كيف تكون عبداً شكوراً؟


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فأحمد الله حمد الشاكرين، وأصلي وأسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين، وشفيعنا يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخواني: إن الاهتمام بالقلوب أمر مطلوب، كيف لا والقلب هو الملك الذي يملك الأعضاء، فبه تسير وبه تأتمر، والقلب له أعمال كثيرة، وتقوم به عبادات عظيمة، والمؤمن الذي يريد أن يسير إلى الله ينبغي أن يعتني بقلبه لكي يكون سيره حسناً.

ودرسنا في هذه الليلة: (كيف تكون عبداً شكوراً؟) كيف نكون جميعاً من عباد الله الشاكرين؟ ما هي الوسائل التي بها نكون شاكرين لله سبحانه وتعالى؟

أما الشكر فإنه في اللغة: ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان، كما تقول العرب: شكرت الدابة إذا: سمنت وظهر عليها أثر العلف، وقد جاء في صحيح مسلم في حديث يأجوج ومأجوج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حتى إن الدواب لتشكر من لحومهم). فالله تعالى يرسل عليهم ديداناً تقتلهم -يأجوج ومأجوج- وأن الدواب تأكل لحومهم حتى تسمن سمناً عظيماً، والشكر: هو الثناء على المحسن بما أعطاك وأولاك، فتقول: شكرته وشكرت له، والثاني أفصح، وقال الله سبحانه وتعالى: لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9]. والشكران ضد الكفران، والشكور من الدواب: ما يكفيه العلف القليل، ويقال: اشتكرت السماء إذا اشتد مطرها، واشتكر الضرع إذا امتلأ لبناً، فهذه معاني الشكر، وهي تدل على النماء والزيادة.

وشكر العبد لربه له عدة من المعاني:

فعرفه بعض الناس: بأنه الاعتراف للمنعم بالنعمة على وجه الخضوع.

وقال بعضهم: هو الثناء على المحسن بذكر إحسانه.

وقال بعضهم: الشكر استفراغ الطاقة في الطاعة.

وقيل: الشاكر: الذي يشكر على الموجود، والشكور: الذي يشكر على المفقود.

وقيل: الشاكر: الذي يشكر على النفع، والشكور: الذي يشكر على المنع.

وقيل في الفرق بين الشاكر والشكور: أن الشاكر: الذي يشكر على العطاء، والشكور: الذي يشكر على البلاء.

والشكر من العبد لربه يدور على ثلاثة أشياء:

أولاً: اعتراف العبد بنعمة الله عليه.

ثانياً: الثناء عليه سبحانه وتعالى بهذه النعم.

ثالثاً: الاستعانة بهذه النعم على مرضاة الله، فمدار شكر العبد لربه على هذه الثلاثة: الاعتراف، والثناء، والعمل بها في طاعته سبحانه وتعالى.

والشكر أيضاً: خشوع الشاكر للمشكور مع حبه له، واعترافه بنعمته، والثناء عليه بها، وألا يستعمل هذه النعم فيما يسخط الله، وإنما يستعملها فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.

والشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، ومن الأدلة على تعلق الشكر بالقلب الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة).

فالشكر إذاً: هو الاعتراف بإنعام الله سبحانه عليك على وجه الخضوع له والذل والمحبة. فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها، وكثير من الناس لا يعرفون نعم الله عليهم، ومن عرف النعمة ولم يعرف المنعم فكيف يشكره؟!! ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه فقد كفرها، ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها لكن ما خضع قلبه، ولا أحب المنعم، ولا رضي بالله المنعم فلا يعتبر شاكراً للنعمة، ومن عرف النعمة وعرف المنعم وخضع للمنعم، وأحبه ورضي به، واستعمل النعمة في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر حقاً وهذا هو التعريف لشكر الله سبحانه وتعالى.

وقد يقول بعض الناس: ما هو الفرق بين الحمد والشكر؟!

الجواب: إن الشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، تشكر الله بقلبك ولسانك وجوارحك، أما الحمد فإنه يتعلق بالقلب واللسان، فلا يقال: حمد الله بيده مثلاً، أو برجليه، أو بأي شيء من الجسد، إلا اللسان مع القلب فالحمد بهما، والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، فللقلب معرفة الله المنعم وحبه، وللسان الثناء عليه وحمده سبحانه وتعالى، والجوارح استعمال هذه النعم فيما يرضي الرب عز وجل، فالشكر أعم من هذه، لكن الشكر يكون على النعم، والحمد يكون على النعم وعلى غيرها، فمثلاً: الله سبحانه وتعالى يحمد على أسمائه وصفاته وأفعاله ونعمه، لكنه يشكر على نعمه، فلا يقال: إنه يشكر على أسمائه وصفاته وإنما يحمد على أسمائه وصفاته، ومن هذه الجهة فالحمد أعم، فهذا هو الفرق بين الحمد والشكر.

وأما الله سبحانه وتعالى فإن من أسمائه الشكور، وقد سمى نفسه شاكراً كذلك، فقال الله سبحانه وتعالى: وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً [النساء:147]، وقال: وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ [التغابن:17]. فالله عز وجل من أسمائه الشكور فهو يشكر عباده، فكيف يشكر عباده سبحانه وتعالى؟!

توفيقهم للخير

إنه يشكرهم بأن يوفقهم للخير، ثم يعطيهم ويثيبهم على العمل به، والله عز وجل يشكر القليل من العمل ويعطي عليه ثواباً جزيلاً أكثر من العمل، والحسنة بعشر أمثالها وهكذا، فالله سبحانه وتعالى شكور حليم.

ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى

ويشكر عبده بأن يثني عليه في الملأ الأعلى، ويذكره عند الملائكة، ويجعل ذكره بين العباد في الأرض حسناً؛ كل هذا من شكر الله للعبد، فإذا ترك العبد شيئاً لله أعطاه الله أفضل منه، وإذا بذل العبد شيئاً لله رده الله عليه أضعافاً مضاعفة، ولما عقر نبي الله سليمان الخيل غضباً لله لما أشغلته الخيل عن ذكره، عوضه الله عز وجل بالريح؛ على متن الريح يكون سفره، وتحمل جنوده من الجن والإنس والطير، ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا من الديار في مرضاة الله عوضهم الله ملك الدنيا، وفتح عليهم ملك فارس والروم، ولما تحمل يوسف الصديق ضيق السجن شكر الله له ذلك ومكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، ولما بذل الشهداء دماءهم وأموالهم في سبيل الله حتى مزق الأعداء أجسادهم شكر الله ذلك لهم، وجعل أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وترد أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش.

مجازاة الكافر عاجلاً على ما يفعل من الخير والمعروف

فالله شكور، ومن شكره سبحانه أنه يجازي العدو على ما يفعل من الخير والمعروف، فلو أن كافراً عمل في الدنيا حسنات؛ فكفل يتيماً، أو أغاث ملهوفاً فالله لا يضيع عمل الكافر فيجزيه بها في الدنيا من الصحة والغنى والأولاد ونحو ذلك من متاع الدنيا، حتى عمل الكافر من أعمال الخير لا يضيعها له، بل إنه يثيبه عليها في الدنيا، وقد جاء في الحديث الصحيح ما يثبت أن الله يشكر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (نزع رجلٌ لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق -إما أنه كان في شجرة مقطعة فألقاه، وإما أنه كان موضوعاً فأماطه- فشكر الله له بها فأدخله الجنة). حديث حسن.

وجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلبٍ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ بهذا مثل ما بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم لأجراً، قال: في كل كبد رطبة أجر).

والله عز وجل يشكر عبده ويعطيه الأضعاف المضاعفة فهو المحسن إلى العبيد، والله سبحانه وتعالى قال: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً [النساء:147]. تأمل يا أيها المسلم! كيف أن شكر الله أنه يأبى أن يعذب عباده بغير جرم، ويأبى أن يجعل سعيهم باطلاً، قال الله عز وجل: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الإنسان:22] فشكرهم على سعيهم، ولم يضع سعيهم، وجازاهم الجنة، وأعطاهم من أصناف الثواب ما أعطاهم سبحانه وتعالى.

إخراج الله لمن دخل النار وفي قلبه أدنى مثقال ذرة من خير

ومن شكر الله للعبيد: أنه يخرج العبد من النار بأدنى مثقال ذرة من خير، ولا يضيع عليه هذا القدر، فلو تعذب العبد في النار ما تعذب وكان مؤمناً من أهل التوحيد ليس بكافر فإن الله يخرجه يوماً من الدهر من النار فيدخله الجنة، ولو كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، والله عز وجل شكر لمؤمن آل فرعون مقامه، الذي قام لله فجاهد وقال كلمة الحق عند سلطان جائر؛ فأثنى الله عليه بالقرآن ونوه بذكره بين عباده، وكذلك المسلم الذي أعان الثلاثة الأنبياء من أصحاب القرية لما جاءوا أصحاب القرية في سورة يس، فالله سبحانه وتعالى ذكره وشكر له مقامه، وشكر له دعوته في سبيله فجعل له من الثواب الجزيل على ذلك الموقف ما لا يعلمه إلا هو سبحانه، فهو الشكور على الحقيقة، وهو المتصف بصفة الشكر سبحانه وتعالى، والله عز وجل يرغب من عباده أن يتصفوا بموجب الصفات الحسنة التي وصف نفسه بها، والله عز وجل جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، شكور يحب الشاكرين، صبور يحب الصابرين، جواد يحب أهل الجود، ستير يحب أهل الستر، عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكذلك فهو سبحانه يكره البخل، والظلم، والجهل، وقسوة القلب، والجبن، واللؤم، وهو سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يتصفوا بالصفات الحميدة الحسنة.

إنه يشكرهم بأن يوفقهم للخير، ثم يعطيهم ويثيبهم على العمل به، والله عز وجل يشكر القليل من العمل ويعطي عليه ثواباً جزيلاً أكثر من العمل، والحسنة بعشر أمثالها وهكذا، فالله سبحانه وتعالى شكور حليم.

ويشكر عبده بأن يثني عليه في الملأ الأعلى، ويذكره عند الملائكة، ويجعل ذكره بين العباد في الأرض حسناً؛ كل هذا من شكر الله للعبد، فإذا ترك العبد شيئاً لله أعطاه الله أفضل منه، وإذا بذل العبد شيئاً لله رده الله عليه أضعافاً مضاعفة، ولما عقر نبي الله سليمان الخيل غضباً لله لما أشغلته الخيل عن ذكره، عوضه الله عز وجل بالريح؛ على متن الريح يكون سفره، وتحمل جنوده من الجن والإنس والطير، ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا من الديار في مرضاة الله عوضهم الله ملك الدنيا، وفتح عليهم ملك فارس والروم، ولما تحمل يوسف الصديق ضيق السجن شكر الله له ذلك ومكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، ولما بذل الشهداء دماءهم وأموالهم في سبيل الله حتى مزق الأعداء أجسادهم شكر الله ذلك لهم، وجعل أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وترد أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش.

فالله شكور، ومن شكره سبحانه أنه يجازي العدو على ما يفعل من الخير والمعروف، فلو أن كافراً عمل في الدنيا حسنات؛ فكفل يتيماً، أو أغاث ملهوفاً فالله لا يضيع عمل الكافر فيجزيه بها في الدنيا من الصحة والغنى والأولاد ونحو ذلك من متاع الدنيا، حتى عمل الكافر من أعمال الخير لا يضيعها له، بل إنه يثيبه عليها في الدنيا، وقد جاء في الحديث الصحيح ما يثبت أن الله يشكر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (نزع رجلٌ لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق -إما أنه كان في شجرة مقطعة فألقاه، وإما أنه كان موضوعاً فأماطه- فشكر الله له بها فأدخله الجنة). حديث حسن.

وجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلبٍ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ بهذا مثل ما بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم لأجراً، قال: في كل كبد رطبة أجر).

والله عز وجل يشكر عبده ويعطيه الأضعاف المضاعفة فهو المحسن إلى العبيد، والله سبحانه وتعالى قال: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً [النساء:147]. تأمل يا أيها المسلم! كيف أن شكر الله أنه يأبى أن يعذب عباده بغير جرم، ويأبى أن يجعل سعيهم باطلاً، قال الله عز وجل: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الإنسان:22] فشكرهم على سعيهم، ولم يضع سعيهم، وجازاهم الجنة، وأعطاهم من أصناف الثواب ما أعطاهم سبحانه وتعالى.

ومن شكر الله للعبيد: أنه يخرج العبد من النار بأدنى مثقال ذرة من خير، ولا يضيع عليه هذا القدر، فلو تعذب العبد في النار ما تعذب وكان مؤمناً من أهل التوحيد ليس بكافر فإن الله يخرجه يوماً من الدهر من النار فيدخله الجنة، ولو كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، والله عز وجل شكر لمؤمن آل فرعون مقامه، الذي قام لله فجاهد وقال كلمة الحق عند سلطان جائر؛ فأثنى الله عليه بالقرآن ونوه بذكره بين عباده، وكذلك المسلم الذي أعان الثلاثة الأنبياء من أصحاب القرية لما جاءوا أصحاب القرية في سورة يس، فالله سبحانه وتعالى ذكره وشكر له مقامه، وشكر له دعوته في سبيله فجعل له من الثواب الجزيل على ذلك الموقف ما لا يعلمه إلا هو سبحانه، فهو الشكور على الحقيقة، وهو المتصف بصفة الشكر سبحانه وتعالى، والله عز وجل يرغب من عباده أن يتصفوا بموجب الصفات الحسنة التي وصف نفسه بها، والله عز وجل جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، شكور يحب الشاكرين، صبور يحب الصابرين، جواد يحب أهل الجود، ستير يحب أهل الستر، عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكذلك فهو سبحانه يكره البخل، والظلم، والجهل، وقسوة القلب، والجبن، واللؤم، وهو سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يتصفوا بالصفات الحميدة الحسنة.