هذه المعركة المزمنة بين أدبين!
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
للأستاذ كرم ملحم كرم
إنها لمعركة مزمنة حقاً هذه المعركة بين الجديد والقديم. فهي معركة حامية لا تنطفئ لها نار ولا يخبو منها أوار.
فالشباب والمشيب يتطاحنان.
المتربع في القمة يصارع الواقف في ساحل الحياة، الضاحك للمستقبل، المتقلب في أحضان الربيع، الناعم باخضرار العيش، يقاتل من يحاذر الوقوع في اللجة.
الهاتف بملء فيه (الغد لي) يغالب التمسك بأذيال الحياة لئلا يبتلعه الموت! ومعركة القديم والجديد بدأت منذ الأزل وسوف تتصل بالأبد.
فأن هذا التطاحن بين الأمس وأبن اليوم حديث كل يوم.
هذا التطاحن بين أبن الأمس الخائف على مكانته من التهشيم والتحطيم، وأبن اليوم الراغب في أن يشق لنفسه طريقاً إلى الشمس، القائل للقديم المزمن: (دعني أحتل مقعدك!.)، هذا التنافر أبن عصور ودهور، انبثق يوم انبثاق الكون، وسيرافق الكون في مراحله الطوال لا يزول منه إلا يوم يزول فالشباب يغيظه أن يطأطيء الرأس للمشيب، أن يعترف له أبداً بالسيادة، أن يقف حياله مكتوف اليدين، فيصبح به: (نلت نصيبك من دنياك فلا تحرمني نصيبي!.
) فيأبى من أدركهم المشيب أن يتزحزحوا من أماكن استقروا فيها بعد جهد ومشقة.
ويغضب الشباب وفي أعصابه جمر ونار فيثور وتنشب المعركة.
ولا يسلم الفريقان من شظايا القدح والنقد والتعريض.
الشيخ العتيق يسخر بثمار عقول الشباب.
والرائع في مقتبل العمر يهز بيده المهند الصقيل مهدداً متواعداً، وتتساقط الضحايا في الميادين.
ويقول القائلون: (المعركة بين القديم والجديد!.
) ويخيل إلى بعضهم أن الأدب القديم هو ما جاد به الطاعنون في السن.
وأن الأدب الجديد هو ما يتحفهم به كل ناضر العود.
على حين أن بين ذوي الأنياب الصفر فئة لا يبلى لها طارف ولا تليد.
فالجديد ما تنفث وتكتب وتنظم، كما أن بين الفتيان الأفراخ الزغب الحواصل، فريقاًلا يحسن الابتكار ولا التوليد، فانه لغارق في القديم إلى الأذنين، ويأبى أن يحارب كل من أسن وشاب وشاخ، وبات على قيد خطوة من يومه الأخير! وهذه المعركة لا يصح القول عنها أنها بين أدب قديم وأدب جديد.
إن هي إلا بين المشيب والشباب، بين قوم تمتعوا بأطايب جهرهم وأدركوا الشهرة الواسعة والصيت البعيد، وقو يريدون قسمتهم من قرص الحلوى.
فهم نهمون شرهون جائعون، يلتمسون الأكلة الشهية يتذوقها، مع، انهم في الخطوات الأولى من عهد الفطام. ومثل هذا النظام ما خلا منه عهد.
أما سمعنا جريراً يقول حين سئل في الأخطل: أدركته وله ناب واحد، ولو أدركته وله نابان لأكلني! فالأخطل أكبر من جرير سناً.
وقد تحكك به جرير ليدرك المنزلة العليا فأدركها، وهناك من شاء الإقتداء بجرير في التحكك بالطاعنتين في السن.
نريد بشار بن برد الشاعر الفحل الضرير.
فقد راش بسهامه جريراً.
على أن جريراً لم يرد عليه.
وكان يقول حين يبلغه طعن بشار: مالنا ولهذا الغلام الخامل الغر نرفع قدره! فقيل لبشار: بم أساء إليك جرير؟ قال: لم تنلني منه إساءة.
على أني وددت أن يهجوني.
ولو فعل لكنت لأشعر شعراء العرب أجمعين! وغاظ المعري أن يسمع: (هل غادر الشعراء من متردم؟.) فانشد قصيدة من عالي الشعر جاء فيها: وإني وإن كنت الأخير زِمانه ...
لآت بما لم تستطعه الأوائلُ فالتطاحن بين القديم والجديد ليس ابن يومه.
فكل يريد المقام الأول.
والشجيرة يؤلمها أن تخيم عليها الشجرة فتسعى إلى امتصاصها كي تذبل وتجف.
هي سنة تنازع البقاء.
الشاب يدفع الشيخ إلى الهوة ليقوم مقامه، والقوي ينشب أظفاره في الضعيف لتخلو له الساحة.
وقد يكون هذا الشيخ من أنصار التجديد.
ولكن الشاب لم يطق ظلمه، فحفر له الحفرة ووقف يشهد مصرعه فيها. إذاً من هم أنصار الأدب القديم؟ من هم المتمسكون به والداعون إليه؟ لا جدال في أن الأدب القديم ركن الأدب الجديد.
فالأدب الجديد لم ينشأ عفواً، بل تسلق قواعد القديم وشيد عليها قواعده الخاصة يستند إليها ويحيا بها.
فالأدب القديم أبوه، على أن الابن وأن يكن تغذى من أبيه فقد أظهر فيما شيد لنفسه من بنيان انه مستقل.
فأن حجارة هيكله تختلف في حجمها ولونها وشكلها عن حجارة هيكل المتقدمين.
بل هو خالفهم في البناء نفسه.
فجعلوا هيكلهم مستطيلاً.
فأبى إلا إن يشيد هيكله مستديراً، وبنوه عالي القباب فرفعه ناتئاً يشك في الأجواء.
بدا هيكله في منظر خشن فتلألأ هيكله لطيف الشكل، مصقول الجدران ترتاح العين لرؤيته وينعم فيه النظر بلا ملال.
والأدب الجديد ليس وليد عصر معروف، فكل عصر يحفل بالقديم والجديد، كل عصر يبرز فيه هيكلان يختلفان شكلا ولونا وذوقا.
كل عصر يدين بهذين المذهبين ويقوم فيه من يناصر القديم ويظاهر الجديد.
وليس نصير القديم من وقف على الأطلال فبكى واستبكى، فأن بعضهم يقف على الأطلال ويجود بالشائق الرضي.
أما انشد داود عمون: هاج أشواقي إلى الدمن ...
طائرٌ غنى على فنن وداود عمون شاعر ثوى منذ سنوات قلائل في مقره الأخير وقد جاء شعره في الدمن من أرق الشعر، فلا هو بالخشن المبتذل ولا الجاف الغليظ، فالعذوبة وافرة فيه، والقوة محكمة في دباجته العالية.
وليس كل من تحدث عن الإبل والنوق بنصير القديم.
فالمنخل اليشكري لم يكن من أنصار القديم حين قال: وأحبها وتحبني ...
ويحب ناقتها بعيري لا، فأن في هذا الشعر لظرفا، وان فيه لإمعاناً في التوكيد على نحو ما جاء في قول أبي نؤاس: إلا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر ...
ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر إن فيه لرونقاً، فهو بعيد عن التكلف في سبكه ومعناه.
وكل شعر جامع للرونق خال من التكلف والغلو الفحاش يطمئن إليه كل جيل، ويرضى عنه الأدب الجديد.
فما هو الأدب القديم إذاً؟.
الأدب القديم هو الحافل بغريب الكلام ووحشي الألفاظ، المثقل بالتقليد، الراكد في معناه ومبناه، فلا ابتكار ولا روعة ولا سهولة ولا ذوق، هو المنسوج على منوال خشن، الضخم الكلمات، الطنان الأجوف القائم على صناعة الألفاظ، المحشو تكلفاً وتعقيداً، البارد لفرط ما لاكته الألسن ومضغته الأفواه.
الأدب القديم هو الأدب المطبوع بطابع عصر معلوم، جاءه من يبعثه حياً في عصر لم يخلق له، فإذاً نحن رأينا في شعر أمريء القيس شيئاً جديداً فهناك ما لا يصح قولاً في عصر غير عصر الشاعر الضليل، فقد قيل في زمن يجب إلا يتخطاه إلى زمن آخر، وقد تبدلت العادات وتبدل الناس، والجديد الجديد في شعر امرئ القيس تشابيهه واستعاراته.
وهذه التشابيه والاستعارات ملك الشاعر لا يجوز لأحد أن يسطو عليها وإلا كان سارقاً.
كان أشبه بالضاحك من نفسه ليخدعها وإنما يهين نفسه.
فالابتكار في الأدب والاختراع في سائر الفنون.
فمن أبتكر في أسلوب الإنشاء مذهباً جديداً بات هذا الأسلوب معروفاً باسمه، ومن جادت قريحته بتشبيه جديد لا يجوز لأي أديب بعده أن يأخذ عنه هذا التشبيه ويتبناه وهو ليس من تواليده، وإلا كان سالخاً ضعيف المخيلة، قاصر اليد.
والأديب العربي لا يكون اليوم مبدعاً إذا أتحف الأدب بروايات أشبه بمقامات الهمذاني والحريري، فأن ذلك النسيج من ثمار عصر مضى، وهو مما تستحسن حياكته في أيام الانحطاط لإنهاض اللغة وإذاعة مفرداتها، فتلتقطها الأذهان وتستعين بها الأقلام، أما اليوم فأن أسلوب المقامات لا يحتسيه أبناء العصر ولا يستسيغونه، فقد تبدل أسلوب الإنشاء تبدلاً عظيماً، فمات السجع، ومات التقعر والتحذلق والانصراف إلى الألفاظ دون المعاني، وأضحى الأسلوب الساري كل واضح جلى قريب إلى الذهن والفهم.
ولا فرق في هذا الواضح الجلي سواء أنتقل إلينا من الجاهلية أو صدر الإسلام، أو الأعصر العباسية، أو عصر الإنحطاط، أو عصر الانبعاث فأن أتشاء أبن المقفع لا يبلى في أي عهد، ومثله الجاحظ، وأبن الأثير، والأصبهاني، وأبن عبد ربه، وأبن خلدون، مع أن إنشاء أبن خلدون أخذ يتقادم عهده وفيه من التطويل ما فيه.
واللغات كلها طافحة بأساليب الإنشاء.
وأنها لتحوي من الأساليب الممتعة ما لا تقوى على محوه يد الدهر، ولا تؤثر فيه سنة بقاء الأنسب، فهي صامدة للصروف لا ترث منها القوى ولا ينصل لونها وهي صافية نقية كزرقة السماء.
وهذه الأساليب يصح أن نطلق عليها أسم الأدب الجديد، وهي الخالدة، وهي مرجع الطلاب والأدباء، كساها منشئوها المعنى الجميل في المبنى السليم، فأضحت لا تنبو عنها الأذن ولا ينكرها أي جيل، وهو بها قرير ضنين. وما يقال في النثر يقال في الشعر.
فالشعر الناضج بالعصير الشهي لا يفنى، على حين أن الشعر اليابس لا تقوم له قائمة في سوى يومه ولو أنشد المتنبي، فأن شعر عمر بن أبي ربيعة، وجميل بثينة، وكثير عزة، وأبن الدمينة، وعباس أبن الأحنف، وأبن زريق، وأبي نؤاس، والشريف الرضي، والبهاء زهير، وأبن المعتز، وأبي الفراس، وشعراء الأندلس في معظمهم، مما أن يصح أن يقال اليوم وينشد، وتقتبس طريقته، ويهتدي بنوره، اللهم إذا تغاضينا عن بعض مناحي هذا الشعر اقتضاه روح العصر، وكثيراً ما يكون هذا الروح نائيا عن حضارة العصر الذي يلي. فأن هؤلاء الشعراء جمع منظومهم الرقة والروعة والوضوح، وكل شعر يرتع في هذه الميزات لا يعرف الأنقاض، خصوصا وهو مستمد من العاطفة، والعاطفة لا تموت، فالقلوب تخفق أبدا بها.
وكل شعر أوحت به العاطفة وعته الذاكرة، وردده اللسان، وأبتهج به الخاطر، وتناقلته الكتب والأفواه من عهد إلى عهد، وهو الشعر الذي يفرض مشيئته على الأيام والسنين. وللشعراء الهجائين منزلة وشأن لدى الحفاظ والرواة.
ويمكن القول أن شعرهم يقوم على العاطفة، أفلا تتبدل هذه العاطفة بما يتبدل به القلب؟.
.
ألا تخضع لسلطان الهوى؟.
وشعر الهجاء يثيره الهوى.
إذا فهو شعر عاطفي.
ولهذا الشعر حظه من البقاء والخلود أن يكن جميلا وفريدا، على طراز ما أتحفنا به الحطيئة والأخطل والفرزدق وجرير وبشار ودعبل وأبن الرومي والمتنبي.
فأن شعر الهجاء أقرب إلى الحفظ وأبقى أثرا.
فالنفس وهي الأمارة بالسوء تميل إلى الهجاء وترتاح له أكثر منها إلى إحراق البخور وتقبيل الأذيال. ولسنا ندعو بالخلود لكل شعر عاطفي، ولكننا نقول أن شعر العاطفة يملك ميزة الخلود أكثر من أي شعر آخر، ويأتي بعده شعر الوصف، على أن يكون بليغا رشيقا غير مسبوق إليه.
ويقبل في الدرجة الثالثة شعر الحكمة إذا أفرط فيه قائله تبرأ منه الشعر. ولا يكتب الخلود لشعر الحكمة إلا إذا قاله من أرغم الدهر على الإصغاء إلى إنشاده وأسمعت كلماته من به صمم، ومع أن المتنبي يسير في طليعة من صاغ هذا الشعر فلا يستطاع الجزم بأن حكمياته تستساغ في كل عصر، فهي من بنات عصرها.
وقد ظهر خاتم ذلك العصر فيها.
ومن المحال أن يحاول تقليدها أي عصر جديد.
وكل من استهواه تقليدها فهو من طبقة المحافظين. لا نكير في أن في هذا الشعر قوة ومناعة وحسن صياغة.
ولكن صب الحكمة في الشعر ليس مما يشمله الأدب الجديد.
فالأدب الجديد في الشعر عاطفة ووصف.
وما جاوز العاطفة والوصف بليد.
ويجوز أن تطفو الحكمة في بعض المواقف.
الا أن الإغراق فيها يذهب برونق الشعر.
ويرصف هذا الشعر فوق أكداس القديم. ومن الواجب على الأدباء والمتأدبين الإكثار من مطالعة أبي تمام والمتنبي وأبي العلاء. ففي مطالعة هؤلاء الأئمة ما يساعد على اقتباس العصمة والقوة والفخامة.
الا أن التشبه بهم يدل على العقم والعجز عن التوليد، يدل على الانغماس في التقليد، على الغرق في بحيرة ملأى منذ ألف عام.
فمن خاض عبابها، أن يبلغ شاطئها الآخر وإذا بلغ هذا الشاطئ فأي فضل هو فضله وقد كان تابعا لا متبوعا، وقد وقف حيث وقف سواه؟.
. ولماذا الإقتداء بأبي تمام والمتنبي وأبي العلاء في شعرهم الضخم الجانح إلى القديم أكثر منه إلى الجديد، وهناك عمر بن أبي ربيعه في قالبه الصحيح العذب الرسيل؟.
فإن ابن أبي ربيعه أبن كل عصر، على حين أن المتنبي أبن عصر أو عصرين أو ثلاثة.
فأن شعر زعيم الغزليين يقال وينشد ويردد اليوم وغدا وبعد غد، ويدغم فيما يقال اليوم وغدا وبعد غد كأنه منه وفيه.
فلا يجفوه عصر ولا يعرض عنه أي عهد.
بينما المتنبي لا يرحب بأسلوبه كل جيل، وأن يكن ثمة من اعترف به سيد الشعراء.
وكيف تسمع عمر بن أبي ربيعة ينشدك أبياته: تقول وليدتي لما رأتني ...
طربت وكنت قد أقصرت حينا أراك اليوم قد أحدثت أمراً ...
هاج لك الهوى داء دفينا وكنت زعمت أنك ذو عزاءٍ ...
إذا ما شئت فارقت القرينا بعينك هل رأيت لها رسولاً ...
فساقك أم لقيت لها خدينا فقلت شكا إلى أخ محب ...
كبعض زماننا إذا تعلمينا فقص على ما يلقى بهند ...
يذكر بعض ما كنا نسينا وذو القلب المحب وإن تعزى ...
مشوق حين يلقى العاشقينا كيف تسمع هذا الشعر ولا تحسبه من مواليد اليوم، بل من مواليد كل يوم، وهو الوضاء الصافي، الأنيق الرقيق؟.
. وهذا أبن الدمينة هلا أضعنا إليه في قوله: ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ...
فقد زادني مسراك وجداً على وجد أَإن هتفت ورقاء في رونق الضحى ...
على فنن غض النبات من الرند بكيت كما يبكي الحزين صبابة ...
وذبت من الشوق المبرَح والصد هلا أصغينا إلى هذا الشعر البهيالقشيب وهو يحدثنا بلغة اليوم وروح اليوم؟.
. قيل كان العباس بن الأحنف إذا سمع هذا الشعر تترنح منه الأعطاف، وكاد لفرط إعجابه به ينصح برأسه العمود.
فقد تعتقه أبن الدمينة بلا خمر. وأبو فراس أي عصر لا يفتح له صدره وقصائده من بنات كل عصر: أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ...
أما للهوى نهي عليك ولا أمر وماذا تقول في شعر المنازي يوم فزع إلى الوادي الظليل هرباً من الحر. نزلنا دوحة فحنا علينا ...
حنوَ المرضعات على الفطيم تروع حصاة حالية العذارى ...
فتلمس جانب العقد النظم ألا يسير هذا الشعر في ركاب كل عصر؟. والبهاء زهير؟.
أتنسى البهاء زهيراً؟.
أنا من تسمع عنه وبَرى ...
لا تكذب في غرامي خبرا وماذا نطلب في الشعر إلا أن ينهج هذا النهج، إلا أن يصدر عن هذا المورد؟.
ماذا نبغي منه إلا أن يبقى أبداً شهي المذاق، إذا رددناه في كل ثانية أطربنا ورجونا أن نستزاد منه، فلا يتنكر له زمن من الأزمان، ولا تشد دونه الأسماع كلما قام للأدب العربي كيان.
فالأدب الجديد إذا هو المبتكر، الفريد، السائغ، الرائع الديباجة، الواضح الجلي، الذي يرضى عنه كل عصر، ويهضمه كل جيل، فلا يؤلم السميع بغريب الألفاظ، ولا بالنافر من المعني، ولا بالتكلف والتعقيد.
والأدب القديم هو المثقل بالتقليد، المطبوع بطابع عصر خاص لا يعدوه، المنغمس في السجن في نثره، والمتوكئ على الألفاظ والتفلسف في شعره، العويص، الخشن، الوحشي الكلمات والمعاني، هو ما يحتاج إلى القاموس كلما خطر لك أن تجيل الأنظار ومثل هذا الأدب شؤم على اللغة والبيان، إلا أن المحافظين يستمرئونه، بينما أنصار التجديد يشنون عليه الغارة، وينادون إلى استئصاله وهو أدب راكد، والأدب الراكد لا يعيش! وقد طال التطاحن بين الأدبين، وسيطول كلما بقى في الأدب قديم وجديد.
وعندنا أن الأدب الجدير بالحياة ما استوفى شروط البيان، وحفل بالمبتكر، وهز النفس، وأرغمك على قراءته والإصغاء إليه، هو ما أطربك كلما رويته ووقفت على بدائعه وآياته.
هو ما رمى إلى أبعد مما يرمي إليه مقال في صحيفة سيارة بنشر اليوم ليطوي غداً.
! بيروت كرم ملحم كرم صاحب جريدة (العاصفة)