أرشيف المقالات

القوة الحربية لمصر والشام في عصر الحروب

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
8 الصليبية للأستاذ أحمد أحمد بدوي (تتمة) واقتضت الضرورات الحربية هدم بعض المدن التي يخشى أن تكون خطراً في يد العدو إذا سقطت في يده، وقد رأينا أمثلة لذلك في فصل الحروب السياسية. ومن تلك المدن التي هدمت مدينة تنيس التي أمر الملك الكامل سنة 614 بتخريبها، فخربت وظلت خراباً إلى اليوم، ومدينة دمياط، ففي عهد الممز أيبك اتفق المماليك على تخريبها خوفاً من مسير الفرنج إليها مرة أخرى، فوقع الهدم في أسوارها سنة 648، وخربت كلها، ومحيت آثارها، ولم يبق منها سوى الجامع، وصار في قبليها أخصاص على النيل، سكنها ضعاف الناس وسموها المنشية، وهي أساس مدينة دمياط الحالية.
وفي عهد بيبرس أخرج عدة من الحجارين سنة 659 لردم فم بحر دمياط حتى لا تستطيع سفن الأعداء دخوله، فمضوا وألقوا فيه من كبار الحجارة ما ضيقه، حتى أصبح من العسير دخول مراكب البحر الكبار منه، ولا يزال على ذلك إلى الآن. وإذا كانت الضرورة الحربية قد قضت بهدم بعض المدن، فقد أنشأت الحرب بعضاً آخر، كمدينة المنصورة التي أنشأها الملك الكامل سنة 616، بعد أن ملك الفرنج مدينة دمياط، فإنه نزل بموضع هذه البلدة، وخيم به، وبنى قصراً لسكناه، وأمر من معه من الأمراء والجند بالبناء، فبنيت هناك عدة دور، ونصبت الأسواق، وأدار عليها سوراً مما يلي البحر، وستره بالآلات الحربية والستائر، ولم يزل بها حتى استرجع مدينة دمياط، وأخذت تنمو من يومئذ حتى صارت مدينة كبيرة بها الحمامات والفنادق والأسواق، وفي هذه المدينة نزل الصالح أيوب عندما هاجم الفرنج دمياط، فأصلح سورها وجعل الستائر عليه، وشرع الجند في تجديد الأبنية هناك، وبعد موت الصالح بها، دارت المعركة التي انهزم فيها الصليبيون هزيمة نكراء. وأنشأ الصالح أيوب مدينة في أول الرمل للذاهب إلى الشام من مصر، سميت الصالحية، وكان ذلك سنة 644، وجعل فيها سوقاً جامعة ومسجداً، وقد أنشأها لتكون مركز العساكر عند خروجهم من الرمل، ومنذ ذلك الحين اتخذها الجند مركزاً لهم إذا خرجوا للغزو، أو عادوا إلى مصر. وكان لمصر في ذلك العصر علم يميزها، كان لونه في عصر الدولة الفاطمية أبيض، مكتوباً عليه بلون لعله أصفر قوله تعالى: نصر من الله وفتح قريب.
وتختلف أحجام الأعلام، إلا أن أكثرها استعمالاً كان كوله ذراعين في عرض ذراع ونصف.
وكان إلى جانب هذا العلم الرسمي علمان خاصان بالخلفية، يعرفان بلواءي الحمد، وهما رمحان طويلان، ملبسان بأنابيب من ذهب إلى حد أسنتهما، وبأعلاهما رايتان من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب، ملفوفتان على الرمحين غير منشورتين. فلما جاء صلاح الدين اتخذ راية ذات لون أصفر، وكأن في ذلك إشارة إلى أن مصر وإن كانت قد عادت إلى أحضان الدولة العباسية - مستقلة ذات كيان خاص بها، ولست أدري إن كان هذا اللون الأصفر لون أعلام نور الدين أو هو لون انفرد به صلاح الدين، لأننا نجهل لون راية نور الدين، ولعلها كانت سوداء كرايات العباسيين. ولا نعلم بوجه التحقيق السر في اختيار صلاح الدين هذا اللون.
أما سر اختيار الفاطميين للون الأبيض، فهو مخالفتهم المخالفة التامة للعباسيين، الذين اختاروا اللون الأسود شعاراً لهم فعلى الضد منهم اختار الفاطميون لون أعلامهم. وظل العلم الأصفر علم الأيوبيين والمماليك لمن بعدهم، وكان من الرايات عندهم عدة أنواع: فمنها راية عظيمة من حرير أصفر، مطرزة بالذهب عليها ألقاب السلطان واسمه، وتسمى العصابة، وراية عظيمة في رأسها خصلة من الشعر تسمى الجاليش، ورايات صغر صغار تسمى السناجق، وصار للمتولي أمر الأعلام السلطانية في عهد المماليك وظيفة أمير علم، أما العلم دار فهو لقب الذي يحمل العلم مع السلطان في المواكب. ولم أعرف زي الجند في العصر الفاطمي سوى أنهم كانوا يلبسون السراويل والبرانس أما بعد ذلك فقد أدخل سلاطين الأيوبيين لبس الكلوتة بمصر فكانوا يلبسون الكوتات الجوخ الصفر على رءوسهم بغير عمائم، وذوائب شعورهم مرخاة تحتها، وكذلك كان يفعل أمراؤهم وجندهم ومماليكم.
ولم يزل السلاطين والجند يلبسون الكلوتات الصفراء بلا عمامة إلى عصر المنصور قلاوون فإنه أضاف لبس الشاش على الكلوتة، وقد صارت تصنع من الصوف الملطي الأحمر، وفي عهد ابنه الأشرف خليل رسم لجميع الأمراء أن يركبوا بين مماليكهم بالكلوتات المزركشة، حتى يميز الأمير بلبسه عن غيره، وتركت الكلوتات الجوخ الصفر لمن دونهم.
على أنها ظلت تلبس فوق ذوائب الشعر المرخاة، على ما كان عليه الأمر أولا.
وفي عهد الناصر محمد بن قلاوون استجد العمائم الناصرية وهي صغار، وحلق رأسه، وحلق الأمراء رءوسهم، وتركت ذوائب الشعر. وفي عهد المماليك كان الجند يشدون أوساطهم ببنود من قطن بعلبكي مصبوغ، وعليهم أقبية بيضاء أو مشجرة حمراء أو زرقاء، وهي ضيقة الأكمام، وفوق القباء كمران بحلق وأبزيم وصولق، والصولق جراب أو كيس من جلد، وفيه منديل طوله ثلاثة أذرع، فلما جاء قلاوون صاروا يلبسون الأقبية التترية، وفوقها القباء الإسلامي، وعليه تشد المنطقة والسيف.
ويتميز الأمراء والمقدمون وأعيان الجند بلبس أقبية فوق ذلك قصيرة الأكمام. وكان العادة في الأسرى أن ينزلوا في معسكر خاص بهم، تضاف الرجال إلى من فيه من الأسرى ويمضي بالنساء والأطفال إلى قصر الملكي بعد أن يعطي الوزير طائفة منهم ويفرق ما بقى من النساء على الجهات والأقارب فيستخدمونهن ويربونهن حتى يتقن الصناعات، ويدفع الصغار من الأسرى إلى الأستاذين فيربونهم ويتعلمون الكتابة والرماية، ويقال لهم (الترابي) وفيهم من صار أميراً من صبيان خاص الخليفة ومن كان يستراب به من الأسرى ضربت عنقه، ولم يعرف قط في الدولة الفاطمية أنها فادت أسيراً من الفرنج بمال ولا بأسير مثله، أما في الدولة الأيوبية فكانت المفاداة تحدث من الجانبين. أحمد أحمد بدوي مدرس بكلية دار العلوم - بجامعة فؤاد الأول

شارك الخبر

المرئيات-١