اللهم سلم سلم
مدة
قراءة المادة :
24 دقائق
.
اللهم سلم سلمإذا وزنت أعمال العباد، وخف من خف، وثقل من ثقل، أمروا أن يمضوا إلى الصراط، والورود على الصراط أمر ثابت بالقرآن والسنة:
• أما القرآن: فقوله تعالى ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِياًّ ﴾[1].
وقد فسر ابن مسعود رضي الله عنه الورود في هذه الآية بالمرور على الصراط، كما روى ذلك الطبري في تفسيره.
• وأما الأحاديث: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنـه قال: يضرب الصراط، بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمّته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم.[2]
وعلى ذلك، أجمع المسلمون على الإيمان بالصراط، بالكتاب والسنة، وعليه فمنكر الصراط كافر لأنه أنكر القرآن والسنة.[3]
وصف الصراط:
الصراط، جسر دقيق ممدود على ظهر جهنم، أحد من السيف، وأدق من الشعرة، وأحر من الجمرة، زلق تزلق فيه الأقدام، أسود من شدة سواد جهنم، طوله خمسمائة عام من أعوام الدنيا، وقيل طوله مسيرة ثلاثة آلاف سنة[4] عليه حسك مثل الشوك، وكلاليب من نار، كالخطاطيف مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه، من الكافرين، والمنافقين، والعصاة، على حافتيه ملائكة معهم كلاليب من نار، يخطفون بها الناس، لو أن واحدا منهم أذن الله له أن يتنفس في الدنيا لأحرقها، بإنسها، وجنها، وجميع ما ذرأ الله فيها، ولأذاب جبالها وجفف بحارها.
والصراط مع دقّته ورقّته، يضطرب كما تضطرب السفينة بأهلها، إذا كانت الرياح عاصفة، فهو عقبة في طريق الذاهبين إلى دار السلام، وممر خطير للغاية، يشهد لخطورته أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقف على جنباته يطلب السّلامة والنّجاة، والناس يمرون وهو يدعو، ويقول: رب سلم سلم[5] فلا يجوزه إلا من أخذ نفسه بالحزم الشديد، واستقام على طاعة الولي الحميد، لا يجوزه إلا من أغاث الملهوف وأطاع الرحيم الرؤوف، لا يجوزه إلا من اتبع سنة محمد الرسول، وأطاع ربا لا يحول ولا يزول، لا يجوزه إلا من أطاع مولاه في الفانية، وراقب الله في السر والعلانية[6] يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الصراط: يوضع الصراط على سواد جهنّم مثل حد السيف المرهف[7] مدحضة[8] مزلة[9] عليه كلاليب[10] من نار يخطف بها[11] ويقول - صلى الله عليه وسلم -: الجسر دحض[12] مزلة[13] فيه خطاطيف وكلاليب وحسك[14] [15] ويقول - صلى الله عليه وسلم -: الصراط على جهنم مثل حرف السيف، بجنبتيه الكلاليب[16] والحسك، فيركبه الناس فيختطفون، والذي نفسي بيده إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر.[17] [18]
الأمانة والرحم جنبي الصراط:
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وترسل الأمانة والرّحم، فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا[19] فبعد أن يضرب الصراط على جهنم، ستقوم الأمانة في جانب وتقوم الرحم في جانب آخر، يقفان للأمين والخائن، والواصل والقاطع، فيحاجان عن المحق، ويشهدان على المبطل، فتقول الأمانة لكل خائن يمر عليها: أين الأمانة التي ضيعتها؟ أين أمانة الطاعة؟ أين أمانة الزوجة والأولاد؟ أين أمانة الأموال التي سرقتها؟ أين أمانة الشهادة لهذا الدين؟ أين الأمانات التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها أنت أيها الإنسان وتقول الرحم لكل من قطعها: أين صله الرحم التي قطعتها في الدنيا؟ وماذا ستصنع اليوم أمام تلك الأهوال؟ وهذا إيذانا وإعلانا بأن من أدّى الأمانة، ووصل الرحم، نجا، ووصل الجنة، وأما من خان الأمانة، أو قطع الرحم، خانته رجلاه فسقط ولم يصل إلى الجنة.
الاستعداد للمرور على الصراط:
قال جمع من العلماء: يكون الناس يوم القيامة في الظلمات، فإذا استعدوا للمرور على الصراط، أعطى الله المؤمنين أنوار على قدر أعمالهم في الدنيا ليضيء لهم الطريق، فمنهم ما يكون له من النّور، ما يضئ على الصراط مسيرة مائة عام، ومنهم من يعطى من النّور ما يضئ له مسيرة سنة، وما يضئ مسيرة شهر ومسيرة جمعة، ومسيرة يوم، ومسيرة ساعة، ومن النّاس من يعطى من النور ما يضئ له موضع قدميه، على قدر منازلهم عند الله تعالى وعلى قدر أعمالهم في الدنيا، يقول الله تعالى ﴿ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .[20]
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم، يسعى بين يديه، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك، حتى يكون آخرهم رجلاً يعطى نوره على إبهام قدميه يضئ مرة ويطفأ مرة، فإذا أضاء قدم قدمه، وإذا أطفئ قام فيمرون على قدر نورهم.[21]
أما عصاة الموحدين، فيكون لهم حسب حالتهم، بصيص من النور، فيظهر الطريق أمامهم ضيقا حاداً، فيلاقون ما يلاقون، ويكابدون ما يكابدون وتتلاحق الأنفاس ما تتلاحق، وترتعد الأوصال ما ترتعد، ويغشى القلوب ما يغشى، فمنهم من يمر، ومنهم من يسقط في النار.
والجموع الأخرى كالكافرين، والمشركين، والمنافقين، فيسقطون في النار مع أول قدم يضعونها على الصرا.
أنوار خاصة لجماعات خاصة: [22]
الجماعة الأولى: العلماء:
إذا أتى العلماء إلى الصراط، تكون وجوههم كالشمس الضاحية، وأنوارهم بين أيديهم، وبيد كل عالم منهم لواء من نور الجنة، يضئ له مسيرة خمسمائة عام، وتحت لواء العالم كل من اقتدى بعلمه، وكل من أحبّه في الله، ومناد ينادى: هؤلاء أحباء الله، هؤلاء أولياء الله، هؤلاء الذين خلفوا الأنبياء، هؤلاء الذين علموا عباد الله، هؤلاء الذين دعوا إلى الله، هؤلاء الذين حفظوا حدود الله، هؤلاء مصابيح الدّجى، هؤلاء أئمة الهدى، فإذا دنوا من الصراط يوضع على رأس كل واحد منهم تاج من نور الجنة.
الجماعة الثانية: حملة القرآن:
إذا أتوا إلى الصراط، تلقتهم الملائكة الذين وكلوا بحملة القرآن، فتأخذ بأيديهم، وتضع التيجان على رؤوسهم، والحلل على أجسامهم، وتقرب إليهم خيلا من نور الجنة يركبونها، فتطير بهم على الصراط، وهذا إذا عملوا بالقرآن، ووقفوا عند أوامره ونواهيه وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وآمنوا بمحكمه، ووقفوا عند متشابهه، وسارعوا إليه ﴿ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [23]، ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾[24] أولئك أولياء الله الصالحون، أولئك الذين رضي الله عنهم، ووفقهم وهداهم، وآتاهم تقواهم، وأمّا حامل القرآن إذا لم يعمل به، فإنّه يأتي إلى الصراط فتستقبله الزبانية بمقامع الحديد وتسود وجوههم على قدر ما ضَيّعوا من القرآن.
الجماعة الثالثة: المؤذنون:
المؤذن إذا جاء إلى الصراط سبقه نور الآذان، ونور لا إله إلا الله، ونور محمّد رسول الله، ونور الدعاء الذي يدعو الناس إلى توحيد الله، فإذا وصلوا إلى الصراط، وجدوا نجائب من نور مسرجة بسرج الياقوت والزبرجد، فيركبونها، فتطير بهم على الصراط.
الجماعة الرابعة: المصلون على النبي- صلى الله عليه وسلم -:
ينظر إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا نظر إليهم، كساهم من نور وجهه ما يجوزهم الصراط، فيأخذ كل واحد من النور على قدر صلاته عليه في الدنيا، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنجاكم من أهوال يوم القيامة ومواطنها أكثركم عليّ صلاة.[25]
الجماعة الخامسة: التائبون:
فالتوبة تضيء لك الطريق فوق الصراط يوم القيامة، وتقودك إلى جنة الرحمن، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[26]
المرور على الصراط:
قال تعالى ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِياًّ * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ ﴾[27]
قدر مكتوب على كل عبد من عباد الله، أن لا يدخل الجنة إلا أن يجاوز النار عبورا فوق الصراط، فلابد لكل إنسان أن يرد على النار، ويمر عليها من فوق هذا الممر، مؤمن كان أو كافر، فمن استقام على الصراط المستقيم في الدنيا، عبر صراط الآخرة بسلام في لمح البصر، ونجا، أما من ترك الصراط المستقيم في الدنيا، وانحرف عنه، فإنه يعثر في أول قدم من الصراط ويسقط في جهنم.
وأول من يمر على الصراط محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمّته، لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يوضع الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمّتي أول من يجيز[28]، فيجوزون قدر أعمالهم، فإذا عصف الصراط نادوا: وامحمداه، وامحمداه، وامحمداه، فيرفع الرسول - صلى الله عليه وسلم - صوته مناديا ربه: رب أمتي أمتي، والملائكة قيام عن يمين الصراط ويساره ينادون: رب سلم سلم، فمنهم من يضع عليه قدمه، فيزل من أول قدم يضعها فيهوى في النار، ومن الناس من يمشى القليل ويزل في النار، ومنهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح الهبوب، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كالطّائر السريع في طيرانه، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأشد الرجال، ومنهم من يكون كالضعيف إذا مشى، ومنهم من يكون كالمبطون الذي يمشى على يديه ورجليه، ومنهم من يحبو على وجهه ويديه ورجليه، تخر يد وتعلق يد وتخر رجل وتعلق رجل وتصيب جوانبه النار يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرجل يهرول ويرمل رملا، حتى يمر الذي يعطى نوره على ظهر قدميه، يحبو على وجهه ويديه ورجليه، تخر يد وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فلا يزال كذلك حتى يخلص، فإذا خلص وقف عليها فقال:الحمد لله الذي أعطاني ما لم يعط أحد إذ نجّاني منها بعد إذ رأيتها.[29]
موقف الكفار والمنافقين على الصراط:
إذا أتى الكفار إلى الصراط، فأوّل قدم يضعونها على الصراط يهوون ويسقطون في النار، فتخطفهم الملائكة بالكلاليب، فتلقيهم في قعر جهنم، فإذا مضى المؤمنون بنورهم، مضى المنافقون في آثارهم يتبعونهم، وينادونهم، أُنظرونا نقتبس من نوركم، فنمشى في ضوئكم، فيقال: ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا، وهو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [30] فيظنون أن ورائهم نوراً يلتمسونه، فيرجعون وراءهم، فيرفع لهم سرداب، فيظنون أن في السرداب نوراً يجوزهم على الصراط، فيدخلون ذلك السرداب، فيهجم بهم إلى جهنم، فإذا رأى المنافقون المؤمنون في حال السّلامة والفوز قالوا لهم: أما كنّا معكم في الدار الدنيا، نشهد معكم الجمعات، ونصلى معكم الجماعات، ونقف معكم بعرفات، ونحضر معكم الغزوات، ونؤدي معكم سائر الواجبات ؟ فيقول المؤمنين لهم: بلى قد كنتم معنا ﴿ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ ﴾ [31] فاليوم مأواكم النّار، هي أولى بكم من كل منزل، فلا يزالون من باب إلى باب في النّار، حتى ينتهوا إلى الدّرك الأسفل من النار، فينتهي بهم إلى جب يقال له جب الحزن، في ذلك الجب بئر يقال له الهبهب، فيها توابيت من نار، وعليها أقفال من نار، وعلى تلك البئر صخرة من كبريت، فيؤتى بالمنافقين، فيلقون في تلك التوابيت، وتوضع عليهم تلك الصخرة، فلا يخرجون منها أبداً، كلما أكلت النار لحومهم جدد الله لهم لحوما غيرها، فذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ﴾ .[32]
قناطر على الصراط: [33]
قال العلماء: لا يجوز أحد الصراط حتى يسأل في سبع قناطر، قال تعالى: ﴿ وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴾.[34]
هذه القناطر بعضها أصعب من بعض، عند كل قنطرة يسأل العبد عن عبادته التي افترضها الله عليه في الدنيا.
القنطرة الأولى:
يسأل العبد فيها عن الإيمان بالله، وعن لا إله إلا الله، فإن جاء بها مخلصا قولا وعملا جاز، وإلا هوى في النار، وذلك يتضمن إثبات الإلهية لله وحده، بأن يشهد أن لا إله إلا الله، لا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالى إلا له، ولا يعادى إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله، ولا يخاف سواه، ولا يرجى سواه، ولا يرغب إلا إليه، ولا يرهب إلا منه، ولا يحلف إلا باسمه، ولا يعذر إلا له، ولا يتاب إلا إليه، ولا يطاع إلا أمره، ولا يحتسب إلا به، ولا يستعان في الشدائد إلا به، ولا يلتجئ إلا إليه، ولا يسجد إلا له، ولا يذبح إلا له وباسمه، فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله.
القنطرة الثانية:
يسأل العبد فيها عن الأمانة، وهى أمانة الخالق، وأمانة الخلق، من الوضوء، والاغتسال، والصلاة، والصيام، والزكاة، وإعطاء كل ذي حق حقه، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والحفظ لحدود الله، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[35].
القنطرة الثالثة:
يسأل عن صلة الرحم، كيف وصلها ولم قطعها؟ والرحم يومئذ تنادى، اللهم من وصلني فصله، ومن قطعني فاقطعه، فينجو من نجا ويهلك من هلك.
القنطرة الرابعة:
يسأل عن بر الوالدين، فينجو من نجا ويهلك من هلك.
القنطرة الخامسة:
يسأل عن حظ اللسان، من الغيبة والنميمة وشهادة الزور فينجو من حفظ لسانه، ويهلك من سرح لسانه بما لا يعنيه.
القنطرة السادسة:
يسأل عن حفظ الجار، فينجو من حفظ جاره وأكرم ضيفه ويهلك من خان جاره ولم يكرم ضيفه.
القنطرة السابعة:
يسأل عن الصدق، فمن حفظ لسانه عن الكذب نجا من الصراط، ونجا من النار، وصار إلى الجنة مع الأبرار، ومن كذب فقد خالف الكتاب والسنة وحرم نعيم الجنة.
وبالجملة: يزل من على الصراط ويسقط في النار، كل من أرخى لنفسه زمام عصيانه، ووافق نفسه وهواه، في مناه ولذاته، وأطاع شيطانه في جميع شهواته، وانغمس في مستنقع الظلم والرذيلة والفساد، ونسى الآخرة.
يقول تعالى ﴿ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" ﴾[36] ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".[37]
وينجو من الصراط، كل من انتصر على نفسه، وانتصر على رغباته، وعاش في طاعة الله، وابتعد عن أوكار المعصية، وخالف شيطانه وهواه.
ينجو من الصراط، كل من استقام على أداء الفرائض، ولم يفرط فيها وأدّاها في أوقاتها.
ينجو من الصراط، كل من أدّى الزكاة، وتجنب الربا والحرام والخيانة، في المكيال والميزان.
ينجو من الصراط، كل من وصل الأرحام، وغض الأبصار، عن محارم الله وصان الفرج عن الفواحش.
ينجو من الصراط، كل من بر الوالدين والأزواج، وبر الجيران والإخوان، ولزم المساجد، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وحفظ حدود الله، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وعمل بكتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم -.
والنجاة من أهوال الصراط درجات، تختلف من شخص لآخر، كل حسب عمله، وعلى قدر نوره يتيسر له المرور، فمنهم من ينجو ويسلمه الله من عثرات الصراط وأهواله، ومنهم من ينجو ولكن قد خدشته الكلاليب والخطاطيف، فلا يصل إلى آخر الصراط إلا وقد تقطع قطعا، من كلاليب جهنم فيصلون بالكاد إلى بر الأمان.
ويصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناجين فيقول فناج مسلَّم[38] ومخدوش به[39] ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها.[40]
أصحاب الأعراف يحبسون على الصراط:
قال تعالى ﴿ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ ﴾[41] وهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فحبسوا على الأعراف، وهى مواضع مرتفعة على الصراط، وقيل أنها أعلى قنطرة من قناطر الصراط السبعة، فإذا صاروا على تلك المواضع من الصراط، نقص نورهم وبقوا على أطراف أنامل أرجلهم، لا يستطيعون جواز الصراط، وهم ينظرون إلى أهل النّار، كيف يعذبون في النّار؟، قال الله تعالى ﴿ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾[42] فيستغيثون ويتضرعون إلى مولاهم جل جلاله، ويسألونه النّجاة من النّار، ومن هول ما هم فيه من صعوبة الصراط، فيمكثون كذلك ما شاء الله تبارك وتعالى مغمومين، مكروبين، محزونين، لا يدرون أينجون أم يهلكون.
قنطرة التهذيب:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا خلص المؤمنون من النّار، حبسوا بقنطرة بين الجنّة والنّار، فيتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنّة.[43]
إنها القنطرة التي يقتص فيها المؤمنون من بعضهم البعض، بعد مرورهم على الصراط، حتى يؤخذ لبعضهم من بعض مظالم كانت عليهم في الدنيا، فيقتص كل واحد منهم من الآخر بقدر مظلمته، فيزداد المظلوم درجة في الجنة ويخسر الظالم درجة في الجنة، ولا يرجع أحدهم إلى النّار طالما عبروا الصراط، الذي يسقط فيه من أوبقه ذنبه، حتى إذا هذبوا وطيبوا قيل لهم ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾[44] فيدخلوها وليس في قلوبهم غل ولا حسد لأحد كما وصف الله أهل الجنّة فقال ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾.[45]
[1] الآية 71 من سورة مريم.
[2] رواه أحمد ابن ماجة وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد وصححه الألباني في صحيح الجامع (8189).
[3] دراسات في العقيدة (ص 204) عن كتاب فقه الدار الآخرة.
[4] الترغيب والترهيب (جـ4 ص 426).
[5] صحيح مسلم بشرح النووي عن أبي هريرة (جـ1 ص129).
[6] في رحاب التفسير (ص 6332).
[7] السيف المرهف: الحاد الرقيق.
[8] مدحضة: مزلقة.
[9] مزلة: داعية إلى السقوط.
[10] الكلاليب جمع كلوب وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم.
[11] رواه الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود (الترغيب والترهيب جـ4 ص426) والخطاف الحديدة المعوجة كالكلوب يختطف بها الشيء.
[12] دحض: زلق.
[13] مزلة: موضع زلل الأقدام.
[14] حسك: شوك.
[15] صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري (الترغيب والترهيب جـ4 ص411).
[16] بحافتيه وطرفيه خطاطيف الحديد وشجر الشوك.
[17] أى يخطفه كلوب واحد جماعة كثيرة مثل قبيلتى ربيعة ومضر وعدد أفرادها الجمة.
[18] صحيح البيهقى عن عبيد بن عمير(الترغيب والترهيب جـ4 ص 429).
[19] صحيح مسلم عن حذيفة وأبي هريرة (الترغيب والترهيب جـ4 ص 428).
[20] الآية 8 من سورة التحريم.
[21] رواه ابن أبى الدنيا والحاكم عن عبد الله بن مسعود وقال صحيح الإسناد (الترغيب والترهيب جـ4 ص 395).
[22] في رحاب التفسير (جـ7 ص 6353).
[23] الآية 22 من سورة المجادلة.
[24] الآية 90 من سورة الأنعام.
[25] بستان الواعظين ص(347-348).
[26] الآية 8 من سورة التحريم.
[27] الآية 71، 72 من سورة مريم.
[28] أخرجه البخاري عن أبي هريرة (7437).
[29] صحيح مسلم والطبراني والحاكم عن عبد الله بن مسعود (الترغيب والترهيب جـ4 ص 503).
[30] الآية 142 من سورة النساء.
[31] الآية 14 من سورة الحديد.
[32] الآية 145 من سورة النساء.
[33] في رحاب التفسير (جـ7 ص 6338).
[34] الآية 24 من سورة الصافات.
[35] الآية 27 من سورة الأنفال.
[36] الآية 14 من سورة النساء.
[37] صحيح البخاري عن أبي هريرة وصححه الألباني في صحيح الجامع (4513).
[38] أي يمر كلمح البصر.
[39] مخدوش: ممزق.
[40] رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد وصححه الألباني في صحيح الجامع (3263).
[41] الآية 46 من سورة الأعراف.
[42] الآية 47 من سورة الأعراف.
[43] رواه البخاري وأحمد عن أبي سعيد وصححه الألباني في صحيح الجامع (510).
[44] الآية 73 من سورة الزمر.
[45] الآية 47 من سورة الحجر.