خطب ومحاضرات
مع خليل الرحمن إبراهيم [3]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.
خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فـالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد.
فاللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
ثم أما بعد:
أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا يزال الحديث مع إبراهيم خليل الرحمن جل وعلا، الذي جاء ربه بقلب سليم، والذي آتاه الله كمال الحجة، فأقام البراهين والأدلة على عباد الأصنام والكواكب والنجوم، وحطم الشرك في عصره، وترك ولده الرضيع امتثالاً لأمر ربه بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، وهو الذي وفى، وأول من أكرم الضيف، ولبس السراويل واختتن، وبذل ماله للضيفان، وجسده للنيران، وولده للقربان فاستحق أن يكسى عند الواحد الديَّان، وقد قال الله في حقه: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120].
ولقاؤنا اليوم مع (إبراهيم والبلاء).
لا بد أن نعلم ابتداءً أن طريق الدعوة إلى الله هو طريق البلاء، ورب العالمين تبارك وتعالى بين في كتابه أنه خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2].
وقال سبحانه: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7].
وقال جل شأنه: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ [الإنسان:2]، فكأن العلة من وجود الخلق في هذه الحياة البلاء، ومن ثم يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، ولن تجد داعية ولا عالماً من سلف الأمة لم يبتل، فلا بد من البلاء.
وحدث عن فتنة الإمام مالك ولا حرج، فلما بايع بعض من كان في المدينة الأمير مكرهاً جاء إلى مالك في درس علمه وقال له: يا مالك ! بيعة المكره تقع؟ فقال مالك : لا تقع، فقال له: يا مالك ! قل: تقع، قال: لا؛ فإن زلة العالِم زلة عالَم.
فهؤلاء الرجال ما باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، فأبى مالك أن يقولها فأُمِر بجلده، فجلد رحمه الله حتى شلت يداه بجواره.
وامتحن الإمام أحمد في القول بخلق القرآن، وحاول بعض خلفاء الدولة العباسية قهره على أن يقول: إن القرآن مخلوق، فقال: من قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق؛ إذ المخلوق يحتاج إلى خالق، وكلمات الله صفة من صفاته، وصفات الله أزلية، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، أي: أنه كان يستعيذ بغير المخلوق من المخلوق.
فلن تجد عالماً من علماء الأمة ولا أحداً من سلفنا الصالح إلا وقد ابتلي في الله عز وجل، وطريق الدعوة يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره)، فيا من تريد الجنة! طريقها المكاره، وستؤذى في نفسك وفي بيتك، وربما تؤذى في عرضك، وربما يضيق عليك أو تحاصر، وهذا هو ثمن الغربة.
صبر إبراهيم عليه السلام على البلاء، وقد كان أمة في الصبر على البلاء، فبعد أن دعا أباه -كما بينا في اللقاء الأول- قام يدعو القوم من عباد الأصنام ويناظر عباد النجوم والكواكب، ويناظر ذلك الملك الظالم، وقد ذكر الله تعالى مناظرته لعباد الأصنام في قوله عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ [الشعراء:69-70]، وإبراهيم كان يعلم أنهم يعبدون الأصنام، وإنما سألهم عما يعبدون توبيخاً وتقريعاً، وليبين لهم أن الذي يعبدونه لا يستحق العبادة، فكان جوابهم في منتهى الكبر والغرور والعجرفة والثبات على الباطل، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ [الشعراء:71].
يقول السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن): وحال السؤال مع الجواب في القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحياناً يأتي الجواب في القرآن على قدر السؤال.
وأحياناً يأتي الجواب أطول من السؤال.
وأحياناً يأتي الجواب بخلاف السؤال.
ومثال ما أتى فيه الجواب أطول من السؤال قول الله تعالى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:17-18]، فالجواب جاء أطول بكثير من السؤال، وقد قال علماؤنا: وإنما قال موسى: (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) طمعاً في أن يسأله الله ما هي المآرب الأخرى، حتى يطيل اللقاء مع الله عز وجل.
وأما ما أتى فيه الجواب أقصر من السؤال فكما في قول الله تعالى لما قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ، فقد طلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن، أو أن يبدله، فكان الجواب قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي [يونس:15]، فأجاب عن التبديل ولم يجب عن أن يأتي بقرآن غيره؛ لأنه إن كان عاجزاً عن أن يبدل فمن باب أولى أنه سيكون عاجزاً عن أن يأتي بغيره، فالجواب هنا كان أقل من السؤال.
ومما أتى فيه الجواب أطول من السؤال حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر: (إنا نركب البحر، أفنتوضأ بماء البحر يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وهو لم يسأل عن الميتة وإنما سئل عن الوضوء، فأجاب عن الميتة لأنه يعلم أن حاجة السائل للميتة أشد من حاجته للوضوء، وهذه إجابة حكيم، ومَن الحكيم إن لم يكن هو سيد البشر صلى الله عليه وسلم؟!
لما سأل إبراهيم قومه: مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً [الشعراء:70-71]، ثم أرادوا أن يغيظوا إبراهيم فقالوا: فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ [الشعراء:71]. والعبادة تعني التعلق القلبي، فالقوم لا يعبدون الأصنام طول الوقت وفي الليل والنهار، وإنما يعبدونها في بعض الأوقات، ولكن قلوبهم تتعلق بها، فالملازمة هنا ملازمة قلوب، ولذلك العبادة هي: أن يلازم قلبك حب ربك سبحانه، وأن يمتثل لأمره عز وجل. وقال العلماء: هي منتهى الحب مع منتهى الذل. وعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة.
وبعض أهل التصوف يقولون: نحن أصحاب عبادة الباطن. فنقول لهم: العبادة تشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، فالصوم والصلاة والحج والزكاة أعمال ظاهرة، والرجاء والخوف والحب والإنابة والتوكل أعمال باطنة فهي تشمل الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة.
والداعية إذا اتصف بصفتين يرجى منه النفع:
الصفة الأولى: كمال الحجة، وقوة البيان والمناظرة، وامتلاك الأدلة التي تقهر الخصم.
الصفة الثانية: سلامة القلب، بأن يكون صاحب قلب سليم، فلا يحمل في قلبه حقداً ولا حسداً، ولا يتتبع العثرات ولا الزلات، وصدق من قال: المؤمن يستر وينصح، والمنافق يهتك ويفضح. فالأصل في شرعنا الستر.
وقد اتصف إبراهيم عليه السلام بهاتين الصفتين: كمال الحجة، وسلامة القلب، فأقام الحجة على كل من كان في عصره، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [الشعراء:72-73]؟ فكانت إجابة هؤلاء الذين لم يروا النور، قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [الشعراء:74]. فهم في تقليد أعمى، والتقليد مذموم؛ لأنه لا يستند إلى دليل ولا إلى برهان، ولذلك يقول ربنا: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111]. فلا بد من برهان ودليل على الدعوى، ولا يقبل الكلام مهما كان قائله إلا إذا صاحبه دليل.
فلا بد من دليل يبين صدق ما تقول، فهؤلاء لما قال لهم إبراهيم: لم تعبدون هذه الأصنام؟ أجابوا بالتقليد، والتقليد مذموم، واليوم في قرانا وبعض مدننا يستدل البعض بالتقليد الأعمى، وكفى المقلد عاراً أن قوله هو قول عبدة الأصنام، بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22].
فهم قالوا: بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [الشعراء:74-77]، وانظر إلى بلاغة إبراهيم وكمال حجته، فلم يقل: فإنهم عدو لكم، وإنما قال: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [الشعراء:77]، وأنا أحب لكم ما أحب لنفسي، وأتمنى لكم ما أتمناه لنفسي، فهذه الأصنام عدو لي، وطالما أنه قد تبين لي الحق فأنا أدعوكم إلى ما أدعو إليه نفسي. وهذا معناه الولاء والبراء، بأن تعادي كل مشرك، وتحب كل موحد، واسمع إلى قول الله سبحانه: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة:114]، فيا من توالون المشركين وتقربونهم وتحبونهم وتكرمونهم وتقدمونهم على الموحدين! اتقوا الله في دينكم، فالبغض في الله والحب في الله أوثق عرى الإيمان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فاحذر أن تحمل في قلبك حباً لمشرك مهما كان، وإن كان أباك أو أخاك؛ لأن الميثاق الذي يربط بيننا وبينهم هو توحيد الله عز وجل.
وانظر إلى حال النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه كما في صحيح مسلم في كتاب الإيمان، فقد (دخل النبي عليه الصلاة والسلام على عمه
فقول إبراهيم: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [الشعراء:77] إعلان العداوة واضح بيِّن بين أهل التوحيد والشرك، فلا التقاء مع المشركين أبداً، لا في أول الطريق أو في وسطه أو في آخره، وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:5-6]. فهذه استقلالية في منهج التوحيد، أيها الإخوة الكرام.
فقال إبراهيم لقومه: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [الشعراء:77-83].
فأقام عليهم الحجة النظرية، ولكن القوم كانوا قد انغلقت عندهم منافذ الإدراك، فأراد أن يحول الحجة النظرية إلى حجة عملية، فحطم الأصنام وكسرها لما ذهبوا إلى عيدهم يحتفلون به، ولما سألوه عمن حطمها وكسرها قال: كبيرهم اغتاظ؛ لأنكم تعبدون الأصنام الصغيرة معه، فحطمها حتى يتخلص منها، فاسألوه فربما يملك لكم جواباً! فيا ليت الذين ينادون الأموات يتعظون ويعتبرون.
فأقام إبراهيم الحجة النظرية والعملية الواقعية عليهم، وألقمهم حجراً فلم يستطيعوا جواباً، كما ألقم النمرود حجراً يوم أن قال له: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ [البقرة:258]. هذا هو كمال الحجة وقوة البيان.
وشأن الطغاة في كل الأزمنة والعصور أنهم لا يملكون حواراً ولا حجة ولا بياناً ولا أدلة، وإنما قالوا: أَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ [الصافات:97]. فكان قرارهم هو الحكم بإعدام إبراهيم حرقاً، كما قال فرعون: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ [غافر:26]. فالقتل والتنكيل والبطش والتعذيب لغة الطغاة في كل الأزمنة مع أصحاب دعوة التوحيد.
فجمعوا له حطباً ووصلت النار إلى عنان السماء من شدة اشتعالها، وجاء في بعض الآثار أنه كانت المرأة منهم إن أصابها مرض تقول: لئن شفيت من مرضي لأجمعن حطباً لنار إبراهيم فالكل اجتمع عليه. ولكن متى كان يعرف الحق بكثرة أتباعه؟! قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]. فجاءوا بإبراهيم، ومع شدة البلاء إلا أنه لم يتزعزع، ولم يتراجع أو يتباطأ، بل وثق بربه، وتوكل على خالقه. قال ابن عباس: (حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حينما قالوا لهم: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]).
دخل إبراهيم النار، والنار تحرق -ولا زالت تحرق إلى يومنا- فأتت على كل الحطب فأحرقته، ولكن للنار خالق، وهو الله رب العالمين سبحانه، يقول الشنقيطي في أضواء البيان: فالأسباب قد لا تأتي بمسبباتها؛ لأن الأسباب والمسببات لها خالق وهو الله عز وجل، فقال الله عز وجل: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ [الأنبياء:69-70]، وفي الآية الأخرى: فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ [الصافات:98].
فخرج من النار مرفوع الرأس، فلم يعتبروا أو يتعظوا بنجاة إبراهيم، فقد أصاب عقولهم وبصائرهم العمى والظلام.
وخرج إبراهيم من النار ليقيم الحجة على عباد الكواكب أيضاً، فأتى إلى ذلك الملك الظالم، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أي: الظالم، أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].
خرج إبراهيم بعد هذا البلاء قوياً. ثم رزق بولد بعد سنين، ووصفه القرآن بأنه حَلِيمٍ [الصافات:101]. فحب الولد أمر فطري، ويزداد الحب إن كان الولد حليماً وقد جاء بعد غياب طال سنوات، ثم إذا بالأمر من الله عز وجل لإبراهيم أن اذبح ذلك الولد، فيا له من بلاء! والبلاء هو طريق أصحاب الدعوات، ولما كان الأمر من الله لم يملك إبراهيم وولده إلا أن يسلما. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فأمام أمر الله لا اختيار لك يا عبد الله!
وذلك بعد أن رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ولده ورؤيا الأنبياء وحي، يقول صلى الله عليه وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟! قال: الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له)، فجاء يقصها على ولده، فوجد عنده التسليم، يقول ربنا سبحانه: فَلَمَّا أَسْلَمَا [الصافات:103]. فكبر إبراهيم وسمى الله، وتشهد الولد، فصرعه إبراهيم على جبينه، وهوى عليه بالسكين؛ لينفذ فيه أمر الله، ولم يقل الولد: ما تقول لأمي يا أبي! إن سألتك عني؟ أو: هل يهون عليك أن تقتلني؟ أو: ماذا تقول للناس بعد قتلي؟ وإنما قال الولد لأبيه: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]، فيا له من استسلام لقضاء الله وصبر على بلائه! فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات:103]، أي: صرعه على جبينه، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:104-105].
فقد كان إبراهيم أمة في الصبر على البلاء، وصدق الله سبحانه: وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124].
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ثبت عن مجاهد أنه قال: ملك الدنيا أربعة: مؤمنان وكافران.
أما المؤمنان فهما سليمان بن داود عليهما السلام وذو القرنين .
وأما الكافران فهما بختنصر والنمرود بن كنعان الذي آتاه الله الملك وحاج إبراهيم في ربه.
وإلى كل ظالم أقول: ذلك الملك آتاه الله الملك، ولأن الله آتاه الملك حاج إبراهيم في ربه، فصاحب البلاء يتواضع، ولكن الذي آتاه الله الملك قد يتكبر، ولذلك فرعون قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51]، فأجرى الله الأنهار من فوقه، فالجزاء من جنس العمل، والله لا يغفل سبحانه وتعالى.
فـالنمرود بن كنعان قال لإبراهيم: من ربك يا إبراهيم؟! قال: رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ . ففهم النمرود إبراهيم خطأً؛ لأنه فهم أنه يملك الإحياء، أي: أنه يصدر حكماً بالعفو عمن حكم عليه بالإعدام فيكون قد أحياه، ويأتي برجل لا ذنب له ويقتله فيكون قد أماته، وهذا ليس إحياء ولا إماتة، وحتى لا يفهم بعض الحضور خطأً هذه الحجة الواهية من الملك انتقل إبراهيم عليه السلام من أمر يقبل الجدل إلى أمر لا يقبل الجدل، قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ ، فعند ذلك فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].
أحبتي الكرام! هناك مدرسة تطل برأسها علينا في هذا الزمن تسمى بالمدرسة العقلانية، وهذه المدرسة تحكم العقل في النص، فإن قبل العقل ذلك النص قبلوه، وإن أبى العقل ذلك ردوا النص حتى وإن ثبت في صحيح البخاري أو مسلم أو صح عن النبي عليه الصلاة والسلام في غيرهما.
وهذه المدرسة قديمة، وأول روادها المعتزلة الذين قدموا العقل على النقل.
ونقول لهؤلاء: إن العقل يجتهد في فهم النص، وأما أن يرد النصوص فهذا أبداً لا يكون؛ لأن الله تعالى قال عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:3-5].
وإذا اصطدم عندك بعض النصوص مع بعضها فعليك أن تتبع طريق العلماء في النصوص المتعارضة، وهي كالتالي:
أن تحاول أن توفق وتجمع بين النصوص والأدلة، وقد لا أستطيع أنا وأنت التوفيق، ولكن هناك من العلماء من يقدر على هذا، فلا نهمل نصاً على حساب نص آخر، فطالما أن النصين ثابتين فنحاول أن نجمع ونوفق بينهما، ومن أمثلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ)، فهذا نص على الوضوء من مس الذكر، ثم قال في حديث آخر لما سئل عن مس الذكر: (إنما هو بضعة منك)، فهذا النص يتعارض مع ذاك، ولا نستطيع رد أحد النصين، وقد جمع بينهما الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى، فقال: من مس ذكره بشهوة فليتوضأ، ومن مسه بغير شهوة فلا وضوء عليه.
فجعل أحدهما مقيداً بالشهوة والآخر بدون شهوة، فأعملهما معاً ولم يرد أيّاً منهما.
فإن تعذر التوفيق والجمع فلننظر في الناسخ والمنسوخ، فلعل نصاً نسخ الآخر، فإن لم نجد نسخاً فلنحاول أن نرجح نصاً على نص، وطرق الترجيح لها أكثر من مائة طريق:
فيرجح ما ثبت في الصحيحين على ما انفرد به البخاري .
ثم ما انفرد به البخاري على ما انفرد به مسلم .
ثم الدليل القولي على الدليل العملي.
ثم قول المثبت على قول النافي. إلى غير ذلك من المرجحات.
ونرى الآن من يطعن في أئمة العلم؛ لأنهم صححوا حديثاً لا يستقيم عند من يطعن فيهم مع ما يفهمه من بعض الأدلة الأخرى. فاتق الله يا من تطعن في سنة رسول الله! واتهم عقلك بعدم الفهم، والقصور في الإدراك بدلاً من أن تطعن في البخاري تارة، وفي مسلم تارة، وماذا يبقى للأمة إن طعنا في الصحيحين؟
أيها الإخوة الكرام! يقول صلى الله عليه وسلم: (يوشك رجل شبعان)، وكلمة شبعان تشير إلى أنه من أهل الترف، يعني: لم يرتحل لطلب العلم، وإنما ظل في قصره وبرجه العاجي، (شبعان، متكئ على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، فيقول: ما وجدنا هذا في كتاب الله). يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).
أسأل الله تبارك وتعالى بفضله وكرمه أن ينصر الإسلام، وأن يعز المسلمين.
اللهم انصر دينك يا رب العالمين! اللهم أيد أطفال فلسطين بنصرك، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم أرنا في اليهود آية؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك.
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، ولا تفضحنا يا رب! يوم العرض.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وقع في يدي كتاب لا داعي لذكر اسم مؤلفه، والكتاب كله من أوله إلى آخره طعن في الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، والكاتب يظن أنه يحسن صنعاً، فهو يقول: الشيخ صحح حديث كذا، وهذا الحديث يصطدم مع نص كذا، ومع آية كذا.
وكان الواجب عليه قبل أن يطعن في الشيخ أن يحاول أن يوفق بين النصوص، وينظر إلى أقوال أهل العلم في التوفيق والجمع؛ لأن مسألة الجمع بين النصوص مسألة مهمة جداً، وقد ألف الشيخ الشنقيطي (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، جمع فيه الآيات التي ظاهرها التعارض مع آيات أخرى، كقول الله تعالى: إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]. فهذا أمر بالسعي، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فأتوها وأنتم تمشون، ولا تأتوها وأنتم تسعون). ففي الحديث نهي عن السعي، فالآية أمرت بالسعي والحديث نهى عنه، فهل نقول: الحديث غير صحيح ونرده؟ لا، فالسعي في الآية له معنى، وفي الحديث له معنى آخر، السعي في الآية معناه جمع الهمة، كما قال الله عز وجل عن فرعون في المدينة حينما جمع السحرة: ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى [النازعات:22-23]. فسعي فرعون في المدينة لم يكن جرياً، وإنما جعل همه أن يجمع السحرة، وأما السعي في الحديث فالمقصود به إسراع الخطى.
مثال آخر: قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1-2]، وقال الله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:1-3]. ففي الآية الأولى قال: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1]، وفي الأخرى قال: وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:3]، فأقسم. ونقول: لا يوجد تعارض، فـ(لا أقسم) بمعنى: أقسم، فنفي القسم هنا بمعنى القسم.
فبدلاً من أن ترد النصوص، وتقول: الشيخ الألباني صحح حديث كذا، وهذا يصطدم مع كذا، مثل حديث البخاري الذي في كتاب الغسل، يقول: إن موسى عليه السلام كان رجلاً حيياً ستِّيراً يستحيي أن يغتسل مع الناس، وكان في شريعة بني إسرائيل أنه يجوز لهم أن يغتسلوا عراة مع بعضهم، وموسى عليه السلام كان يغتسل بمفرده، فنزل يغتسل يوماً وترك ملابسه على الحجر، فجرى الحجر بثيابه، فخرج عرياناً يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى مر على قوم من بني إسرائيل ممن طعنوا فيه أنه مصاب. وهذا الحديث في البخاري، يقول هذا المؤلف: أنا لا أقبل هذا الحديث رغم وروده في البخاري ؛ لأن معناه: أن الناس قد نظروا إلى عورة نبي من الأنبياء.
فنقول له: انظر إلى كلام أهل العلم في الجمع بين الأدلة، فلو أنك مريض وذهبت إلى طبيب، ومرضك -عافاك الله- في مكان العورة فهل يجوز للطبيب أن ينظر إلى العورة أم لا؟ قال العلماء: هذا كحال المريض مع الطبيب، والنظر إلى عورة المريض جائز للضرورة. فقبل أن تتهم البخاري أو مسلماً حاول أن توفق بين الأدلة وتجمع بينها، وأما السب والطعن والرد المباشر للنصوص؛ لأنها تتعارض مع ظاهر القرآن، أو مع ما فهمت أنت فهذا ليس من منهج أهل السنة والجماعة.
فمنهج أهل السنة والجماعة في مثل هذا التعارض:
أولاً: التوفيق.
ثانياً: النظر في النسخ.
ثالثاً: الترجيح بين الأدلة.
حكم من قام جنباً قبل شروق الشمس وخشي الشروق إن اغتسل
الجواب: الراجح أنه يغتسل ويتوضأ حتى وإن أشرقت الشمس؛ لأنه كان نائماً، ولا تفريط في النوم، وإنما التفريط في اليقظة، قال صاحب كتاب العدة شرح العمدة في الفقه الحنبلي: من انشغل بشروط الصلاة وأخرها لانشغاله بشرطها لا يعتبر مؤخراً لها, ومثال ذلك: لو أن رجلاً انشغل بالوضوء للصلاة فخرج الوقت وهو يتوضأ، فهذا منشغل بشروط الصلاة، فمن انشغل بشروطها وإن خرج الوقت لا يعد مؤخراً لها.
فالقول الراجح: أنه يغتسل ويتوضأ ثم يصلي. والله تعالى أعلم.
حكم الصلاة خلف من ينكر عذاب القبر
الجواب: هذا مما عمت به البلوى، والذي ينكر عذاب القبر متهم في عقيدته، والبخاري رحمه الله لما أراد أن يستدل على عذاب القبر في الصحيح بدأ الكتاب بآيات ولم يبدأ بأحاديث، يقول ابن حجر : وفِقْهُ البخاري واضح في أنه بدأ بآيات من القرآن؛ حتى يدلل على أن عذاب القبر ثابت بالقرآن مع السنة، ومن الآيات الدالة على عذاب القبر في القرآن قول الله عز وجل عن آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، وقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21].
وأحاديث عذاب القبر ثابتة، وقد بلغت حد التواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي ينكر عذاب القبر يطعن في القرآن وفي السنة.
يقول أبو هريرة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء كما يعلمنا الآية من القرآن بعد التشهد يعلمنا أن نقول: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال). فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر في كل صلاة صلى الله عليه وسلم.
فالذي يشكك في عذاب القبر ويكذب بسؤال الملكين لا تصل خلفه بعد إقامة الحجة عليه ونفي الشبهات ودفع العوارض عنه، فربما يكون متأولاً فهم غلطاً، فلا بد أن تقيم عليه الحجة؛ لأننا نعذر بالجهل، فربما يكون قد غاب عنه الدليل، أو أول الدليل.
معنى العذاب الأدنى في قوله تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى)
الجواب: (من العذاب الأدنى)، (من) هنا بمعنى (بعض)، يعني: لنذيقنهم بعض العذاب الأدنى، والبعض الآخر في القبر، فنذيقهم بعض العذاب في الدنيا لعلهم يرجعون إلى ربهم قبل الموت، فالعذاب قد يكون سبباً في أن يعودوا. والله تعالى أعلم.
حكم العمل في شركة تتعامل مع البنوك الربوية
الجواب: اعمل ولا حرج؛ لأن عملك أساسه محاسب مشروع، فالعمل عندك قد اختلط فيه الحلال بالحرام، وذلك مثل السباك الذي يصلح صنبوراً لتاجر المخدرات، فأجر السباك حلال، والدخل بالنسبة لتاجر المخدرات حرام، فعمل السباك حلال، وهذا هو معنى قول الأصوليين: الأشياء إن فارقت المحل يختلف حكمها، فالبراز في جوفك طاهر، فأنت تصلي وهو بداخلك، فإن خرج أصبح نجساً، فإن اختلف المحل اختلف الحكم.
فأنت محاسب تضبط الميزانية وتستخرج الحسابات، ولا شيء عليك؛ لأن أصل عملك مشروع، والإثم على صاحبه.
وهذا مثل أن يأتي رجل ويقول لك: احسب لي هذه العملية وهي من دخل حرام، فأنت تحسب، ولست بمساعد ولا بعنصر فعَّال.
لكن السباك لا يجوز له أن يساهم في إنشاء مسرح، فهذا حرام؛ لأن عمله في أساس الإنشاء، وفرق بين هذا وذاك، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وأما قوله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ [هود:113]، فهذه الآية لها مفهوم آخر، فلا تكن مساعداً للذين ظلموا في ظلمهم، وأما إن كنت تعمل في الكهرباء وطلب منك تاجر يعمل في الحرام أن تصلح له الكهرباء في بيته فعملك أصله مشروع، ففرق بين هذا وذاك، وكذلك العمل في إنشاء الأقمار الصناعية؛ لأنها تعرض أشياء وأشياء، فالعمل أصله مشروع، والعرض نفسه غير مشروع.
حكم الحلف على عدم الصلاة في مسجد معين
الجواب: عليك أن تكفر عن يمينك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تستطع فصيام ثلاثة أيام، والراجح عدم التتابع، فإن تابعت فهو أولى، وإن لم تتابع فلا شيء عليك؛ فالأحناف يشترطون التتابع، والجمهور عدم التتابع، وقد استدل الأحناف بقراءة شاذة لـابن مسعود : (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، وقالوا: إن القراءة الشاذة تنزل منزلة أخبار الآحاد فنأخذ منها حكماً، وقال الجمهور: القراءة الشاذة لا يستدل بها في اعتماد حكم.
فصيام الثلاثة الأيام غير متتابعة يجوز، وإن حدث التتابع فهذا هو الأولى. والله تعالى أعلم.
حكم تارك صلوات يوم واحد عمداً
الجواب: لو قرأت في كتب الفقه الحنبلي فستعلم خطورة المسألة، فقد قال الإمام أحمد في رواية -والمقصود بقولنا: قال الإمام أحمد في رواية: أن أحد تلامذته سمع منه رأياً فبلغه، وبعض تلامذته سمع رأياً آخر، فهذه رواية وهذه رواية- قال: إن الذي يترك فرضين متتابعين يستتاب، وفي رواية أخرى: ثلاثة فروض. ورجح أصحابه رواية الثلاثة فروض؛ لأنه يمكن أن يؤخر شخص الظهر ويصليه مع العصر، فلا تقل: إنه ترك الظهر والعصر إلا بعد أن يخرج وقت العصر، لأن الظهر والعصر قد يجمعا، فآخر وقت الظهر هو غروب الشمس، وليس العصر؛ لأنه ربما جمع الظهر والعصر؛ لعذر أو لعلة. فالراجح أنه إن ترك المسلم ثلاثة فروض متتابعة -كظهر وعصر ومغرب- يستتاب، فإن صلى وإلا قتل، ويستتاب ثلاثة أيام، فيؤتى به في اليوم الأول ويستتاب، فإن لم يصل ترك، ثم يؤتى به مرة ثانية فيستتاب، فإن لم يصل ترك مرة ثانية، ثم يؤتى به في الثالثة، فيستتاب ثلاث مرات، فمن أصر على ترك الصلاة ثلاث مرات قتل، ولا يترك الصلاة في هذه الحال تهاوناً، بل جحوداً. فقال الحنابلة: يستتاب ثلاثاً وإلا قتل، والجمهور قالوا: يستتاب وإلا قتل.
واختلف الحنابلة والجمهور: هل يقتل حداً أم ردة، فإن قتل ردة فلا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث. والخلاف هنا خلاف لفظي، وإن تمعنت في الخلاف وجدت أنه من المفروض أن يقتل ردة؛ لأنه لن يختار القتل على الصلاة إلا من أنكرها جحوداً، ولا يمكن أن يكون متهاوناً أو متكاسلاً عن الصلاة ويقبل بالقتل مقابل تركها؛ فلا يكون تركها إلا جحوداً.
فالذي ترك الصلاة يوماً كاملاً نقول له: تب إلى الله عز وجل، واندم على ما فعلت، ثم بعد ذلك داوم على الصلاة، والله عز وجل يعفو عنك.
وتكون الاستتابة ثلاثة أيام، ودليل الاستتابة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً [النساء:137]. قال علي بن أبي طالب : والآية دليل على أن المرتد يستتاب ثلاث مرات. فيستتاب في اليوم الأول، ثم في اليوم الثاني، وهكذا ثلاث مرات.
وأما قضاء الصلاة المتروكة عمداً فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى: ليس على تارك الصلاة عمداً قضاء، وإنما عليه التوبة، وأن يكثر من النوافل؛ لأن القضاء يحتاج إلى دليل، ولا يوجد دليل على القضاء. والله تعالى أعلم.
حكم حوار الحضارات
الجواب: لا أدري ما المقصود بالحضارات، وهل الغرب يملك حضارة؟ الغرب لا يملك إلا دعارة، ومن قال: إن الغرب يملك حضارة فقد قلب الحقائق، فالغرب ليست عنده حضارة. فأي حوار حضارات هذا؟ فنحن أصحاب الحق، وديننا دين الحضارة والتقدم وإن زعموا غير ذلك، وإن أرادوا أن يعرفوا ذلك فليرجعوا إلى التاريخ وأين كانوا والأمة الإسلامية في قمة مجدها، فقد كانوا في الظلام الدامس، ثم يقولون: حوار حضارات! فهل الحضارة المقصود بها الأصنام والتماثيل والأهرامات؟ فهذه ليست حضارة، وأما نحن فنملك قرآناً وسنة هما حضارتنا، ومصدر رفعتنا وعزتنا، قال عمر : الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فعزتنا في إسلامنا.
حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته وطلب الاستغفار منه
الجواب: هذه الآية من شبهات المتصوفة، يقولون: إن الله قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ، فأطلق المجيء إليه سواء كان حياً أو ميتاً، فيذهبون إلى قبره ويقولون: يا رسول الله! استغفر لنا الله عز وجل، وهذا فهم عقيم وسقيم، لا يتناسب مع مفهوم الآية أبداً، والمعنى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ حال الحياة، فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ هم، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ [النساء:64]، طلب لهم المغفرة من الله عز وجل. أما بعد موته فما وجدنا أحداً جاءه سواء من الصحابة أو من سلف الأمة، وقد كان عمر يقول: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك وإنا نتوسل إليك بعم نبيك، ادع الله يا عباس !
فلو أن عمر علم أنه يجوز أن يذهب للقبر لما توسل بـالعباس ليدعو لهم الله.
فحياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره حياة برزخية، فلا ينبغي أن يقال: إن الذهاب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ميت كالذهاب إليه وهو حي. وقد أورد ابن كثير عند تفسير هذه الآية قصة الرجل العتبي الذي نام عند القبر، ولم يخرجها، وهي: أن رجلاً جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له، ثم ولى الرجل مدبراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعتبي : قم وأخبر الأعرابي أني قد استغفرت له، ثم أخذ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي فداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وهذه القصة تحتاج إلى تخريج. والشيخ أبو إسحاق بارك الله فيه قد اجتهد في تحقيق نصوص كتاب تفسير ابن كثير ، والكتاب لم يكتمل بعد. فأسأل الله أن يتم هذا العمل الطيب إن شاء الله تعالى.
وكلمة الصوفية كلمة دخيلة على إسلامنا، وأصل المتصوفين: أهل الزهد، فـالحسن البصري من الزاهدين وليس من المتصوفين. فكلمة الصوفية كلمة دخيلة على إسلامنا، فإن كانت هي الإسلام فلا نريد بديلاً لاسم الإسلام، كما قال الدكتور جميل غازي رحمه الله، وإن كانت هي غير الإسلام فلا نقبل شيئاً غير الإسلام.
وإذا قرأت في تراث الصوفية فستجد العجب، كما في أقوال ابن عربي والحلاج وابن الفارض وغيرهم من أئمة التصوف، وقد قال ابن عربي كلاماً لا أستطيع أن أذكره على الملأ.
و أبو يزيد البسطامي يقول: ضربت عريشي إزاء عرش الرحمن جل وعلا، وخضنا بحراً عجز الأنبياء عن الوقوف بساحله. فهم دخلوا البحر والأنبياء عجزوا عن الوقوف بساحله.
ويقول:
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
يعني: أن الولي أعلى من النبي مرتبة، وأهل السنة لهم العلم الظاهر، ونحن لنا العلم الباطن.
فهم أصحاب نظرية الظاهر والباطن.
ويقول: ما في الجبة إلا الله. وهذا حلول واتحاد.
ويقولون:
العبد رب والرب عبد ليت شعري من المكلف
ويقولون: ما الكلب والخنزير إلا إلهنا. وهذا حلول واتحاد.
فهؤلاء أفسدوا الدين.
ونحن نقول لك: القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، فأهل الصفة كانوا زهاداً، ولسنا في حاجة لزهد أحد، بخلاف زهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تعانقت الصوفية مع الباطنية، وهناك رسالة دكتوراه بعنوان: (العلاقة بين الصوفية والشيعة). فالعلاقة واضحة المعالم تماماً، ولذلك لما دخلت فرنسا إلى الجزائر لتحتلها جيء بقطب الطريقة التيجانية -شيخها- فقيل له: ماذا نفعل؟ هل نقاوم الاستعمار؟ قال: لا، لقد رأيت في منامي أمس هذا الجنرال وهو قادم إلى بلدنا، فسلموا إليه البلد، وهذا قضاء الله، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [الأحزاب:38]!
فهم ينزعون من الإسلام مفهوم الجهاد، ويجعلونه خاصاً بجهاد النفس، وأما جهاد العدو فلا وجود لذلك عندهم، وفي هذا تمييع لقضايا مهمة جداً.
ونحن نحب أهل الزهد الذين هم على طريقة السلف الصالح، وأما ما نراه الآن فهو شرك.
والمغالاة في حب الصالحين كان سبباً في دخول الشرك إلى قوم نوح عليه السلام، وهذا لا ينبغي أن يكون، لا بد أن ننقاد للحق، وأما أن تكون المسألة منافع ومكاسب فلا، بل ولو كان الحق معك فلا بد أن أقبله ولو كان ضد ما أرى، ولذلك قال أحد الإخوة: لو خرج البدوي من قبره الآن حياً لأعادوا قتله مرة ثانية؛ للمنافع المحققة.
ونحن لا نبغض أهل الزهد والورع، مثل الجيلاني والهروي الأنصاري شيخ ابن القيم ، فهذا الهروي من أئمة الزهد والورع، وابن القيم أخذ منه شيئاً من هذا.
والصوفية -كما قال ابن تيمية:- تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
صوفية أرزاق، وصوفية رسم، وصوفية حقيقة، أما صوفية الأرزاق فهم الذين يسعون بالتصوف إلى ملء البطون، فاليوم الحضرة تكون عند سيدي فلان، وغداً في مكان آخر
وصوفية الرسم هم الذين ينشغلون بالسمت الخارجي عن الجوهر الداخلي.
وأما صوفية الحقائق فهم كما قال شيخ الإسلام : وهؤلاء هم الزهاد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللدكتور مصطفى حلمي -أستاذ في دار العلوم- رسالة لعلها رسالة الدكتوراه بعنوان: ( ابن تيمية والتصوف)، بين فيها هذا.
فالزهاد الأوائل هم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهم صوفية الحقائق، فما كانوا عليه فنحن عليه، فالزهد زهدهم هم، والورع ورعهم هم، وأما أن نقول: فلان وفلان، والأقطاب والأوتاد؛ فهذا غير مقبول، فالزهاد الأوائل هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلسنا في حاجة إلى أقطاب ولا أوتاد، ولا إلى من يقول: إن للكون أقطاباً ينيبهم الله في تدبير حركة الحياة. فهذا شرك. ولذلك فمنهم من قال: إنني أجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ويقول في كتبه:
رأيت النبي كالبدر يأتي يزور حسينه حيناً وحينا
يعني: يطلع من القبر ليأتي إلى قبر الحسين يزوره.
وقد كتب في هذا الموضوع رسائل علمية مثل: (الصوفية وأثرها على الأمة)، وما فيها من ضلالات وانحرافات، وللدكتور عبد الرحمن الوكيل كتاب (من ضلالات الصوفية)، وهو كتاب مهم.
ونحن لا نتعدى على أحد، ولا نهاجم أحداً، ولسنا من أرباب الهجوم، وإنما نقول كما قال الله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً [آل عمران:64]. فالتوحيد قاسم مشترك. والله تعالى أعلم.
وهذا الموضوع يحتاج إلى جلسة طويلة، ولا يكفي سؤال والجواب عنه، وقد يحتاج إلى عشر ساعات.
حكم زيادة سنة في شهادة الخبرة كذباً
الجواب: لا، ينبغي عليك أن تكون صادقاً، والصدق منجاة، فأنت عملت أربع سنين، فتأتي بشهادة الأربع، ولا يجوز لك أن تكذب للحصول على عمل. والصدق منجاة، فكن مع الصادقين، حتى قيل: إن رجلاً من سلف الأمة جاء الحجاج ليقتل ولده، فقال له الحجاج : أين ولدك؟ وكان الولد قد دخل مكاناً ليختفي فيه من الحجاج ، فقال له: ولدي في هذه الغرفة، فوجده فيها، فقال: لأجل صدقك عفوت عن ولدك، فهل رأيت ماذا يعمل الصدق، فالصدق منجاة، فكن صادقاً.
أما إن اضطررت فيمكن أن تسمي اليوم من السنة والجزء من السنة سنة، فإذا اشتغلت أربع سنوات وشهرين فتحسبها خمس سنوات، قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]. و(أشهر) هنا المقصود بها شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، فسمى الجزء من الشهر شهراً. هذا في حال الاضطرار. والله تعالى أعلم.
نصيحة لشاب أقلع عن العادة السرية
الجواب: أنصحك أن تصوم كثيراً، فإن الصيام يهذب الشهوة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج... ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) يعني: وقاية.
فأنا أنصحك بالصوم، وبكثرة الذكر وقراءة القرآن، والمحافظة على الجماعات. حفظك الله تعالى.
حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
الجواب: القصد يكون للمسجد والقبر يأتي تبعاً، فلا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وهذا قول أهل السنة، فإذا وصلت المسجد تسلم وتزور وتفعل كل شيء، وقد رأى عمر رجلين يرفعان أصواتهما عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أي البلاد أنتما؟ قالا: من الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً، أترفعان أصواتكما عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله تبارك وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2]، فالرفع هنا يمتد إلى الحياة والممات.
أنواع الربا
الجواب: لا، هناك فرق كبير، فالربا ينقسم إلى قسمين:
ربا فضل، وربا نسيئة.
فأما ربا الفضل فقد حصره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا). فهذه الأصناف لا بد أن تكون يداً بيد، ومثلاً بمثل، ولما جاء بلال بتمر جيد من خيبر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال بلال
وأما ربا النسيئة فمثل: أن أقرضك ألف جنيه مثلاً على أن تقضيني ألفاً ومائة، هذا ربا النسيئة، أو مثل أن أقول لك: أقرضك على أن ترد القرض في اليوم الأول من شهر واحد، فإن تأخرت فعليك فائدة (1%) عن كل يوم تأخير. هذا ربا النسيئة؛ لأن قرض الألف لا بد أن يرد ألفاً، (كل قرض جر نفعاً فهو ربا).
حكم الشرط الجزائي، وحكم البيع بالتقسيط
الجواب: الشرط الجزائي مشروع ولا بأس به.
وأما بيع التقسيط فهو أن يكون للسلعة سعر نقدي وسعر بالآجل، شريطة أن تسأل المستهلك: هل تريد أن تشتري نقداً أم بالآجل؟ فارتفاع السعر نظير الأجل، وهذا أمر مقرر عند جمهور الفقهاء، وهناك رسالة بهذا العنوان: (جواز البيع بالتقسيط عند الجمهور). فالبيع بالتقسيط بارتفاع السعر. والله تعالى أعلم.
ويجوز مبادلة السيارة بأحسن منها؛ لأنها ليست في الحديث، والمذكور في الحديث: ذهب بذهب، وفضة بفضة، وتمر بتمر، وملح بملح، قمح بقمح، وشعير بشعير. وأما جلابية بجلابية، أو سيارة بسيارة، مثل أن يعطيني شخص سيارة (فيات) ويأخذ مني (فلفو) ويدفع الفرق، فهذا ليس في الحديث. فربا الفضل في هذه الأصناف. والله تعالى أعلم.
حكم تحويل الدين إلى زكاة
الجواب: لا يجوز عند الجمهور، بل الراجح أنه لا يجوز أن تسقط الدين على اعتبار أنه زكاة؛ لأن الزكاة فيها إعطاء، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60]. فـ(للـ) تفيد الإعطاء، وهذه الحالة لم يقل بها أحد من أهل العلم، فلا ينبغي العفو عن الدين مقابل إسقاطه من زكاة المال. والله تعالى أعلم.
ما يصنعه الزوج إذا زنت الزوجة
الجواب: أولاً: لا بد أن تتيقن أن الولد ليس ولدك، فهو يمكن أن يكون حملاً مستكناً منك.
ثانياً: إن تيقنت فاتهمها بالزنا ولاعنها، إما لأنك رأيت، وإما لقرينة لا تقبل التشكيك فيها.
ثالثاً: إذا لاعنت فإن الولد ينسب إلى أمه، فيحلف الزوج وتحلف الزوجة كما في سورة النور، ثم يفرق بينهما، والمتلاعنان لا يجتمعان أبداً، وإن نكحت ألف زوج بعده، يحدث بينهما الفراق الأبدي طالما وقد اتهمها بالزنا، ولا يجوز أبداً أن تعود إلى الزواج منها مرة ثانية؛ لأن الزواج قائم على المودة والرحمة، وهذا قد انقلب إلى عذاب. ولا تقل: ماذا أفعل للزوجة وأهلها كلهم نصارى؟ فأنت لا تقبل الزنا على عرضك، فإن زنت وتحققت من الزنا فلاعنها، ثم يفسخ بينكما العقد، ولها أن تتوب إلى الله وأن تتزوج غيرك. والله تعالى أعلم.
حكم لُعَبِ الأطفال المجسمة
الجواب: لعب الأطفال جائزة إذا كانت على هيئة عروسة أو حصان، والدليل ما جاء في البخاري في كتاب الصيام عن الربيع تقول: لما فرض عاشوراء صمنا، وصوَّمنا أطفالنا، وكنا نصنع لهم عرائس من صوف، فكانوا إذا بكوا على الطعام أعطيناهم إياها.
فلعب الأطفال لا شيء فيها، والله تعالى أعلم. بشرط ألا تكون تماثيل.
وتعليق الصور على الحوائط حرام، ولا يجوز أبداً أن تعلق صورة لأبيك أو لأمك أو لفنان أو شيخ، فتعليقها حرام. والله تعالى أعلم.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مع خليل الرحمن إبراهيم [2] | 1890 استماع |
مع خليل الرحمن إبراهيم [1] | 1858 استماع |