغا. وإلى أن نجد اسم كمش بغا الذي نسب إليه أو يشبعا تبقي هذه الشخصية غامضة. أحمد رمزي المدير العام لمصلحة الاقتصاد الدولي

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢