كان الأمين قد أرسل عبدالملك بن صالح بن علي إلى الشام ليجمع له الجند، لكنه توفي في الرقة، فتولى أمر الجند الحسين بن علي بن ماهان، فعاد بهم إلى بغداد، ورفض القدوم على الأمين الذي أرسل إليه من يحضره، فاقتتل الطرفان وانهزم الجمع الذين أرسلهم الأمين، فخلع الحسين الأمين يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب، وأخذ البيعة للمأمون من الغد يوم الاثنين، فلما أصبح الناس يوم الأربعاء طلبوا من الحسين بن علي أعطياتهم واختلفوا عليه، وصار أهل بغداد فرقتين؛ فرقة مع الأمين، وفرقة عليه، فاقتتلوا قتالا شديدا، فغلب حزب الخليفة، وأسروا الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان وقيدوه، ودخلوا به على الخليفة ففكوا عنه قيوده، ثم إن الأمين عفا عن الحسين وولاه الجند وسيره إلى حلوان، فلما وصل إلى الجسر هرب في حاشيته وخدمه، فبعث إليه الأمين من يرده، فركبت الخيول وراءه فأدركوه فقاتلهم وقاتلوه، فقتلوه لمنتصف رجب.


ثار أبو عصام ومن وافقه على إبراهيم بن الأغلب، أمير إفريقية، فحاربهم إبراهيم، فظفر بهم.

واستعمل ابن الأغلب ابنه عبدالله على طرابلس الغرب، فلما قدم إليها ثار عليه الجند، فحصروه في داره، ثم اصطلحوا على أن يخرج عنهم، فخرج عنهم، فلم يبعد عن البلد حتى اجتمع إليه كثير من الناس، ووضع العطاء، فأتاه البربر من كل ناحية، فاجتمع له عدد كثير، فزحف بهم إلى طرابلس، فخرج إليه الجند، فاقتتلوا فانهزم جند طرابلس، ودخل عبد الله المدينة، وأمن الناس وأقام بها؛ ثم عزله أبوه، واستعمل بعده سفيان بن المضاء، فثارت هوارة بطرابلس، فخرج الجند إليهم، والتقوا واقتتلوا، فهزم الجند إلى المدينة، فتبعهم هوارة، فخرج الجند هاربين إلى الأمير إبراهيم ابن الأغلب، ودخلوا المدينة فهدموا أسوارها.

وبلغ ذلك إبراهيم ابن الأغلب، فسير إليها ابنه أبا العباس عبد الله في ثلاثة عشر ألف فارس، فاقتتل هو والبربر، فانهزم البربر، وقتل كثير منهم، ودخل طرابلس وبنى سورها.

وبلغ خبر هزيمة البربر إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، وجمع البربر وحرضهم، وأقبل بهم إلى طرابلس، وهم جمع عظيم، غضبا للبربر ونصرة لهم، فنزلوا على طرابلس، وحصروها.

فسد أبو العباس عبد الله بن إبراهيم باب زناتة، ولم يزل كذلك إلى أن توفي أبوه إبراهيم بن الأغلب، وعهد بالإمارة لولده عبد الله، فأخذ أخوه زيادة الله بن إبراهيم له العهود على الجند، وسير الكتاب إلى أخيه عبد الله، يخبره بموت أبيه، وبالإمارة له، فأخذ البربر الرسول والكتاب، ودفعوه إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، فأمر بأن ينادي عبد الله بن إبراهيم بموت أبيه، فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله، وما كان خارجا عن ذلك يكون لعبد الوهاب، وسار عبد الله إلى القيروان، فلقيه الناس، وتسلم الأمر، وكانت أيامه أيام سكون ودعة.


بعد أن عادت الأمور في بغداد للأمين، كان جيش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين قادما إلى بغداد، فلما اقتربوا منه عادت الفوضى وخلعت بعض الأقاليم الأمين وبايعت للمأمون، حتى إن موسم الحج دعي فيه للمأمون، ثم حاصر الجيش بغداد فضعف أمر الأمين وخاصة أن طاهر بن الحسين قد استولى على الضياع والإنتاج، وأجابه كثير من قواد الأمين إلى بيعة المأمون، ثم دخل جيش المأمون إلى بغداد وحصل القتال فيها حتى لم يبق مع الأمين إلا القليل؛ مما اضطره إلى طلب الأمان من هرثمة بن أعين الذي أمنه وأخذه في سفينة، وقد كان حصل تخريب وتحريق كثير في بغداد، بدخول الجيش وحصول القتال، وهذه عادة كل فتنة، نسأل الله السلامة.


هو جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي أبو الكيمياء، فيلسوف كيميائي، ولد عام 101هـ كان يعرف بالصوفي.

من أهل الكوفة، وأصله من خراسان، له تصانيف كثيرة، قيل: عددها 232 كتابا، وقيل: بلغت خمسمائة.

ضاع أكثرها، وترجم بعض ما بقي منها إلى اللاتينية، منها أسرار الكيمياء، وعلم الهيئة، وأصول الكيمياء، وقد اشتملت كتبه على بيان مركبات كيماوية كانت مجهولة قبله.

وهو أول من وصف أعمال التقطير والتبلور والتذويب والتحويل، وصفه ابن خلدون في مقدمته بقوله: "إمام المدونين جابر بن حيان، حتى إنهم يخصونها به فيسمونها علم جابر" ويعد جابر من أعلام العباقرة وأول رائد للكيمياء، وكان يشار إليه بالأستاذ جابر بن حيان.

وقال عنه الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون: "إن جابر بن حيان هو أول من علم علم الكيمياء للعالم؛ فهو أبو الكيمياء"، كما قال عنه العالم الكيميائي الفرنسي مارسيلان بيرتيلو: "إن لجابر بن حيان في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق" توفي بطوس، وقيل: كانت وفاته سنة 200هـ