الحركة الوطنية الاشتراكية الألمانية
مدة
قراءة المادة :
15 دقائق
.
3 - البرنامج الداخلي في طور التنفيذ
للأستاذ محمد عبد الله عنان
رأينا كيف نشأت الوطنية الاشتراكية الألمانية واستمدت قوتها من عوامل اليأس والفوضى التي غمرت الشعب الألماني عقب الحرب، ومن مختلف المصائب والمتاعب التي توالت عليه من جراء شروط الصلح وأعبائه، ومن تفاقم الخطر الشيوعي، وفشل الديموقراطية والنظم البرلمانية في معالجة الحالة وتسيير الشؤون، من تفاقم العطلة والأزمة الاقتصادية؛ هذا من الناحية السلبية، وأما من الناحية الإيجابية فإن وعود الوطنية الاشتراكية في العمل على تحقيق وحدة ألمانيا وسلامها ورخائها؛ ومكافحة الخطر الشيوعي وحل مشكلة العطلة، وإنهاض الزراعة والصناعة والتجارة ومعالجة الأزمة الاقتصادية بوجه عام؛ ثم في تحرير ألمانيا من عسف الظافر ومن أعباء معاهدة الصلح؛ كانت كلها تبث الأمل والانتعاش في الجموع وفي الشباب بنوع خاص، وتحشد خول علم الوطنية الاشتراكية ملايين الأنصار.
والآن لنر كيف عملت الوطنية الاشتراكية لتنفيذ برنامجها الداخلي منذ قبضت على مقاليد الحكم في 30 يناير الماضي.
لم تمض أسابيع قلائل حتى استأثر الهر هتلر وحزبه بكل سلطة حقيقية، وغمر تيار الوطنية الاشتراكية ألمانيا من أقصاها إلى أقصاها، وبدأت ككل حركة ثورية تنفذ برنامجها بمنتهى العنف والسرعة. فوجهت ضرباتها الأولى إلى الشيوعية والديموقراطية؛ سحق الشيوعية أو الماركسية من غاياتها الرسمية كما بينا، ولكنها اتجهت إلى سحق كتلة اليسار كلها باعتبارها مسئولة عن كل مصائب ألمانيا منذ خاتمة الحرب؛ وجدت في مطاردة الحزب الشيوعي فمزقته أبلغ تمزيق وصادرت مراكزه وأمواله وصحفه ونشراته، واعتقلت كل زعمائه ونوابه وأنصاره، وسحقت دعايته بكل ما وسعت، ومزقت الحزب الديموقراطي الاشتراكي أعظم الأحزاب البرلمانية منذ نهاية الحرب، ونكلت بزعمائه ونوابه وأنصاره، واعتقلتهم كالشيوعيين آلافاً مؤلفة، وصادرت كل مراكزه وصحفه، واختفت الشيوعية والديموقراطية من ألمانيا بسرعة مدهشة، في الظاهر على الأقل؛ وحققت الوطنية الاشتراكية الألمانية في ذلك ما حققته الفاشستية الإيطالية يوم قيامها، بيد أنها كانت أشد عنفاً وقسوة؛ وكانت وسائلها أشد إثارة وإغراقاً، ولا ريب أن سحق الوطنية الاشتراكية للشيوعية كانت عملاً جليلاً، بل لعله أجل خدمة أدتها إلى ألمانيا وإلى الدول الغربية كلها، ذلك أن البلشفية (الشيوعية) خطر اجتماعي على النظام والمدنية كلها، وكانت قد تقدمت في ألمانيا إلى حدود مروعة، وكانت تحمل أكبر تبعة فيما أصاب ألمانيا من الاضطراب والخراب والفوضى، وكانت ألمانيا ومازالت حاجز البلشفية من الشرق، بيد أن الوطنية الاشتراكية كانت متطرفة مغرقة في مطاردة الديموقراطية، وكانت تقصد بسحقها إلى غايات حزبية لا إلى غايات قومية، بل لم يقف الحزب الوطني الاشتراكي عند سحق كتلة اليسار، ولم يطق أن يرى إلى جانبه أي حزب آخر في ألمانيا مهما حمدت مبادئه ووسائله، فمال على الحزب الوطني الألماني، وحزب الوسط الكاثوليكي؛ وهما الحزبان اللذان حالفاه وعاوناه على استخلاص الحكم والسلطة المطلقة؛ وانتهى بحلهما وإدماج أنقاضهما فيه، وبذلك اختفت كل الأحزاب البرلمانية السابقة من ميدان السياسة الألمانية، واستطاع هر هتلر أن يفرض الوطنية الاشتراكية على ألمانيا كلها. ولما كانت الوطنية الاشتراكية حركة طغيان مطلق، وقد بدأت بتعطيل الحياة الدستورية، فقد كان طبيعياً أن تعمل على إخماد جميع الحريات الدستورية حتى لا تقف عثرة في سبيلها.
ولم تكتف في ذلك بمطاردة خصومها السياسيين إلقائهم في ثكنات الاعتقال آلافاً مؤلفة دون أية تهمة، وإصدار القوانين الاستثنائية المختلفة بل عمدت إلى الصحافة مظهر الرأي الحر فسحقتها وأخضعتها لرأيها ووحيها، وجعلتها تابعة لوزارة الدعاية التي أنشأتها؛ وعطلت كل صحيفة مخالفة في الرأي، وجعلت مهنة الصحافة نوعاً من المهن الرسمية.
وكما أنه لا يستطيع اليوم إنسان في ألمانيا أن يرفع بالاعتراض على شيء من أعمال الحكومة، فكذلك لا توجد صحيفة ألمانية واحدة تستطيع أن تقول رأياً غير رأي الحكومة، ووزارة الدعاية (ووزيرها الدكتور جبلز) هي التي ترسم للصحافة كلها خططها وتلقي إليها أوامرها ووحيها.
والشعب الألماني لا يعرف من سير الحوادث والشئون في ألمانيا إلا ما تذيعه صحافته الرسمية.
ولم تفعل الوطنية الاشتراكية الألمانية في ذلك سوى أن حذت حذو البلاشفة في روسيا والكماليين في تركيا والفاشست في إيطاليا.
ومن الطبيعي أنه حيثما قام الطغيان المطلق تنعدم كل ألوان الحرية الفردية.
وهذا ما وقع في ألمانيا.
ويفسر لنا أنصار النظام الهتلري ذلك بأن ألمانيا قد أصبحت كلها تدين بمبادئ الوطنية الاشتراكية وغاياتها وتؤيد سياستها ووسائلها بكل ما وسعت؛ ولكن كيف يمكن استجلاء الرأي العام إذا جرد من كل وسائل الإعراب والإفصاح؟ هذا وأما من جهة تركيز السلطة فقد خطت الوطنية الاشتراكية في ذلك خطوة جريئة؛ وأصدر المستشار هتلر مرسوماً يقضي بإلغاء استقلال الحكومات والمجالس الاتحادية ويخضعها بطريقة مباشرة لسلطة الحكومة المركزية ويجردها من لك سلطة معارضة؛ وتلك بلا ريب خطوة هامة في سبيل تدعيم الوحدة الألمانية؛ وتدعيم هذه الوحدة كما رأينا من أخص غايات الوطنية الاشتراكية.
ونستطيع أن ندرك أهمية هذا الانقلاب متى ذكرنا كيف كانت الحكومات المحلية في بعض الولايات القوية (مثل بافاريا) تقاوم في كثير من الأحيان سياسة الحكومة المركزية وأعمالها.
وكيف كانت الدسائس الأجنبية تتسرب إليها لتنظم فيها دعوة الانفصال (مثلما حدث في منطقة الرين أيام احتلال الحلفاء) تمزيقاً لوحدة ألمانيا وأضعافاً لها.
وقد حقق هر هتلير في ذلك غاية جليلة، وأتم العمل العظيم الذي بدأه بسمارك في سبيل الوحدة الألمانية.
وثمة خطوة أخرى اتخذت في سبيل تركيز السلطة السياسية هي إلغاء نظام النقابات القديم وتنظيمها طبقاً لدستور جديد يحرم عليها كل عمل سياسي ويجعلها بما تضم من ملايين عديدة خاضعة للحكومة من حيث توجيهها الاقتصادي والاجتماعي؛ وهذا أيضاً تقليد من جانب الوطنية الاشتراكية للفاشستية الإيطالية التي عرفت قوة النقابات فنظمتها واستخدمتها لغاياتها. وقد بذلت الحكومة الوطنية الاشتراكية جهوداً لا بأس بها لمكافحة العطلة وإنعاش الزراعة والتجارة؛ وحذت حذو الفاشستية في العناية بأخلاق النشء ومطاردة ألوان الفساد الاجتماعي والجنسي، وتعزيز الميول الرياضية والأخلاق المحافظة؛ وفي الحد من حرية المرأة وتدخلها في الشئون العامة، وتوجيهها إلى المنزل والأسرة.
وتلك من عناصر قوتها وتقدمها. والآن ننتقل إلى مشكلة من أخطر وأدق المشاكل التي أثارتها الوطنية الاشتراكية الألمانية: تلك هي مشكلة الجنس وتطهيره وتفوقه، أو بعبارة أخرى هي المسألة اليهودية: ونحن نعرف أن سحق اليهودية الألمانية غرض أساسي من أغراض الوطنية الاشتراكية، وأنه أدمج منذ الساعة الأولى في برنامج الحزب الوطني الاشتراكي في مادة خاصة هذا نصها: (لا يحق لغير أعضاء الأمة أن يكونوا موظفين في الدولة، ولا يحق لغير أولئك الذين ينحدرون من دم ألماني مهما كان مذهبهم أن يكونوا أعضاء في الأمة؛ وإذن فليس ليهودي أن يكون عضواً في الأمة) (المادة الرابعة): ويخصص هر هتلر في كتابه (جهادي) حيزاً كبيراً لنظرية الجنس؛ ويشرح بإفاضة خطر الجنس اليهودي وخواصه المنحطة؛ ويعتبر الجنس الآري وحده أهلاً لإنشاء الحضارة، والجنس اليهودي أشد الأجناس هدماً للحضارة؛ وإن الحضارات الإنسانية العظيمة لا تفنى إلا لأن الجنس المنشئ لها يفنى بامتزاج الدم وتسممه، وأن تاريخ الأمم الآرية يدل على أنها تنحط وتتدهور كلما انحرفت عن مبدأ فصل الأجناس وامتزجت بالشعوب المغلوبة؛ ويعدد هتلر مزايا الجنس الآري، ثم يتحدث عن خواص الجنس اليهودي، فيقول أنه جنس يضطرم بالأثرة، وأنه ذكي ولكنه مقلد مجرد من الابتكار والطرافة، وأنه لم يخلق لنفسه أية حضارة خاصة، ولا يحدوه أي مثل أعلى: ثم يصف الطرق التي يتبعها اليهودي في دخول المجتمعات الجرمانية، فيقول أنه يحل في أثر الجيوش الأجنبية، ويتقدم كتاجر ويشتغل بالوساطة والربا الخطر، ويحتكر التجارة ويرهق الفلاحين؛ ويجتمع اليهود في أحياء أو مجتمعات خاصة، وينشئون بذلك دولة داخل الدولة، ثم يملقون رجال السلطة والأمراء ويمدونهم بالمال، ويستظلون بنفوذهم وحمايتهم، ويسيطرون على البورصة والإنتاج؛ ثم يملقون الشعب ويبدون له في ثوب محبي الإنسانية وأصحاب النظريات الحرة، ويتكلمون الألمانية ولكنهم يحرصون كل الحرص على نقاء جنسهم، ويستعملون لتعزيز نفوذهم أداين قويتين هما الصحافة والبناء الحر (الماسونية).
هذا من الناحية الاجتماعية، وأما من الناحية السياسية، فإن هتلر يعتبر الشيوعية (المركسية) يهودية في أصلها وفي غاياتها؛ ويقول لنا إن الوطنية الاشتراكية تؤمن بزعامة الجنس وأهمية الفرد وتجل الزعامة والفكرة الارستوقراطية، ولكن المركسية ديموقراطية حرة تحل مكان الفرد فكرة الجماعة وتتخذ من ذلك وسيلة لتمكين اليهودية من الاستئثار بالنفوذ العالمي. وليس فيما يقوله هر هتلر عن اليهودية شيء جديد.
وإنما هو ترديد فقط للنظرية الألمانية القديمة التي قامت عليها خصومة السامية الحديثة.
وكان الكاتب الألماني كرستيان لاصن أول من نوه في منتصف القرن الماضي بأهمية الفوارق الجنسية بين الجنس الآري والجنس السامي، وبتفوق الآريين في الذهنية والخواص الجنسية على الساميين، وتبعه المؤرخ الفرنسي رينان في التنويه بانحطاط الأجناس السامية.
وقد كانت ألمانيا منذ أواخر القرن الماضي مهداً خصباً لخصومة السامية (أ.
حركة اضطهاد اليهود) وكان بسمارك قبل قيام الإمبراطورية يصادق اليهود ويعتمد عليهم في تحقيق سياسته لأنهم كانوا بين الأحرار قوة بارزة، وكان الأحرار يؤيدون وحدة ألمانيا، فلما تحققت الوحدة الألمانية انقلب بسمارك لمحاربة الأحرار واليهودية ووجد في خصومة السامية سلاحاً قوياً، وتفاقمت الحركة غير بعيد، وأيدها المحافظون ورجال الدين وسرت الصحية بأن اليهود خطر على ألمانيا والفت صداها في الرأي العام بقوة.
وعرض اليهود إلى صنوف الاضطهاد والزراية واقترح بعض النواب إبعاد اليهود عن الوظائف والمدارس، ونظمت الجهود لمقاطعة التجارة اليهودية، وكادت الحركة تضرم في ألمانيا نار الحرب الأهلية لولا أن رأى جماعة من العقلاء والمفكرين وعلى رأسهم ولي العهد (الإمبراطور ولهلم الثاني فيما بعد) خطورة الحركة وسوء عواقبها، فأذاعوا منشوراً وقعه كثير من أعلام العصر شرحوا فيه أخطار هذه الخصومة القومية، ووصفوها بأنها وصمة في شرف ألمانيا، وناشدوا الشعب أن يخلد إلى السكينة والاعتدال فهدأت الحركة واضمحلت بسرعة وانصرف عنها معظم العقلاء والمعتدلين، وهذه نفس النظرية - نظرية الخصومة السامية - التي نقلها هر هتلر وصاغها في برنامج حزبه كمبدأ أساسي يجب أن تعمل الوطنية الاشتراكية مذ تولت مقاليد الحكم لسحق اليهودية بمنتهى العنف والقسوة والسرعة، فطاردت اليهود في كل مناحي الحياة العامة بشدة، وقضت الحكومة الهتلرية بطرد جميع الموظفين غير الآريين (اليهود) من وظائفهم في جميع مصالح الحكومة المركزية والمحلية، وإقصاء جميع المستخدمين والعمال اليهود عن أعمالهم في جميع الجهات والهيئات والأعمال، وعزل جميع القضاة وأساتذة الجامعات والمعلمين اليهود، وقضت بطرد الأطباء اليهود من جميع المستشفيات العامة وشطب أسمائهم من سجل الأطباء والجمعيات الطبية، وفرضت عليهم في مزاولة العمل الخاص قيوداً تستحيل معها مزاولة المهنة، وحرمت على معظم المحامين اليهود مزاولة مهنتهم، وحرمت على اليهود في المستقبل مزاولة المهن والأعمال التي تقتضي درجة عالية من التعليم، وجعلت للطلبة اليهود في المدارس الثانية والعالية نسبة ضئيلة، وحددت نسبتهم في، المستقبل بواحد في المائة، ونظم الحزب الوطني الاشتراكي من جهة أخرى مقاطعة التجارة اليهودية في سائر ألمانيا، ونفذها بطريقة رسمية يوم أول أبريل الماضي رداً على دعوة اليهودية في الخارج إلى مقاطعة التجارة الألمانية، وعلى الجملة فإن الحكومة الألمانية لم تترك حقاً مدنياً أو سياسياً لليهود إلا سلبته ولم تترك لهم وسيلة مشروعة للحياة والعيش والعمل إلا سحقتها، وصيغ ذلك كله في طائفة من القوانين الاستثنائية التي لم يسمع بها، ونفذ في غمر من المناظر المروعة، وارتكبت خلال تنفيذه سلسلة من الاعتداءات والجرائم المثيرة كانت لها في الرأي العالمي أشد وقع، واتخذت ذريعة لحملات شديدة على الوطنية الاشتراكية الألمانية وعلى مبادئها ووسائلها. ولا نقف طويلاً عند هذه الحوادث المعروفة، ولكن يحسن أن نلخص الأسباب والحجج التي تبرر بها الوطنية الاشتراكية موقفها.
فهي تقول إن اليهود يبلغون في ألمانيا نحو واحد في المائة فقط من مجوع الشعب الألماني (نحو سبعمائة ألف من 65 مليوناً) ومع ذلك فقد استطاعوا في ظل الحكومات الديموقراطية أن يحصلوا على أعظم قسط من النفوذ والسلطان في دوائر الحكم والمالية والثقافة والمهن الحرة والفنون والتجارة والصناعة، وكل مقومات الحياة العامة، وأنهم بلغوا في بعض هذه، الميادين نسباً لم يسمع بها، مثال ذلك أن نسبة الأطباء اليهود في برلين بلغت 52 في المائة من المجموع وبلغت أكثر من ذلك في المحاماة، وبلغت نسبتهم في دوائر البورصة تسعين في المائة، ووصلت أيضاً في دوائر التعليم إلى حدود مزعجة، مثال ذلك أنه كان بجامعة برزولا سنة 1931 من الأساتذة اليهود 25 في المائة في كلية الفلسفة و47 في المائة في كلية الحقوق و45 في المائة ف كلية الطب.
وأما في الدوائر المالية فقد كان نفوذهم فوق كل نفوذ، مثال ذلك أنه في سنة 1928 كان خمسة عشر يهودياً يسيطرون على إدارة 718 شركة ألمانية وهكذا.
وتزيد الوطنية اشتراكية أن كثيراً من اليهود الذين تقصدهم بالمطاردة ليسوا من اليهود الألمان، ولكنهم وفدوا على ألمانيا عقب الحرب من أوكرانيا وغاليسيا وبولونيا وأنهم من العناصر المنحطة التي يخشى منها على سلامة الجنس الجرماني.
بيد أن مطاردة اليهودية في ألمانيا كانت عامة شاملة كما تقدم. والواقع أن الوطنية الاشتراكية الألمانية لا تقف في صوغ نظرية تفوق الجنس وفهمها عند هذا الحد، بل تذهب في ذلك إلى أبعد مدى.
فهي تنادي بتفوق الجنس الآري على جميع الأجناس الأخرى لا على الجنس اليهودي وحده، وترى أن الأجناس غير الآرية كلها أجناس منحطة، وتعتبر شعوب البحر الأبيض الجنوبية والشعوب السامية والشرقية بوجه عام كلها من الشعوب المنحطة التي يجب أن يستعبدها الجنس الآري، ويجب أن يحرص على نقائه من الامتزاج بها.
وهذه نظرية تستحق منا نحن المصريين والشرقيين عامة تأملاً خاصاً.
ولسنا في حاجة لأن نقول إنها لا تقوم على سند من العلم أو البحث أو التفكير السليم، لأنها ليست إلا مظهراً جديداً لما تجيش به الشعوب الغربية نحو الشرق من أثرة وتحامل وليست إلا عنواناً جديداً لتلك النزعة الاستعمارية الغربية التي ترى في الشرق أبداً فريسة يجب التسابق لاقتسام أشلائها.
على أن إغراق الوطنية الاشتراكية في نزعتها الجنسية وما أثارته باسمها من ضرام الخصومة السامية، وما لجأت إليه في تنفيذ سياستها من العنف والبطش.
انتهت إلى نتائج لم تكن تتوقعها، فقد اتخذت كما قدمنا مادة لحملات شديدة على ألمانيا في معظم دول العالم، وكان لذلك أثره في هيبة ألمانيا وسمعتها ومصالحها الخارجية، وكان أكبر عامل في تحول الرأي العام في إنكلترا وأمريكا عن مناصرة ألمانيا في ميدان السياسة الدولية. هذا ما فعلته الوطنية الاشتراكية الألمانية لتنفيذ برنامجها الداخلي وسنرى في الفصل القادم كيف سارت في تنفيذ برنامجها الخارجي. محمد عبد الله عنان