العصبية للدين


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد..

فقد جرت كلمة لها مشتقات ومترادفات على ألسنة الناس، سواء ممن يكنون العداء للإسلام والمسلمين، أو ممن يظهرون الولاء له، والله أعلم بنياتهم، إنما كل مدار كلامهم يدور على الذم لهذه الكلمة ولمشتقاتها، وهي كلمة: (العصبية)، فيقولون: ليس في الإسلام عصبية، ولا تعصب، ولا عصبة، وهذه مشتقات، وكلامهم هذا إن كان له وجه صحيح؛ فله وجوه كثيرة من الخطأ والباطل، والله أعلم بنيتهم: وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ [القصص:69]، فلا نشق عن صدورهم ولا ننقب عما في قلوبهم، وندع ذلك لرب الأرباب، ولكن يجب أن نعيد الحق إلى نصابه بالدلائل النيرات، والحجج الدامغات: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ الأنفال:42].

إنه لا يجوز أن نأتي على مصطلح إذا أطلقه الإنسان كان دليلاً على الانحراف فيجرف تحته أئمة من أئمة المسلمين كانوا يوماً ما يطلق عليهم هذا الاصطلاح كدليل على الصلاح والاستقامة على السنة، مثلاً: الصوفية نراهم يعدون الإمام أحمد بن حنبل والجنيد والثقفي في الصوفية.

وهؤلاء السادة كانوا من أتبع الناس للسنة، وإنما كان مصطلح الصوفية عندهم لا يتعدى أن يكون هو الزهد في ملذات الحياة فقط، والترفع عن الدنايا، لأن له أصل أصيل في السنة، فلما دار الزمان وصار مصطلح الصوفية علماً على الانحلال والانحراف عن السنة والقول بالاتحاد ووحدة الوجود إلى كل هذه الأشياء الكفرية، صار لا يجوز لنا في هذه الحال أن نقول: إن الإمام أحمد بن حنبل كان صوفياً، لما وقر في أذهان الناس أن الصوفي له علامات كذا وكذا.

وإن كانوا يطلقون عليهم قديماً لفظة صوفي بالتعريف القديم، لكن الصوفي الآن له تعريف آخر يختلف عن تعريف القدماء لمعنى الصوفية، فالحاصل أنه لا يجوز لنا أن نأتي على شيء حادث يدل على أشياء مشوهة فنأخذ به القدماء، لما يعمي ذلك عند الناس ويضيع الحق والحقيقة.

مصطلح العصبية يجب أن يتبدى واضحاً جلياً، كلنا ننكر التعصب والتنطع والعصبية في فروع الدين، يجب أن يكون في صدرك محل لخلاف أخيك، فرجل يرى هذا الرأي الفقهي وآخر يرى غيره، إننا نمقت العصبية، وهي أن يختلف أصحاب الدين الواحد في مسألة فرعية تؤدي بهم إلى الشقاق والتناحر، مثلما حدث منذ خمسين سنة فقط، وما زالت العلامة على هذا الحادث موجودة حتى الآن، فالذي يدخل الجامع الأزهر يجد أربعة محاريب -المحراب هو المقوس في القبلة- محراباً للشافعية، ومحراباً للحنفية، ومحراباً للمالكية، ومحراباً للحنابلة، لماذا يا قوم؟! أليس دينكم واحد وقبلتكم واحدة وربكم واحد ونبيكم واحد وقرآنكم واحد؟ ما معنى أن هذا شافعي وهذا مالكي وهذا حنبلي وهذا حنفي؟

وليس الأمر واقفاً على مجرد هذه التسميات، إنما كان له أثر في تفكك علاقة المسلمين، فكان الشافعية يرون أن الفجر يصلى بغلس، أي: يصلي الفجر في أول وقته وما زال الظلام يغطي الدنيا، فكان الشافعية يرون استناداً إلى حديث عائشة في الصحيح أنها قالت: (كنا نصلي الفجر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نخرج لا يرى بعضنا بعضاً من الغلس -أي: من الظلام-) فهذا يدل على أن الفجر يصلى في أول وقته، وكان الشافعية يبادرون إلى الصلاة في أول الوقت.

أما الحنفية فكانوا يرون أن الصلاة لا تكون إلا بعد إشراق النهار، ليس إشراق الشمس، ولكن بعد بزوغ النهار، وكانوا يستندون أيضاً إلى حديث صحيح رواه أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال: (أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر)، فقالوا: إنه يجب أن نسفر، ومعنى الإسفار هو: بزوغ النور بعد رحيل الظلام، فقالوا: إنه أعظم للأجر، فيجب علينا أن نصلي الفجر بعد أن يبزغ النور.

فيقوم الشافعية يصلون في محرابهم، والحنفية قاعدون ينتظرون إمامهم، فإذا انتهى الشافعية من الصلاة؛ جاء الحنفية واستأنفوا صلاة الفجر.

إننا نكر أشد الإنكار هذا النوع من التعصب الذي كان من نتيجته أن صار المسلمون أحزاباً، ننكره ونجحده ونكفره ولا نقر به، فإن قال قائل: فما وجه الجمع بين ما رآه الشافعية والحنفية، وحديث عائشة رضي الله عنها يوضح أن الصلاة في أول الوقت، وحديث أبي رافع الذي احتج به الأحناف يوضح أن الصلاة تكون بعد أن يسفر الليل؟

فيقال: جمع ابن خزيمة والطحاوي وغيرهما من العلماء بين الحديثين، فقالوا: يبدأ في الصلاة على وقتها فما يخرج منها إلا بعد أن يسفر النور، فمعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر) حضٌ على إطالة الصلاة من أول وقتها في الغلس حتى يسفر الفجر، فنبدأ الدخول فيها بغلس ونخرج في النهاية بعد أن يسفر النور، ويدل عليه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صلى بالمسلمين الفجر حتى أشرقت الشمس وهم يصلون، فقالوا: (يا خليفة رسول الله! طلعت علينا الشمس! فقال لهم: طلعت، فلم تجدنا غافلين).

يريدون أن يتراشق المسلمون بسهام الملام بعضهم مع بعض لمجرد الاختلاف في مسألة فقهية.

وننكر أيضاً أن يتكلم الرجل عن جهل، ولا يقدر هذا الدين قدره، إنما يتكلم فيه العلماء الذين ينطلقون من الأصول، أما الذي لا يُنْكر في معنى العصبية فهو أن تتعصب لدينك وألا تقدم عليه شيئاً، فالعصبية هنا واجبة، بل عدم وجود العصبية خلل في إيمانك، فالعصبية هنا شيء حقيقي وهو وقود الإيمان؛ لأن الإنسان إذا عرف أنه متعصب لشيء ما، فيعلم أنه شديد الاعتزاز به شديد الحب له؛ لذلك يقال: فلان متعصب جداً، ما الذي جعله يتعصب؟

اعتزازه بما يراه، وحبه الشديد له، فدينك يجب أن تتعصب له، ويجب ألا ترضى بالدنية فيه، وهذا ما أرادوا أن ينفوه من قلب المسلم.. لا تعصب! وخرجت علينا بدعة التسامح الديني، والتسامح الديني إنما في حق المسلمين فقط، ويجب على المسلمين أن يتسامحوا دينياً، أما غيرهم فهم في منتهى التعصب ولا يلومهم أحد، وهي منقبة لهم، لماذا تذكرون تسامح الإسلام ولا تذكرون عصاه وقوته؟ وهل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتسامح إلى ما لا نهاية.

إن التسامح إلى ما لا نهاية هو الضعف بعينه.

رجل يتلقف الضرب يمنة ويسرة ثم يقول: سامحه الله! إلى متى يضرب فيسامح؟ يجب أن يكون هناك حد يعرف به الضارب المعتدي أن هذا التسامح لم يكن عن خور أو ضعف.

إن الشاعر عمرو بن أبي عزة لما شبب بالمسلمين وبنساء المسلمين وهجا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعره، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لي بـعمرو بن أبي عزة ؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟) فأخذوه وأتوا به، فاعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم وشكى له أنه مشفق وحاجة عياله إليه، وقال له: كن خير آخذ! فسامحه على ألا يعود، فاستنفر المشركون الشاعر مرة أخرى، فهجا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشبب بنساء المسلمين وذكر عوراتهن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من لي بـعمرو بن أبي عزة ؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟) فجاءوا به، فاعتذر وقال: تبت وأنبت ورجعت، وهذه آخر مرة، فتركه.

فلما مني المشركون بمقتل رؤسائهم في غزوة بدر، وصار أبو سفيان يعبئ المشركين واليهود لقتال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد؛ استعانوا بلسان الشاعر عمرو بن أبي عزة ؛ لأنه كان سليط اللسان، وقالوا: اهجه ونحن نحميك، فهجاه هذه المرة هجاءً لاذعاً، فقال عليه الصلاة والسلام: (من لي بـعمرو بن أبي عزة ؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟) فجاءوا به، فجعل يشكو: آخر مرة، ويطلب السماح والعفو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، والله لا أدعك تمشي في طرقات مكة فتقول: ضحكت على محمد مرتين، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) فصارت مثلاً، وأمر به، فقتل.

التسامح له نهاية، ليس هناك تسامح إلى ما لا نهاية، وليس هناك جهل وهجوم وجسارة إلى ما لا نهاية، كل شيء له حد: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر:49-50].

لماذا تقول دائماً: إن الله غفور رحيم، وتركن إلى هذه المغفرة وهذه الرحمة ولا تذكر عذابه؟! إنك لو ذكرت عذابه ما انتهكت حرماته، ولكن غرك حلمه، وأنه لا يأخذ العاصي بعصيانه في الحال، فتقول دائماً: إن الله غفور رحيم، رحمته واسعة.. ولو ذكرت عذابه لوقفت عند حدوده.

إن التسامح له نهاية، لماذا التسامح الديني في حق المسلمين فقط؟ فإن أظهر أحد المسلمين تعصباً لدينه يدينونه ويمقتونه ويقولون: الإسلام دين التسامح! الإسلام دين الرحمة! أين عصا الإسلام التي أدب بها شرار البشر، أين ذهبت أيها المسلمون؟

إن التسامح الديني بدعة ابتدعها المشركون ليقتلوا الحمية في قلوبكم لدينكم، يتمعر وجهك في المرة الأولى، وفي المرة الثانية يتمعر أقل، ثم أقل فأقل، حتى يموت ذلك الوقود الذي في قلبك، وحتى تموت النفس اللوامة التي يتميز المسلم بها عن سائر الناس في الأرض.

ألا ترى أن هذا حالك، خذ مثلاً: جهاز التلفزيون وأنت ترى امرأة عارية ترقص، فإن كنت حديث عهد بالنظر؛ وضعت عينيك في الأرض، أو تشاغلت بأي شيء حتى ينتهي ذلك المشهد، ثم لا تلبث أن تعود، وفي المرة الثانية راقب حالك وسترى أنك أقل ازوراراً لهذا المنكر، نظرت إليها دقيقة ثم ازوررت بعينيك حتى انتهى المشهد، فإذا تكرر المشهد مرة ثالثة تموت النفس اللوامة، ولو ماتت النفس اللوامة من المسلم؛ ارتكب كل فجور على وجه الأرض، إثباتاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) أي: إذا ماتت نفسك اللوامة التي تحجبك عن المعاصي والخبائث فاصنع ما شئت.

إن بدعة التسامح الديني التي ابتدعها المشركون ووردوها لنا على ألسنة عملائهم من العلمانيين الذين ينددون بأي شيء، ووصل التنديد بالذين يقولون: (إن صلاة الجماعة في المساجد واجبة، بمعنى أن الذي يصلي في بيته وهو قادر على أن يصلي في الجماعة بغير عذر له أنه آثم.. يقولون: إن هذا تجني، إن ديننا فيه سعة والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل في الجماعة تعدل صلاة الفذ بسبع وعشرين).

قوله: (صلاة الفذ) أي: صلاة الفرد. تعدل درجة من سبع وعشرين درجة، مما يدل على صحة الصلاة، نحن لا نناقش أن صلاته باطلة، إنما نناقش هل هو آثم أم لا، لقد كان ابن مسعود كما روى مسلم في صحيحه يقول: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، ولقد رأيتنا ما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد رأيت الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) فالرجل الغير قادر على أن يقف على قدميه في الصف، يحمله اثنان لكي يستوي في الصف.

فيقولون: يجب أن يكون هناك تسامح ديني، نقول: نعم تسامح ديني في المسائل الفرعية، لكن أن تعتدي على عقيدتي وتريد أن أتسامح هيهات هيهات!! ذلك خدش وشرخ في إيمان المسلم، وقد يظهر في إيمانه كله.

ولعلكم تذكرون، وأقول: لعلكم؛ لأن المسلمين أصيبوا بداء النسيان، ألا تذكرون يوم ضربنا في (67) وهزمنا شر هزيمة، قال أحد جنرالات إسرائيل: (الآن أخذنا بثأر إخواننا في خيبر)، أين خيبر وأين أنت أيها الجنرال؟ خيبر على أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الآن في القرن العشرين لا ينسى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بيهود خيبر، لا ينسون، ليت أن لنا ذاكرة كذاكرة اليهود فلا ننسى.

داؤنا النسيان، سرعان ما ننسى الإساءة حتى وإن كانت في عقر دارنا، أقول: لعلكم تذكرون مصرع الرئيس السابق لما أهلكه الله عز وجل وجاء الكفرة يشيعونه -وقبض على المسلمين وهذا أمر طبيعي- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب قوماً حشر معهم) فجاء الرؤساء الكفرة الذين لا يغنون عنه من الله شيئاً، وصلاة الجنازة المقصود منها دعاء المسلمين للميت، فهؤلاء شفعاء للميت، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى عليه أمة من الناس غفر له) وفي الحديث الآخر: (من صلى عليه أمة من الناس فيهم أربعون صالحاً غفر له) هذه نفعية صلاة الجنازة: الدعاء للميت، آخر ما يأخذه منكم في دنياه أن تدعوا له بالرحمة؛ لأنكم ستنسونه بعد ذلك.

لذلك من الظلم البين والعدوان على الميت أن يقف المشيعون في خارج المسجد ولا يصلى عليه إلا أربعة أو خمسة، لماذا يا قوم؟

إن الميت لا يستفيد من خطواتكم وراءه شيئاً، خطواتكم لا تشكل له شيئاً، إنما الذي يشكل له دعاؤكم له، فما بالكم ظلمتموه، آخر شيء يأخذه منكم ضننتم به عليه، المقصود من صلاة الجنازة دفعة من الرحمات يأخذها الميت قبل أن يلقى ربه.

فلما جاء الناس يشيعون الرئيس السابق وكان منهم صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، فالذي ذهب إلى القاهرة ونظر إلى المسافة بين المنصة التي دفن أمامها وبين الفندق الذي نزل فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي يجد أن المسافة نحو أربعة كيلو مترات أو أكثر، فهذا في أول شارع الطيران من هناك، والمنصة في شارع النصر، أربعة كيلو مترات أو خمسة.

وصادف أن يوم الدفن كان يوم سبت، والتوراة تحرم على اليهود في يوم السبت أن يركبوا الدواب أياً كانت؛ فماذا فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق؟ أصر على أن يمشي من الفندق إلى المنصة، وهذا يكلف تكاليف أمنية رهيبة، فوزير العدو الإسرائيلي يمشي على قدميه في شوارع القاهرة، إذاً لابد له من حراسة في الأرض وفي السماء، أربعة كيلو مترات يمشيها ويصر عليها، لأن التوراة تحرم عليه أن يركب في يوم السبت شيئاً.

فأين المغفلون، هل وصفوا هذا الرجل بالتعصب؟

ما سمعنا أن هذا الرجل متعصب متزمت أو أنه زجر، أو أنه عيب عليه، بل قد كلف أجهزة الأمن تكلفة باهضة؛ لأنه مشى على قدميه أربعة كيلو مترات، وانظروا إلى حمايته، وما تكبدته الشرطة المصرية من حشود وجنود، وكانت البلد هرج مرج، لا يأمن أحد عاقبة شيء، فانطلق يثبت التوراة، في حين أن المسلمين يرمون القرآن وبعضهم يدوس عليه.

لكن وجدنا من المسلمين من إن لم يفعل هذا الفعل فعله معه من جهة أنه لا يعيره اهتماماً ولا يقيم لأحكامه وزناً، فيذهب الرجل من هؤلاء ويلبس الكوفية السوداء؛ حزناً على من مسخهم الله قردة وخنازير في يوم السبت؛ ولأن هذا من المراسم، ولا يرى أن هذا عاراً ولا شناراً ولا رجعية ولا تخلفاً، ولا يرى أن هذا تدنساً، ويرى أنه معتز بدينه، ويرفع أنفه شامخاً في وسط أشباه المسلمين الذين يتبرءون من دينهم.

العصبية هنا جزء لا يتجزء من الإيمان، والذي يتسامح في هذه العصبية نقول له: جدد إيمانك، وانظر إلى نفسك، إنما نفرق بين العصبية للدين وبين العصبية في فروع الدين، في فروع الدين: لا نتعصب ونطلب الحق على حسب الأصول المتفق عليها عند علماء المسلمين، أما العصبية للدين التي هي الحب له والانتقام له وأن يتمعر وجهك -على الأقل- له، فهذا جزء من الإيمان لا يتجزأ.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ذكر أحد الوزراء في مذكراته أنه بينما كان على مأدبة عشاء أو غداء -وفيها الخمر بطبيعة الحال؛ لأنها كانت في بلاد أوروبا- فإذا به يمسك السكينة بيده الشمال ويمسك الشوكة بيده اليمين ويأكل، قال: فرأيت غضباً على وجوه بعض من كان على المائدة، يعني: الجهة التي استضافت هذا الوزير، قال: وكادت أن تحدث أزمة دبلوماسية بسبب أنه أكل بيده اليمنى، لولا أنه تدخل شخصياً وقال: إنها عادة! ونفى أن يكون فعلها لأنه نهي عن الأكل بالشمال.

هذا موقف عابر لعل المرء يقرؤه وهو غير عابئ به؛ لكنك إذا تأملت هذه الكلمات، واستحضرت عداوة عدوك ولم تنسها -على عادة المسلمين بعد ما ضعفت ذاكرتهم- وجدت أن هذا الموقف يمثل معانٍ كثيرة، ما الذي يغضب هذا الرجل أن يأكل المسلم بيمينه أو أن يأكل بشماله؟ ما الذي يضره؟ ولماذا كادت أن تحدث أزمة دبلوماسية حتى اعتذر الوزير شخصياً باسمه، ولعله اعتذر باسم الدولة عن هذا الفعل.

ما الذي يعني هؤلاء أن يأكل كل إنسان كيفما يشاء، وهم في حريتهم الشخصية يقولون: إن أراد أن يمشي عارياً فله أن يمشي عارياً؟ لماذا يا قوم لا تقولون: وإن أراد أن يأكل بيمينه أكل؟!

هؤلاء الناس لا يخففون المنكرات، فرضوا علينا الرسميات التي تناقض ديننا أظهر مناقضة، فخرجت النساء كاسيات عاريات، ولا مانع أن يقبّلها الرئيس الآخر، وقد رأينا هذا على شاشات التلفزيون، فهذا لا مانع منه لأنه تحضر، ولو أننا تمسكنا بديننا نكون قد رضينا بالرجعية، ونحن نبرأ من الرجعية ومن أهلها، وهؤلاء تقدموا بغير دين، والذي أخرنا هو الدين، هذا هو فحوى ما يدعو إليه العلمانيون في الجرائد الرسمية: (الدين لله والوطن للجميع)، عبارة كافرة ابتدعها سعد زغلول المارق. اقرءوا مذكرات سعد زغلول هذا البطل القومي الوطني، فقد كان يشرب المخدرات والخمر، ورغم ذلك يعتذر عنه عباس العقاد قائلاً: إن الأطباء كانوا ينصحونه أو يأمرونه بشرب الخمر لـقرحة في المعدة، فقبل أن يذهب إلى النمسا كان شخصاً، وبعدما رجع قال: (الدين لله والوطن للجميع) أي: الدين هو عبارة عن شعائر وعلاقة بينك وبين ربك، لا مجال له في الواقع العملي، أما الوطن فهو للجميع وفيه غير المسلم.

هذه فحوى العلمانية، والقائم عليها حزب الوفد الذي أسسه سعد زغلول ، ولما اندرج الإخوان المسلمون في حزب الوفد الجديد وصاروا يدعون إليه، وكسب الوفد ونجح، بدأ التخلص من الإخوان شيئاً فشيئاً، وعللوا ذلك بقولهم: إن الحزب يوم نشأ نشأ علمانياً، يعني أن الإخوان المسلمين يريدون أن يديروا العجلة إلى الدين، وهذا الحزب يوم نشأ نشأ علمانياً، وأخطأ الإخوان المسلمون في تأييدهم لهذا الحزب.

هذه الدعوة التي تفصم المسلم عن دينه، هي ما يريدونه في الخارج، وهم يربون أجنادهم عليه، فالأكل باليمين أو بالشمال لا يعني الغرب في شيء، لكن لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى عن أن يأكل المسلم بشماله أو أن يشرب بشماله) تدبر أخي المسلم بأي يد تأكل وترفع الطعام إلى فمك، لا ترفعن طعاماً ولا شراباً إلى فمك بيدك الشمال أبداً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل النهي بقوله: (فإن الشيطان يأكل بشماله) من منكم يريد أن يتشبه بالشيطان؟

فالأكل باليمين يحدث أزمة، لكن خرتشوف في مباحثات هيئة الأمم المتحدة في الستينيات خلع نعله ووضعه على مائدة المفاوضات أمام المندوب الأمريكي وغيره من أعضاء الدول التي لها حق الفيتو، فما جرؤ أحد أن يتكلم، ولم ينبس أحد ببنت شفة، ثم رجعوا أحباباً.

إن دول المسلمين يجب أن تعود إلى دينها، إن العزة كل العزة في هذا الدين وفي العصبية له، إن العصبية لهذا الدين شرف بل هو محض الإيمان، وانظر إلى هذا الموقف في غزوة أحد، لما قتل من المسلمين نفر كثير بسبب مخالفة الرماة الذين تركوا مكانهم على الجبل، وكشفوا ظهر المسلمين، وخالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ورجع خالد فقتل من قتل، فقُتل سبعون من خيرة المسلمين منهم حمزة أسد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، ودخلت حلقات المغفر الحديد في وجنته، وجالد عنه طلحة كأشد ما يكون الرجال، وجالدت نسيبة بنت كعب هذه المرأة التي تساوي أمة من أشباه الرجال، وناضلت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترّس عليه أبو دجانة حتى كانت السهام تقع في ظهره ولا يتحرك حتى لا يصل سهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعدما انتهت الغزوة انحاز النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر ونفر وقعدوا في سفح الجبل، وعلا أبو سفيان على قمة الجبل ثم قال لهم: أفيكم محمد؟ وكان الشيطان قد صرخ بأعلى صوته: محمد مات؛ حتى حدث هرج ومرج في صفوف المسلمين -يطول الأمر بذكره- فوقع في نفوس المشركين أن النبي صلى الله عليه وسلم مات، فأراد أبو سفيان أن يتشفى بموت النبي صلى الله عليه وسلم فصعد على قمة الجبل وقال: أفيكم محمد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجيبونه؟ قال: أفيكم أبو بكر ؟ قال: لا تجيبوه؟ قال: أفيكم عمر ؟ قال: لا تجيبوه) فظن أبو سفيان ومنته نفسه أن هؤلاء قتلوا؛ فثارت حمية الجاهلية في قلبه ثم قال بأعلى صوته: اعل هبل!! وهو صنمهم، كأنه يقول: مات الذين كان الإسلام يقوم بهم، حينئذٍ: (اعل هبل وارجع إلى مكانتك)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وثارت الحمية في قلبه لدينه: (ألا تجيبونه؟) وهو الذي قال في المرة الأولى: لا تجيبوه! لكن لما جاء الأمر على استنقاص الدين قال: (ألا تجيبوه؟)، يعني: لا يجوز لكم أن تتأخروا في الرد عليه، (قالوا: فما نقول يا رسول الله؟! قال: قولوا: الله أعلى وأجل، فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا غرى لكم، قال: ألا تجيبونه؟! قالوا: بم نجيبه؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم، فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر، والحرب سجال، فقال عمر : لا يا عدو الله، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار).

ففي المرة الأولى لما سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر قال: (لا تجيبوه) لماذا؟

لأنه إنما ينطلق من الغل والحسد والتشفي، ومن الفطنة أنك إذا رأيت حسوداً أن تدعه يأكل بعضه؛ لإنك إن رددت على الحسود وجد له متنفساً ورد عليك، وروى غيظ قلبه في الرد عليك، لكن أن تدعه كالكلب ينبح لا تعيره اهتماماً، فإن هذا يزيد من وطأة الألم على نفسه، على حد قول الشاعر:

اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله

فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

فتركه النبي صلى الله عليه وسلم يموت بغيظه ولم يشف غيظه بالرد عليه، فكان ترك الجواب أفضل وأحسن، ولكن لما أراد أن يستعلي ويقول: اعل هبل، ويطعن في عقيدة التوحيد؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه بعزة من عبده المسلمون وبسيادته على هذا الكون فقال: (ألا تجيبونه؟ فقالوا: وبم نجيبه؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل).

حمية الحب لهذا الدين لا يجوز لك أن تتخلف عن نصرته، بل عليك أن تنمي وتغذي هذه العصبية، وهذا الإيمان الحار في قلبك.

إننا نحتاج إلى العصبية في هذه الأيام أكثر من احتياجنا إليها في أي أيام مضت؛ لكثرة الدعوات الانحلالية والاباجية، ولكثرة جنود العلمانية، الذين ينشرون كفرهم في كل صحيفة رسمية وغير رسمية بدعوى حرية الرأي.

لماذا لا تعدلون؟ لماذا تكيلون بكيلين وتلعبون على الحبلين؟ فكما قلت لهذا: لك حرية الرأي ولك الجرائد الرسمية، أتيحوا لنا الجرائد الرسمية إذاً حتى نرد، ونبين للناس وهاء دعوى العلمانية.

إن شيخ الأزهر شخصياً يشكو أنه يرسل رده إلى الجرائد الرسمية ولا تنشره، وهذا أكبر علاّمة في البلد، فإن كان هذا هو التصرف مع أكبر علاّمة فرحمة الله علينا، فإذا كان شيخ الأزهر يشكو أنه يرسل الرد، ولكن لا ينشرونه له، ويأتي هؤلاء فيكتبون المذكرات وينشرون الكفر والإلحاد بدعوى حرية الرأي.

فإذا مشت المرأة (بالمايوه) قيل: اتركها عارية، لا يحل لك أن تكبت حرية المرأة ولا حرية الرجل، كل إنسان يفعل ما يريد، فإن لبست المرأة النقاب وأرادت أن تدخل الجامعة؛ قالوا: لا. أين يا قوم الحرية المزعومة التي تزعمونها؟

أنا حر! أفعل ما أريد، لا. أنت لست حراً، هو حرٌ وأنت لست حراً، هذا هو لسان الحال ودعك من المقال، دعك من الزيف المنشور، ولنكن في الواقع؛ لأنه سيد الأدلة، أنت لست حراً بل أنت مضطهد وهو حر، إن فعلت أي شيء من باب الحب لدينك، فأنت متعصب، ولماذا لا تنزل إلى الدركة الدنيا، وإذا أخذت بعوالي الأمور وعزائمها؛ قالوا: هذا تشدد وتنطع نهى الله عنه! فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: (هلك المتنطعون)، مثل الذين قالوا: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4].

كما قال شاعرهم:

ما قال ربك: ويل للأولى سكروا وإنما قال: ويل للمصلينا

ما قال أن هناك ويل للذي سكر وسرق، إنما قال: ويلٌ للمصلين، يسمونها بغير اسمها، ويدلسون على الناس.

أيها المسلم! أنت الآن في مفترق الطرق، وحولك دعوات كثيرة تزين لك الانحلال، وتبين لك أن التمسك بدينك تعصب، ارفض هذه الدعوات، وامض في طريقك إلى ربك يلهمك رشدك.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدمنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أريد أن أبيّن المسألة الأولى بخصوص العصبية في المسائل الفرعية؛ لأن كثيراً من المسلمين يحتاجون إلى بث لهذا الفهم، ونراهم يشوهون على بعضهم أعظم تشويه، فإذا ما اختلف هذا مع ذاك في مسألة فرعية، تجد الكل يتعصب لرأيه كما لو كان هو على الحق ومخالفه على الباطل.

لذلك نريد أن نذكر أدب الخلاف على سبيل الاختصار، وإلا فالموضوع طويل ومهم جداً، ولعل الله عز وجل ييسر ذلك بعد.

وسوف نعرض لأدب الخلاف في الإسلام وكيف يعذر بعضنا بعضاً ومتى، وليس معنى هذا أن تعذر أخاك دائماً على طول الخط، كأن يأتي ببدعة أو يخالف الدين مخالفة صريحة وتقيم عليه الحجة ولا يدفع هذه الحجة بعلم من عنده، ومع ذلك يصر على ما هو عليه، فهذا مبتدع متلاعب، يجب أن يردع ويهجر بوسائل الهجر المعروفة المشروعة.

أقدم بين يدي هذا الحديث الذي أصله في صحيحي البخاري ومسلم، والشاهد الذي أريده خرجه أبو داود ، فقد قيل لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو في الحج: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين) في الحج يصلون جمعاً وقصراً، فالصلاة الرباعية تكون ثنائية، ويقدمون العصر إلى وقت الظهر جمع تقديم، وكلامنا الآن ليس عن الجمع إنما هو على القصر، فقالوا لـابن مسعود : (صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين، وصليت مع أبي بكر ركعتين، وصليت مع عمر ركعتين، وصليت مع عثمان صدراً من خلافته ركعتين، فما حملك على أن تصلي أربعاً؟)

والقصة بدأت بأن عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته كان إذا حج بالمسلمين قصر الصلاة مثلما هو معروف، لكن في أخريات خلافته لم يقصر بل أتم، فصلى الصلاة الرباعية رباعية، والمسلمون يتابعونه على ذلك، فقيل لـعثمان : لم فعلت؟ قال: (أنا أتيت بأهلي ومالي) فصار شأنه كشأن المقيم الذي معه أهله، فهو ليس بمسافر، فتأول عثمان أنه مقيم، فصلى أربعاً وصلى المسلمون معه أربعاً، فلما قيل لـعبد الله بن مسعود أحد الذين صلوا ركعتين بداية ثم تابعوا عثمان على الصلاة أربعاً: لم صليت أربعاً مع عثمان ولم تصلِّ ركعتين؟

فأجاب إجابة الإمام الفقيه العالم قال: (الخلاف شر) وهذه الجملة هي التي لم يخرجها الشيخان وإنما خرجها أبو داود .

فما الذي تتصورونه لو جاء عبد الله بن مسعود وأخذ عصابة من المسلمين ونوى العصيان وقال: لا. هذه عبادة ونحن غير مقتنعين بهذا كما اقتنعت به وسنصلي ركعتين، ثم افترق المسلمون أحزاباً في منسك الحج الأكبر، كيف يتأتى لهم نصر أو وحدة؟ فنظر عبد الله بن مسعود نظرة الثاقب، فقال: إنه لو أتم خلف عثمان -وهو متأول- أن هذا لن يصيب الأمة بضرر مثلما سيحصل لو أنه أخذ لنفسه وضعاً خاصاً وصلى ركعتين ومن ثم يتحزب ويشق عصا المسلمين.

يجب أن ننظر إلى خلافاتنا في المسائل الفرعية هذا النظر، ولا يجوز التكذيب أيها الناس! ما معنى أن يتكلم رجل فيقول: الطائفة الفلانية كذا، والطائفة العلانية كذا.. لماذا تذكرون الأسماء أيها الناس! مع أنها ليست فيها مصلحة؟ لماذا لا تسلكون مسلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو التعريض: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا..) بدون أن تصرح.

نعم تلجأ إلى التصريح إن كان فيه مصلحة راجحة، وإلا فدونك التعريض فإنه أدعى ألا يتفرق المسلمون أكثر من الفرقة الموجودة الآن، فإذا نظرنا إلى جيل الصحابة -هذا الجيل الكريم- كيف كانوا يختلفون في أشد مراحل الاختلاف، وانظر إلى المسلمين الآن إذا اختلف رجل مع آخر، لمزه بأنه من أهل البدع، ولا يصلي وراءه ولا يسلم عليه، وإن قابله في طريق أخذ طريقاً آخر، وقد رأينا مثل هذه النماذج.

مثلاً: أن يقنت دائماً في صلاة الفجر بالدعاء الذي يقال في صلاة الوتر: اللهم اهدنا فيمن هديت ... إلى آخره، ذلك بدعة، وبعض إخواننا من الشافعية يقولون بوجوب هذا الدعاء حتى إن بعضهم قال: لو نسيه فإنه يسجد للسهو؛ وعمدتهم في ذلك حديث ضعفه أهل المعرفة بالحديث وإليهم المرجع في هذا الأمر، وهو حديث أنس رضي الله عنه قال: (ما زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقنت في صلاة الفجر حتى قبض) لو صح هذا الحديث لكنا أول الداعين إليه، وليس هذا الحديث بصحيح بل هو منكر كما قال الأئمة وإن صححه بعض الشافعية؛ خلافاً للمتعارف عليه من علم أصول الحديث، فهذا الحديث ضعيف، وهو عمدة الشافعية الوحيد في أن دعاء الفجر دائماً يقرأ.

لا. بل هو بدعة، وقد روى الترمذي في سننه بسند حسن صحيح أن أبا مالك الأشجعي قال لأبيه وكان من الصحابة: (يا أبتي! صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي ، فهل كانوا يقنتون في صلاة الفجر؟ قال أبوه له: أي بني محدثة) -يعني بدعة- وهذه صلاة ولا أظن هذا الصحابي يغفل؛ لأن هذا الأمر لو حدث لكان اشتهر بالأسانيد الصحيحة، ولم يتفرد به أبو جعفر الرازي هذا الراوي السيء الحفظ.

فهذا الدعاء وإن كنا نصر على أنه بدعة، لكن لا نسوغ أن يكون أُسّاً للخلاف بين المسلمين، فيذهب الرجل فيقول: هو بدعة في الدين، ولابد من مناوأة البدعة، إذاً: ماذا ستفعل بأخيك؟ لن أسلم عليه، وأهجره، وأزجره، ولا أساعده، ولا أزوره إذا مرض، ولا أمشي في جنازته إذا مات!!

إن هناك بعض من غلا في قضية الخلاف بين المسلمين، وهذا الغلو الفاحش الذي لا يقره أحد شم ريح الإسلام وشم ريح الأدلة الصحيحة.

فلو أن رجلاً لا يرى القنوت في الفجر دخل مسجداً، فإن كنت ترى أن القنوت باستمرار بدعة في صلاة الفجر، فإن جعلوك إماماً فلا تقنت، وأما إن كنت مأموماً فاقنت كما قنت الإمام.

انظر إلى هذه المسألة وانظر إلى ما هو أعظم ألف مرة منها وكيف عالجها الصحابة الأكابر، ففي خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه جعل أبو بكر قيادة الجيوش ومحاربة المرتدين لـخالد بن الوليد ، وكان عمر وزير أبي بكر الصديق ونعم الوزير ونعمت البطانة، فذهب خالد بن الوليد إلى مالك بن نويرة التميمي ، وكان مالك بن نويرة رجلاً تابع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام ولكنه بعد أن مات النبي صلى الله عليه وسلم وظهر أمر مسيلمة الكذاب وارتدت أناس من العرب؛ انحاز مالك بن نويرة إلى سجاح المرأة المتنبئة الكاذبة التي كانت تزعم أن الوحي يأتيها، فانحاز إليها وتابع الذين يمنعون الزكاة.

فكان أبو بكر يقول لـخالد : (إذا دخلت على مكان فسمعت فيه أذاناً، فكف يديك -مما يدل على أن الأذان علامة المسلمين- فإن لم تسمع أذاناً؛ فادعهم إلى الإسلام قبل أن تقاتلهم، فإن أبوا عليك فقاتلهم) منتهى الإنصاف! لا تهجم عليهم مباشرة، بل ادعهم، لعل فيهم مغرّرون، إذا سردت لهم من الأدلة ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومن كلام الوحي الشريف رجعوا أدراجهم إلى دينهم.

فذهب خالد بن الوليد وقاتل، فمن جملة ما حدث أنه دعا مالك بن نويرة وقال له: (أما علمت -وكان مالك مسلماً- أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الزكاة كما فرض الصلاة) يعاتبه على أنه كيف انحاز إلى الذين منعوا الزكاة، فأجاب مالك خالداً : (كذا يقول صاحبكم، فقال له: ويلك أوليس بصاحبك؟ -يعني: هل هذا النبي صلى الله عليه وسلم صاحبي أنا وليس بصاحبك- أولا تعلم أنه قال كذا وكذا.. فقال مالك : كذا يقول صاحبكم، فثار الدم في دماغ خالد وقال: هذه بعد تلك، والله لأقتلنك) ثم أمر به فقتل.

إن الرجل يعبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: كذا قال صاحبكم!! إذاً: هذا ليس في قلبه شيء من الحب ولا التوقير ولا الاحترام للنبي عليه الصلاة والسلام، يعني: يقتل، فأمر به فقتل، لماذا؟

لأنه صار كافراً، فامرأته تصير من السبي، فاستبرأها خالد بحيضة؛ لأن الأمة ليست كالحرة، تستبرأ بحيضة حتى يأمن خلو رحمها من الحمل، ثم تزوجها خالد .

فصيّر الناس هذه القصة إلى أبي بكر الصديق على غير هذه الحقيقة، فقالوا: إن مالكاً رجل مسلم، وخالد تسرع فقتله ونزى على امرأته، وطبعاً لو كان الأمر كذلك؛ لكان الأمر مستبشعاً، إذ لو كان مالك بن نويرة مسلماً لما حل لك أن تأخذ امرأته، إنما يحل لك أن تأخذ امرأة في السبي، يعني: كانت تحت كافر، لا يحل لك أن تسبي المرأة المسلمة، لكن خالداً رأى أنه كفر، لأنه كرر المسألة مرتين، فقتله وسبى امرأته، واستبرأها بحيضة واحدة وتزوجها.

فلما وصل الأمر إلى أبي بكر الصديق وعمر قاعد عنده، انتفض عمر وقال: (عدو الله، قتل امرءاً مسلماً ونزى على امرأته؟!! القصاص، وأبو بكر يقول: لعل له عذراً! لعل له عذراً) حتى يسمع من خالد ، فلما جاء وقص خالد القصة؛ عذره أبو بكر ولم يعذره عمر . فهل تظن أن عمر قام وقال: لا. أنا غير موافق على هذه المسألة، وانشق على أبي بكر مثلاً؟ مثل الذي يحدث الآن في بلاد المسلمين، لا.

ولما سئل عمر عن أمر أفتى به أبو بكر الصديق وكان بعض الناس لا يراه، قيل لـعمر : غيّره، فقال: (إني لأستحيي من الله أن أخالف فعلاً أمضاه أبو بكر ).

وإعذار أبي بكر لـخالد أرجح من ملامة عمر ؛ لأنه وجد خالداً معذوراً أن يسمع من مالك بن نويرة : كذا فعل صاحبكم! كذا فعل صاحبكم! وهذا لا يدل على أي حب أو احترام.

والقدوة الحسنة في معذرة أبي بكر لـخالد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري في صحيحه: (أن خالد بن الوليد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم: سبى قوماً، فقال الناس: صبأنا! صبأنا!) يريدون أن يقولوا لـخالد : نحن صبأنا عن دين آبائنا ودخلنا الإسلام، وقد كانت العرب إذا أسلم رجل من الكفار يقال: صبأ وخرج، فكانت كلمة صبأ تعبر عن كلمة كفر، وليس عن الخروج من ملة الكفر إلى الإيمان، فـخالد بن الوليد أول ما سمعهم يقولون: صبأنا، وعلى فهمه هو كفرنا، قال: اقتلوهم، وما فطن خالد أن الناس يقولون: صبأنا، يعني عن دين آبائنا ودخلنا الإسلام، فأمر بقتلهم وقد أسلموا، ولكن أخطأوا التعبير عن إسلامهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرفع يديه إلى السماء ثلاث مرات وهو يقول: (اللهم إني أعتذر إليك مما فعل خالد) وعذره، فكان أبو بكر له الأسوة الحسنة في أن يعذر خالداً أيضاً لما سمع عن مالك بن نويرة هذا.

هذا الحدث جسيم جداً وهو في مفترق طرق الدعوة الإسلامية، والعرب يصدون عن دين الإسلام، فما كان الأمر يتحمل خلافاً، لكن انظر إلى هذا الخلاف، وكيف عولج بكلمتين حتى كأنك لا تتصور أن خلافاً حاداً حدث، ولكن انقل هذه الصورة إلى واقع المسلمين اليوم وسترى العجب، ففي المسائل الفرعية الدقيقة التي وسع الأئمة الكبار الخلاف فيها لا يسعنا الاختلاف فيها ونحن من العوام.

كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وطيب ثراه ونور ضريحه وقدس روحه يقول: (إن من المستحب ترك المستحب لتأليف القلوب) انظر إلى فقه هذا الإمام العظيم المظلوم، الموسوم بالعصبية والتطرف والتزمت.

كنا قديماً في أول معرفتنا بالسنة نجلس جلسة الاستراحة، وجلسة الاستراحة هي إذا كنت في وتر من صلاتك فلا تقوم حتى تستوي قاعداً، يعني بعد الركعة الأولى قبل أن تقوم للركعة الثانية تقعد أولاً ثم تقوم، وبعد الركعة الثالثة قبل أن تقوم للرابعة تقعد أولاً قبل أن تقوم للرابعة، وفي الركعة الثانية والرابعة التشهد بطبيعة الحال أنت قاعدٌ فيه، وهذه الجلسة مستحبة لحديث مالك بن الحويرث في صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان في وترٍ من صلاته لا يقوم حتى يستوي قاعداً).

فهذه سنة مستحبة قال بها مالك والشافعي وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، فكنا نقعدها، ونحن طبعاً في بلد ريف وهم كالصواريخ في القيام، ونحن كنا نقعد، فالرجل لأنه ذاهل عن صلاته يقوم بطريقة ميكانيكية، فأول ما يراني قاعداً يقعد، فإذا قمت يقوم، كل هذا بحركة عصبية غير مرتبة كما أفعل أنا، لأني أنا أعلم أنني سأقعد وسأقوم بنوع من الاطمئنان، إنما هو يفاجأ بي قاعداً، فيظن أنه التشهد وأنه سها، فيقعد بعصبية شديدة وبسرعة، فإذا قمت قام أيضاً بعصبية شديدة، فإذا انتهينا من الصلاة قلبوا علينا المسجد، فنقول: يا إخواننا! هذا في صحيح البخاري وكذا.. فيقولون: ولا في البخاري ولا كذا، بل أتيتم بدين جديد، والشيخ فلان لم يعمل كذا، ونحن نصلي منذ ستين سنة.. ونحن كنا من العناد وكان عناداً محموداً -والله سبحانه وتعالى أعلم بالسرائر- نظن أن هذه هي السنة المحضة، ويجب علينا أن نتمسك ونعض عليها بالنواجذ، ونحن معذورون؛ لأنه لا يوجد شيوخ يعلموننا الأدب، ومتى يكون الخلاف ومتى لا يكون، فنحن معذورون في الجملة.

ولكني سأحكي على سبيل الإنصاف خطأ وقع، وقد يكون هذا الخطأ ما يزال يقع فيه بعض إخواننا من الشباب في البلاد النائية، فكنا نصر، والناس كل يوم في هجوم، ونحن نستمرئ الهجوم ونشعر بسعادة ونظن أنفسنا من المجاهدين الكبار أمثال الصحابة الذين يصبرون على الألم وعلى سباب الناس ... إلى آخره.

وليس هذا فقط، بل تحريك الإصبع في التشهد ورد فيه حديث صحيح عند أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يحرك إصبعه في التشهد)، والناس إذا قالوا: أشهد أن لا إله إلا الله؛ رفع أحدهم إصبعه في النفي والإثبات، ثم بعد ذلك لا يتحرك، فهم يرون أن حركة الإصبع ليس من الخشوع في شيء؛ فصارت مضحكة والإنسان بالطبع يغتاظ، ولكن يصبر ويحرك بنوع من العنف أمام هؤلاء من الجامدين المتحجرين الذين لا يعلمون شيئاً.

وكان هذا من الخطأ في الدعوة، فتحريك الإصبع مستحب، وجلسة الاستراحة مستحبة، وتأليف قلب هذا الرجل على الإسلام واجب، فإذا تعارض واجب مع مستحب؛ قدم الواجب على المستحب بشرط ألا تترك المستحب دائماً، إنما نترك المستحب كوضع تكتيكي حتى أضمن قلب هذا الرجل وأحمله على أن يفعل الأمر المستحب معي.

ولا يفهم من كلام شيخ الإسلام أنه يترك المستحب مدى الحياة لخاطر عيون هؤلاء، لا. اترك المستحب كنوع من الهدي في الدعوة؛ حتى تتألف قلب هذا الرجل، ثم بعد ذلك تكسبه، فتفعل المستحب أنت وهو.

وقد كنا نصلي ركعتين قبل صلاة المغرب، وهذه سنة معروفة، كادت أن تكون واجبة لولا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب لمن شاء) فلولا هذه الكلمة لكانت الصلاة قبل المغرب واجبة، فدل ذلك على أن صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب سنة مستحبة، والناس يقولون: المغرب غريب، ولا أدري من أين أتوا بها، فالرجل ينتهي من الأذان ويقيم في نفس واحد، وهذا خلاف الهدي.

فكنا نتعمد أن يكون المؤذّن منا، فيتم الأذان ويرفع يديه ويصلي؛ حتى لا يكون هناك فرصة للمناقشة، ونحن كلنا كذلك متأهبون لرفع اليدين في تكبيرة الإحرام حتى لا نسمح بأي نقاش، فكان أولئك يتلمظون ويسبون، تجد أحدهم يقول: انظر إلى المجانين يأتون بأشياء غريبة جداً، ونحن نصلي ونستمرئ هذا ونشعر بنوع من اللذة، وهي لذة الخلاف مع هؤلاء؛ لأننا كنا نرى أن هذا هو السنة، وكان رأس المعاندين في هذا الأمر شديداً جداً علينا، ثم أذن الله عز وجل له أن يحج بيت الله الحرام، وأول ما قابلني وهنأته بالحج؛ أخذني بالأحضان، وقال: يا عم الشيخ أنت على حق! فقلت: فيم؟ قال: في ركعتي المغرب، تصور أنه أُذّن للمغرب في الحرم، فلم أجد قاعداً غيري، يعني: نظر في الحرم، فوجد الكل قام ليصلي ركعتين عدا هو، وهذا الحرم ليس الأزهر ولا غيره، فقال: أول ما رأيت الناس واقفين يصلون دعوت لك، وعلمت أنك على حق، فصار هذا الرجل دائماً حتى الآن يصلي ركعتين قبل المغرب.

أنا معترف أن علاجنا لهؤلاء الناس كان فيه نوع من الخطأ، لكننا معذورون، فالشباب يرون المخالفة على أشدها في كل شيء، ويرون تسفيهاً لما يفعلون، وهم يرون أنه السنة، فيحملهم الحب الشديد والاعتزاز بالسنة على الإمعان في المخالفة، فلا هم أحسنوا ولا نحن أحسنا، نسأل الله عز وجل المغفرة لنا ولهم.

فالحاصل أن قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من المستحب ترك المستحب) ليس على عمومه، إنما من المستحب أن تترك المستحب مدة تأنيس قلب الرجل، ثم تعود إلى فعل المستحب مرة أخرى.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا ويهدي بنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.