هو الإمام الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام، محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، الشافعي، الملقب بإمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة، صاحب التصانيف.

ولد: سنة 223.

مولى محسن بن مزاحم، عني في حداثته بالحديث والفقه، حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان.

كان بحرا من بحور العلم، طاف البلاد ورحل إلى الآفاق في الحديث وطلب العلم، فكتب الكثير وصنف وجمع، وكتابه الصحيح من أنفع الكتب وأجلها، وهو من المجتهدين في دين الإسلام، حكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الشافعية عنه أنه قال: "ما قلدت أحدا منذ بلغت ست عشرة سنة".


سار يوسف بن أبي الساج من أذربيجان إلى الري، فحاربه أحمد بن علي أخو صعلوك، فانهزم أصحاب أحمد وقتل هو في المعركة، وأنفذ رأسه إلى بغداد؛ وكان أحمد بن علي قد فارق أخاه صعلوكا، وسار إلى المقتدر فأقطع الري، ثم عصى، وهادن ماكان بن كالي وأولاد الحسن بن علي الأطروش، وهم بطبرستان، وجرجان، وفارق طاعة المقتدر وعصى عليه، ووصل رأسه إلى بغداد، وكان ابن الفرات يقع في نصر الحاجب، ويقول للمقتدر إنه هو الذي أمر أحمد بن علي بالعصيان لمودة بينهما، وكان قتل أحمد بن علي آخر ذي القعدة، واستولى ابن أبي الساج على الري، ودخلها في ذي الحجة، ثم سار عنها في أول سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة إلى همذان، واستخلف بالري غلامه مفلحا، فأخرجه أهل الري عنهم، فلحق بيوسف، وعاد يوسف إلى الري في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة واستولى عليها.


سار أبو طاهر سليمان القرمطي إلى الهبير في عسكر عظيم ليلقى الحاج في رجوعهم من مكة، فأوقع بقافلة تقدمت معظم الحاج، وكان فيها خلق كثير من أهل بغداد وغيرهم، فنهبهم، واتصل الخبر بباقي الحاج وهم بفيد، فأقاموا بها حتى فني زادهم، فارتحلوا مسرعين، وكان أبو الهيجاء بن حمدان قد أشار عليهم بالعود إلى وادي القرى، وأنهم لا يقيمون بفيد، فاستطالوا الطريق، ولم يقبلوا منه، فلما فني زادهم ساروا على طريق الكوفة، فأوقع بهم القرامطة، وأخذوهم، وأسروا أبا الهيجاء، وأخذ أبو طاهر جمال الحجاج جميعها، وما أراد من الأمتعة والأموال والنساء والصبيان، وعاد إلى هجر، وترك الحاج في مواضعهم، فمات أكثرهم جوعا وعطشا، ومن حر الشمس، وكان عمر أبي طاهر حينئذ سبع عشرة سنة، وانقلبت بغداد، واجتمع حرم المأخوذين إلى حرم المنكوبين الذين نكبهم ابن الفرات، وجعلن ينادين: القرمطي الصغير أبو طاهر قتل المسلمين في طريق مكة، والقرمطي الكبير ابن الفرات قد قتل المسلمين ببغداد، وكانت صورة فظيعة شنيعة، وكسر العامة منابر الجوامع، وسودوا المحاريب يوم الجمعة لست خلون من صفر، وتقدم المقتدر إلى ياقوت بالمسير إلى الكوفة ليمنعها من القرامطة، فخرج في جمع كثير، ومعه ولداه المظفر ومحمد، فأنفق على ذلك العسكر مال عظيم، وورد الخبر بعود القرامطة، فعطل مسير ياقوت، ووصل مؤنس المظفر إلى بغداد.


دخل أبو طاهر القرمطي الكوفة، وكان سبب ذلك أن أبا طاهر أطلق من كان عنده من الأسرى الذين كان أسرهم من الحجاج، وفيهم ابن حمدان وغيره، وأرسل إلى المقتدر يطلب البصرة والأهواز، فلم يجبه إلى ذلك، فسار من هجر يريد الحاج، وكان جعفر بن ورقاء الشيباني متقلدا أعمال الكوفة وطريق مكة، فلما سار الحجاج من بغداد سار جعفر بين أيديهم خوفا من أبي طاهر، ومعه ألف رجل من بني شيبان، وسار مع الحجاج من أصحاب السلطان القائد ثمل الخادم صاحب البحر، وجني الصفواني، وطريف السبكري وغيرهم، في ستة آلاف رجل، فلقي أبو طاهر القرمطي جعفرا الشيباني، فقاتله جعفر، فبينما هو يقاتله إذ طلع جمع من القرامطة عن يمينه، فانهزم من بين أيديهم، فلقي القافلة الأولى وقد انحدرت من العقبة، فردهم إلى الكوفة ومعهم عسكر الخليفة، وتبعهم أبو طاهر إلى باب الكوفة، فقاتلهم فانهزم عسكر الخليفة، وقتل منهم، وأسر جنيا الصفواني، وهرب الباقون والحجاج من الكوفة، ودخلها أبو طاهر، وأقام ستة أيام بظاهر الكوفة يدخل البلد نهارا فيقيم في الجامع إلى الليل، ثم يخرج يبيت في عسكره، وحمل منها ما قدر على حمله من الأموال والثياب وغير ذلك، وعاد إلى هجر، ودخل المنهزمون بغداد، فتقدم المقتدر إلى مؤنس المظفر بالخروج إلى الكوفة، فسار إليها، فبلغها وقد عاد القرامطة عنها، فاستخلف عليها ياقوتا، وسار مؤنس إلى واسط خوفا عليها من أبي طاهر، وخاف أهل بغداد، وانتقل الناس إلى الجانب الشرقي، ولم يحج في هذه السنة من الناس أحد.


لما رأى المحسن ابن الوزير ابن الفرات انحلال أمورهم، أخذ كل من كان محبوسا عنده من المصادرين، فقتلهم؛ لأنه كان قد أخذ منهم أموالا جليلة، ولم يوصلها إلى المقتدر، فخاف أن يقروا عليه.

فكثر الإرجاف على ابن الفرات، فكتب ابن الفرات إلى المقتدر يعرفه ذلك، وأن الناس إنما عادوه لنصحه وشفقته، وأخذ حقوقه منهم، فأنفذ المقتدر إليه يسكنه ويطيب قلبه, ثم ركب هو وولده إلى المقتدر، فأدخلهما إليه فطيب قلوبهما فخرجا من عنده هو وابنه المحسن، فأما المحسن فإنه اختفى، وأما الوزير فإنه جلس عامة نهاره يمضي الأشغال إلى الليل، ثم بات مفكرا، فلما أصبح سمعه بعض خدمه ينشد: وأصبح لا يدري وإن كان حازما.
.
.

أقدامه خير له أم وراءه.

فلما أصبح الغد، وهو الثامن من ربيع الأول، وارتفع النهار أتاه نازوك وبليق في عدة من الجند، فدخلوا إلى الوزير، وهو عند الحرم، فأخرجوه حافيا مكشوف الرأس، وأخذ إلى دجلة، ثم حمل إلى مؤنس المظفر، ومعه هلال بن بدر، فاعتذر إليه ابن الفرات، وألان كلامه، فقال له: أنا الآن الأستاذ، وكنت بالأمس الخائن الساعي في فساد الدولة، وأخرجتني والمطر على رأسي ورؤوس أصحابي، (ولم تمهلني) ثم سلم إلى شفيع اللؤلؤي، فحبس عنده، وكانت مدة وزارته عشرة أشهر وثمانية عشر يوما، وأخذ أصحابه وأولاده ولم ينج منهم إلا المحسن، فإنه اختفى، وصودر ابن الفرات على جملة من المال مبلغها ألف ألف دينار.


غزاة أمير الأندلس الناصر إلى دار الحرب، وهي الغزوة المعروفة ببنبلونة، حيث بلغ مدينة بنبلونة، فوجدها خالية مقفرة، فدخلها وجال بنفسه عليها، وأمر بهدم جميع بنيانها، وتخريب كنيسة الكفرة بها، التي كانت بيعتهم موضع نسكهم، حتى لقد جعلت قاعا صفصفا، ثم ارتحل منها إلى محلة بقرية منيير؛ ثم تنقل إلى محلة بدى شره المجاورة لشنت اشتبين؛ وكان موضع "استراح" العلج شانجة، ثم تنقل إلى حصن قلهرة، فألقاه خاليا، وأمر بهدمه ثم تنقل إلى حصن بلتميرة، وهو من حصون المسلمين المجاورة للمشركين، ثم رجع إلى قرطبة يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الأولى، وقد استتم في غزاته هذه أربعة أشهر.