Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


كان بناء المسجد النبوي بالمدينة باللبن والجريد وأعمدة الخشب، فزاد فيه عثمان زيادة كبيرة فجعله بطول مائة وستين ذراعا، وعرض مائة وخمسين ذراعا، وجعل بناءه من الحجارة المنقوشة التي كسرت بطريقة مناسبة للبناء، وجعل الأعمدة من حجارة مع الرصاص لزيادة القوة والتحمل، وسقفه بالساج، وجعل له ستة أبواب كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.


في هذه السنة وجه إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الإمام أبا مسلم الخراساني، واسمه عبد الرحمن بن مسلم، إلى خراسان، وعمره تسع عشرة سنة، وكتب إلى أصحابه: إني قد أمرته بأمري فاسمعوا له وأطيعوا، فإني قد أمرته على خراسان وما غلب عليه بعد ذلك.

فأتاهم، فلم يقبلوا قوله وخرجوا من قابل فالتقوا بمكة عند إبراهيم، فأعلمه أبو مسلم أنهم لم ينفذوا كتابه وأمره.

فقال إبراهيم قد عرضت هذا الأمر على غير واحد وأبوه علي.

فأعلمهم أنه قد أجمع رأيه على أبي مسلم، وأمرهم بالسمع والطاعة له، ثم قال له: إنك رجل منا أهل البيت، احفظ وصيتي، انظر هذا الحي من اليمن فالزمهم واسكن بين أظهرهم، فإن الله لا يتم هذا الأمر إلا بهم.


طلب إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس من أبي مسلم أن يحضر إليه إلى مكة ليعلم منه أخبار الدعوة، فجاءه كتاب منه أن يرجع إلى خراسان ويعلن بالدعوة بعد أن كانت سرية، فأظهر أبو مسلم الدعوة وطلب من سليمان بن كثير أن يصلي بالناس العيد، فأرسل إليهم نصر بن سيار قوة؛ ولكن جند أبي مسلم كانوا قد استولوا على هراة، وكشف أمر إبراهيم من الرسائل وكان يقيم بالحميمية فقبض عليه وسجن.


أقبل يحيى بن زكرويه بن مهرويه أبو قاسم القرمطي المعروف بالشيخ في جحافله، فعاث بناحية الرقة فسادا، فجهز إليه الخليفة جيشا نحو عشرة آلاف فارس، وكان قد سار يحيى بن زكرويه إلى دمشق وحاصرها، فقتل على باب دمشق، زرقه رجل من المغاربة بمزراق نار- المزراق رمح قصير أو خفيف يقذف باليد- فقتله، ففرح الناس بقتله، وكان هذا المغربي من جملة جيش المصريين، فقام بأمر القرامطة من بعده أخوه الحسين وتسمى بأحمد وتكنى بأبي العباس وتلقب بأمير المؤمنين، وأطاعه القرامطة، فحاصر دمشق فصالحه أهلها على مال، ثم سار إلى حمص فافتتحها وخطب له على منابرها، ثم سار إلى حماة ومعرة النعمان فقهر أهل تلك النواحي واستباح أموالهم وحريمهم، وكان يقتل الدواب والصبيان في المكاتب، ويبيح لمن معه وطء النساء، فربما وطئ الواحدة الجماعة الكثيرة من الرجال، فإذا ولدت ولدا هنأ به كل واحد منهم الآخر، فكتب أهل الشام إلى الخليفة ما يلقون من هذا اللعين، فجهز إليهم جيوشا كثيفة، وأنفق فيهم أموالا جزيلة، وركب في رمضان فنزل الرقة وبث الجيوش في كل جانب لقتال القرامطة، وكان القرمطي هذا يكتب إلى أصحابه: "من عبد الله المهدي أحمد بن عبد الله المهدي المنصور الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذاب عن حريم الله، المختار من ولد رسول الله" وكان يدعي أنه من سلالة علي بن أبي طالب من فاطمة، وهو كاذب أفاك أثيم- قبحه الله- فإنه كان من أشد الناس عداوة لقريش، ثم لبني هاشم، دخل سلمية فلم يدع بها أحدا من بني هاشم حتى قتلهم، وقتل أولادهم، واستباح حريمهم.


هو أبو العباس عبدالله بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب، الأمير الأغلبي أمير تونس والقيروان الحادي عشر من أمراء الدولة الأغلبية، كان عاقلا حكيما شجاعا، قرب إليه العلماء واستعان بهم على تطبيق العدل بين الناس، وسار بهم سيرة حسنة، ولكن أمر الحكم بدأ يضطرب ويضعف في أيامه، وكان قد سجن ابنا له هو زيادة الله، سجنه بسبب انحرافه في الشهوات، وقيل: بل لأنه كان يتآمر على والده، ثم وهو في السجن تآمر مع بعض الخدم لقتل أبيه، فقتل هؤلاء الخدم الأمير عبدالله وهو على سريره، فكانت مدة إمارته سنة وخمسون يوما، فتولى ابنه زيادة الله الإمارة من بعده.


تقع على الساحل الغربي على البحر الأبيض المتوسط، عاصمة غرب البلاد وثاني أكبر مدينة بعد الجزائر العاصمة.

تعد المدينة مركزا اقتصاديا وميناء بحريا مهما.

قام البحارة الأندلسيون بإنشاء هذه المدينة في هذا العام.

حتى أصبحت مدينة وهران محط نزاع بين الأمويين في الأندلس والفاطميين.

دمرت مدينة وهران عدة مرات أثناء تلك الحقبة.

وأصبحت المدينة تحت الحكم الأموي عام 407، ثم أصبحت تحت حكم المرابطين عام 474، وكانت المدينة تمثل أهم ميناء تجاري للدولة الزيانية ومنفذا لها على البحر المتوسط.


هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي، الحافظ، من أهل بغداد، والده هو الإمام أحمد بن حنبل، ولد سنة 213 وأمه اسمها ريحانة، تزوجها الإمام أحمد بعد وفاة زوجته الأولى عباسة أم ابنه صالح، وأنجبت له ريحانة ابنه عبد الله.

تعلم على يد أبيه فسمع منه المسند، فكان مكثرا في الرواية عن أبيه وعن غيره, وكان إماما ثقة حافظا ثبتا، قال ابن المنادي: لم يكن أحد أروى عن أبيه منه، روى عنه المسند ثلاثين ألفا، والتفسير مائة ألف حديث وعشرون ألفا، من ذلك سماع، ومن ذلك إجازة، ومن ذلك الناسخ والمنسوخ، والمقدم والمؤخر، والمناسك الكبير والصغير، وغير ذلك من التصانيف، وحديث الشيوخ، وقال- أي ابن المنادي: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث، والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون من أسلافهم الإقرار له بذلك، حتى إن بعضهم أسرف في تقريظه له بالمعرفة وزيادة السماع للحديث عن أبيه"، ولما مرض قيل له أين تدفن ؟ فقال: صح عندي أن بالقطعية نبيا مدفونا، ولأن أكون بجوار نبي أحب إلي من أن أكون في جوار أبي، مات عن سبع وسبعين سنة، كما مات لها أبوه، واجتمع في جنازته خلق كثير من الناس، وصلى عليه زهير ابن أخيه، ودفن في مقابر باب التين- رحمه الله تعالى.


أمر محمد بن سليمان- الذي ولاه المكتفي قتال القرامطة- بمناهضة صاحب الشامة القرمطي الحسين بن زكرويه - المدعي أنه أحمد بن عبد الله- فسار إليه في عساكر الخليفة، حتى لقوه وأصحابه بمكان بينهم وبين حماة اثنا عشر ميلا، فقدم القرمطي أصحابه إليهم، وبقي في جماعة من أصحابه، معه مال كان جمعه، وسواد عسكره، والتحمت الحرب بين أصحاب الخليفة والقرامطة، واشتدت وانهزمت القرامطة وقتلوا كل قتلة، وأسر من رجالهم بشر كثير، وتفرق الباقون في البوادي، وتبعهم أصحاب الخليفة،فلما رأى صاحب الشامة ما نزل بأصحابه، حمل أخا له يكنى أبا الفضل مالا، وأمره أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر بمكان فيسير إليه، وركب هو وابن عمه المسمى بالمدثر، والمطوق صاحبه، وغلام له رومي، وأخذ دليلا وسار يريد الكوفة عرضا في البرية، فانتهى إلى الدالية من أعمال الفرات، وقد نفد ما معهم من الزاد والعلف، فوجه بعض أصحابه إلى الدالية المعروفة بدالية ابن طوق ليشتري لهم ما يحتاجون إليه، فدخلها فأنكروا زيه، فسألوه عن حاله فكتمه، فرفعوه إلى متولي تلك الناحية الذي يعرف بأبي خبزة خليفة أحمد بن محمد بن كشمرد، فسأله عن خبره، فأعلمه أن صاحب الشامة خلف رابية هناك مع ثلاثة نفر، فمضى إليهم وأخذهم، وأحضرهم عند ابن كشمرد، فوجه بهم إلى المكتفي بالرقة، ورجعت الجيوش من الطلب، وفي يوم الاثنين لأربع بقين من المحرم أدخل صاحب الشامة الرقة ظاهرا على فالج- وهو الجمل ذو السنامين- وبين يديه المدثر والمطوق؛ وسار المكتفي إلى بغداد ومعه صاحب الشامة وأصحابه، وخلف العساكر مع محمد بن سليمان، وأدخل القرمطي بغداد على فيل، وأصحابه على الجمل، ثم أمر المكتفي بحبسهم إلى أن يقدم محمد بن سليمان، فقدم بغداد، وقد استقصى في طلب القرامطة، فظفر بجماعة من أعيانهم ورؤوسهم، فأمر المكتفي بقطع أيديهم وأرجلهم، وضرب أعناقهم بعد ذلك، وأخرجوا من الحبس، وفعل بهم ذلك، وضرب صاحب الشامة مائتي سوط، وقطعت يداه، وكوي فغشي عليه، وأخذوا خشبا وجعلوا فيه نارا ووضعوه على خواصره، فجعل يفتح عينه ويغمضها، فلما خافوا موته ضربوا عنقه، ورفعوا رأسه على خشبة، فكبر الناس لذلك، ونصب على الجسر.


خرجت الترك في خلق كثير لا يحصون إلى ما وراء النهر، وكان في عسكرهم سبعمائة قبة تركية، ولا يكون إلا للرؤساء منهم، فوجه إليهم إسماعيل بن أحمد الساماني جيشا كثيرا، وتبعهم من المتطوعة خلق كثير، فساروا نحو الترك، فوصلوا إليهم وهم غارون، فكبسهم المسلمون مع الصبح، فقتلوا منهم خلقا عظيما لا يحصون، وانهزم الباقون، واستبيح عسكرهم، وعاد المسلمون سالمين غانمين.


في هذه السنة سار المعروف بغلام زرافة من طرسوس نحو بلاد الروم، ففتح مدينة أنطاكية، وهي تعادل القسطنطينية، فتحها بالسيف عنوة، فقتل خمسة آلاف رجل، وأسر مثلهم، واستنقذ من الأسارى خمسة آلاف، وأخذ لهم ستين مركبا فحمل فيها ما غنم من الأموال والمتاع والرقيق، وقدر نصيب كل رجل ألف دينار، وهذه المدينة على ساحل البحر، فاستبشر المسلمون بذلك.


خرج من الروم عشرة صلبان مع كل صليب عشرة آلاف إلى الثغور، فغاروا على أطراف بلاد المسلمين، فأحرقوا, وقتلوا خلقا وسبوا نساء وذرية.


سار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون، وسبب ذلك أن محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي، وعاد عن محاربة القرامطة، واستقصى محمد في طلبهم، فلما بلغ ما أراد عزم على العود إلى العراق، أتاه كتاب بدر الحمامي غلام ابن طولون، وكتاب فائق، وهما بدمشق، يدعوانه إلى قصد البلاد بالعساكر يساعدانه على أخذها، فلما عاد إلى بغداد أنهى ذلك إلى المكتفي، فأمره بالعود، وسير معه الجنود والأموال، ووجه المكتفي دميانة غلام بازمار، وأمره بركوب البحر إلى مصر، ودخول النيل، وقطع المواد عن مصر، ففعل وضيق عليهم، وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجيوش في البر، حتى دنا من مصر وكاتب من بها من القواد، وكان أول من خرج إليه بدر الحمامي، وكان رئيسهم، فكسرهم ذلك، وتتابعه المستأمنة من قواد المصريين، وفي بعض الأيام ثارت عصبية، فاقتتلوا فخرج هارون يسكنهم، فرماه بعض المغاربة بمزراق معه فقتله، فلما قتل قام عمه شيبان بالأمر من بعده، وبذل المال للجند، فأطاعوه وقاتلوا معه، فأتتهم كتب بدر يدعوهم إلى الأمان، فأجابوه إلى ذلك، فلما علم محمد بن سليمان الخبر سار إلى مصر، فأرسل إليه شيبان يطلب الأمان، فأجابه، فخرج إليه ليلا، ولم يعلم به أحد من الجند، فلما أصبحوا قصدوا داره ولم يجدوه، فبقوا حيارى، ولما وصل محمد مصر دخلها واستولى على دور طولون وأموالهم، وأخذهم جميعا وهم بضعة عشر رجلا فقيدهم، وحبسهم واستقصى أموالهم، وكتب بالفتح إلى المكتفي، فأمره بإشخاص آل طولون وترحيلهم من مصر والشام إلى بغداد، ولا يترك منهم أحدا ففعل ذلك، وعاد إلى بغداد، وولى معونة مصر عيسى النوشري، فكانت مدة الدولة الطولونية 38 عاما من حكم أحمد بن طولون.


أنفذ زكرويه بن مهرويه، بعد قتل صاحب الشامة الحسين بن زكرويه، رجلا كان يعلم الصبيان بالرافوفة من الفلوجة يسمى عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا غانم، فسمي نصرا, وقيل كان المنفذ ابن زكرويه، فدار على أحياء العرب من كلب وغيرهم يدعوهم إلى رأيه، فلم يقبله منهم أحد، إلا رجلا من بني زياد يسمى مقدام بن الكيال، واستقوى بطوائف من الأصبغيين المنتمين إلى الفواطم، وغيرهم من العليصيين، وصعاليك من سائر بطون كلب، وقصد ناحية الشام، والعامل بدمشق والأردن أحمد بن كيغلغ، وهو بمصر يحارب الخلنجي، فاغتنم ذلك عبد الله بن سعيد، وسار إلى بصرى وأذرعات والبثينة، فحارب أهلها ثم أمنهم، فلما استسلموا إليه قتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم، ثم قصد دمشق، فخرج إليهم نائب ابن كيغلغ، وهو صالح بن الفضل، فهزمه القرامطة، وأثخنوا فيهم، ثم أمنوهم وغدروهم بالأمان، وقتلوا صالحا وفضوا عسكره، وساروا إلى دمشق، فمنعهم أهلها فقصدوا طبرية، وانضاف إليه جماعة من جند دمشق افتتنوا به، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن بغامردي، وهو خليفة أحمد بن كيغلغ بالأردن، فهزموه، وبذلوا له الأمان، وغدروا به، وقتلوه، ونهبوا طبرية، وقتلوا خلقا كثيرا من أهلها وسبوا النساء، فأنفذ الخليفة الحسين بن حمدان وجماعة من القواد في طلبهم، فوردوا دمشق، فلما علم بهم القرامطة رجعوا نحو السماوة، وتبعهم الحسين في السماوة، وبلغ الخبر إلى المكتفي فسير محمد بن إسحاق بن كنداج، فلم يقيموا لمحمد.

وكتب إلى ابن حمدان بالمسير إليهم من جهة الرحبة ليجتمع هو ومحمد على الإيقاع بهم، ففعل ذلك، فلما أحس الكلبيون بإقبال الجيش إليهم وثبوا بنصر عبد الله بن سعيد فقتلوه، قتله رجل منهم يقال له الذئب بن القائم، وسار برأسه إلى المكتفي متقربا بذلك، مستأمنا، فأجيب إلى ذلك، واقتتلت القرامطة بعد نصر حتى صارت بينهم الدماء، فكتب الخليفة إلى ابن حمدان يأمره بمعاودتهم، واجتثاث أصلهم، فأرسل إليهم زكرويه بن مهرويه داعية له يسمى القاسم بن أحمد، ويعرف بأبي محمد، وأعلمهم أن فعل الذئب قد نفره منهم، وأنهم قد ارتدوا عن الدين وأن وقت ظهورهم قد حضر، وقد بايع له من أهل الكوفة أربعون ألفا، وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله في شأن موسى صلى الله عليه وسلم، وعدوه فرعون؛ إذ {قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى} ويأمرهم أن يخفوا أمرهم، وأن يسيروا حتى يصبحوا الكوفة يوم النحر سنة 293، فإنهم لا يمنعون منها وأنه يظهر لهم، وينجز لهم وعده الذي يعدهم إياه، وأن يحملوا إليه القاسم بن أحمد، فامتثلوا رأيه، ووافوا باب الكوفة وقد انصرف الناس عن مصلاهم، وعاملهم إسحاق بن عمران، ووصلوها في ثمانمائة فارس عليهم الدروع، والجواشن، والآلات الحسنة، وقد ضربوا على القاسم بن أحمد قبة، وقالوا هذا أثر رسول الله.

ونادوا "يا لثارات الحسين"، يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب ببغداد، وشعارهم "يا أحمد، يا محمد"، يعنون ابني زكرويه المقتولين، فأظهروا الأعلام البيض، وأرادوا استمالة رعاع الناس بالكوفة بذلك، فلم يمل إليهم أحد، فأوقع القرامطة بمن لحقوه من أهل الكوفة، وقتلوا نحوا من عشرين نفسا، وبادر الناس الكوفة، وأخذوا السلاح، ونهض بهم إسحاق، ودخل مدينة الكوفة من القرامطة مائة فارس، فقتل منهم عشرون نفسا وأخرجوا عنها، وظهر إسحاق وحاربهم إلى العصر، ثم انصرفوا نحو القادسية، وكتب إسحاق إلى الخليفة يستمده، فأمده بجماعة من قواده، فساروا منتصف ذي الحجة حتى قاربوا القادسية فنزلوا بالصوان، فلقيهم زكرويه، وأما القرامطة فإنهم أنفذوا واستخرجوا زكرويه من جب في الأرض كان منقطعا فيه سنين كثيرة، بقرية الدرية، وكان على الجب باب حديد محكم العمل، فلما استخرجوه حملوه على أيديهم، وسموه ولي الله، ولما رأوه سجدوا له، وحضر معه جماعة من دعاته وخاصته، وأعلمهم أن القاسم بن أحمد من أعظم الناس عليهم ذمة ومنة، وأنه ردهم إلى الدين بعد خروجهم عنه، وأنهم إن امتثلوا أوامره أنجز موعدهم وبلغوا آمالهم، ورمز لهم رموزا ذكر فيها آيات من القرآن، نقلها عن الوجه الذي أنزلت فيه، فاعترف له من رسخ حب الكفر في قلبه أنه رئيسهم وكهفهم، وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل، وسار بهم وهو محجوب يدعونه ولا يبرزونه، والقاسم يتولى الأمور، وأعلمهم أن أهل السواد قاطبة خارجون إليه، فأقام بسقي الفرات عدة أيام، فلم يصل إليه منهم إلا خمسمائة رجل، ثم وافته الجنود المذكورة من عند الخليفة، فلقيهم زكرويه بالصوان، وقاتلهم واشتدت الحرب بينهم، وكانت الهزيمة أول النهار على القرامطة، وكان زكرويه قد كمن لهم كمينا من خلفهم، فلم يشعر أصحاب الخليفة إلا والسيف فيهم من ورائهم، فانهزموا أقبح هزيمة، ووضع القرامطة السيف فيهم، فقتلوهم كيف شاؤوا وغنموا سوادهم، ولم يسلم من أصحاب الخليفة إلا من دابته قوية، أو من أثخن بالجراح، فوضع نفسه بين القتلى، فتحاملوا بعد ذلك، وقوي القرامطة بما غنموا، ولما ورد خبر هذه الوقعة إلى بغداد أعظمها الخليفة والناس، وندب إلى القرامطة محمد بن إسحاق بن كنداج، وضم إليه من الأعراب بني شيبان وغيرهم أكثر من ألفي رجل، وأعطاهم الأرزاق، ورحل زكرويه من مكانه إلى نهر المثنية لنتن القتلى.


ظهر بمصر رجل يعرف بالخلنجي، من القادة, وهو أبو عبد الله محمد بن علي الخلنجي المصري الطولوني، كان قد تخلف عن محمد بن سليمان، فاستمال جماعة، وخالف على السلطان، فتملك الديار المصرية بالسيف، واستولى عليها عنوة من عيسى بن محمد النوشري.

فلما ملك الخلنجي الديار المصرية ومهد البلاد ووطن الناس ووضع العطاء وفرض الفروض.

كتب النوشري إلى المكتفي بالخبر، فجهز الخليفة جيشا لقتاله وعليهم أبو الأغر، وفي الجيش الأمير أحمد بن كيغلغ وغيره، فخرج إليهم الخلنجي وقاتلهم فهزمهم أقبح هزيمة وأسر من جماعة أبي الأغر خلقا كثيرا، وعاد أبو الأغر حتى وصل إلى العراق.


وفي اليمن نبغ رجل يدعو إلى القرامطة يدعى بالداعية الذي سار إلى مدينة صنعاء، فحاربه أهلها فظفر بهم وقتلهم، فلم يفلت إلا اليسير، وتغلب على سائر مدن اليمن، ثم اجتمع أهل صنعاء وغيرها فحاربوا الداعية فهزموه، فانحاز إلى موضع من نواحي اليمن، وبلغ الخبر الخليفة، فخلع على المظفر بن حاج في شوال، وسيره إلى عمله باليمن، وأقام بها إلى أن مات.


عظم على الخليفة المكتفي ما أصاب جيشه بقيادة أبي الأغر في مصر على يد الخلنجي، فجهز إليه العساكر ثانيا بصحبة فاتك مولى المعتضد في البر، وجهز دميانة غلام بازمان في البحر، فقدم فاتك بجيوشه حتى نزل بالنويرة, وقد عظم أمر الخلنجي وأخرج عيسى النوشري عن مصر وأعمالها, ولما بلغ الخلنجي مجيء عسكر العراق بصحبة فاتك، جمع عسكره وخرج إلى باب المدينة وعسكر به، وقام بالليل بأربعة آلاف من أصحابه ليبيت فاتكا وأصحابه، فضل الخلنجي وجيشه الطريق وأصبحوا قبل أن يصلوا إلى النويرة، فعلم بهم فاتك فنهض بأصحابه والتقى مع الخلنجي قبل أن يصلوا إلى النويرة، فتقاتلا قتالا شديدا, فانهزم الخلنجي بعد أن ثبت ساعة بعد فرار أصحابه عنه، ودخل إلى مصر واستتر بها لثلاث خلون من شهر رجب، ثم قبض عليه وحبس, فكتب المكتفي إلى فاتك في حمل الخلنجي ومن معه إلى بغداد، فوجه فاتك مولى المعتضد الخلنجي إلى بغداد، فدخلها هو ومن معه في شهر رمضان، فأمر المكتفي بحبسهم.


أغارت الروم على قورس، من أعمال حلب، فقاتلهم أهلها قتالا شديدا، ثم انهزموا وقتل أكثرهم، وقتلوا رؤساء بني تميم، ودخل الروم قورس فأحرقوا جامعها وساقوا من بقي من أهلها.


عمل أبو عبد الله الشيعي على تنظيم جماعته، حتى التزموا طاعته، ثم بدأ في سنة (289هـ - 901م) في مهاجمة دولة الأغالبة، التي دب فيها الضعف؛ بسبب سوء وضع آخر حكامها زيادة الله الثالث الذي قتل والده وقرابته، مع انهماكه في اللهو، ودخل معها في عدة معارك وتوالت انتصارات أبي عبدالله الشيعي على دولة الأغالبة خاصة بعد هرب زيادة الله إلى مصر، فسقطت في يد أبي عبدالله الشيعي قرطاجنة، وقسنطينة، وقفصة، ودخل رقادة عاصمة الأغالبة عام 296هـ - 26 من مارس 909م).

وبذلك انتهت دولة الأغالبة بشمال أفريقيا وتهيئت البلاد لقيام دولة الفاطميين.


ارتحل زكرويه من نهر المثنية يريد الحاج، فبلغ السلمان، وأقام ينتظرهم، فبلغت القافلة الأولى واقصة سابع المحرم، فأنذرهم أهلها وأخبروهم بقرب القرامطة، فارتحلوا لساعتهم، وسار القرامطة إلى واقصة، فسألوا أهلها عن الحاج، فأخبروهم أنهم ساروا فاتهمهم زكرويه، فقتل العلافة، وأحرق العلف، وتحصن أهل واقصة في حصنهم، فحصرهم أياما ثم ارتحل عنهم نحو زبالة، ولقي زكرويه القرمطي قافلة الخراسانية بعقبة الشيطان راجعين من مكة، فحاربهم حربا شديدة، فلما رأى شدة حربهم سألهم: هل فيكم نائب للسلطان؟ فقالوا: ما معنا أحد.

قال: فلست أريدكم؛ فاطمأنوا وساروا، فلما ساروا أوقع بهم، وقتلهم عن آخرهم، ولم ينج إلا الشريد، وسبوا من الناس ما أرادوا وقتلوا منهم، وكتب من نجا من الحجاج من هذه القافلة الثانية إلى رؤساء القافلة الثالثة من الحجاج يعلمونهم ما جرى من القرامطة، ويأمرونهم بالتحذر، والعدول عن الجادة نحو واسط والبصرة، والرجوع إلى فيد والمدينة إلى أن تأتيهم جيوش السلطان، فلم يسمعوا ولم يقيموا، وسارت القرامطة من العقبة بعد أخذ الحاج، وقد طموا الآبار والبرك بالجيف، والأراب، والحجارة، بواقصة، والثعلبية، والعقبة، وغيرها من المناهل في جميع طريقهم، وأقام بالهيبر ينتظر القافلة الثالثة، فساروا فصادفوه هناك، فقاتلهم زكرويه ثلاثة أيام، وهم على غير ماء، فاستسلموا لشدة العطش، فوضع فيهم السيف وقتلهم عن آخرهم، وجمع القتلى كالتل، وأرسل خلف المنهزمين من يبذل لهم الأمان، فلما رجعوا قتلهم، وكان نساء القرامطة يطفن بالماء بين القتلى يعرضن عليهم الماء، فمن كلمهن قتلنه، فقيل إن عدة القتلى بلغت عشرين ألفا ولم ينج إلا من كان بين القتلى فلم يفطن له فنجا بعد ذلك، ومن هرب عند اشتغال القرامطة بالقتل والنهب، فكان من مات من هؤلاء أكثر ممن سلم ومن استعبدوه، وكان مبلغ ما أخذوه من هذه القافلة ألفي ألف دينار.


غزا ابن كيغلغ الروم من طرسوس، فأصاب من الروم أربعة آلاف رأس سبيا ودواب ومتاعا، ودخل بطريق من بطارقة الروم في الأمان وأسلم، كما غزا ابن كيغلغ شكند، وافتتح الله عليه، وسار إلى الليس، فغنموا نحوا من خمسين ألف رأس، وقتلوا مقتلة عظيمة من الروم، وانصرفوا سالمين، وكاتب أندرونقس البطريق المكتفي بالله يطلب منه الأمان، وكان على حرب أهل الثغور من قبل ملك الروم، فأعطاه المكتفي ما طلب، فخرج ومعه مائتا أسير من المسلمين كانوا في حصنه، وكان ملك الروم قد أرسل للقبض عليه، فأعطى المسلمين سلاحا وخرجوا معه، فقبضوا على الذي أرسله ملك الروم ليقبض عليه ليلا، فقتلوا ممن معه خلقا كثيرا، وغنموا ما في عسكرهم، فاجتمعت الروم على أندرونقس ليحاربوه، فسار إليهم جمع من المسلمين ليخلصوه ومن معه من أسرى المسلمين، فبلغوا قونية، فبلغ الخبر إلى الروم، فانصرفوا عنه، وسار جماعة من ذلك العسكر إلى أندرونقس، وهو بحصنه، فخرج ومعه أهله إليهم، وسار معهم إلى بغداد، وأخرب المسلمون قونية.


هو الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي، إمام أهل الحديث في عصره، وأحد الأعلام في العلوم والأعمال.

ولد سنة 202 ببغداد، ونشأ بنيسابور، سكن سمرقند وغيرها.

وكان أبوه مروزيا.

قال الحاكم فيه: "إمام الحديث في عصره بلا مدافعة".

كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة والتابعين ومن بعدهم، كان مولده ببغداد ثم رحل إلى نيسابور ونشأ بها، ثم رحل إلى مصر، وكان من أحسن الناس صلاة وأكثرهم خشوعا فيها، وقد صنف كتابا عظيما في الصلاة هو تعظيم قدر الصلاة، وله كتاب القسامة والمسند في الحديث وغيرها، عاد إلى سمرقند وتوفي فيها عن 92 عاما رحمه الله تعالى.


لما فعل زكرويه بالحجاج ما فعل، عظم ذلك على الخليفة خاصة، وعلى جميع المسلمين عامة، فجهز المكتفي الجيوش، فلما كان أول ربيع الأول سير وصيف بن صوارتكين مع جماعة من القواد والعساكر إلى القرامطة، فساروا على طريق حفان فلقيهم زكرويه، ومن معه من القرامطة، فاقتتلوا يومهم، ثم حجز الليل، وباتوا يتحارسون، ثم بكروا إلى القتال، فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل من القرامطة مقتلة عظيمة، ووصل عسكر الخليفة إلى عدو الله زكرويه، فضربه بعض الجند بالسيف على رأسه، فبلغت الضربة دماغه، وأخذه أسيرا وأخذ خليفته وجماعة من خواصه وأقربائه، وفيهم ابنه وكاتبه، وزوجته، واحتوى الجند على ما في العسكر، وعاش زكرويه خمسة أيام ومات، فسيرت جيفته والأسرى إلى بغداد، وانهزم جماعة من أصحابه إلى الشام، فأوقع بهم الحسين بن حمدان، فقتلوهم جميعا، وأخذوا جماعة من النساء والصبيان، وحمل رأس زكرويه- لعنه الله- إلى خراسان، لئلا ينقطع الحجاج، وأخذ الأعراب رجلين من أصحاب زكرويه يعرف أحدهما بالحداد، والآخر بالمنتقم، وهو أخو امرأة زكرويه، كانا قد سارا إليهم يدعوانهم إلى الخروج معهم، فلما أخذوهما سيروهما إلى بغداد، وتتبع الخليفة القرامطة بالعراق، فقتل بعضهم، وحبس بعضهم، ومات بعضهم في الحبس.


هو أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد الساماني أمير خراسان وما وراء النهر، شهد عهده ظهور السامانيين كقوة في المنطقة.

وهو ابن أحمد بن أسد، ويرجع نسبه إلى سامان خدا الذي أسس سلالة السامانيين والذي ترك المجوسية واعتنق الإسلام، ويعتبر إسماعيل أبا روحيا للقومية الطاجيكية، كان عاقلا عادلا، حسن السيرة في رعيته، حليما كريما، يلقب بعد موته بالماضي، وهو الذي كان يحسن إلى إمام أهل الحديث في عصره محمد بن نصر المروزي ويعظمه ويكرمه ويحترمه ويقوم له في مجلس ملكه، فلما مات تولى بعده ولده أحمد بن إسماعيل بن أحمد الساماني, وأرسل إليه المكتفي بالله عهده بالولاية وعقد لواءه بيده‏.


تم الفداء بين المسلمين والروم، وكان عدة من فودي به من الرجال والنساء ثلاثة آلاف نفس.


هو أمير المؤمنين أبو محمد علي المكتفي بالله بن الخليفة المعتضد بن الأمير أبي أحمد الموفق بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد العباسي، وليس من الخلفاء من اسمه علي سواه بعد علي بن أبي طالب، وليس من الخلفاء من يكنى بأبي محمد سوى الحسن بن علي بن أبي طالب وهو، ولد سنة 264، وكان يضرب المثل بحسنه في زمانه.

كان معتدل القامة، أسود الشعر، حسن اللحية، جميل الصورة.

بويع بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة 289، وفي أيامه فتحت أنطاكية وكان فيها من أسارى المسلمين بشر كثير وجم غفير، ولما حضرته الوفاة سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر بن المعتضد، فأحضره في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة منها، وأحضر القضاة وأشهدهم على نفسه بأنه قد فوض أمر الخلافة إليه من بعده، ولقبه بالمقتدر بالله، ثم مات بعد عدة أيام، وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما.

مات شابا في الثلاثين من عمره، ثم تولى الخلافة المقتدر بالله أبو الفضل جعفر بن المعتضد، فجددت له البيعة بعد موت أخيه وقت السحر لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة، وعمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وإحدى وعشرون يوما، ولم يل الخلافة أحد قبله أصغر منه.


اجتمع جماعة من القواد والجند والأمراء على خلع المقتدر وتولية عبد الله بن المعتز الخلافة، فأجابهم ابن المعتز على ألا يسفك بسببه دم، وكان المقتدر قد خرج يلعب بالصولجان، فقصد إليه الحسين بن حمدان يريد أن يفتك به، فلما سمع المقتدر الصيحة بادر إلى دار الخلافة فأغلقها دون الجيش، واجتمع الأمراء والأعيان والقضاة في دار المخرمي فبايعوا عبد الله بن المعتز، وخوطب بالخلافة، ولقب بالمرتضي بالله، واستوزر أبا عبيد الله محمد بن داود وبعث إلى المقتدر يأمره بالتحول من دار الخلافة إلى دار ابن طاهر لينتقل إليها، فأجابه بالسمع والطاعة، فركب الحسين بن حمدان من الغد إلى دار الخلافة ليتسلمها فقاتله الخدم ومن فيها، ولم يسلموها إليه، وهزموه فلم يقدر على تخليص أهله وماله إلا بالجهد، ثم ارتحل من فوره إلى الموصل وتفرق نظام ابن المعتز وجماعته، فأراد ابن المعتز أن يتحول إلى سامرا لينزلها، فلم يتبعه أحد من الأمراء، فدخل دار ابن الجصاص فاستجار به فأجاره، ووقع النهب في البلد واختبط الناس، وبعث المقتدر إلى أصحاب ابن المعتز فقبض عليهم وقتل أكثرهم، وأعاد ابن الفرات إلى الوزارة، فجدد البيعة إلى المقتدر، وأرسل إلى دار ابن الجصاص فتسلمها، وأحضر ابن المعتز وابن الجصاص فصادر ابن الجصاص بمال جزيل جدا، نحو ستة عشر ألف ألف درهم، ثم أطلقه واعتقل ابن المعتز، فلما دخل في ربيع الآخر ليلتان ظهر للناس موته وأخرجت جثته، فسلمت إلى أهله فدفن، وصفح المقتدر عن بقية من سعى في هذه الفتنة حتى لا تفسد نيات الناس، قال ابن الجوزي: "ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد إلا الأمين والمقتدر".


لما كان من أمر انتهاء دولة الأغالبة واستحواذ أبي عبدالله الشيعي على البلاد، واستقرت له القيروان ورقادة، سار إلى سجلماسة، وكان المهدي وابنه أبو القاسم محبوسين عند اليسع بن المدرار أمير سجلماسة، فلاطفه أبو عبدالله ليخلص المهدي منه دون أذى، وكان المهدي قد حاول الحضور إلى المغرب بعد أن راسله أبو عبدالله بما فتح من البلاد وغلب، وأن الأمر قد استتب له فليحضر، ولكنه قبض عليه في الطريق وأسر حتى صار أمره عند اليسع بن مدرار أمير الخوارج الصفرية، لكن اليسع لم يتلطف له بل حاربه، ثم لما أحس بقوة أبي عبدالله الشيعي هرب من الحصن فدخله أبو عبدالله وأخرج المهدي منه واستخرج ولده، فأركبهما، ومشى هو ورؤساء القبائل بين أيديهما، وأبو عبد الله يقول للناس: هذا مولاكم، (وهو يبكي) من شدة الفرح، حتى وصل إلى فسطاط قد ضرب له فنزل فيه، وأمر بطلب اليسع (فطلب)، فأدرك، فأخذ وضرب بالسياط ثم قتل.


كان آخر من تولى من أمراء الأغالبة زيادة الله الثالث الذي قتل أباه وتولى بعده عام 290، لكنه كان منصرفا إلى اللهو والمجون، فقوي أمر أبي عبدالله الشيعي الحسين بن أحمد بن زكريا الصنعاني الذي رحل إلى المغرب بعد أن مهد له الطريق والدعوة فيها رجلان قبله، وكان بينه وبين بني الأغلب حروب، وكان الأحول بن إبراهيم الثاني الأغلبي- عم زيادة الله- لأبي عبدالله الشيعي بالمرصاد, ولكن زيادة الله قتل عمه الأحول، فقوي أمر أبي عبدالله الشيعي أكثر، وجهر بالدعوة إلى المهدي، فلما أحس زيادة الله بالضعف آثر الهروب، فجمع الأموال وهرب إلى مصر، ثم حاول دخول بغداد فلم يؤذن له، فرجع إلى مصر ووعدوه بأن يجمعوا له الرجال والمال ليعود فيأخذ بثأره، فلما طال انتظاره رحل إلى بيت المقدس وسكن الرملة وتوفي فيها، فكانت مدة دولة الأغالبة مائة واثنتي عشرة سنة.


بعد أن دخل أبو عبدالله الشيعي رقادة واستولى عليها وقضى على الأغالبة، اتجه إلى سجلماسة قاعدة الخوارج الصفرية، لكنه مر بطريقه على تاهرت، وكانت الدولة الصفرية في مرحلة ضعف وتنازع على السلطة، فقتل يقظان بن أبي اليقظان وبنيه، وسار إلى العاصمة الرستمية وقتل فيها، وهرب من هرب، واستباح المدينة وحرقها، فقضى على الدولة الرستمية الصفرية الخارجية، لكن المذهب الإباضي الذي هو أصل هذه الدولة لم ينته؛ لأن من استطاع الهرب تحصن في ورغلة واحة في الصحراء التي بقيت مدة لا يستطيع العبيديون دخولها والقضاء عليها.


هو الإمام الحافظ العلامة: أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الإسكافي الأثرم الطائي، وقيل: الكلبي.

أحد الأعلام، ومصنف (السنن)، تلميذ الإمام أحمد.

ولد في دولة الرشيد.

روى عنه كثيرا من المسائل، سمع من عفان، وأبي الوليد، والقعنبي، وأبي نعيم، وابن أبي شيبة, وخلق كثير، وحدث عنه: النسائي في (سننه)، وموسى بن هارون، ويحيى بن صاعد، وعلي بن أبي طاهر القزويني، وغيرهم.

وكان حافظا صادقا قوي الذاكرة، كان ابن معين يقول عنه: "كان أحد أبويه جنيا"؛ لسرعة فهمه وحفظه، وكان عالما بكتب ابن أبي شيبة، وله كتب مصنفة في العلل والناسخ والمنسوخ، وكان من بحور العلم، وله مسند مصنف كذلك.