الحصون الحامية لثبات الداعية
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الحصون الحامية لثبات الداعيةالداعية تَلقَى ما لا تلقاه غيرها؛ من فتن أو ابتلاءات؛ ولذلك فهي تحتاج لحصون تحصِّن بها نفسها؛ حتى تثبت على هذا الطريق.
فأول هذه الحصون وهو رأسها: الدعاء:
فالداعية تحتاج دائمًا للعون من الله، وعليها أن تتضرع لله سبحانه وتدعوه أن يرزقها الثبات؛ ثبات الإيمان في قلبها أولًا؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكْثِر من دعاء: ((يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، وثباتها على طريق الدعوة ثانيًا.
أيضًا تدعو الله أن يفتح قلوب من أمامها؛ لأن القلوب بيد الله والموفِّق للهداية هو الله؛ قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: 56].
الحصن الثاني: وجود المربية المشردة القريبة من الداعية:
إذا كان إنسان يريد عمل مشروع مادي دنيوي، فهو يحتاج أن يكون له صلة بمن هو صاحب خبرة في هذا المشروع؛ ليأخذ منه النصائح والتوجيهات، فذلك يختصر عليه الطريق، ويساعده في الأزمات، وهو أدعى لثباته واستمراره في مشروعه.
هذا في المشروع الدنيوي، فكيف بالمشروع الأعظم؛ وهو مشروع الدعوة إلى الله.
وإذا تأملنا في سِيَرِ العلماء، نجد أن كل عالم له عالم معلِّم ومربٍّ، تأثر به، وكان يرشده.
ولكن ماذا تفعل الداعية إذا لم تجد هذه المربية المرشدة لها؟
عليها الزيادة من العلم من العلماء، وإن لم تجالسهم أو تتواصل معهم بشكل مباشر، فكلما زاد العلم، ازدادت إنارة العقل، وفتح الله لها من نور علمه.
الحصن الثالث: مصاحبة الصالحات ووجود الرفيقة المعينة:
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))؛ [أخرجه أبو داود، والترمذي].
الداعية عليها مصاحبة صاحبات الهِمَمِ اللاتي يَحْمِلْنَ همَّ الدعوة؛ لتكون مثلهن، ولا تصاحب المثبِّطات والمحبِطات، وأن تجعل لها أختًا ورفيقة تُعِينها وتشاركها في حمل الدعوة.
نبي الله موسى حين أمره الله بدعوة فرعون لم يطلب جيشًا من الملائكة، وإنما طلب أخوه معينًا له، ويتحمل عنه، ويشاركه في تبليغ الرسالة والدعوة إلى الله.
قال تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه: 29 - 32].
الحصن الرابع: عطاء ثابت ومستمرٌّ ولو كان قليلًا في الدعوة:
الدعوة إلى الله على ما فيها من الأجر العظيم، فهي وسيلة من وسائل الثبات والحماية من التراجع والتقهقر، فمهما ضعُفت همة الداعية عليها ألَّا تفرط، ولو بالقليل في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على قدر ما تستطيع.
لأن التخاذل يزيد الخذلان، والتراجع في الدعوة يضعف الداعية إيمانيًّا وعلميًّا، فالداعية كالطبيب يحارب المرض بخبرته وعلمه، وبمحاربته للمرض في الآخرين، فهو أبعد من غيره من الإصابة به.
الحصن الخامس والأخير: المحافظة على الستر الذي بينها وبين الله:
الإكثار من طاعة السر بأن يكون لها خبيئة صالحة بينها وبين الله سبحانه وتعالى، والحذر من معصية السر؛ فقد قيل: ذنوب الخلوات أصل الانتكاسات.
وأخيرًا، فلتعلم كل داعية أن الدعاة ورثة الأنبياء، فلتتبع نهجهم، ولتدرك أن هذا الميراث العظيم فضل من الله، والموفَّق من وفَّقه الله تعالى.