Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


سار عقبة بن نافع بعد أن ولاه يزيد أفريقيا في عسكر عظيم حتى دخل مدينة باغاية وقد اجتمع بها خلق كثير من الروم، فقاتلوه قتالا شديدا وانهزموا عنه، وقتل فيهم قتلا ذريعا، وغنم منهم غنائم كثيرة، ودخل المنهزمون المدينة وحاصرهم عقبة.

ثم كره المقام عليهم فسار إلى بلاد الزاب، وهي بلاد واسعة فيها عدة مدن وقرى كثيرة، فقصد مدينتها العظمى واسمها أربة، فامتنع بها من هناك من الروم والنصارى، وهرب بعضهم إلى الجبال، فاقتتل المسلمون ومن بالمدينة من النصارى عدة دفعات، ثم انهزم النصارى وقتل كثير من فرسانهم، ورحل إلى تاهرت.

فلما بلغ الروم خبره استعانوا بالبربر فأجابوهم ونصروهم، فاجتمعوا في جمع كثير والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، واشتد الأمر على المسلمين لكثرة العدو، ثم إن الله تعالى نصرهم فانهزمت الروم والبربر وأخذهم السيف، وكثر فيهم القتل، وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم.

ثم سار حتى نزل على طنجة فلقيه بطريق من الروم اسمه يليان، فأهدى له هدية حسنة ونزل على حكمه، ثم سأله عن الأندلس فعظم الأمر عليه، فسأله عن البربر، فقال: هم كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله، وهم بالسوس الأدنى، وهم كفار لم يدخلوا في النصرانية، ولهم بأس شديد.

فسار عقبة إليهم نحو السوس الأدنى، وهي مغرب طنجة، فانتهى إلى أوائل البربر، فلقوه في جمع كثير، فقتل فيهم قتلا ذريعا، وبعث خيله في كل مكان هربوا إليه، وسار هو حتى وصل إلى السوس الأقصى، وقد اجتمع له البربر في عالم لا يحصى، فلقيهم وقاتلهم وهزمهم، وقتل المسلمون فيهم حتى ملوا وغنموا منهم وسبوا سبيا كثيرا، وسار حتى بلغ ماليان ورأى البحر المحيط، فقال: يا رب، لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدا في سبيلك.

ثم عاد فنفر الروم والبربر عن طريقه خوفا منه، فلما وصل إلى مدينة طبنة أمر أصحابه أن يتقدموا فوجا فوجا ثقة منه بما نال من العدو، وأنه لم يبق أحدا يخشاه، وسار إلى تهوذة لينظر إليها في نفر يسير، فلما رآه الروم في قلة طمعوا فيه، فأغلقوا باب الحصن وشتموه وقاتلوه وهو يدعوهم إلى الإسلام فلم يقبلوا منه.


لم يبايع الحسين بن علي رضي الله عنه ليزيد، وبقي في مكة هو وابن الزبير؛ ولكن أهل الكوفة راسلوا الحسين ليقدم عليهم ليبايعوه وينصروه فتكون له الخلافة، وكان على الكوفة عبيد الله بن زياد، فبعث الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل ليعلم له صدق أهل الكوفة، فقبض عليه ابن زياد وقتله، وتوالت الكتب من أهل الكوفة للحسين ليحضر إليهم حتى عزم على ذلك، فناصحه الكثير من الرجال والنساء منهم: ابن عمر، وأخوه محمد بن الحنفية، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير.
.
.
.

ألا يفعل، وأنهم سيخذلونه كما خذلوا أباه وأخاه من قبل؛ لكن قدر الله سابق فأبى إلا الذهاب إليهم، فخرج من مكة في ذي الحجة، ولما علم ابن زياد بمخرجه جهز له من يقابله، فلما قدم الحسين وقد كان وصله خبر موت مسلم وأخيه من الرضاع فقال للناس من أحب أن ينصرف فلينصرف، ليس عليه منا ذمام.

فتفرقوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة، وقابلهم الحر بن يزيد من قبل ابن زياد ليحضر الحسين ومن معه إلى ابن زياد؛ ولكن الحسين أبى عليه ذلك، فلم يقتله الحر وظل يسايره حتى لا يدخل الكوفة، حتى كانوا قريبا من نينوى جاء كتاب ابن زياد إلى الحر أن ينزل الحسين بالعراء بغير ماء، ثم جاء جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص كذلك للحسين، إما أن يبايع، وإما أن يرى ابن زياد فيه رأيه، وعرض الحسين عليهم إما أن يتركوه فيرجع من حيث أتى، أو يذهب إلى الشام فيضع يده في يد يزيد بن معاوية، وإما أن يسير إلى أي ثغر من ثغور المسلمين فيكون واحدا منهم، له ما لهم وعليه ما عليهم.

فلم يقبلوا منه شيئا من ذلك، وأرسل ابن زياد طائفة أخرى معها كتاب إلى عمر بن سعد أن ائت بهم أو قاتلهم، ثم لما كان اليوم العاشر من محرم التقى الصفان، وذكرهم الحسين مرة أخرى بكتبهم له بالقدوم فأنكروا ذلك، ووعظهم فأبوا فاقتتلوا قتالا شديدا، ومال الحر إلى الحسين وقاتل معه، وكان آخر من بقي من أصحاب الحسين سويد بن أبي المطاع الخثعمي، وكان أول من قتل من آل بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر ابن الحسين، ومكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجل من الناس رجع عنه وكره أن يتولى قتله وعظم إثمه عليه.

وكان أصحاب الحسين يدافعون عنه، ولما قتل أصحابه لم يجرؤ أحد على قتله، وكان جيش عمر بن سعد يتدافعون، ويخشى كل فرد أن يبوء بقتله، وتمنوا أن يستسلم؛ لكن شمر بن ذي الجوشن صاح في الجند: ويحكم، ماذا تنتظرون بالرجل! اقتلوه، ثكلتكم أمهاتكم.

وأمرهم بقتله, فحملوا عليه من كل جانب، وضربه زرعة بن شريك التميمي, ثم طعنه سنان بن أنس النخعي واحتز رأسه.

ويقال: إن الذي قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجنبي.

ويقال: إن المتولي الإجهاز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبي، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي.

ودفن الحسين رضي الله عنه وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد قتلهم بيوم.

قال شيخ الإسلام في قتله رضي الله عنه: قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما يوم عاشوراء، قتلته الطائفة الظالمة الباغية، وأكرم الله الحسين بالشهادة، كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته، أكرم بها حمزة وجعفرا، وأباه عليا، وغيرهم، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته، وأعلى درجته، والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء، قتلوه مظلوما شهيدا شهادة أكرمه الله بها، وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه، وأوجب ذلك شرا بين الناس، فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية.

ومن كرامة الله للمؤمنين أن مصيبة الحسين وغيره إذا ذكرت بعد طول العهد يسترجع فيها، كما أمر الله ورسوله؛ ليعطى من الأجر مثل أجر المصاب يوم أصيب بها.

وإذا كان الله تعالى قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة فكيف مع طول الزمان, فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتما، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير -والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن- والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام؛ والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين، وكثرة الكذب والفتن في الدنيا، ولم يعرف طوائف الإسلام أكثر كذبا وفتنا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين.


أمر المهدي ببناء القصور في طريق مكة، وأمر بتوسيع القصور التي كان بناها السفاح، كما قام بتجديد الأميال والبرك ومصانع المياه، وحفر الركايا؛ كل ذلك تسهيلا للمسافرين في طرقهم، كما أمر أن تقصر كل المنابر إلى قدر ارتفاع منبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يزاد على ذلك.


مدينة تيهرت، أسسها عبد الرحمن بن رستم بن بهرام، وكان مولى لعثمان بن عفان، وكان خليفة لأبي الخطاب أيام تغلبه على إفريقية، ولما دخل ابن الأشعث القيروان فر عبد الرحمن إلى الغرب بما خلف من أهله وماله، فاجتمعت إليه الإباضية، وعزموا على بنيان مدينة تجمعهم، فنزلوا بموضع تيهرت، وهي غيضة بين ثلاثة أنهار، فبنوا مسجدا من أربع بلاطات، واختط الناس مساكنهم، وكانت في الزمان الخالي مدينة قديمة، فأحدثها عبد الرحمن بن رستم وبقي بها إلى أن مات في سنة 168


عبر عبد الرحمن بن حبيب الفهري، المعروف بالصقلبي- وإنما سمي به لطوله وزرقته وشقرته- من إفريقية إلى الأندلس محاربا لهم، ليدخلوا في طاعة العباسيين، وكان عبوره في ساحل تدمير، وكاتب سليمان بن يقظان بالدخول في أمره، ومحاربة عبد الرحمن الداخل، والدعاء إلى طاعة المهدي.

وكان سليمان ببرشلونة، فلم يجبه، فاغتاظ عليه، وقصد بلده فيمن معه من البربر، فهزمه سليمان، فعاد الصقلبي إلى تدمير، وسار عبد الرحمن الداخل نحوه في العدد والعدة، وأحرق السفن تضييقا على الصقلبي في الهرب، فقصد الصقلبي جبلا منيعا بناحية بلنسية، فبذل الداخل ألف دينار لمن أتاه برأسه، فاغتاله رجل من البربر، فقتله، وحمل رأسه إلى عبد الرحمن، فأعطاه ألف دينار، وكان قتله سنة اثنتين وستين ومائة


قام شارلمان ملك الفرنجة بالإغارة على الأندلس شمالا، وذلك بالاتفاق مع حليفه سليمان بن يقظان ابن الأعرابي أمير سرقسطة، واستولى على بنبلونه، ثم اتجه نحو سرقسطة، فخرج سليمان لاستقباله وتسليمه المدينة، لكن المدينة أغلقت بوجه الجيوش، وتسلم السلطة الحسين بن يحيى الأنصاري، وهو الذي أعان سليمان في الخروج على عبد الرحمن الداخل، لكنه أحب الانفراد بإمارة سرقسطة، فاضطر شارلمان بالانسحاب، وأخذ معه سليمان كرهينة؛ لأنه ظن أن هذه خدعة منه في إفشال حملته على الأندلس، فتبع ولداه الجيش واستنقذا والدهما، وعادا ولكن بعد فترة قتله يحيى الأنصاري، وأصبح هو أمير سرقسطة.


هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أمير المؤمنين في الحديث، أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري التميمي، ولد سنة 97 بالكوفة, وهو سيد أهل زمانه في العلم والدين، من كبار تابعي التابعين, وأحد الأئمة المجتهدين الذين كان لهم أتباع، مصنف كتاب (الجامع) ولد: سنة 98 اتفاقا، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده المحدث الصادق سعيد بن مسروق الثوري، وكان والده من أصحاب الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن، ومن ثقات الكوفيين، وعداده في صغار التابعين, ولا يختلف في إمامة سفيان وأمانته وحفظه وعلمه وزهده.

قال يونس بن عبيد: "ما رأيت أفضل من سفيان الثوري، فقيل له: يا أبا عبد الله رأيت سعيد بن جبير، وإبراهيم، وعطاء، ومجاهدا وتقول هذا؟ قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان" قال عبد الرحمن بن مهدي: "ما رأيت رجلا أحسن عقلا من مالك بن أنس، ولا رأيت رجلا أنصح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مبارك، ولا أعلم بالحديث من سفيان، ولا أقشف من شعبة".

وقد ساق الذهبي جملة من اقوال الأئمة والعلماء في الثوري منها: قال ابن المبارك: "كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان, وما نعت لي أحد فرأيته، إلا وجدته دون نعته، إلا سفيان الثوري.

قال أبو حنيفة: لو كان سفيان الثوري في التابعين، لكان فيهم له شأن.

وقال أيضا: لو حضر علقمة والأسود، لاحتاجا إلى سفيان.

وقال المثنى بن الصباح: سفيان عالم الأمة، وعابدها.

وقال ابن أبي ذئب،: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري.

وقال شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم, وهو أمير المؤمنين في الحديث.

وقال ابن عيينة،: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري.

وقال أحمد بن حنبل: قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت.

وعن حفص بن غياث، قال: ما أدركنا مثل سفيان، ولا أنفع من مجالسته.

وقال أبو معاوية: ما رأيت قط أحفظ لحديث الأعمش من الثوري، كان يأتي، فيذاكرني بحديث الأعمش، فما رأيت أحدا أعلم منه بها.

وقال يحيى بن سعيد: سفيان أعلم بحديث الأعمش من الأعمش.

وقال ابن عرعرة: سمعت يحيى بن سعيد يقول: سفيان أثبت من شعبة، وأعلم بالرجال.

وقال محمد بن زنبور: سمعت الفضيل يقول: كان سفيان والله أعلم من أبي حنيفة.

وقال بشر الحافي: سفيان في زمانه، كأبي بكر وعمر في زمانهما.
".

يقال: إن عدد شيوخه ستمائة شيخ، وكبارهم الذين حدثوه عن: أبي هريرة، وجرير بن عبد الله، وابن عباس، وأمثالهم.

وقد قرأ الختمة عرضا على: حمزة الزيات أربع مرات.

وأما الرواة عنه فقد حدث عنه من القدماء من مشيخته وغيرهم خلق، منهم: الأعمش، وأبان بن تغلب، وابن عجلان، وخصيف، وابن جريج، وجعفر الصادق، وجعفر بن برقان، وأبو حنيفة، والأوزاعي، ومعاوية بن صالح، وابن أبي ذئب، ومسعر، وشعبة، ومعمر وكلهم ماتوا قبله, وغيرهم كثير.

قال يحيى بن أيوب العابد: حدثنا أبو المثنى، قال: "سمعتهم بمرو يقولون: قد جاء الثوري، قد جاء الثوري.

فخرجت أنظر إليه، فإذا هو غلام قد بقل وجهه - خرج شعر وجهه-.

قلت (الذهبي): "كان ينوه بذكره في صغره، من أجل فرط ذكائه، وحفظه، وحدث وهو شاب قال أبو بكر بن عياش: إني لأرى الرجل يصحب سفيان، فيعظم في عيني.

وقال ورقاء، وجماعة: لم ير سفيان الثوري مثل نفسه.
" كان سفيان رأسا في الزهد، والتأله، والخوف، رأسا في الحفظ، رأسا في معرفة الآثار، رأسا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم, وهو من أئمة الدين، وكان يكثر من ذكر الآخرة, واغتفر له غير مسألة اجتهد فيها، وفيه تشيع يسير، كان يثلث بعلي، وهو على مذهب بلده أيضا في النبيذ.

ويقال: رجع عن كل ذلك، وكان ينكر على الملوك، ولا يرى الخروج أصلا ومن أقوله رحمه الله: ما أودعت قلبي شيئا فخانني.

قال وكيع، سمعت سفيان يقول: ليس الزهد بأكل الغليظ، ولبس الخشن، ولكنه قصر الأمل، وارتقاب الموت.

وقال يحيى بن يمان: سمعت سفيان يقول: المال داء هذه الأمة، والعالم طبيب هذه الأمة، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه، فمتى يبرئ الناس وقال عبد الرزاق: دعا الثوري بطعام ولحم، فأكله، ثم دعا بتمر وزبد، فأكله، ثم قام، وقال: أحسن إلى الزنجي، وكده.

أبو هشام الرفاعي: سمعت يحيى بن يمان، عن سفيان، قال: إني لأرى الشيء يجب علي أن أتكلم فيه، فلا أفعل، فأبول دما.

وقال سفيان: ما وضع رجل يده في قصعة رجل، إلا ذل له.

قيل: إن عبد الصمد عم المنصور دخل على سفيان يعوده، فحول وجهه إلى الحائط، ولم يرد السلام.

فقال عبد الصمد: يا سيف! أظن أبا عبد الله نائما.

قال: أحسب ذاك أصلحك الله.

فقال سفيان: لا تكذب، لست بنائم.

فقال عبد الصمد: يا أبا عبد الله! لك حاجة؟ قال: نعم، ثلاث حوائج: لا تعود إلي ثانية، ولا تشهد جنازتي، ولا تترحم علي.

فخجل عبد الصمد، وقام، فلما خرج، قال: والله لقد هممت أن لا أخرج، إلا ورأسه معي.

دعاه المنصور لتولي القضاء فأبى، ثم طلبه المهدي لذلك, فأبى ثم أتي به للمهدي، فلما دخل عليه سلم تسليم العامة ولم يسلم بالخلافة، والربيع قائم على رأس المهدي متكئا على سيفه يرقب أمر الثوري، فأقبل عليه المهدي بوجه طلق، وقال له: يا سفيان، تفر منا ها هنا وها هنا وتظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك، فقد قدرنا عليك الآن، أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا قال سفيان: إن تحكم في يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل، فقال له الربيع: يا أمير المؤمنين، ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا إيذن لي أن أضرب عنقه، فقال له المهدي: اسكت ويلك، وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فنشقى بسعادتهم اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه في حكم، فكتب عهده ودفع إليه، فأخذه وخرج فرمى به في دجلة وهرب، فطلب في كل بلد فلم يوجد.

هرب إلى مكة أولا، ثم خرج إلى البصرة وبقي فيها متواريا حتى مات فيها", وأخرجت جنازته على أهل البصرة فجأة، فشهده الخلق، وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر، ونزل في حفرته هو وخالد بن الحارث.

مات وله ثلاث وستون سنة.


ولى المعتمد أبا الساج الأهواز بعد مسير عبد الرحمن بن مفلح عنها إلى فارس، وأمره بمحاربة الزنج، فسير صهره عبد الرحمن لمحاربة الزنج، فلقيه علي بن أبان المهلبي بناحية دولاب، فقتل عبد الرحمن، وانحاز أبو الساج إلى ناحية عسكر مكرم، ودخل الزنج الأهواز، فقتلوا أهلها وسبوا وأحرقوا، ثم انصرف أبو الساج عما كان إليه من الأهواز، وحرب الزنج، فوليها إبراهيم بن سيما فلم يزل بها حتى انصرف عنها مع موسى بن بغا.


أمر الخليفة المعتمد الموفق أن يسير إلى حرب الزنج؛ فولى الموفق الأهواز والبصرة وكور دجلة مسرورا البلخي، وسيره في مقدمته، وعزم على المسير بعده، فحدث من أمر يعقوب الصفار ما منعه عن المسير.


لما مات محمد بن أحمد بن الأغلب أبو الغرانيق، سار أهل القيروان إلى إبراهيم- الذي عينه أخوه أبو الغرانيق وصيا على ولده عقال حتى يكبر- وسألوه أن يتولى أمرهم؛ لحسن سيرته وعدله، فلم يفعل، ثم أجاب، وانتقل إلى قصر الإمارة، وباشر الأمور، وقام بها قياما مرضيا، وكان عادلا حازما في أموره، أمن البلاد، وقتل أهل البغي والفساد


كان جد السامانيين أسد بن سامان من أهل خراسان، وينتسبون إلى الفرس تارة وإلى سامة بن لؤي بن غالب أحيانا, وكان لأسد بن سامان أربعة بنين: نوح وأحمد ويحيى وإلياس، وكان في خراسان حين استولى عليها المأمون، فأكرمهم المأمون أربعتهم وقدمهم واستعملهم، فتولى أحمد بن أسد فرغانة في سنة أربع ومائتين، ويحيى بن أسد الشاش مع أسروشنه، وإلياس بن أسد هراة، ونوح بن أسد سمرقند، ولما تولى طاهر بن الحسين خراسان أقرهم على الأعمال، ثم مات نوح ثم مات إلياس بهراة, وكان لأحمد بن أسد سبعة بنين: نصر ويعقوب ويحيى وأسد وإسماعيل وإسحاق وحميد، ثم مات أحمد بن أسد، واستخلف ابنه نصرا على أعماله بسمرقند وما وراءها، فبقي عاملا عليها إلى آخر أيام الطاهرية, وفي هذه السنة ولى الخليفة المعتمد نصر بن أحمد بلاد ما وراء النهر، فجعل سمرقند قاعدة ملكه، وكان إسماعيل بن أحمد يخدم أخاه نصرا، فولاه بخارى.

 


عصي أهل برقة على أحمد بن طولون، وأخرجوا أميرهم محمد بن الفرج الفرغاني، فبعث ابن طولون جيشا عليه غلامه لؤلؤ، وأمره بالرفق بهم، واستعمال اللين، فإن انقادوا وإلا فالسيف، فسار العسكر حتى نزلوا على برقة، وحصروا أهلها وفعلوا ما أمرهم من اللين، فطمع أهل برقة، وخرجوا يوما على بعض العسكر، وهم نازلون على باب البلد، فأوقعوا بهم وقتلوا منهم.

فأرسل لؤلؤ إلى صاحبه أحمد يعرفه الخبر، فأمره بالجد في قتالهم، فنصب عليهم المجانيق، وجد في قتالهم، وطلبوا الأمان فأمنهم، ففتحوا له الباب، فدخل البلد وقبض على جماعة من رؤسائهم، وضربهم بالسياط، وقطع أيدي بعضهم، وأخذ معه جماعة منهم وعاد إلى مصر، واستعمل على برقة عاملا، وطيف بالأسرى في البلد.


هو أبو عبدالله محمد بن أحمد بن الأغلب، صاحب إفريقية، المعروف بأبي الغرانيق؛ بسبب اهتمامه بصيد طيور الغرانيق، ولد عام 237هـ، وكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وستة عشر يوما من 250ه إلى 261هـ، كان عهده هادئا زاهرا, تم في عهده تشييد سلسلة من الحصون والمحارس الساحلية، غير أن الأغالبة منوا بهزائم في عهده بجزيرة صقلية, وكانت إفريقية في عهد أبي الغرانيق مزدهرة تعيش نهضة كاملة، وكانت خزائن الأمير عامرة، وقد كان أبو الغرانيق عادلا طيبا نحو رعاياه, فكان غاية في الجود، مسرفا في العطاء، حسن السيرة في الرعية، رفيقا بهم، غير أنه عاش حياة عبث ولهو, ولما حضره الموت عقد لابنه عقال العهد، واستخلف أخاه إبراهيم لئلا ينازعه، وأشهد عليه آل الأغلب ومشايخ القيروان، وأمره أن يتولى الأمر إلى أن يكبر ولده.


هو مسلم أبو الحسن القشيري النيسابوري، أحد الأئمة من حفاظ الحديث، صاحب الصحيح الذي يلي صحيح البخاري، انتقل إلى العراق والحجاز والشام ومصر، وسمع من جماعة كثيرين، وقد أثنى عليه جماعة من العلماء من أهل الحديث وغيرهم.

قال أحمد بن سلمة: "رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما"، وقيل: كان سبب موته- رحمه الله- أنه عقد مجلس للمذاكرة فسئل يوما عن حديث فلم يعرفه، فانصرف إلى منزله، فأوقد السراج وقال لأهله: لا يدخل أحد الليلة علي، وقد أهديت له سلة من تمر، فهي عنده يأكل تمرة ويكشف عن حديث ثم يأكل أخرى ويكشف عن آخر، فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح وقد أكل تلك السلة وهو لا يشعر، فحصل له بسبب ذلك ثقل ومرض من ذلك، حتى كانت وفاته عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين بنيسابور.


حصلت وقعة بين محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي- الذي تغلب على فارس- وعبدالرحمن بن مفلح، فكسره ابن واصل وأسره وقتل معظم جيشه فلم يفلت منهم إلا اليسير، فلما وصل خبرهما إلى يعقوب الصفار وهو بسجستان، تجدد طمعه في ملك بلاد فارس، وأخذ الأموال والخزائن والسلاح التي غنمها من ابن مفلح، فسار مجدا, وبلغ ابن واصل خبر قربه منه وأنه نزل البيضاء من أرض فارس، وهو بالأهواز، فعاد عنها لا يلوي على شيء، وأرسل خاله أبا بلال مرداسا إلى الصفار، فوصل إليه، وضمن له طاعة ابن واصل، فأرسل يعقوب الصفار إلى ابن واصل كتبا ورسلا، فحبسهم ابن واصل، وسار يطلب الصفار والرسل معه يريد أن يخفي خبره، وأن يصل إلى الصفار بغتة، فينال منه غرضه، ويوقع به, فسار في يوم شديد الحر، في أرض صعبة المسلك، وهو يظن أن خبره قد خفي عن الصفار، فلما كان الظهر تعبت دوابهم، فنزلوا ليستريحوا، فمات من أصحاب ابن واصل من الرجالة كثير؛ جوعا وعطشا، وبلغ خبرهم الصفار، فجمع أصحابه وأعلمهم الخبر وسار إلى ابن واصل، فلما قاربهم وعلموا به انخذلوا وضعفت نفوسهم عن مقاومته ومقاتلته، ولم يتقدموا خطوة، فلما صار بين الفريقين رمية سهم، انهزم أصحاب ابن واصل من غير قتال، وتبعهم عسكر الصفار، وأخذوا منهم جميع ما غنموه من ابن مفلح، واستولى على بلاد فارس، ورتب بها أصحابه وأصلح أحوالها, ومضى ابن واصل منهزما فأخذ أمواله من قلعته، وكانت أربعين ألف ألف درهم، وأوقع يعقوب بأهل زم؛ لأنهم أعانوا ابن واصل.


أغار ملك الروم على الرها ونواحيها، وسار في ديار الجزيرة حتى بلغوا نصيبين، فغنموا، وسبوا، وأحرقوا وخربوا البلاد، وفعلوا مثل ذلك بديار بكر، ولم يكن من أبي تغلب بن حمدان في ذلك حركة، ولا سعي في دفعه، لكنه حمل إليه مالا كفه به عن نفسه، فسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين، وقاموا في الجوامع والمشاهد، واستنفروا المسلمين، وذكروا ما فعله الروم من النهب والقتل، والأسر والسبي، فاستعظمه الناس، وخوفهم أهل الجزيرة من انفتاح الطريق وطمع الروم، وأنهم لا مانع لهم عندهم، فاجتمع معهم أهل بغداد، وقصدوا دار الخليفة المطيع لله، وأرادوا الهجوم عليه، فمنعوا من ذلك، وأغلقت الأبواب، وكان بختيار عز الدولة بن معز البويهي حينئذ يتصيد بنواحي الكوفة، فخرج إليه وجوه أهل بغداد مستغيثين، منكرين عليه اشتغاله بالصيد، وقتال عمران بن شاهين وهو مسلم, وترك جهاد الروم، ومنعهم عن بلاد الإسلام حتى توغلوها، فوعدهم التجهز للغزاة، وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمره بالتجهز للغزو وأن يستنفر العامة، ففعل سبكتكين ذلك، فاجتمع من العامة عدد كثير لا يحصون كثرة، وكتب بختيار إلى أبي تغلب بن حمدان، صاحب الموصل، يأمره بإعداد الميرة والعلوفات، ويعرفه عزمه على الغزاة، فأجابه بإظهار الفرح، وإعداد ما طلب منه.

ولما تجهزت العامة للغزاة، وقعت بينهم فتنة شديدة بين الروافض وأهل السنة، ولم تتم الغزوة.


لما كان من أمر دخول الروم وبلوغ الخبر إلى بغداد، وتجهزت العامة للغزاة، وقعت بينهم فتنة شديدة بين الروافض وأهل السنة، وأحرق أهل السنة دور الروافض في الكرخ، وقالوا: الشر كله منكم، وثار العيارون ببغداد يأخذون أموال الناس، وتناقض النقيب أبو أحمد الموسوي والوزير أبو الفضل الشيرازي، وأرسل بختيار عز الدولة بن معز الدولة إلى الخليفة المطيع لله يطلب منه أموالا يستعين بها على هذه الغزوة، فبعث إليه الخليفة يقول: لو كان الخراج يجيء إلي لدفعت منه ما يحتاج المسلمون إليه، ولكن أنت تصرف منه في وجوه ليس بالمسلمين إليها ضرورة، وأما أنا فليس عندي شيء أرسله إليك, فترددت الرسل بينهم وأغلظ بختيار للخليفة في الكلام وتهدده، فاحتاج الخليفة أن يحصل له شيئا فباع بعض ثياب بدنه وشيئا من أثاث بيته، ونقض بعض سقوف داره وحصل له أربعمائة ألف درهم فصرفها بختيار في مصالح نفسه، وأبطل تلك الغزاة، فنقم الناس للخليفة وساءهم ما فعل به ابن بويه الرافضي من أخذه مال الخليفة وترك الجهاد.


جامع الأزهر هو من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي.

وهو أول جامع أسس بالقاهرة، أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلي مولى المعز لدين الله، لما اختط القاهرة، وابتدأ بناءه في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة 359، وكمل بناؤه لسبع خلون من رمضان سنة 361.


سار المعز الفاطمي من إفريقية يريد الديار المصرية، وكان أول مسيره أواخر شوال سنة 361 وكان أول رحيله من المنصورية، فأقام بسردانية، وهي قرية قريبة من القيروان، ولحقه بها رجاله وعماله، وأهل بيته وجميع ما كان له في قصره من أموال وأمتعة وغير ذلك، وسار عنها واستعمل على بلاد إفريقية يوسف بلكين بن زيري، وجعل على صقلية حسن بن علي بن أبي الحسين، وجعل على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي، وجعل على جباية أموال إفريقية زيادة الله بن القديم، وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني، وحسين بن خلف الموصدي، وأمرهم بالانقياد ليوسف بن زيري، فأقام بسردانية أربعة أشهر حتى فرغ من جميع ما يريد، ثم رحل عنها، ومعه يوسف بلكين وهو يوصيه بما يفعله، ثم سار المعز حتى وصل إلى الإسكندرية أواخر شعبان من سنة 362، وأتاه أهل مصر وأعيانها، فلقيهم وأكرمهم وأحسن إليهم، وسار فدخل القاهرة خامس شهر رمضان سنة 362، وأنزل عساكره مصر والقاهرة في الديار، وبقي كثير منهم في الخيام.


هو الصدر الأنبل الرئيس القدوة أبو منصور عبد الملك بن محمد بن يوسف البغدادي، سبط الإمام أبي الحسين أحمد بن عبد الله السوسنجردي, ولد سنة 395هـ وكان يلقب بالشيخ الأجل، كان أوحد زمانه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمبادرة إلى فعل الخيرات، واصطناع الأيادي عند أهلها، من أهل السنة، مع شدة القيام على أهل البدع ولعنهم، قال الخطيب البغدادي: كان أوحد وقته في فعل الخير، وافتقاد المستورين بالبر، ودوام الصدقة، والإفضال على أهل العلم، والقيام بأمورهم والتحمل لمؤنهم، والاهتمام بما عاد من مصالحهم، والنصرة لأهل السنة، والقمع لأهل البدع" توفي عن خمس وستين سنة، وكان يوم موته يوما مشهودا، حضره خلق لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل.

قال أبي النرسي: "لم أر خلقا قط مثل من حضر جنازته" دفن بمقبرة باب حرب إلى جنب جده لأمه أبي الحسين ابن السوسنجردي.

قال الذهبي: "كان ذا جاه عريض واتصال بالخليفة, وأرخ له ابن خيرون، وقال: دفن عند جده لأمه، وحضره جميع الأعيان، وكان صالحا، عظيم الصدقة، متعصبا للسنة، قد كفى عامة العلماء والصلحاء".


بدأت الدولة الفاطمية بمصر يصيبها الضعف بسبب عدة أمور كان من أهمها حصول الشقاق بين الترك والعبيد، وحصول الاقتتال بينهم، وفي هذه السنة خرج ناصر الدولة بن حمدان من عند الوزير أبي عبد الله الماشلي وزير المستنصر بمصر فوثب عليه رجل صيرفي وضربه بسكين؛ فأمسك الصيرفي وشنق في الحال، وحمل ناصر الدولة بن حمدان إلى داره جريحا، فعولج فبرئ بعد مدة.

فقيل: إن المستنصر ووالدته كانا دسا الصيرفي عليه، وفي هذه الأيام اضمحل أمر المستنصر بالديار المصرية لتشاغله باللهو والشرب والطرب.

فلما عوفي ابن حمدان اتفق مع مقدمي المشارقة، مثل سنان الدولة وسلطان الجيوش وغيرهما، فركبوا وحصروا القاهرة، فاستنجد المستنصر وأمه بأهل مصر، وذكرهم بحقوقه عليهم، ووعدهم بالإحسان؛ فقاموا معه ونهبوا دور أصحاب ابن حمدان وقاتلوهم.

فخاف ابن حمدان وأصحابه، ودخلوا تحت طاعة المستنصر، بعد أمور كثيرة صدرت بين الفريقين.


هو المعتضد بالله أبو عمرو عباد بن الظافر المؤيد بالله أبي القاسم محمد قاضي إشبيلية بن أبي الوليد إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف بن نعيم، اللخمي، من ولد النعمان بن المنذر اللخمي، آخر ملوك الحيرة, لما توفي محمد القاضي سنة 433هـ قام مقامه ولده عباد، قال أبو الحسن علي بن بسام في حقه: " ثم أفضى الأمر إلى عباد ابنه سنة ثلاث وثلاثين, وتسمى أولا بفخر الدولة ثم المعتضد، قطب رحى الفتنة، ومنتهى غاية المحنة، من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد، ولا سلم عليه قريب ولا بعيد، جبار، أبرم الأمور وهو متناقض، وأسد فرس الطلى وهو رابض، متهور تتحاماه الدهاة، وجبار لا تأمنه الكماو، متعسف اهتدى، ومنبت قطع فما أبقى، ثار والناس حرب، وكل شيء عليه إلب، فكفى أقرانه وهم غير واحد، وضبط شانه بين قائم وقاعد، حتى طالت يده، واتسع بلده، وكثر عديده وعدده؛ افتتح أمره بقتل وزير أبيه حبيب المذكور، طعنة في ثغر الأيام، ملك بها كفه، وجبارا من جبابرة الأنام، شرد به من خلفه، فاستمر يفري ويخلق، وأخذ يجمع ويفرق، له في كل ناحية ميدان، وعلى كل رابية خوان، حربه سم لا يبطئ، وسهم لا يخطئ، وسلمه شر غير مأمون، ومتاع إلى أدنى حين".

ولم يزل المعتضد في عز سلطانه واغتنام مساره، حتى أصابته علة الذبحة، فلم تطل مدتها، وتوفي يوم الاثنين غرة جمادى الآخرة، ودفن ثاني يوم بمدينة إشبيلية، وقام بالمملكة بعده ولده المعتمد على الله أبو القاسم محمد.


في ليلة النصف من شعبان كان حريق جامع دمشق، وكان سببه أن غلمان الفاطميين والعباسيين اختصموا فألقيت نار بدار الملك، وهي الخضراء المتاخمة للجامع من جهة القبلة، فاحترقت، وسرى الحريق إلى الجامع فسقطت سقوفه وتناثرت فصوصه المذهبة، وتغيرت معالمه، وتقلعت الفسيفساء التي كانت في أرضه، وعلى جدرانه، وتبدلت بضدها، وقد كانت سقوفه مذهبة كلها، والجملونات من فوقها، وجدرانه مذهبة ملونة مصور فيها جميع بلاد الدنيا، بحيث إن الإنسان إذا أراد أن يتفرج في إقليم أو بلد وجده في الجامع مصورا كهيئته، فلا يسافر إليه ولا يعنى في طلبه، فقد وجده من قرب الكعبة ومكة فوق المحراب والبلاد كلها شرقا وغربا، كل إقليم في مكان لائق به، ومصور فيه كل شجرة مثمرة وغير مثمرة، مصور مشكل في بلدانه وأوطانه، والستور مرخاة على أبوابه النافذة إلى الصحن، وعلى أصول الحيطان إلى مقدار الثلث منها ستور، وباقي الجدران بالفصوص الملونة، وأرضه كلها بالفصوص، ليس فيها بلاط، بحيث إنه لم يكن في الدنيا بناء أحسن منه، لا قصور الملوك ولا غيرها، ثم لما وقع هذا الحريق فيه تبدل الحال الكامل بضده، وصارت أرضه طينا في زمن الشتاء، وغبارا في زمن الصيف، محفورة مهجورة، ولم يزل كذلك حتى بلط في زمن الملك العادل بن أيوب، أخي صلاح الدين الأيوبي.


فتح نور الدين محمود بن زنكي حصن المنيطرة من الشام، وكان بيد الفرنج، ولم يحشد له، ولا جمع عساكره، وإنما سار إليه جريدة- الجريدة خيل لا رجالة فيها- على غرة منهم، وعلم أنه إن جمع العساكر حذروا وجمعوا، وانتهز الفرصة وسار إلى المنيطرة وحصره، وجد في قتاله، فأخذه عنوة وقهرا، وقتل من بها وسبى، وغنم غنيمة كثيرة، فإن الذين به كانوا آمنين، فأخذتهم خيل الله بغتة وهم لا يشعرون، ولم يجتمع الفرنج لدفعه إلا وقد ملكه، ولو علموا أنه جريدة في قلة من العساكر لأسرعوا إليه، وإنما ظنوه أنه في جمع كثير، فلما ملكه تفرقوا وأيسوا من رده.


هو الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس بن يحيى بن علي الحمودي الحسني الطالبي الإدريسي.

ولد بمدينة سبتة وتعلم بقرطبة، خرج إلى المشرق وطاف البلاد، أقام في بلاد الإسلام وعاد إلى المغرب.

كان أديبا ظريفا شاعرا مغرما بعلم الجغرافيا.

أقام بصقلية في بلاط الملك النورماندي روجيه الثاني الذي كان من هواة الفلك، فألف له الإدريسي كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، وهو في وصف بلاد أوربا, ثم قضى الإدريسي شطرا من حياته في رسم أول خريطة للعالم، بناها على القواعد العلمية الصحيحة، وقد صنع الملك النورماندي هذه الخريطة على كرة فضية بإشراف الإدريسي، وللإدريسي مؤلفات أخرى منها صفة بلاد المغرب، وروضة الأندلس ونزهة النفس، وله مشاركات في علوم النبات، ويعتبر الإدريسي أكبر جغرافي عربي بل وأشهرهم على الإطلاق، توفي الإدريسي عن 71 عاما، ويغلب على الظن أنه توفي في صقلية.


هو الزاهد، صاحب الكرامات والمقامات، شيخ الحنابلة أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد الهاشمي القرشي العلوي الجيلي الحنبلي.

ولد بجيلان سنة 470 وقيل 471.

دخل بغداد سنة ثمان وثمانين، وله ثماني عشرة سنة، فقرأ الفقه على: أبي الوفاء بن عقيل، وأبي الخطاب، وأبي سعد المخرمي، وأبي الحسين بن الفراء، حتى أحكم الأصول، والفروع، والخلاف, وسمع الحديث، ومدرسته ورباطه مشهوران ببغداد.

بنى أبو سعد المخرمي مدرسة لطيفة بباب الأزج، ففوض إلى عبد القادر التدريس فيها, فتكلم على الناس بلسان الوعظ وظهر له صيت, فضاقت مدرسته بالناس، فكان يجلس عند سور بغداد مستندا إلى الرباط ويتوب عنده في المجلس خلق كثير, وكان له سمت حسن، وصمت غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان فيه تزهد كثير وله أحوال صالحة، ولأتباعه وأصحابه فيه مقالات، ويذكرون عنه أقوالا وأفعالا ومكاشفات أكثرها مغالاة، وقد كان صالحا ورعا، وقد صنف كتاب الغنية، وفتوح الغيب، وفيهما أشياء حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفة وموضوعة، وبالجملة كان من سادات المشايخ، قال ابن النجار في ترجمة عبد القادر: "قرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه, ثم لازم الخلوة، والرياضة، والسياحة، والمجاهدة، والسهر، والمقام في الخراب والصحراء.

وصحب الشيخ حماد الدباس، وأخذ عنه علم الطريق، ثم إن الله تعالى أظهره للخلق، وأوقع له القبول العظيم، فعقد مجلس الوعظ سنة 521 وأظهر الله الحكمة على لسانه, ثم جلس في مدرسة شيخه أبي سعد للتدريس والفتوى سنة 528، صنف في الأصول والفروع، وله كلام على لسان أهل الطريقة".

قال: عبد الرزاق ولد عبد القادر يقول: "كتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبائي قال: كنت أسمع كتاب «الحلية» على ابن ناصر، فرق قلبي، وقلت في نفسي: اشتهيت أن أنقطع عن الخلق وأشتغل بالعبادة.

ومضيت فصليت خلف الشيخ عبد القادر، فلما صلى جلسنا، فنظر إلي وقال: إذا أردت الانقطاع، فلا تنقطع حتى تتفقه، وتجالس الشيوخ، وتتأدب، ولا تنقطع وأنت فريخ ما ريشت؛ فإن أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك وتسأل الناس عن أمر دينك! ما يحسن صاحب الزاوية أن يخرج من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه! ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره".

وقال عبد الرزاق: ولد لوالدي تسع وأربعون ولدا، سبعة وعشرون ذكرا، والباقي إناث".

توفي وله تسعون سنة ودفن بالمدرسة التي كانت له.


هو شمس الدين إيدغمش صاحب همذان وأصبهان والري.

كان قد تمكن وعظم أمره، وبعد صيته، وكثر جيشه إلى أن حصر ابن أستاذه أبا بكر بن البهلوان صاحب أذربيجان، فلما كان في سنة ثمان وستمائة خرج عليه أحد مماليكه اسمه منكلي ونازعه في البلاد، وأطاعته المماليك البهلوانية.

فهرب أيدغمش سنة ثمان إلى بغداد وأقام بها، فأنعم عليه الخليفة، وشرفه بالخلع، ثم سيره إلى همذان، فسار إيدغمش في جمادى الآخرة عن بغداد قاصدا همذان، فوصل إلى بلاد سليمان بن ترجم واجتمعا، وأقام ينتظر وصول عساكر بغداد إليه ليسير معه على قاعدة استقرت بينهم، وكان الخليفة قد عزل ابن ترجم عن الإمارة على عشيرته من التركمان الإيوانية، وولى أخاه الأصغر، فأرسل ابن ترجم إلى منكلي يعرفه بحال إيدغمش، ومضى هو على وجهه، فأرسل منكلي من أخذه وقتله، وحمل رأسه إليه، وتفرق أصحاب إيدغمش في البلاد، ووصل الخبر بقتله إلى بغداد، فعظم ذلك على الخليفة، وأرسل إلى منكلي ينكر عليه ما فعل، فأجاب جوابا شديدا، وتمكن من البلاد، وقوي أمره، وكثرت جموع عساكره.


هو السلطان أبو عبد الله الملك الناصر محمد بن يعقوب المنصور بالله يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي, أمير الموحدين، وأمه رومية اسمها زهر.

بويع له بعد أبيه سنة 595 بعهد من أبيه، وكان أشقر أشهل أسيل الخد مليح الشكل، كثير الصمت والإطراق، شجاعا مهيبا بعيد الغور، حليما عفيفا عن الدماء، وفي لسانه لثغة، وكان بخيلا، وله عدة أولاد.

استوزر أبا زيد بن يوجان، ثم عزله، واستوزر الأمير إبراهيم أخاه، وكتب سره ابن عياش، وابن يخلفتن الفازازي، وولي قضاءه غير واحد.

وكان قد استرد تونس والمهدية وما كان استولى عليه علي بن غانية من إفريقيا، كما استولى على طرابلس الغرب وانتزعها من الأمير بهاء الدين قراقوش قائد الأيوبيين المصري، كما انتزع جزيرة ميورقة وما حولها من الجزر جزر الباليار من بني غانية، وكانوا نواب المرابطين فيها، وقاتل الأسبان فهزموه في وقعة العقاب عام 609, ولما عاد الناصر إلى مراكش أخذ البيعة لولده يوسف الملقب بالمستنصر بالله، ثم احتجب في قصره إلى أن مات في هذا العام بعد أن أصيب بمرض أياما، ومات في شعبان من هذه السنة، وكانت أيامه خمسة عشر عاما، وقام بعده ابنه المستنصر يوسف عشرة أعوام.


كان من جملة أمراء خوارزم شاه تكش والد خوارزم شاه محمد, أمير اسمه أبو بكر، ولقبه تاج الدين، وكان في ابتداء أمره جمالا يكري الجمال في الأسفار، ثم جاءته السعادة، فاتصل بخوارزم شاه، وصار سيروان جماله، فرأى منه جلدا وأمانة، فقدمه إلى أن صار من أعيان أمراء عسكره، فولاه مدينة زوزن، وكان عاقلا ذا رأي وحزم وشجاعة، فتقدم عند خوارزم شاه تقدما كثيرا، فوثق به أكثر من جميع أمراء دولته، فقال أبو بكر لخوارزم شاه: إن بلاد كرمان مجاورة لبلدي، فلو أضاف السلطان إلي عسكرا لملكتها في أسرع وقت، فسير معه عسكرا كثيرا فمضى إلى كرمان، وصاحبها اسمه حرب بن محمد بن أبي الفضل الذي كان صاحب سجستان أيام السلطان سنجر، فقاتله، فلم يكن له به قوة، وضعف، فملك أبو بكر بلاده في أسرع وقت، وسار منها إلى نواحي مكران فملكها كلها إلى السند، من حدود كابل، وسار إلى هرمز، مدينة على ساحل بحر مكران، فأطاعه صاحبها، واسمه ملنك، وخطب بها لخوارزم شاه، وحمل عنها مالا، وخطب له بقلهات، وبعض عمان؛ لأن أصحابها كانوا يطيعون صاحب هرمز.

وقيل إن ملك خوارزم شاه لكرمان ومكران والسند كان في السنة التي قبلها أو بعدها بقليل.


شرع في تبليط داخل الجامع الأموي وبدؤوا من ناحية السبع الكبير، وكانت أرض الجامع قبل ذلك حفرا وجورا، فاستراح الناس بتبليطه.