صفة الجنة والنار


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا سدى، وإنما خلق كلاً منا لإحدى الدارين، ويستقر في أحد المستقرين، إما في جنة عرضها السماوات والأرض، وإما في نار أعدت للكافرين. التفكر في المستقبل دائماً يشغل بني آدم في فترة تواجدهم المحدودة في هذه الحياة الدنيا، لكن المؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم: (كيس فطن)، ومن كياسة المؤمن وفطانته أنه دائماً ينظر إلى المستقبل الحقيقي والنهاية الأبدية في جنة الرضوان، فهذا هو هدف المؤمن وهذا هو مستقبله، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة حينما سأله جبريل عليه السلام: (ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى). فأحد أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، واليوم الآخر يشمل الإيمان به عدة أمور لابد أن تجتمع في قلب كل مؤمن حتى يصح أن يوصف بأنه مؤمن بالله واليوم الآخر، فإن اليوم الآخر من الغيب الذي مدح المؤمنون بالإيمان به، ولا يمكن الإيمان بهذه الغيبيات إلا أن تكون صحيحة، ولا تكون صحيحة إلا بنسبتها إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. فيدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالقيامة الصغرى في حق كل إنسان وهي الموت، فمن مات قامت قيامته، وكذلك التصديق بأشراط الساعة، وبعلامات القيامة الكبرى والصغرى، فمن العلامات الكبرى خروج المسيح الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وخروج المهدي ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من المغرب .. إلى آخر العلامات المعروفة. ثم تأتي نفخة الصعق ونفخة الفزع حيث تنتهي بها الحياة على وجه هذه الأرض، ثم يكون بعد ذلك ما شاء الله أن يكون، ثم تنفخ نفخة البعث والنشور، وتبدأ مرحلة أخرى من الإيمان باليوم الآخر، هذه المرحلة هي الإيمان بالقيامة الكبرى، وتفاصيل ما يحدث من حشر الأجساد والميزان والمرور على الصراط والشفاعة العظمى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والورود على الحوض لأتباعه ومحبي سنته إلى آخر التفاصيل التي تقع في يوم القيامة الكبرى. ثم ينتهي يوم القيامة الكبرى بانتقال الناس إلى أحد الدارين، فأما الذين سبقت لهم من الله سبحانه وتعالى الحسنى فأولئك يبعدون عن النار فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، وأما الآخرون فيساقون إلى الجحيم والعياذ بالله. وحتى يصح أن نكون مؤمنين بالجنة والنار لابد أن نعرف تفاصيل الحياة في الجنة والنار كما أخبر بها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

فالنار هي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين، وهي عذاب الله وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين، وهي الخزي الأكبر والخسران العظيم، يقول الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ [التوبة:63]، والنار فيها ما يعجز اللسان عن وصفه من الآلام مع الخلود الدائم بلا نهاية والعياذ بالله، يقول سبحانه وتعالى حاكياً عن حال عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65] * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:66].

ويقول سبحانه وتعالى: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ [ص:55] * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ [ص:56].

الجنة والنار مخلوقتان

الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وليس كما يعتقد بعض الضالين المبتدعين أنهما تخلقان وتوجدان يوم القيامة، فمن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: الاعتقاد بأنهما موجودتان فعلاً الآن، لظواهر كثير من الآيات والأحاديث مثل قوله سبحانه وتعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، يعني: فرغ من إعدادها وفرغ من خلقها، وكذلك حديث المعراج فيه ما يكشف هذا المعنى.

وقال سبحانه وتعالى في الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، فكلمة (أُعِدَّتْ) ظاهرها أنها مخلوقة وموجودة الآن.

خزنة جهنم

أول ما يطالعنا في خلق النار خزنة جهنم وهم الملائكة الذين يحرسونها، أي يقفون على أبوابها والذين يتولون تعذيب أهلها، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] فهؤلاء الملائكة الغلاظ الشداد هم خزنة جهنم.

ويقول سبحانه وتعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26] * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ [المدثر:27] * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [المدثر:28] * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ [المدثر:29] * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30] * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [المدثر:31].

فخزنة النار والملائكة الذين يتولون تعذيب أهلها، اغتر المشركون وظنوا أنهم يمكنهم مدافعة هؤلاء الملائكة، فكان هذا الخبر في القرآن فتنة وامتحاناً لهؤلاء الكافرين، فإنه حينما أخبرهم الله سبحانه وتعالى أن النار عليها تسعة عشر ملكاً قالوا: كل واحد منا يتولى قهر ملك من هؤلاء الملائكة، ولا يعلمون أن ملكاً واحداً من ملائكة الله سبحانه وتعالى لا يمكن البشر كلهم مقاومته ومدافعته.

ويقول الله سبحانه وتعالى: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ [غافر:49] وفي هذه الآية أيضاً إثبات أن هناك خزنة لجهنم وهم هؤلاء الملائكة.

وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] مالك هذا هو كبير الملائكة الذين يتولون أمر جهنم والعياذ بالله.

سعة جهنم

أما النار فهي شاسعة واسعة بعيد قعرها مترامية أطرافها، والدليل على ذلك أن عدد داخليها لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى.

يكفي أن نتصور أيضاً أنهم مع هذا العدد الهائل فإن خلق الواحد منهم يتعاظم ويكبر كبراً شديداً حتى يكون ضرسه مثل الجبل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ضرس الكافر في النار يكون مثل جبل أحد)، وجبل أحد طوله حوالي ستة آلاف متر وحتى تكون المسافة بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام بسرعة الجواد، ومع هذا فإن جهنم تتسع لكل هذا العدد من البشر ومن الجن الذين سوف يعذبون فيها بهذه الضخامة في الجثث وفي الحجم، بل يبقى فيها مكان لغيرهم، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30].

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط بعزتك وكرمك) هذا حديث متفق عليه.

ومما يبين سعة جهنم وعظم خلقها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً مع أصحابه رضوان الله تعالى عليهم فسمعوا وجبة، أي سمعوا صدى صوت اصطدام جسم شديد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار إلى الآن) هذه رواية مسلم .

وقال عليه الصلاة والسلام: (لو أن حجراً مثل سبع خلفات ألقي من شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفاً لا يبلغ قعرها)، يعني يمكث أكثر من سبعين سنة حتى ينتهي إلى قعرها.

ومن الأدلة على عظم خلق جهنم وكبرها والعياذ بالله تعالى منها: كثرة الملائكة الموكلون بها، يقول الله سبحانه وتعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]، كيف يجاء بجهنم؟ بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك) فهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

ومن الأدلة على عظم خلق جهنم: أن الشمس والقمر وهما مخلوقان عظيمان يكونان طبقين كما قال صلى الله عليه وسلم: (الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة).

يكفي أن نقول: إن الشمس مثل حجم الأرض مليون مرة، فمع ذلك تكون الشمس والقمر ثورين مكورين في النار يوم القيامة.

دركات جهنم

أما دركات جهنم فقد عدد الله سبحانه وتعالى من أسمائها حتى ينبهنا إلى تعداد صفاتها، فمن أسمائها جهنم ولظى والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية، فالنار ليست درجة واحدة، بل هي دركات تذهب سفلاً كلما ألقى في النار سفلاً اشتد عذابها والعياذ بالله سبحانه وتعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، فكلما ذهبت النار سفلاً ازداد حرها واشتد لهيبها، يقول سبحانه وتعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132] يعني: أهل الجنة درجات وأهل النار دركات، ويقول سبحانه وتعالى: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [آل عمران:162] * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران:163]، فدرجات الجنة تذهب علواً ودرجات النار تذهب سفلاً.

أبواب جهنم

النار لها سبعة أبواب: قال سبحانه وتعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]، ويقول سبحانه وتعالى: ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72]، ويقول عز وجل: عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد:20]، يعني: مغلقة.

والشاهد من هذه الآيات أن جهنم لها أبواب تغلق وتؤصد وتقفل على أصحابها حتى يحبسوا فيها.

يقول سبحانه وتعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ [الهمزة:2] * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:3] * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة:4] * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ [الهمزة:5] * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة:6] * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ [الهمزة:7] * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ [الهمزة:8] * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:9].

هذه الأبواب تغلق في شهر رمضان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا دخل رمضان صفدت الشياطين، وفتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار).

وقود جهنم

شدة حر جهنم وعظم دخانها وشررها

من صفات النار شدة حرها وعظم دخانها وشررها، يقول سبحانه وتعالى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة:41-44]. فالناس في الدنيا إذا أرادوا أن يتمتعوا بالجو الطيب فغالب عناصر هذه المتعة هي الماء والهواء والظل، فحال أهل النار على الضد من هذا تماماً، فالماء عندهم هو الحميم، وهو الماء الذي اشتد حره، ووصل إلى أقصى الغليان. أما هواؤهم فهو السموم، وهي الريح الحارة الشديدة. أما ظلهم فمن يحموم، أي: قطع من الدخان لها ظل، ودخان النار وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل: انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:30-33]. أي أن الدخان الذي يتصاعد من جهنم دخان ضخم جداً يعلو حتى ينقسم إلى ثلاثة أقسام. وهذه النار شررها عظيمة، يقول تعالى: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات:32] يعني كالحصون الضخمة، أو كالإبل السود: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:33]. ويقول سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:8-11]. ويقول عز وجل: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:26-30].

شدة لهيب جهنم وازدياد عذابها مع الوقت

بين النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في أحاديثه شدة لهيب جهنم أعاذنا الله وإياكم منها بمنه وكرمه:

يقول صلى الله عليه وسلم: (ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)، أي أن نار جهنم ضعف نار الأرض التي نراها الآن سبعين مرة، (فضج الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وقالوا: يا رسول الله! والله إن كانت لكافية، فقال صلى الله عليه وسلم: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها) متفق عليه.

من صفات هذه النيران والعياذ بالله: أنها لا تخبو مع طول الزمان، فأي نار تشتعل فإنها بعد وقت تهلك وتنطفئ أو تخف إلا نار جهنم، فإنها بمرور الزمان يزداد لهيبها وشرها، يقول سبحانه وتعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30] فالعذاب في حالة ازدياد مستمر بمرور الزمن وتأملوا كلمة (ذوقوا) أي أنه عذاب له طعم.

ويقول عز وجل: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97] ويقول سبحانه وتعالى: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:86].

وقال عليه الصلاة والسلام في بيان مواقيت الصلاة: (ثم صلوا فإن الصلاة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصروا عن الصلاة فإنه حينئذ تسعر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلوا).

والشاهد أن النار كل يوم يزاد في سعيرها ولهيبها في هذا الوقت.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) فهذا الحر الذي نلقاه في الدنيا هو نفس من أنفاس جهنم فقط.

ويقول سبحانه وتعالى: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [التكوير:12] يعني: أوقدت وأحميت.

النار تسمع وتبصر وتتكلم

النار مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى يعلم تفاصيله الله سبحانه وتعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وقد أخبرنا الله عز وجل أن النار مخلوق يبصر ويتكلم ويشتكي: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].

فالنار حينما ترى أهلها قد أقبلوا عليها من مكان بعيد تطلق الأصوات المرعبة التي تدل على شدة حنقها وغيظها على هؤلاء المجرمين الذين أشركوا بالله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [الفرقان:12] * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا [الفرقان:13] * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا [الفرقان:14].

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج يوم القيامة عنق من النار له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين) رواه الإمام أحمد والترمذي . يخرج من النار حتى يعذب هؤلاء الثلاثة.

وقال صلى الله عليه وسلم: (رأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء) رواه البخاري ومسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم: (رأيت النار فإذا امرأة تخمشها هرة)، وفي الحديث الآخر: (عذبت امرأة في هرة حسبتها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) فلذلك تعذب هذه المرأة بسبب هذه القطة.

يقول صلى الله عليه وسلم: (اشتكت النار إلى ربها) يعني معناها النار تشتكي وتتكلم: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير)؛ لأن النار فيها كل ما يتخيله الإنسان من الضيق والظلام والحر الشديد والزحام وغير ذلك.

فالحر الشديد يحرق والبرد الشديد يحرق، فالزمهرير هو التعذيب بهذا البرد الشديد، فأشد ما تجدون من الحر في الصيف أو في وقت الحر هذا مجرد نفس فقط يخرج من جهنم حتى تتنفس قليلاً؛ لأنها أكل بعضها بعضاً من شدة الحر.

كذلك أشد ما تجدون من البرد القارس هو نفس من أنفاس جهنم والعياذ بالله.

النار خالدة لا تفنى أبداً

أيضاً النار خالدة لا تبيد أبداً بإجماع أهل السنة، بل هي باقية وأهلها خالدون فيها، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين الذين ماتوا بدون توبة من ذنوبهم وكبائرهم؛ هؤلاء يبقون في النار مدة يعذبون، لكن لا يخلدون فيها، إنما يخلد فيها الكفرة والمشركون.

يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98] * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء:99].

وقال عز وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [الزخرف:74] * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف:75] * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ [الزخرف:76] * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77].

ويقول عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36].

ويقول صلى الله عليه وسلم: (يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم يصيح: يا أهل النار خلود ولا موت، ويا أهل الجنة خلود ولا موت).

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم، ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39])، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا كان يوم القيامة أتي بالموت كالكبش الأملح، فيوقف بين الجنة والنار فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة، ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار).

والنار دار إقامة لهؤلاء الذين يعذبون فيها، فهي مثوى ومأوى ومقيل، يقول سبحانه وتعالى: وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151]، ويقول عز وجل: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ [العنكبوت:68]، ويقول سبحانه: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206].

شدة حر جهنم وعظم دخانها وشرارها

من صفات النار شدة حرها وعظم دخانها وشررها، يقول سبحانه وتعالى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ [الواقعة:41] * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ [الواقعة:42] * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ [الواقعة:43] * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة:44].

فالناس في الدنيا إذا أرادوا أن يتمتعوا بالجو الطيب فغالب عناصر هذه المتعة هي الماء والهواء والظل، فحال أهل النار على عكس من هذا تماماً، فماذا عن الماء؟

الماء عندهم هو الحميم، والحميم هو الماء الذي اشتد حره، ويصل إلى أقصى الغليان.

أما هواؤهم فهو السموم، وهي الريح الحارة الشديدة.

أما ظلهم فمن يحموم، أي قطع من الدخان ولها ظل، ودخان النار وصفه الله سبحانه وتعالى أيضاً بقوله عز وجل: انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات:30] * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [المرسلات:31] * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات:32] * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:33].

أي أن الدخان الذي يتصاعد من جهنم دخان ضخم جداً يعلو حتى ينقسم إلى ثلاثة ألسنة أو ثلاثة أقسام، هذه الأقسام شررها عظيمة: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات:32] يعني كالحصون الضخمة، أو كالإبل السود: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:33].

ويقول سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [القارعة:8] * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:9] * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ [القارعة:10] * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:11].

ويقول عز وجل: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26] * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ [المدثر:27] * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [المدثر:28] * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ [المدثر:29] * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30].

الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وليس كما يعتقد بعض الضالين المبتدعين أنهما تخلقان وتوجدان يوم القيامة، فمن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: الاعتقاد بأنهما موجودتان فعلاً الآن، لظواهر كثير من الآيات والأحاديث مثل قوله سبحانه وتعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، يعني: فرغ من إعدادها وفرغ من خلقها، وكذلك حديث المعراج فيه ما يكشف هذا المعنى.

وقال سبحانه وتعالى في الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، فكلمة (أُعِدَّتْ) ظاهرها أنها مخلوقة وموجودة الآن.

أول ما يطالعنا في خلق النار خزنة جهنم وهم الملائكة الذين يحرسونها، أي يقفون على أبوابها والذين يتولون تعذيب أهلها، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] فهؤلاء الملائكة الغلاظ الشداد هم خزنة جهنم.

ويقول سبحانه وتعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26] * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ [المدثر:27] * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [المدثر:28] * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ [المدثر:29] * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30] * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [المدثر:31].

فخزنة النار والملائكة الذين يتولون تعذيب أهلها، اغتر المشركون وظنوا أنهم يمكنهم مدافعة هؤلاء الملائكة، فكان هذا الخبر في القرآن فتنة وامتحاناً لهؤلاء الكافرين، فإنه حينما أخبرهم الله سبحانه وتعالى أن النار عليها تسعة عشر ملكاً قالوا: كل واحد منا يتولى قهر ملك من هؤلاء الملائكة، ولا يعلمون أن ملكاً واحداً من ملائكة الله سبحانه وتعالى لا يمكن البشر كلهم مقاومته ومدافعته.

ويقول الله سبحانه وتعالى: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ [غافر:49] وفي هذه الآية أيضاً إثبات أن هناك خزنة لجهنم وهم هؤلاء الملائكة.

وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] مالك هذا هو كبير الملائكة الذين يتولون أمر جهنم والعياذ بالله.

أما النار فهي شاسعة واسعة بعيد قعرها مترامية أطرافها، والدليل على ذلك أن عدد داخليها لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى.

يكفي أن نتصور أيضاً أنهم مع هذا العدد الهائل فإن خلق الواحد منهم يتعاظم ويكبر كبراً شديداً حتى يكون ضرسه مثل الجبل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ضرس الكافر في النار يكون مثل جبل أحد)، وجبل أحد طوله حوالي ستة آلاف متر وحتى تكون المسافة بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام بسرعة الجواد، ومع هذا فإن جهنم تتسع لكل هذا العدد من البشر ومن الجن الذين سوف يعذبون فيها بهذه الضخامة في الجثث وفي الحجم، بل يبقى فيها مكان لغيرهم، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30].

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط بعزتك وكرمك) هذا حديث متفق عليه.

ومما يبين سعة جهنم وعظم خلقها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً مع أصحابه رضوان الله تعالى عليهم فسمعوا وجبة، أي سمعوا صدى صوت اصطدام جسم شديد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار إلى الآن) هذه رواية مسلم .

وقال عليه الصلاة والسلام: (لو أن حجراً مثل سبع خلفات ألقي من شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفاً لا يبلغ قعرها)، يعني يمكث أكثر من سبعين سنة حتى ينتهي إلى قعرها.

ومن الأدلة على عظم خلق جهنم وكبرها والعياذ بالله تعالى منها: كثرة الملائكة الموكلون بها، يقول الله سبحانه وتعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]، كيف يجاء بجهنم؟ بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك) فهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

ومن الأدلة على عظم خلق جهنم: أن الشمس والقمر وهما مخلوقان عظيمان يكونان طبقين كما قال صلى الله عليه وسلم: (الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة).

يكفي أن نقول: إن الشمس مثل حجم الأرض مليون مرة، فمع ذلك تكون الشمس والقمر ثورين مكورين في النار يوم القيامة.

أما دركات جهنم فقد عدد الله سبحانه وتعالى من أسمائها حتى ينبهنا إلى تعداد صفاتها، فمن أسمائها جهنم ولظى والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية، فالنار ليست درجة واحدة، بل هي دركات تذهب سفلاً كلما ألقى في النار سفلاً اشتد عذابها والعياذ بالله سبحانه وتعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، فكلما ذهبت النار سفلاً ازداد حرها واشتد لهيبها، يقول سبحانه وتعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132] يعني: أهل الجنة درجات وأهل النار دركات، ويقول سبحانه وتعالى: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [آل عمران:162] * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران:163]، فدرجات الجنة تذهب علواً ودرجات النار تذهب سفلاً.

النار لها سبعة أبواب: قال سبحانه وتعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]، ويقول سبحانه وتعالى: ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72]، ويقول عز وجل: عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد:20]، يعني: مغلقة.

والشاهد من هذه الآيات أن جهنم لها أبواب تغلق وتؤصد وتقفل على أصحابها حتى يحبسوا فيها.

يقول سبحانه وتعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ [الهمزة:2] * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:3] * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة:4] * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ [الهمزة:5] * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة:6] * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ [الهمزة:7] * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ [الهمزة:8] * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:9].

هذه الأبواب تغلق في شهر رمضان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا دخل رمضان صفدت الشياطين، وفتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار).

من صفات النار شدة حرها وعظم دخانها وشررها، يقول سبحانه وتعالى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة:41-44]. فالناس في الدنيا إذا أرادوا أن يتمتعوا بالجو الطيب فغالب عناصر هذه المتعة هي الماء والهواء والظل، فحال أهل النار على الضد من هذا تماماً، فالماء عندهم هو الحميم، وهو الماء الذي اشتد حره، ووصل إلى أقصى الغليان. أما هواؤهم فهو السموم، وهي الريح الحارة الشديدة. أما ظلهم فمن يحموم، أي: قطع من الدخان لها ظل، ودخان النار وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل: انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:30-33]. أي أن الدخان الذي يتصاعد من جهنم دخان ضخم جداً يعلو حتى ينقسم إلى ثلاثة أقسام. وهذه النار شررها عظيمة، يقول تعالى: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات:32] يعني كالحصون الضخمة، أو كالإبل السود: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:33]. ويقول سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:8-11]. ويقول عز وجل: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:26-30].

بين النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في أحاديثه شدة لهيب جهنم أعاذنا الله وإياكم منها بمنه وكرمه:

يقول صلى الله عليه وسلم: (ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)، أي أن نار جهنم ضعف نار الأرض التي نراها الآن سبعين مرة، (فضج الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وقالوا: يا رسول الله! والله إن كانت لكافية، فقال صلى الله عليه وسلم: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها) متفق عليه.

من صفات هذه النيران والعياذ بالله: أنها لا تخبو مع طول الزمان، فأي نار تشتعل فإنها بعد وقت تهلك وتنطفئ أو تخف إلا نار جهنم، فإنها بمرور الزمان يزداد لهيبها وشرها، يقول سبحانه وتعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30] فالعذاب في حالة ازدياد مستمر بمرور الزمن وتأملوا كلمة (ذوقوا) أي أنه عذاب له طعم.

ويقول عز وجل: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97] ويقول سبحانه وتعالى: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:86].

وقال عليه الصلاة والسلام في بيان مواقيت الصلاة: (ثم صلوا فإن الصلاة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصروا عن الصلاة فإنه حينئذ تسعر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلوا).

والشاهد أن النار كل يوم يزاد في سعيرها ولهيبها في هذا الوقت.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) فهذا الحر الذي نلقاه في الدنيا هو نفس من أنفاس جهنم فقط.

ويقول سبحانه وتعالى: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [التكوير:12] يعني: أوقدت وأحميت.