العبودية لله درجة من الكمال لا تُتاح لكل أحد، بل يرشح لها من استجمعوا خصالا معينة
هناك عارفون بالله، ولكن المعرفة تتفاوت وضوحا وغموضا وسطحية وعمقا
وهناك مطيعون لله، ولكن الطاعة تتفاوت نشاطا وكسلا، وخفة وثقلا، وتكلفا وترحيبا
والعبودية الكاملة إنما يحظى بها من أشرق يقينه وطار إلى ربه بجناح من الشوق والحب
قد كان محمد- عليه الصلاة والسلام- عامر القلب بربه، عميق الحس بعظمته، وكان ذلك أساس علاقته بالعباد ورب العباد
ما أجمل أن يكون المرء سليم البدن، تنهض أجهزته وعضلاته بوظائفها كلها دون إعياء أو ملال
إن المسلم عندئذ ينطلق في كل أفق ليؤدي واجباته باقتدار ورغبة
وذلك سر حمد الله على العافية المتاحة
أن الله خلق آدم على صورته، واستخلفه في هذه الأرض ليكون نائبا عنه، ومكنه، بل كلفه أن ينشط في استغلال خيرها وامتلاك أمرها وأوصاه أن يحترم أصله الإلهي العريق، فلا يتدلى عنه إلى نزعات الطين ووساوس الشياطين
كنت مع إبراهيم وهو بوادي مكة المجدب يسلم ابنه للقدر المرهوب، ويسأل الله الأنيس لأهله: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)
إن ينابيع الحياة العاطفية والفكرية في نفس الرسول الكريم "محمد" بن عبد الله تجيء من معرفته الساطعة بالله، وذكره الدائم له، وأخذه بنصيبه الضخم من معاني الكمال في أسمائه الحسنى
في المواريث العقلية والعاطفية التي تركها هذا النبي الكريم، ترى كل العناصر التي يستطيع بها أي إنسان أن يقوم بوظيفته الصحيحة في الحياة
الله عز وجل يطلب من خلقه أن ينقادوا له، وأن تقوم علاقتهم به على مبدأ السمع والطاعة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)
كنت بقلبي مع موسى في مدين، وهو يحس لذع الوحشة والحاجة ويقول: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
وكنت مع عيسى وهو يواجه مُساءلة دقيقة ويدفع عن نفسه دعوى الألوهية: (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)
إن لذكر الله آثار كثيرة في الأخلاق والمسالك ليس هنا موضع تتبعها، وحسبنا أن نقول: إن ذكر العظيم يرفع القدر ويعقد العزم، والاستعداد للقائه يمنع الطغيان، ويضبط الحقائق