Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

ضوابط التبديع


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فإن هذه العبارة التي نرددها دوماً في خطبة الحاجة وهي قولنا: (أصدق الحديث أو أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) هي عبارة مقصودة، ولا تقال عبثاً، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الأمور والحاجات المهمة.

يجب أن يكون شعار كل مسلم (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، وينبغي أن يرفع هذا الشعار، وأن يشاع الاستدلال بهذا الشعار، ويدرأ به في نحر كل من يتجاسر على مخالفة هديه أو استحسان البدع التي تخالف هديه صلى الله عليه وسلم.

ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى جعل النجاة في كلمة مكونة من شقين: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولا ينجو إنسان إلا إذا حقق هاتين الكلمتين.

فالأولى: تشمل توحيد الله سبحانه وتعالى، وهو توحيد المعبود.

والثانية: توحيد الطريق الموصلة إلى الله سبحانه وتعالى.

لا إله إلا الله يعني: لا يستحق أن يعبد إلا الله سبحانه وتعالى وحده، لا إله حق إلا الله، فإذا قال إنسان: أنا أريد أن أعبد الله وحده، لكن كيف أعبده؟ كيف أعرف الذي يرضيه والذي يسخطه حتى أتجنبه؟

فلا ينبغي أن ننظر فقط إلى قوله تبارك وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، بل وننظر إلى آيات أخرى كقوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، وقوله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54]، وغير ذلك من الآيات التي تحتم على المسلم ألا يعبد إلا الله من خلال ما شرع، ولا يعبده بالبدع.

فهذان التوحيدان لا نجاة إلا بهما: توحيد المعبود، وتوحيد المتبوع صلى الله عليه وسلم، توحيد الطريق الموصلة إلى الله، فمنذ أن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سدت جميع الطرق المؤدية إلى الجنة إلا طريقاً واحداً على رأسه رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد أفتى العلماء بكفر من زعم أن هناك طريقاً إلى الجنة مخالفاً لطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثته الشريفة، فمن ادعى أن هناك طريقاً إلى النجاة وإلى الجنة يخالف طريق النبي عليه الصلاة والسلام فإنه قد خرج من ملة الإسلام، وكما يقدح الشرك في توحيد العبادة كذلك يقدح الابتداع في توحيد الاتباع، وكما ينافي التوحيد أعمال الشرك -وهي عبادة غير الله أو صرف شيء من العبادة لغير الله- كذلك ينافي ويضاد شهادة أن محمداً رسول الله الأخذ بالبدع وتقديمها على السنن.

نبدأ هذا البحث ببعض المقدمات اليسيرة التي تتعلق بالبدع؛ لأنه لابد من تمهيد للموضوع الأساسي الذي هو ضوابط التبديع؛ لأنه يحصل خلط في هذا الباب كما يحصل خلط في قضايا التكفير نتيجة عدم إحكام ضوابط التكفير، فكما أن هناك ضوابط للتكفير فكذلك التبديع له ضوابط، ولابد أن نلم بها حتى لا يحصل منا شطط وخروج عن المنهج.

تعريف البدعة لغة

البدعة من الناحية اللغوية: أصل مادتها بدع، ويعبر بها عن الاختراع على غير مثال ومنه قوله تبارك وتعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117] يعني: خالقهما على غير مثال سابق لهما، ومنه قوله تعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9] يعني: لست أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدمني كثير من الرسل، فلست بدعاً من الرسل.

ويقال: ابتدع فلان بدعة، يعني: ابتدع واخترع طريقة لم يسبقه إليها أحد، وتقول: هذا شيء بديع أو أمر بديع، إذا كنت تستحسنه وتريد أن تقول: إنه لا مثال له في الحسن، فكأنه لم يتقدمه ما هو مثله أو ما يشبهه.

أما البدعة في المعنى الشرعي فهي: طريقة في الدين مخترعة تنافي الشرعية، ويقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.

وعندما توصف البدعة بالمعنى اللغوي لابد من التفريق بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، فالبدعة بالمعنى اللغوي لا تذم على الإطلاق؛ لأنها تشمل كل ما يخترع على غير مثال سابق، فاختراع أي جهاز مثلاً فإنه يعتبر بدعة، لكن هل هي البدعة المذمومة شرعاً؟ كلا، بل قد تكون واجبة في بعض الأحيان، حسب كونها وسيلة تؤدي إلى مقصود، وإذا كان المقصود مباحاً فهي مباحة، وإذا كان واجباً فهي واجبة، وهذا فيما يتعلق بالبدعة اللغوية.

تعريف البدعة شرعاً

البدع الشرعية كلها مذمومة، وهي التي سنناقشها، وليس كلامنا الآن في البدعة من حيث المعنى اللغوي.

والبدعة كما عرفها الشاطبي في الاعتصام: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.

والطريقة والطريق والسنن كلها بمعنى واحد: وهو ما رسم للسلوك عليه.

قوله: (في الدين) الدين: هو ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من العقائد والعبادات والمعاملات.

والطرائق في الدين نوعان:

هناك طريقة لها أصل في الدين، وطريقة ليس لها أصل في الدين، فالطريقة التي لها أصل في الدين ليست مخترعة، فمثلاً العلوم الخادمة للعلوم الشرعية مثل علم النحو.. والصرف.. مفردات اللغة.. أصول الفقه.. مصطلح الحديث، كل هذه طرق جيدة في الدين، السلف لم يدرسوا هذه العلوم بهذه الطريقة المدرسية التي ندرسها الآن، أو التي وجدت بعدهم، فهي طريقة في الدين لكنها ليست مخترعة؛ لأن لها أصلاً في الدين.

فأصل هذه العلوم موجود في الشرع وإن لم توجد في الصدر الأول بنفس الكيفية؛ لأن الصحابة من سليقتهم كانوا فصحاء بلغاء، ولا يمكن أن يلحن الواحد منهم، فلما وقع اللحن وضعت هذه العلوم، فهي طريقة في الدين لكنها ليست مخترعة، فهي عبارة عن تسهيل وتخفيف وتيسير لطلبة العلم.

أما النوع الثاني من الطرائق في الدين فهو: طريقة في الدين لا أصل لها، وهي طريقة في الدين مخترعة.

فقولنا: (مخترعة) احترازاً من الطريق التي لها أصل في الدين.

فهي طريقة ابتدعت على غير مثال سابق من الشرع، فهذا معنى مخترعة.

(تضاهي الشرعية): يعني: أنها تشبه الطريقة الشرعية، فمن المعلوم أن الباطل لا يقبل إلا إذا كان فيه شيء من الحق، فلو أن المبتدع أو المضل أخرج الباطل باطلاً محضاً لا يخالطه حق، فإنه يسهل كشفه ولا ينتفع به أحد، لكن لابد للمبطل أن يخلط الباطل بشيء من الحق حتى تروج بضاعته على الناس، فلذلك عندما نقول: إن البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية بمعنى: أنها تشبه الطريقة الشرعية لكنها في الحقيقة ليست شرعية، فهي مجرد مشابهة، لكن في الحقيقة ليست طريقة شرعية، بل هي تتصادم مع الطريقة الشرعية من أوجه شتى.

فالبدعة فيها وضع حدود خاصة للتعبدات، مثل رجل يريد أن يعبد الله فينذر أن يصوم، ويظل مع صومه قائماً ضاحياً في الشمس لا يستظل، فوضع كل هذه الكيفيات المخترعة للتعبد بدعة في الدين، ومثل الإنسان الذي يتعبد بالاقتصار على نوع معين من الملبس أو المأكل، فهذه أيضاً طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك.

كذلك التزام كيفية معينة من ذكر أو عدد معين أو صفة معينة والمحافظة عليها فهذه أيضاً طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، وهكذا ...

فالمبتدع دائماً يخلط البدعة بشيء من الحق، حتى يموه على الناس، ويسهل إضلالهم بها.

قوله: (تضاهي الشرعية) أي: أنها طرائق تضاهي الشرعية كما حصل من كفار قريش عندما كانوا يبتدعون في الدين أشياء يزيدونها على ملة إبراهيم عليه السلام ينطبق عليها معنى البدعة، فمثلاً عندما كانوا يعبدون مع الله سبحانه الآلهة الباطلة، كانوا يستدلون على هذه العبادة بقولهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

كذلك أيضاً كانوا يطوفون بالبيت عراة، وهذا الفعل سماه الله تعالى فاحشة في قوله: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]، ويقولون: لا نطوف بثياب عصينا الله فيها، فهذا فيه مضاهاة للطريقة الشرعية.

كذلك كان المتشددون من قريش في الجاهلية يرفضون الخروج إلى عرفات، ويصورون عدم خروجهم إلى عرفات بأنهم يعظمون الحرم، ويقولون: نحن لا نخرج من الحرم تعظيماً للحرم، ويرفضون الخروج إلى عرفات، فهذا أيضاً من بدعهم.

كذلك من هذه الطرق المبتدعة في الدين ما يدعيه الصوفية من أنهم يعبدون الله لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته، ولكن حباً فيه، وهذا من الطرق المبتدعة في الدين.

قوله: (يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى)، هذه من أركان تعريف البدعة، فالمبتدع ينظر إلى قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فيظن أن المقصود هو العبادة، لكنه يغفل عن حقيقة أخرى غير استحقاق الله وحده للعبادة، وهي أنه كما نوحد الله بالعبادة كذلك يجب أن نوحد رسوله بالاتباع والاقتداء، فلا نقتدي بغير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنعبد الله بما شرع، ولا نعبده بالبدع؛ لأننا إذا تقربنا إلى الله بغير ما شرعه على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام فمعنى ذلك أننا نتهم الشرع بالنقص، وأن الرسول ما استوفى وسعه في نصيحتنا، وأنه كانت هناك أشياء تقربنا إلى الجنة وتباعدنا من النار؛ وهو عليه الصلاة والسلام -وحاشاه- قد كتمها ولم يدلنا عليها! فهذا اتهام للشرع بالنقصان.

قوله: (يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى) معنى ذلك: أن البدع لا تدخل في العادات؛ لأن الفارق بين العادة والعبادة هو النية، فإذا انضاف إليها نية التقرب إلى الله كانت بدعة.

مثلاً: إذا كان إنسان لا يأكل اللحم؛ لأنه لا يعجبه أو يؤذيه من الناحية الصحية أو لا يحبه بطبعه فليس عليه الحرج ما دام في نطاق العادات، أما إذا امتنع رجل آخر من اللحم تعبداً، ويقول: أتقرب إلى الله بترك اللحم، فهذا هو الذي يدخل في حد البدعة، والفرق بينهما النية، ولذلك قال الشاطبي في التعريف: يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.

البدعة من الناحية اللغوية: أصل مادتها بدع، ويعبر بها عن الاختراع على غير مثال ومنه قوله تبارك وتعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117] يعني: خالقهما على غير مثال سابق لهما، ومنه قوله تعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9] يعني: لست أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدمني كثير من الرسل، فلست بدعاً من الرسل.

ويقال: ابتدع فلان بدعة، يعني: ابتدع واخترع طريقة لم يسبقه إليها أحد، وتقول: هذا شيء بديع أو أمر بديع، إذا كنت تستحسنه وتريد أن تقول: إنه لا مثال له في الحسن، فكأنه لم يتقدمه ما هو مثله أو ما يشبهه.

أما البدعة في المعنى الشرعي فهي: طريقة في الدين مخترعة تنافي الشرعية، ويقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.

وعندما توصف البدعة بالمعنى اللغوي لابد من التفريق بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، فالبدعة بالمعنى اللغوي لا تذم على الإطلاق؛ لأنها تشمل كل ما يخترع على غير مثال سابق، فاختراع أي جهاز مثلاً فإنه يعتبر بدعة، لكن هل هي البدعة المذمومة شرعاً؟ كلا، بل قد تكون واجبة في بعض الأحيان، حسب كونها وسيلة تؤدي إلى مقصود، وإذا كان المقصود مباحاً فهي مباحة، وإذا كان واجباً فهي واجبة، وهذا فيما يتعلق بالبدعة اللغوية.

البدع الشرعية كلها مذمومة، وهي التي سنناقشها، وليس كلامنا الآن في البدعة من حيث المعنى اللغوي.

والبدعة كما عرفها الشاطبي في الاعتصام: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.

والطريقة والطريق والسنن كلها بمعنى واحد: وهو ما رسم للسلوك عليه.

قوله: (في الدين) الدين: هو ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من العقائد والعبادات والمعاملات.

والطرائق في الدين نوعان:

هناك طريقة لها أصل في الدين، وطريقة ليس لها أصل في الدين، فالطريقة التي لها أصل في الدين ليست مخترعة، فمثلاً العلوم الخادمة للعلوم الشرعية مثل علم النحو.. والصرف.. مفردات اللغة.. أصول الفقه.. مصطلح الحديث، كل هذه طرق جيدة في الدين، السلف لم يدرسوا هذه العلوم بهذه الطريقة المدرسية التي ندرسها الآن، أو التي وجدت بعدهم، فهي طريقة في الدين لكنها ليست مخترعة؛ لأن لها أصلاً في الدين.

فأصل هذه العلوم موجود في الشرع وإن لم توجد في الصدر الأول بنفس الكيفية؛ لأن الصحابة من سليقتهم كانوا فصحاء بلغاء، ولا يمكن أن يلحن الواحد منهم، فلما وقع اللحن وضعت هذه العلوم، فهي طريقة في الدين لكنها ليست مخترعة، فهي عبارة عن تسهيل وتخفيف وتيسير لطلبة العلم.

أما النوع الثاني من الطرائق في الدين فهو: طريقة في الدين لا أصل لها، وهي طريقة في الدين مخترعة.

فقولنا: (مخترعة) احترازاً من الطريق التي لها أصل في الدين.

فهي طريقة ابتدعت على غير مثال سابق من الشرع، فهذا معنى مخترعة.

(تضاهي الشرعية): يعني: أنها تشبه الطريقة الشرعية، فمن المعلوم أن الباطل لا يقبل إلا إذا كان فيه شيء من الحق، فلو أن المبتدع أو المضل أخرج الباطل باطلاً محضاً لا يخالطه حق، فإنه يسهل كشفه ولا ينتفع به أحد، لكن لابد للمبطل أن يخلط الباطل بشيء من الحق حتى تروج بضاعته على الناس، فلذلك عندما نقول: إن البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية بمعنى: أنها تشبه الطريقة الشرعية لكنها في الحقيقة ليست شرعية، فهي مجرد مشابهة، لكن في الحقيقة ليست طريقة شرعية، بل هي تتصادم مع الطريقة الشرعية من أوجه شتى.

فالبدعة فيها وضع حدود خاصة للتعبدات، مثل رجل يريد أن يعبد الله فينذر أن يصوم، ويظل مع صومه قائماً ضاحياً في الشمس لا يستظل، فوضع كل هذه الكيفيات المخترعة للتعبد بدعة في الدين، ومثل الإنسان الذي يتعبد بالاقتصار على نوع معين من الملبس أو المأكل، فهذه أيضاً طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك.

كذلك التزام كيفية معينة من ذكر أو عدد معين أو صفة معينة والمحافظة عليها فهذه أيضاً طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، وهكذا ...

فالمبتدع دائماً يخلط البدعة بشيء من الحق، حتى يموه على الناس، ويسهل إضلالهم بها.

قوله: (تضاهي الشرعية) أي: أنها طرائق تضاهي الشرعية كما حصل من كفار قريش عندما كانوا يبتدعون في الدين أشياء يزيدونها على ملة إبراهيم عليه السلام ينطبق عليها معنى البدعة، فمثلاً عندما كانوا يعبدون مع الله سبحانه الآلهة الباطلة، كانوا يستدلون على هذه العبادة بقولهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

كذلك أيضاً كانوا يطوفون بالبيت عراة، وهذا الفعل سماه الله تعالى فاحشة في قوله: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]، ويقولون: لا نطوف بثياب عصينا الله فيها، فهذا فيه مضاهاة للطريقة الشرعية.

كذلك كان المتشددون من قريش في الجاهلية يرفضون الخروج إلى عرفات، ويصورون عدم خروجهم إلى عرفات بأنهم يعظمون الحرم، ويقولون: نحن لا نخرج من الحرم تعظيماً للحرم، ويرفضون الخروج إلى عرفات، فهذا أيضاً من بدعهم.

كذلك من هذه الطرق المبتدعة في الدين ما يدعيه الصوفية من أنهم يعبدون الله لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته، ولكن حباً فيه، وهذا من الطرق المبتدعة في الدين.

قوله: (يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى)، هذه من أركان تعريف البدعة، فالمبتدع ينظر إلى قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فيظن أن المقصود هو العبادة، لكنه يغفل عن حقيقة أخرى غير استحقاق الله وحده للعبادة، وهي أنه كما نوحد الله بالعبادة كذلك يجب أن نوحد رسوله بالاتباع والاقتداء، فلا نقتدي بغير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنعبد الله بما شرع، ولا نعبده بالبدع؛ لأننا إذا تقربنا إلى الله بغير ما شرعه على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام فمعنى ذلك أننا نتهم الشرع بالنقص، وأن الرسول ما استوفى وسعه في نصيحتنا، وأنه كانت هناك أشياء تقربنا إلى الجنة وتباعدنا من النار؛ وهو عليه الصلاة والسلام -وحاشاه- قد كتمها ولم يدلنا عليها! فهذا اتهام للشرع بالنقصان.

قوله: (يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى) معنى ذلك: أن البدع لا تدخل في العادات؛ لأن الفارق بين العادة والعبادة هو النية، فإذا انضاف إليها نية التقرب إلى الله كانت بدعة.

مثلاً: إذا كان إنسان لا يأكل اللحم؛ لأنه لا يعجبه أو يؤذيه من الناحية الصحية أو لا يحبه بطبعه فليس عليه الحرج ما دام في نطاق العادات، أما إذا امتنع رجل آخر من اللحم تعبداً، ويقول: أتقرب إلى الله بترك اللحم، فهذا هو الذي يدخل في حد البدعة، والفرق بينهما النية، ولذلك قال الشاطبي في التعريف: يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.

الأدلة على ذم البدعة والتحذير منها كثيرة متواترة سواء في القرآن أو في سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أما القرآن فإن أكثر الأدلة الآمرة بطاعة الرسول صلى عليه وسلم مقرونة بطاعة الله سبحانه وتعالى.

أما في السنة فالأحاديث مشهورة، ويكفي قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقوله: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، فلا يقبل أبداً من أي شخص أن يأتي ببدعة وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، (فكل) صيغة عموم، وفي الحديث الآخر: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وهذا أيضاً صيغة عموم، فكل البدع باطلة مردودة على صاحبها، فلا يليق أن يأتي من يدعي الإسلام ويسمع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (كل محدثة بدعة)، ثم يقول: لا، ليست كل محدثة بدعة، ولا كل بدعة ضلالة، بل منها ما هو حسن!

ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: من ابتدع بدعة وزعم أنها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة عليه الصلاة والسلام.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة وينهى عن البدعة عبادة.

وقال الأوزاعي : اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما يسعهم.

وعن أيوب السختياني قال: إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي. وعنه أيضاً قال: إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله تعالى لعالم من أهل السنة. لماذا؟ لأن الإنسان يتعصب لأول شيخ علّمه، ولأول كتاب قرأه.

فمن علامات السعادة والتوفيق أن الحدث -وهو الشاب الصغير- إذا تاب وأناب، أن يكون ذلك ابتداء على عالم سني حتى يقتصر على الطريق السوي، ولا يضيع عمره في التجول بين الطوائف المختلفة، فإن من علامات السعادة: أنه منذ البداية وضع قدمه على الطريق الصحيح، ولا يضيع بضاعة العمر بالتجول في الفرق الضالة.

وقال ابن شوذب : إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يوافي صاحب سنة يحمله عليها.

وقال الجنيد بن محمد رحمه الله تعالى: الطريق إلى الله عز وجل مسدودة على خلق الله تعالى، إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لسنته، كما قال عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].

وعن معمر قال: كان طاوس جالساً وعنده ابنه، فجاء رجل من المعتزلة فتكلم في شيء -بدأ يتكلم في بدعته- فأدخل طاوس أصبعيه في أذنيه وقال: يا بني! أدخل أصبعك في أذنيك حتى لا تسمع من قوله شيئاً؛ فإن هذا القلب ضعيف.

فلا ينبغي أبداً للإنسان أن يعرض نفسه لبلاء لا يطيقه، فإن كنت غير راسخ في العلم فلا تسمح لمبتدع أن يحادثك أو يعرض عليك بدعته، فلعله أن يشوش عليك ولا تملك دفعاً لها، وإذا ملكت لسانك لم تملك قلبك فإنه قد يتأثر بهذه البدع والضلالات خاصة، وإذا كان لديك لسان وجدل فليست البطولة أن تصغي إلى مبتدع ضال، بل البطولة ألا تعرض نفسك أصلاً لهذه الفتنة.

فهذا طاوس لم يسمع لهذا المبتدع، وقال: إن هذا القلب ضعيف، وما زال يقول: أي بني! اثبت، أي بني! اثبت حتى قام الرجل المعتزلي.

وعن صالح المري قال: دخل رجل على ابن سيرين وأنا شاهد، ففتح باباً من أبواب القدر فتكلم فيه فقال ابن سيرين : إما أن تقوم وإما أن أقوم.

وعن سلمان بن أبي مطيع قال: قال رجل من أهل الأهواء لـأيوب -هكذا كانوا يسمون أهل البدعة، ما كانوا يسمونهم بالعقلانيين ولا غير ذلك من المسميات الموجودة الآن، لكن كانوا يسمونهم أهل الأهواء قال - لـأيوب السختياني : أكلمك بكلمة قال: لا، ولا نصف كلمة!

وعن أيوب السختياني قال: ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً.

وقال أبو قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تحادثوهم، فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم أو ينكسوا عليكم ما كنتم تعرفون.

وعن سفيان الثوري قال: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها، يعني: يرجع منها.

وعن مؤمل بن إسماعيل قال: مات عبد العزيز بن أبي داود وكنت في جنازته حتى وضع عند باب الصفا فصف الناس، وجاء الثوري فقال الناس: جاء الثوري ، فجاء حتى خرق الصفوف والناس ينظرون إليه، فتجاوز الجنازة ولم يصل عليها؛ لأنه كان يرمى بالإرجاء.

وعن سفيان بن عيينة قال: ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه -لابد أن المبتدع يشعر بنوع من المذلة- قال: وهو في كتاب الله -يعني: الدليل على هذا في كتاب الله- قالوا: وأين هو في كتاب الله؟! قال: أما سمعتم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الأعراف:152]؟! قالوا: يا أبا محمد ! هذه لأصحاب العجل خاصة! قال: كلا، اتلوا ما بعدها: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف:152] أي: الكذابين المبتدعين، فهي لكل مفتر ومبتدع إلى يوم القيامة.

وعن حسان قال: ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة.

وعن سفيان الثوري قال: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع، ومن صافحه فقد نقض الإسلام عروة عروة.

وعن سعيد قال: مرض سفيان الثوري فبكى في مرضه بكاءً شديداً، فقيل له: ما يبكيك؟ أتجزع من الموت؟ قال: لا، ولكني مررت على قدري فسلمت عليه، فأخاف أن يحاسبني ربي عليه.

وعن الفضيل بن عياض قال: من جلس إلى صاحب بدعة فاحذروه.

وعنه قال: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه.

وعنه قال: إذا رأيت مبتدعاً في طريق فكن في طريق آخر، ولا يرفع لصاحب البدعة إلى الله عز وجل عمل، ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.

وعن بشر بن الحارث قال: جاء موت هذا الذي يقال له: المريسي وأنا في السوق، فلولا أن الموضع ليس موضع سجود لسجدت شكراً أي: حمداً لله الذي أماته!

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، يعني: أتاكم من الدين ما يكفيكم قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3].

وقال أيضاً: تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه ذهاب أهله، ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع! وعليكم بالعتيق، يعني: القديم.

وعنه قال: أيها الناس! إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول.

وعن عمر قال: يهدم الإسلام زلة عالم، وجدال المنافق بالقرآن، وحكم الأئمة المضلين.

وعنه قال: سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله تبارك وتعالى.

وعن محمد بن مسلم قال: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.

وقال إبراهيم النخعي : ما أعطاكم الله خيراً أخبئ عنهم، وهم أصحاب رسوله وخيرته من خلقه -يعني: لا يمكن أن يصطفيكم بخير يكون قد حجبه عن الصحابة- فكل خير هم كانوا أولى به، فلا تحسنوا الظن بأنفسكم أنكم أفضل ناصحاً، فهم أصحاب النبي وخيرته من خلقه، أفضل أولياء الله، فلا يمكن أن يكون هناك خير منعوا منه وحزتم أنتم بما ابتدعتم في الدين.

وروي أن رجلاً قال لـمالك بن أنس : من أين أحرم؟ قال: من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الرجل: فإن أحرمت من أبعد منه؟ قال: فلا تفعل، فإني أخاف عليك الفتنة، قال: وأي فتنة في زيادة الخير؟! قال مالك : فإن الله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك خصصت بفضل لم يخص به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

وقال الأوزاعي : بلغني أن من ابتدع بدعة خلاه الشيطان والعبادة، وألقى عليه الخشوع والبكاء لكي يصطاد به.

وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى قال: قف حيث وقف القوم - أي: السلف- فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشفها كانوا الأقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، وقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم فحسر، وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفوا، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم.

وقال محمد بن عبد الرحمن لرجل تكلم ببدعته ودعا الناس إليها: هذه البدعة التي تدعو إليها، هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أم لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها، قال: فشيء لا يعلمه هؤلاء أعلمته أنت؟! قال الرجل: فإني أقول قد علموها، قال: أفوسعهم ألا يتكلموا بها ولا يدعوا الناس إليها أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم، قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يسعك أنت؟! فانقطع الرجل، فقال الخليفة وكان حاضراً: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم.

وعن حذيفة أنه أخذ حجرين فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه: هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟ قالوا: يا أبا عبد الله ! ما نرى بينهما من النور إلا قليلاً، قال: والذي نفسي بيده! لتظهرن البدع حتى لا يرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور، والله لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء قالوا: تركت السنة!

وقال الحسن : لا تجالس صاحب بدعة؛ فإنه يمرض قلبك.

وقال أبو الجوزاء : لأن أجالس الخنازير أحب إلي من أن أجالس أحداً من أهل الأهواء. لأن الخنزير لن يضره في دينه، فلو جالس الخنزير سيتأذى بنتنه، لكن لن يضله عن هدي النبي عليه السلام، أما أهل الأهواء والبدع فإنهم ينحرفون به عن ذلك.

وعن سفيان قال: من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه لئلا يلقيها في قلوبهم.

والأدلة كثيرة جداً في ذم البدعة والتنفير من البدعة والمبتدعين بصفة عامة.

تكلمنا في حد البدعة، وفي التنفير منها، وفي ذكر النصوص في ذمها، فما هي الضوابط التي تحكم مسألة الحكم على أحد بالبدعة، وكيفية معاملته وغير ذلك؟

فالبدعة تنقسم باعتبارات إلى أقسام عدة: بدعة فعلية وبدعة تركية، بدعة كلية وبدعة جزئية، بدعة عادية وبدعة عبادية، بدعة حقيقية وبدعة إضافية.

البدعة الفعلية والتركية

البدعة الفعلية والتركية: مبنية على أساس الفعل والترك، فالإنسان قد يترك أشياء أباحها الله له، لكنه يتركها تعبداً كما يفعل الذين ينقطعون للعبادة ويستدلون بقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فيتركون بعض المباحات تديناً، فهذه من البدع التركية.

البدعة العملية والاعتقادية

قسم آخر للبدع: بدع عملية وبدع اعتقادية، والعملية هي التي تكون متعلقة بالعمل، والعمل متعلق بالجوارح، فمثلاً الطواف حول الأضرحة بدعة عملية؛ لأنها متعلقة بالجوارح، والذكر أمام الجنازة بدعة عملية، وغير ذلك من أنواع البدع كالتوسل وغيره من الأشياء المخترعة.

والبدعة العملية تكون متعلقة بالنية كمن يصلي ركعتين بنية طول العمر أو يصلي صلاة يسمونها مؤنس القبر أو صلاة بر الوالدين وغير ذلك من الصلوات المخترعة التي مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [الأعراف:71]، ومثلها صلاة الأيام: صلاة يوم السبت، صلاة يوم الأحد،.. وهذه كلها موجودة، وهي من البدع العملية.

أما البدع الاعتقادية فهي: تكون باعتقاد الشيء على خلاف المعروف من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا على سبيل المعاندة، ولكن بسبب شبهة، كما يمسح الشيعة -مثلاً- على الرجلين، فلو رأيت شيعياً يتوضأ فستجد أنه إذا وصل إلى القدمين فإنه لا يغسلهما بالماء، وهو لا يلبس جورباً، فيمسح القدم ولا يغسلها! فهذه بدعة اعتقادية، فهو يعتقد أن هذا هو هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وعنده شبهة في ذلك، ومع هذا ينكرون المسح على الخفين بشدة؛ ولذلك العلماء ينصون على هذه المسألة في متون العقيدة؛ لأنها متواترة ومقطوع بصحتها عن النبي عليه السلام، فلذلك أدخلوها في مسائل العقيدة، كما في متن العقيدة الطحاوية: ونرى المسح على الخفين في الحضر والسفر.

ومن البدع الاعتقادية: بدعة المشبهة والمجسمة والقدرية وغيرهم من فرق الضلال.

وهناك بدع متنوعة باعتبار الأزمنة والأمكنة والإحرام، كالموالد والأعياد والمواسم والجنائز والأضرحة والضيافة والعبادة والمعاشرة والعادات.

البدعة الحقيقية والإضافية

هناك قسم آخر للبدع، وهو أخطر أنواع البدع، وهو سبب المشاكل عموماً بين الناس في باب البدع، وهو قسم البدع الحقيقية والبدع الإضافية، وهذا قسم مهم جداً، فقضيتنا هي موضوع ضوابط التسمية في البدعة الحقيقية والبدعة الإضافية.

فالبدعة الحقيقية: هي ما كان الابتداء فيها من جميع وجوهها ليس له أصل، يعني: إذا نظرت للعمل من أي زاوية لا ترى له أصلاً في الشرع، فهو بدعة حقيقة بمعنى أن الابتداع فيها من جميع وجوهها، فهي بدعة محضة ليس فيها جهة تنطبق بها في السنة، وهي التي لم يدل عليها دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو استدلال، ولذلك سميت بدعة حقيقة؛ لأنها مخترعة على غير مثال سابق، وهي بعيدة عن الشرع، خارجة عنه من كل وصف.

من أمثلة البدع الحقيقية: بدعة التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالرهبانية، وترك التزوج مع وجود الأمور الداعية إليه، وعدم المانع الشرعي منه كرهبانية النصارى، والله عز وجل يقول: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ [الحديد:27] وهذا استثناء منقطع، والمعنى: لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله.

ومن هذه البدع: تعذيب النفس بألوان العذاب الشنيع والتمثيل الفضيع، كما يحصل من الهنود في الإحراق بالنار وغير ذلك، وكما يفعله الشيعة الروافض يوم عاشوراء من تعذيب أنفسهم، وإدخال أسياخ الحديد في أجسادهم، وشق أيديهم وصدورهم ورءوسهم حتى تخرج الدماء، فهذه أيضاً من البدع الحقيقية التي لا يمكن أبداً أن تندمج في الدين، ولا يمكن أبداً أن يباح للإنسان أن يعذب نفسه بهذه الطريقة التي يفعلها الشيعة يوم عاشوراء من خدش الرءوس والوجوه، ولطم الخدود، والنياح لقتل الحسين رضي الله تعالى عنه، فيقيمون هذه المآتم زاعمين أن ذلك يقربهم إلى الله سبحانه تعالى!

ومن البدع الحقيقية: تحكيم العقل في أخبار القرآن والسنة كما هو معروف في التيارات الاعتزالية.

ومن البدع الحقيقية: الطواف حول الأضرحة، والوقوف على غير عرفة، وإقامة الهياكل على القبور، وتعليق الشموع والمصابيح حول الأضرحة، فهذه كلها لا يمكن أبداً من أي جهة أن تندمج بالشرع أو تكون لها شبهة من أدلة الشرع، بل هي بدعة محضة لا يمكن أن يكون لها أصل في الدين، فهذه البدعة الحقيقية.

أما البدعة الإضافية فهي على خلاف ذلك، فالبدعة الإضافية لها شائبتان:

إحداهما: لها من الأدلة متعلق، فلا تكون من هذه الجهة بدعة، والأخرى: ليس لها متعلق في الأدلة إلا مثل ما للبدعة الحقيقية، فالبدعة الإضافية هي باعتبار من الاعتبارات سنة، وباعتبار آخر بدعة، فهي غير خالصة لأحد الطرفين، ولذلك نسميها البدعة الإضافية يعني: حسب ما تضاف إليه، فهي سنة بالنسبة لإحدى الجهتين، وبدعة بالنسبة للجهة الأخرى، فسنة من هذه الزاوية لأنها مستندة إلى دليل، وبدعة لأنها من الزاوية الأخرى ليست مستندة إلى دليل شرعي ولا إلى حتى شبهة، بل غير مستندة إلى دليل أصلاً، وهذا النوع هو مجال النزاع بين أغلب المتكلمين والمؤلفين في السنن والبدع، ولها أمثلة كثيرة كصلاة الرغائب، وصلاة الليل في النصف من شعبان، وصلاة حفظ الإيمان، وصلاة بر الوالدين، وصلاة مؤنس القبر، وصلاة ليلة يوم عاشوراء، فهذا كله لم يثبت أبداً في السنة بوجه من الوجوه، فلماذا نقول: إنه بدعة إضافية؟

لأنه تشيبه شائبتان، فالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالنوافل ثابت في الشرع، يقول عليه الصلاة والسلام: (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر) فمن هذه الناحية هم يقولون: نحن نصلي ولا نعبث، ومن جهة أخرى: هذا لم يكن ثابتاً في السنة فهو بدعة من جهة، وسنة من جهة أخرى.

كذلك بدعة التلحين والتطريب والتغني في الأذان، فهذه بدعة إضافية؛ لأن الأذان في حد ذاته هو سنة مشروعة معروفة، أما باعتبار ما عرض له من التبطيء في كلمات وتلحينها، وإخراجها عن أوضاعها العربية من أجل المحافظة على توقيع الألحان؛ فهي بدعة قبيحة، وهذا لا يحتاج إليه لا في الأذان ولا في قراءة القرآن، فالأذان من حيث كونه أذاناً ليس بدعة، بل هو مشروع، أما من حيث ما أضيف إليه من كيفية فهذا بدعة إضافية.

ومن البدع الإضافية القراءة الصمدية مائة ألف مرة، يقرءون: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] مائة ألف مرة، ويسمونها: العتاقة الكبرى، أي: أن من قرأها لنفسه أو لغيره يعتق من النار، فهذه بدعة إضافية؛ لأن قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ذكر مشروع معروف كقوله صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن)، وقوله: (من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة)، لكن من حيث تسميتها عتاقة وتركيب هذه الفوائد عليها وتشريعها للناس؛ فهي بدعة ليس لها أصل في الدين.

ومن البدع الإضافية: النداء بالأذان لصلاة العيدين أو صلاة الكسوف، فإنه لم يثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أذان لصلاة العيدين وصلاة الكسوف، فالأذان من حيث هو أذان يكون مشروعاً، لكن من حيث جعله لصلاة العيدين أو صلاة الكسوف فهو بدعة من هذه الناحية.

كذلك ختم الصلاة بالطريقة الموجودة الآن، وهي أن المصلين يختمون الصلاة بطريقة معينة كما هو المعروف في بعض المساجد، فهذه الأذكار التي تقال في هذا الموطن في حد ذاتها سنة، لكن البدعة طرأت عليها من حيث الكيفية والألفاظ المبتدعة التي يخترعونها.

البدعة الكلية والجزئية

وهناك تقسيم آخر للبدعة وهو: البدعة الكلية والبدعة الجزئية.

فالبدعة الكلية: هي البدعة التي يكون الخلل الناشئ عنها كلياً في الشريعة، وتتعدى محلها، وتنتظم غيرها حتى تكون أصلاً لها، كأن تكون البدعة عبارة عن قانون أو قاعدة نتحاكم إليها، فبالتالي يترتب على هذا التحاكم كثير جداً من المخالفات.

ومن البدع الكلية: بدعة إنكار الأخبار النبوية مطلقاً، والإقرار بالقرآن الكريم فقط، وهؤلاء يقال لهم: قرآنيون، فهل هذه البدعة متعلقة بمخالفة في قضية واحدة أم أنها قاعدة كلية نتحاكم إليها؟

بل هي قاعدة يتحكم بها في الشرع، وتلغى بها سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذه بدعة كلية.

ومنها: بدعة عدم الأخذ بأخبار الآحاد، فهي بدعة كلية يترتب عليها مئات المخالفات الشرعية، بسبب إنكار الأحاديث النبوية.

ومنها: بدعة إنكار القسم الثالث من السنة، وهو الذي يستقل بتشريع لم يرد في القرآن، فهذه بدعة كلية وليست جزئية، ووجه كون هذه البدعة كلية أنها تشمل ما لا حصر له من فروع الشريعة، ولأن عامة التكاليف مبني عليها.

فالأمر يرد على المكلف إما من الكتاب وإما من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قلنا: إن كان وارداً في السنة فأكثر السنة آحاد، والأحاديث المتواترة قليلة جداً، وكذلك أحكام السنة التي وردت في القرآن قليلة، وأكثرها زائدة على ما في القرآن.

فهذا هو الابتداع بعينه أن يتخذ الشخص مثل هذه القواعد الكلية، ويضل بها في مئات الأحكام الشرعية.

ومن البدع الكلية: بدعة الخوارج في قولهم: لا حكم إلا لله، وهذه العبارة دليلهم في رفض التحكيم، بناءً على أن اللفظ عام لم يلحقه التخصيص، وهم قد أعرضوا عن قوله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35]، وقوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة:95]، فلم يراعوا أن العام هنا يكون مخصوصاً.

أما البدعة الجزئية: فهي البدعة التي يكون ضررها جزئياً في بعض الفروع دون بعض، ولا تتعدى محلها، ولا تنتظم غيرها حتى تكون بدعة كلية.

ومن البدع الجزئية بدعة التغني بالقرآن، وبدعة التلحين في الأذان، فهذه بدعة جزئية؛ لأن ضررها جزئي في موضوع الأذان فقط، ولا تتعدى محلها، ولا تدخل مثلاً في الصلاة، ولا تنتظم غيرها حتى تكون أصلاً لها، فمن هنا كانت جزئية.

ومنها: الامتناع عن تناول ما أحل الله من الطعام أو الشراب، فهذه بدعة جزئية.

البدع في العادات

هناك بدع في العادات وبدع غير عادية، فيمكن أن تدخل البدع العادية في الأمور العادية مثل الثياب والأكل والشرب والمشي والنوم، فهذه الأمور عادية لا يدخلها الابتداع من جهة كونها عادية، وإنما يدخلها الابتداع من الجهة التعددية، كأن يخالف الوجه المشروع فيها، ويتقرب إلى الله تبارك وتعالى بذلك، كأن يتقرب إنسان إلى الله بترك نوع معين من الملابس أو الطعام أو غير ذلك من الأشياء.

البدعة الفعلية والتركية: مبنية على أساس الفعل والترك، فالإنسان قد يترك أشياء أباحها الله له، لكنه يتركها تعبداً كما يفعل الذين ينقطعون للعبادة ويستدلون بقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فيتركون بعض المباحات تديناً، فهذه من البدع التركية.

قسم آخر للبدع: بدع عملية وبدع اعتقادية، والعملية هي التي تكون متعلقة بالعمل، والعمل متعلق بالجوارح، فمثلاً الطواف حول الأضرحة بدعة عملية؛ لأنها متعلقة بالجوارح، والذكر أمام الجنازة بدعة عملية، وغير ذلك من أنواع البدع كالتوسل وغيره من الأشياء المخترعة.

والبدعة العملية تكون متعلقة بالنية كمن يصلي ركعتين بنية طول العمر أو يصلي صلاة يسمونها مؤنس القبر أو صلاة بر الوالدين وغير ذلك من الصلوات المخترعة التي مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [الأعراف:71]، ومثلها صلاة الأيام: صلاة يوم السبت، صلاة يوم الأحد،.. وهذه كلها موجودة، وهي من البدع العملية.

أما البدع الاعتقادية فهي: تكون باعتقاد الشيء على خلاف المعروف من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا على سبيل المعاندة، ولكن بسبب شبهة، كما يمسح الشيعة -مثلاً- على الرجلين، فلو رأيت شيعياً يتوضأ فستجد أنه إذا وصل إلى القدمين فإنه لا يغسلهما بالماء، وهو لا يلبس جورباً، فيمسح القدم ولا يغسلها! فهذه بدعة اعتقادية، فهو يعتقد أن هذا هو هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وعنده شبهة في ذلك، ومع هذا ينكرون المسح على الخفين بشدة؛ ولذلك العلماء ينصون على هذه المسألة في متون العقيدة؛ لأنها متواترة ومقطوع بصحتها عن النبي عليه السلام، فلذلك أدخلوها في مسائل العقيدة، كما في متن العقيدة الطحاوية: ونرى المسح على الخفين في الحضر والسفر.

ومن البدع الاعتقادية: بدعة المشبهة والمجسمة والقدرية وغيرهم من فرق الضلال.

وهناك بدع متنوعة باعتبار الأزمنة والأمكنة والإحرام، كالموالد والأعياد والمواسم والجنائز والأضرحة والضيافة والعبادة والمعاشرة والعادات.