الغيرة للمحبوب


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة الكرام! إن وقود الانتماء هو الحب، وللمحبة علامات تقطع بها وجه كل دعي للمحبة وهو عار عنها، ونحن اليوم مع علامات للمحبة، وإنما آثرت ضرب المثل بأقوال المحبين في الدنيا لأقيم الحجة على الخلق بأمرٍ غير منكورٍ عندهم يسلمون به. إن المحب لا إرادة له مع حبيبه، ولو صارت له إرادة مع حبيبه فإن هذا قدحٌ في دعوى محبته، وكل الناس لا ينكرون هذا المعنى، فإذا عدّلناه إلى أجلّ محبوبٍ وهو الله عز وجل رأيت دعوى عريضة، ورأيت الكاذبين يتلو بعضهم بعضاً في أمر لا ينكرونه بينهم.

إن من علامات المحبة: الغيرة للمحبوب. وعليه فلا أتصور حباً بلا غيرة، فإذا رحلت الغيرة رحل الحب تبعاً لها، والغيرة هي أنفةٌ أن يشاركني في محبوبي أحد، وهي نارٌ وتوهج يخرج من القلب حال ذكر المحبوب، وهي أنانية التفرد بالمحبوب، هذا هو أصل الغيرة: أن تغار له وعليه.

وكما ورد في الحديث الصحيح: أن هلال بن أمية الواقفي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وقال: يا رسول الله! وجدتُ رجلاً مع امرأتي -ولم يكن نزل حد الملاعنة بين الرجل وامرأته، وكان الرجل إذا رمى امرأته أو غيرها بالزنا فرض عليه أن يأتي بأربعة شهداء وإلا جُلد- فجاء هلال بن أمية الواقفي ، وقال: (يا رسول الله! وجدت رجلاً مع امرأتي فقال: يا هلال ! أربعة شهداء أو حدٌ في ظهرك، فحينئذٍ انتفض سعد بن عبادة -سيد الخزرج- وقال: يا رسول الله! أدع لكعاً يتحسها وأبحث عن أربعة شهداء؟! والله ليس له إلا السيف غير مصفح! فقال النبي صلى الله عليه وسلم للخزرج: انظروا ما يقول سيدكم -يستنكر عليه؛ لأنه يعارض آية في كتاب الله عز وجل- فقالوا: يا رسول الله! اعذره، فوالله ما تزوج امرأةً قط إلا بكراً، وما طلق امرأةً فجرأ أحدنا أن يتزوجها بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟! والله إني لأغير من سعد، والله أغير مني؛ لذلك حرم الفواحش).

الغيرة للمحبوب أن تنتهك حدوده، وأن يعتدى عليه.. هذه هي ثمار المحبة.

لقد بكيت كمداً وحزناً هذا الأسبوع من هذا المنظر الذي رأيته، يصور اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم على صورة خنزير، ويكتبون عليه اسمه الصريح ويدوسون القرآن بأرجلهم!! وما ذاك إلا لأنهم يخاطبون أمةً ميتة، فهل لهذا الرسول في الدنيا العريضة مؤمنون به ومحبون له؟!!

لقد بكيت كمداً، وإنما يبكي الحر من القهر.. قاتل الله السياسة التي لا تخضع للدين! بأي وجهٍ يجلس المفاوض مع اليهود؟! على ماذا يتفاوض؟! قطعة أرض، ما بقي بعد الذي حدث شيء.. يسب نبينا صلى الله عليه وسلم ونسكت!!.

إذاً: أين الحب الذي ندعيه؟!

إن احتلال اليهود لأرضنا وأخذهم لها شبراً شبراً لأهون عند الله عز وجل ورسوله وعباده المؤمنين من سب الله ورسوله، فعلى أي شيءٍ يتفاوضون؟! على أرض! ما قيمتها؟! الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، بغير هذه العلامات وبغير هذه الرتب لا يحل لنا أن نرث الأرض.

ولو أن رجلاً عربياً جاهلياً لا يدين بدين -كافرٌ بالله العظيم- حدث له عشر هذا؛ لانتفض ولرده أنفة وحياءً وكبراً. إن للشاعر الجاهلي في حرب البسوس أبياتاً صارت في كل الأمصار، واختارها أبو تمام وأودعها في القطعة الثانية في ديوان الحماسة. يقول:

صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ ... وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْوَانُ

عَسَى الأَيَّامُ أنْ يَرْجعْنَ ... قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا

فلَمَّا صَرَّحَ الشَّر ... فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيانُ

وَلَمْ يبقَ سِوَى العُدْوَانِ ... دِنَّاهُمْ كْمْا دَانُوا

مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ ... غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ

بِضَربٍ فِيه تَوْهِينٌ ... وتَخضِيعٌ وإقرَانُ

وطَعنٍ كَفَم الزِّقِّ ... غدا وَالزِّقُّ ملآنُ

وبعضُ الحلمِ عندَ الجَهلِ ... لِلذِّلَّةِ إذعَانُ

وَفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِينَ ... لاَ يُنْجِيكَ إِحْسَانُ

وتأمل البيتين الأخيرين:

وَبَعْضُ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ ... لِلذِّلَّةِ إذْعَانُ

إنسان يضرب ولا يرد، لماذا؟ لأنه حليم، ويضرب المرة الثانية ولا يرد؛ لأنه حليم، وكذلك في الثالثة والرابعة والعاشرة، لا يرد لأنه حليم!! فهذا ليس بحلم، وإنما استكانة وإذعان وضعف.

وَبَعْضُ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ ... لِلذِّلَّةِ إذْعَانُ

فإذا صفحت مرة وثانية وثالثة ولم تجد مكاناً لهذا الإحسان فما بقي إلا الشر.

وَفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِينَ ... لاَ يُنْجِيكَ إِحْسَانُ

وهاهم العرب ما زالوا مصرين على السلام مع اليهود مع ارتكابهم لهذا الجرم الشنيع!

فيا ترى: أي سلام يتحدثون عنه؟!

وقد حذر الدعاة وبحت أصواتهم وجفت حلوقهم أن اليهود لا عهد لهم، وهم في تحذيرهم يستقون كلامهم من كتاب الله عز وجل، ومع ذلك ترى محاولة استئناف المفاوضات لاستعادة الثقة!

الثقة بمن؟ بالذي يصور النبي صلى الله عليه وسلم على صورة خنزير، ويطأ القرآن بقدميه؟!! هذا الذي جرى لا يجبره إلا الدم، وليس له علاج إلا الدم.

وما وصل اليهود إلى هذا إلا بعدما علموا يقيناً أن هذه الأمة ماتت، وأنه ليس هناك أحدٌ يتخذ لها قرارتها، فقادتها كذبة كلهم، فالذين يدعون أن قرارهم بأيديهم لا يستطيعون فعل شيء، وكلنا يعرف هذه الحقيقة.

صورة خنزير ينتسب إليها ألف مليون رجل على عجرهم وبجرهم، لكن كلهم مجمع على تعظيمه صلى الله عليه وسلم، وعلى توقيره ولو بالدعوة الكاذبة!!!

أين الموالد التي تقام كل عام في محبة النبي عليه الصلاة والسلام؟! أين الذين يتشدقون بمحبته في الموالد؟! وها نحن في شهر ربيع، وبعد عشرة أيام ستسمع الموالد والجحافل، وسترى الطرقات ممتلئة بهؤلاء الذين يدعون حبه صلى الله عليه وسلم، وكلٌ يدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أهين، وصور بأخس دابة على وجه الأرض، فما هي ردة فعلنا؟!

إن ساب النبي صلى الله عليه وسلم حده القتل ولو تاب، ولو أظهر التوبة، رعايةً لجناب النبي صلى الله عليه وسلم، ولأننا لو تركنا الساب ليقول: تبت، ثم يرجع ويسب: تبت؛ لاستهانوا بجناب النبي عليه الصلاة والسلام. ولكنه يقتل.

إن الكافر التافه الذي لا يتكلم أهون من السابّ؛ ولذلك فقد فرق الرسول عليه الصلاة والسلام بين الكافر الذي لا يسب وبين الذي يسب، روى الإمام النسائي وأبو داود من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (أمّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جميعاً يوم فتح مكة غير أربعة رجال وامرأتين، قال: اقتلوهم ولو وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة: مقيس بن صبابة ، وعبد الله بن خطل، وعبد الله بن أبي سرح ، وعكرمة بن أبي جهل .

فأما مقيس فأدركوه وقتلوه، وأما عبد الله بن خطل فأدركوه معلقاً بأستار الكعبة فقتلوه، وأما عكرمة ففر وركب البحر، وأما ابن أبي سرح فاختبأ عند أخيه من الرضاعة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة العامة، خرج عثمان بن عفان وخلفه ابن أبي سرح، ووقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول الله! بايع عبد الله، فسكت، فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله، فسكت، فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله ، فبايعه، ثم قال لأصحابه: أليس منكم رجلٌ رشيد إذ رآني كففت يدي عن بيعتي هذا أن يقوم إليه فيضرب عنقه؟ قالوا: يا رسول الله! هلا أومأت إلينا بعينيك؟ فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنةُ الأعين).

والسؤال الذي يطرح نفسه: جاء عبد الله بن أبي سرح تائباً فكيف يقتله والإسلام يجب ما قبله، وقد أسلم رجالٌ في فتح مكة كانوا من أكفر الكافرين وقبل منهم؟ فلماذا لم يقبل من ابن أبي سرح؟ لأنه كان يفتري على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب الوحي له، فكان يقول: كنت أملي محمداً ما أشاء!! فافترى عليه، وطعن في أمانته، وهذا من أعظم الكذب؛ لذلك استحق القتل، بخلاف الكافر الذي سبق منه إحسان.

قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح وقد نظر إلى أسرى بدر فقال: : (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم خالطني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)، فوصفهم بأنهم نتنى، وأخبر أنه لو المطعم بن عدي حياً ولم يسلم وجاءني ليفتدي هؤلاء لأعطيتهم له، مع أنه كافر، فما هو وجه التفريق بينهما وهذا كافر وهذا كافر؟ أن الثاني عنده نخوة وشهامة.

مثلاً: أبو طالب خفف الله عز وجل عنه العذاب -مع أنه كافر مخلد في النار- بسبب نصرته للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]؛ لأنه كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم، ففرق بين كافر نصير، وبين كافر يسب ويؤذي، وهما بخلاف الكافر الكاذب، ولذلك فإن افترى على النبي صلى الله عليه وسلم لا يموت أبداً بخير، فإن الله عز وجل قال: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]، والأبتر: الأقطع من الخير.

وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: (أن رجلاً نصرانياً أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قرأ البقرة وآل عمران وجد في نظر المسلمين، ثم إنه تنصر وكفر ولحق بالروم، وقال: أنا الذي كنت أملي على محمدٍ القرآن، فقصمه الله عز وجل وقطع عنقه، فدفنوه؛ فأصبح الناس وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل أصحاب محمد، نبشوا على صاحبنا وأخرجوه، فأعمقوا ودفنوه، فأصبحوا وقد لفظته الأرض، فأعمقوا ودفنوه، فأصبحوا وقد لفظته الأرض، فجلس منبوذاً هناك).

ألم تضم الأرض بين جوانبها أكفر الكافرين؟ هل رأيتم الأرض لفظت كافراً؟ كم ضمت الأرض بين جوانبها من الكافرين وما لفظتهم ولفظت هذا؟ لأنه اعتدى على النبي صلى الله عليه وسلم وسبه بداء الخيانة، وأنه كان يملي عليه القرآن.

في الانتماء غيرة، ها هم اليهود خمسة عشر مليوناً، لو تطوعنا وبصقنا عليهم لأغرقناهم، ومما قتلني كمداً أن الأحاديث الصحفية ليل نهار بالذي يجري والذي لا يجري، ومع ذلك ما رأينا صوت دول دينها الرسمي الإسلام عقدت مؤتمراً صحفياً في الحال، وأنكرت هذا الفعل وتوعدت، وما ذاك إلا لأنهم كذبوا في دعوى محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه لا يعنيهم ذلك، ولا دولة حتى الآن تطوعت ورفعت رأسها وقالت: كيف يفعلون ذلك؟!

أولا يستحق النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟! أولا يستحق أن يعقد له مؤتمر صحفي في الحال، ويندد ويطرد السفير ذراً للرماد في العيون؟!

ولقد مررت برجل عامي صاحب مطعم جالس هو وامرأته يحدثوني عن هذا ولم أكن قد قرأت الجرائد ولا أعرف القضية، وكان الرجل يبكي وينهمر دمعه هو وامرأته.. يبكون وهم يتكلمون.. الرسول عليه الصلاة والسلام هو رأسنا، ونحن جميعاً نواليه ونحبه، يظهرون المحبة له حتى ولو خالفوه، لكنهم يظهرون المحبة ولا أحد يخالفه، ولا أحد يتبرأ منه.

ثم وافق هذا الذي جرى والذي لا يمسحه ولا يجبره إلا الدم شيءٌ مقيت مثله تماماً .. لكنه حدث على أرضنا، ونشر هذا يوم أمس في جريدة الأهرام في الصفحة الثانية: امرأة رأت فلماً أجنبياً في نادي السينما يوم السبت الماضي، وفي نهاية الفلم اللقطة الآتية: بطل يأتي بعدما انتهى على بيت وقال: يا محمد! فظن المشاهد أنه يرى الرجل، فإذا بكلب أسود يخرج من البيت، فأخذه وانصرف!! هذه هي النهاية، وهذا حدث على أرضنا، وأنا ما رأيته وإنما نقلته عن جريدة الأهرام.

إن الخطب فادح والأمر جلل، والذي وصلنا إليه ليس هناك شيءٌ بعده، أن يسب الله عز وجل -وقد سبوه- وأن يسب النبي صلى الله عليه وسلم -وقد سبوه وصوروه- فما هو رد فعلنا؟!

إن امرأةً كشف اليهود عن سوأتها، وهي امرأةٌ نكرة، لا نعرف لها اسماً ولا رقماً ولا نسباً، ولكنها مسلمة، فنادت: وامعتصماه! فجرد المعتصم الجيش العرمرم ليرد عرض امرأةٍ مسلمة، وفتح عمورية، وأنشد أبو تمام قصيدته التي تناقلتها الكتب؛ لأجل امرأةٍ مسلمة.

أبناء الصحابة يتسابقون في قتل أبي جهل لأنه كان يسب رسول الله

في الماضي عندما كان هناك انتماء وولاء خالص للإسلام كان هناك أطفال في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، أمثال معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء ، لهم موقف شبيه بهذا الموقف، فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: (كنت أقف في الصف يوم بدر، فإذا بغلامين، جاءني أحدهما فقال: يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ قلت: وماذا تريد منه يا ابن أخي؟ قال: بلغني أنه يسب النبي صلى الله عليه وسلم، والله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: ثم جاء صبيٌ مثله فغمزني وقال مثلها، فعجبت! فلما رأيت أبا جهل يجول في الناس قلت: هذا صاحبكما! فتوجها إليه فضرباه جميعاً، وكلٌ يقول: أنا الذي قتلته! فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكلٌ يدعي أنه قتله، -شرف أن يقتل عدو الله ورسوله، هذا هو قصب السبق، وهذا هو الولاء والانتماء- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا. فلما نظر إلى السيفين قال: كلاكما قتله تطييباً لخاطرهما-).

إن هذه محنة، ومن المحن تأتي المنح، وقد قرأت خبراً عجيباً: قصة شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصادق المخبر في كتاب: (الصارم المسلول على شاتم الرسول) يقول: حدثني كثيرٌ من الثقات والعلماء الغزاة الذين كانوا يحاصرون بني الأصفر (الروم) أنهم كانوا يحاصرون المدينة شهراً وشهرين وأكثر، وأهل المدينة يتحصنون بالحصون وعندهم الأكل والشرب، قال: كنا نحاصرهم شهراً وشهرين وأربعة حتى كدنا أن نيأس في غزوهم، وإذا هم قد سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ففتحنا الحصن بعد يومين، فقال هؤلاء العلماء: كنا نتباشر بسب النبي صلى الله عليه وسلم مع امتلاء قلوبنا غيظاً من ذلك، يتباشرون أي: يستبشرون، فإذا سمعوا أهل الحصن يسبونه عرفوا أن الفتح قادم: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:61]، إن شانئه وسابه لا يموت بخير، وهو مهزوم، فكأنهم فعلوا ذلك بشارة، مثلما كانت بشرى لأسلافنا أنهم لم يستطيعوا فتح الحصن إلا بعد أن سبوه، فأسلمهم الله عز وجل لهم وفتحوا الحصن بعد يومين.

واتفق العلماء على أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل؛ مسلماً كان أو ذمياً؛ وذلك رعايةً لجناب النبي صلى الله عليه وسلم.

شعراء الصحابة يذبون عن عرض النبي عليه الصلاة السلام

صرمة بن قيس شاعرٌ صحابي كان في الجاهلية على دين إبراهيم -أقول هذا لتعلموا الفرق- يذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الهجرة، فيقول:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكّر لو يلقى حبيباً مواسيا

ويعرض في أهل المواسم نفسه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا

فلما أتانا واستقرت به النوى وأصبح مسروراً بطيبة راضيا

بذلنا له الأموال من حل مالنا وأنفسنا عند الوغى والتآسيا

نعادي الذي عادي من الناس كلهم بحقٍ ولو كان الحبيب المصافيا

وفي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لشعراء المسلمين: (اهجوا قريشاً، فوالذي نفسي بيده لهو أسرع فيهم من النبل)، فأرسل إلى عبد الله بن رواحة وقال: (اهجهم، فهجا فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، فهجا فلم يرض، فأرسل إلى حسان بن ثابت ، فجاء حسان فدخل فقال: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه فأخرج لسانه من بين شفتيه وجعل يحركه- لأن الأسد إذا غضب ضرب جنبيه بذنبه- ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لأفرينهم فري الأديم) أي: لأمزقن أعراضهم كما يمزق الجلد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تفعل حتى تأتي أبا بكر فإنه أعلم بنسب قريش)، فذهب إلى أبي بكر فلخص له نسب النبي صلى الله عليه وسلم، فأنشأ حسان يقول لـأبي سفيان وأتباعه أيام كان كافراً:

هجوت محمداً فأجبتُ عنـه وعند الله في ذاك الجزاء

هجوت محمداً براً تقياً رسول الله شيمته الوفاء

أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء

يبارين الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء

فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لضراب يوم يعز الله فيه من يشاء

فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا الشعر (لقد شفى حسان واكتفى) أي: شفى صدور المؤمنين، واكتفى منهم بما فعلوه، هذا هو الأسد الضارب بذنبه.

قتل كعب بن الأشرف

إن المعاهد الذمي الذي له عهد وأمان ينتقض عهده وأمانه بالسب، والحربي ليس له أمان، فـكعب بن الأشرف كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه، ويهيج عليه القبائل، ويسبه، ويشبب بنساء المؤمنين، كما يفعل سلمان رشدي في هذه الأيام؛ فقد شبب بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، واتهمهن بالدعارة، فلما وجد اليهود أنه لا أحد ينتصر لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، صوروه على صورة خنزير، وكتبوا اسمه صراحة!! وهذه خطوة طبيعية ومتوقعة؛ لأنهم لم يجدوا من يحرك ساكناً لذلك.

ولو أن أحداً من الناس اتهمت امرأته بالدعارة لدخل في حرب مع القائل ولو كلفه ذلك حياته، ولن يلومه الناس ولن يتهمونه بالتهور، فمن قتل دون ماله وعرضه فهو شهيد، وهذا يدافع عن عرضه.

وهاهي أمنا: عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وجويرية ، وخديجة رمين في أعراضهن، فأين نخوتنا وشهامتنا؟!

لقد رأوا أمة ميتة لا تتحرك، ترمى في أغلى شيء لديها ولا تتحرك، فما المانع أن يصور اليهود النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة ويلصقونها على أبواب المحلات العربية من أجل أن يصبح المسلمون فيجدون هذه الصورة على أبواب المحلات؟!! لا رد فعل على الإطلاق؛ وكأنما هذا الرسول ليس له أحد في الدنيا!!!

وقد اتصل الرئيس الأمريكي بـسلمان رشدي ، وهو رجل لا قيمة له في دنيا الناس، فلماذا يتصل له الرئيس الأمريكي؟ لأنه سب النبي صلى الله عليه وسلم. نكاية في المسلمين، وتشجيعاً لمن على شاكلته. وعجباً لمن يدعي الإسلام ثم يكون هذا حاله!! وما هو إلا خلف لسلفه السابق أمثال: عمرو بن أبي عزة لما وقع في الأسر يوم بدر، ودخل على النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: أطلق سراحي فعندي أولاد ونساء وسأحفظ لك الجميل، فأطلق سراحه ومنّ عليه، فذهب إليه كفار قريش وقالوا له: أعنا عليهم بشعرك، فقال: إني عاهدتهم وأنا رجلٌ فقير ولي عيال. فقالوا له: عيالك عيالنا! لئن مت نضمن عيالك إلى عيالنا، فهجا النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك قبل وقعة أحد، فلما أمسكه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعف عني ولا أعود. فعفا عنه، فرجع فسبه وشبب بنساء المسلمين، فأمكنه الله منه، فقال له: اعف عني ولا أعود! قال: (لا والله لا أدعك تمشي في شوارع مكة تحك عارضيك وتقول: خدعت محمداً مرتين؛ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، وأمر به فقتل.

هكذا فلنكن ...!

صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْوَانُ

عَسَى الأَيَّامُ أنْ يَرْجعْنَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا

لكنهم قوم لا ينفع فيهم جميل ولا معروف..

فلَمَّا صَرَّحَ الشَّر فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيانُ

وَلَمْ يَبَقَ سِوَى العُدْوَانِ دِنّاهُمْ كَمَا دَانُوا

مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدا وَالزِّقُّ مَلآنُ

إن زق الماء إذا كان ملآناً وطعن فإنه ينفجر بالماء، والمعنى: أننا أصبحنا ممتلئين وسننفجر، هذا هو معنى البيت:

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ ... غَدا وَالزِّقُّ مَلآنُ

والنبي عليه الصلاة والسلام لما رأى كعب بن الأشرف يطعن في عرضه ويشبب بنساء المؤمنين قال: (من لـكعب بن الأشرف ؛ فإنه آذى الله ورسوله؟)، والعلماء يقولون: إن التعقيب بالفاء يدل على أن علة القتل هي السب والأذى، فكان أول من قام هو محمد بن مسلمة وهو ابن أخيه، وقام الآخر وقال: وأنا، فكان أبو نائلة، أخوه من الرضاعة، فهم من أقربائه، وقال محمد بن مسلمة : (يا رسول الله! أتأذن أن نقول له شيئاً؟ أي: نخدعه.. نكذب عليه.. نجره.. قال: نعم.

فذهب محمد بن مسلمة إلى كعب وقال له: جئتُ أقترض منك وسقاً أو وسقين من شعير، فإن هذا الرجل قد أعنتنا وأتعبنا، وكل يوم يطلب منا الصدقة، فقال: كعب: وأيضاً، والله لتملنه. فقال: قد مشينا معه ولا نريد أن نفارقه حتى نرى عاقبة أمره، فقال: ارهنوني نساءكم!! أي: في وسق شعير يريد أن يأخذ امرأة الرجل، والمسألة كلها خداع، فقال: (نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟!) تأتي المرأة فترى هذا الجمال ولاتنظر إليك بعد ذلك؟ فقال: ارهنوني أبناءكم! قال: هذا عارٌ علينا، أن يسب أحدهم يوماً فيقال: رُهن بوسق من شعير، ولكن نرهنك اللأمة، وهو درع الحرب، وكان هذا ذكاء من محمد بن مسلمة، حتى إذا جاء بأدوات الحرب لا يشعر أنهم يريدون قتله، فجاء هو وأبو نائلة وعباد بن بشر وجماعة، وخططوا خطة، وقال محمد بن مسلمة : أنا سأمسك رأسه فإذا تمكنت من رأسه دونكم فاقتلوه، فجاءوا بالليل ونادى أبو نائلة أخوه من الرضاعة، وقال: يا كعب ! فسمعت امرأة كعب الصوت، فقالت: لـكعب : إني أسمع صوتاً يقطر منه الدم، إلى أين أنت ذاهب في هذه الساعة؟ قال: هذا رضيعي أبو نائلة وابن أخي محمد بن مسلمة وإن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب! ونزل يفوح عطراً، فلما دنا من محمد بن مسلمة قال له: ما رأيت كاليوم عطراً، ما هذا العطر؟ فتبسم كعب وقال: عندي أعطر العرب، وأجمل العرب، وكان ما زال عروساً، فقال محمد بن مسلمة : أتأذن لي أن أشم رأسك؟ فأعطاه رأسه، فلما أمسك رأسه واستمكن قال: دونكم عدو الله، فقتلوه).

وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع أهل السيرة على أنه كان مستأمناً معاهداً، فلما سب لم يكن له عهد ولا أمان.

في الماضي عندما كان هناك انتماء وولاء خالص للإسلام كان هناك أطفال في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، أمثال معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء ، لهم موقف شبيه بهذا الموقف، فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: (كنت أقف في الصف يوم بدر، فإذا بغلامين، جاءني أحدهما فقال: يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ قلت: وماذا تريد منه يا ابن أخي؟ قال: بلغني أنه يسب النبي صلى الله عليه وسلم، والله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: ثم جاء صبيٌ مثله فغمزني وقال مثلها، فعجبت! فلما رأيت أبا جهل يجول في الناس قلت: هذا صاحبكما! فتوجها إليه فضرباه جميعاً، وكلٌ يقول: أنا الذي قتلته! فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكلٌ يدعي أنه قتله، -شرف أن يقتل عدو الله ورسوله، هذا هو قصب السبق، وهذا هو الولاء والانتماء- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا. فلما نظر إلى السيفين قال: كلاكما قتله تطييباً لخاطرهما-).

إن هذه محنة، ومن المحن تأتي المنح، وقد قرأت خبراً عجيباً: قصة شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصادق المخبر في كتاب: (الصارم المسلول على شاتم الرسول) يقول: حدثني كثيرٌ من الثقات والعلماء الغزاة الذين كانوا يحاصرون بني الأصفر (الروم) أنهم كانوا يحاصرون المدينة شهراً وشهرين وأكثر، وأهل المدينة يتحصنون بالحصون وعندهم الأكل والشرب، قال: كنا نحاصرهم شهراً وشهرين وأربعة حتى كدنا أن نيأس في غزوهم، وإذا هم قد سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ففتحنا الحصن بعد يومين، فقال هؤلاء العلماء: كنا نتباشر بسب النبي صلى الله عليه وسلم مع امتلاء قلوبنا غيظاً من ذلك، يتباشرون أي: يستبشرون، فإذا سمعوا أهل الحصن يسبونه عرفوا أن الفتح قادم: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:61]، إن شانئه وسابه لا يموت بخير، وهو مهزوم، فكأنهم فعلوا ذلك بشارة، مثلما كانت بشرى لأسلافنا أنهم لم يستطيعوا فتح الحصن إلا بعد أن سبوه، فأسلمهم الله عز وجل لهم وفتحوا الحصن بعد يومين.

واتفق العلماء على أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل؛ مسلماً كان أو ذمياً؛ وذلك رعايةً لجناب النبي صلى الله عليه وسلم.

صرمة بن قيس شاعرٌ صحابي كان في الجاهلية على دين إبراهيم -أقول هذا لتعلموا الفرق- يذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الهجرة، فيقول:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكّر لو يلقى حبيباً مواسيا

ويعرض في أهل المواسم نفسه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا

فلما أتانا واستقرت به النوى وأصبح مسروراً بطيبة راضيا

بذلنا له الأموال من حل مالنا وأنفسنا عند الوغى والتآسيا

نعادي الذي عادي من الناس كلهم بحقٍ ولو كان الحبيب المصافيا

وفي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لشعراء المسلمين: (اهجوا قريشاً، فوالذي نفسي بيده لهو أسرع فيهم من النبل)، فأرسل إلى عبد الله بن رواحة وقال: (اهجهم، فهجا فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، فهجا فلم يرض، فأرسل إلى حسان بن ثابت ، فجاء حسان فدخل فقال: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه فأخرج لسانه من بين شفتيه وجعل يحركه- لأن الأسد إذا غضب ضرب جنبيه بذنبه- ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لأفرينهم فري الأديم) أي: لأمزقن أعراضهم كما يمزق الجلد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تفعل حتى تأتي أبا بكر فإنه أعلم بنسب قريش)، فذهب إلى أبي بكر فلخص له نسب النبي صلى الله عليه وسلم، فأنشأ حسان يقول لـأبي سفيان وأتباعه أيام كان كافراً:

هجوت محمداً فأجبتُ عنـه وعند الله في ذاك الجزاء

هجوت محمداً براً تقياً رسول الله شيمته الوفاء

أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء

يبارين الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء

فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لضراب يوم يعز الله فيه من يشاء

فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا الشعر (لقد شفى حسان واكتفى) أي: شفى صدور المؤمنين، واكتفى منهم بما فعلوه، هذا هو الأسد الضارب بذنبه.

إن المعاهد الذمي الذي له عهد وأمان ينتقض عهده وأمانه بالسب، والحربي ليس له أمان، فـكعب بن الأشرف كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه، ويهيج عليه القبائل، ويسبه، ويشبب بنساء المؤمنين، كما يفعل سلمان رشدي في هذه الأيام؛ فقد شبب بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، واتهمهن بالدعارة، فلما وجد اليهود أنه لا أحد ينتصر لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، صوروه على صورة خنزير، وكتبوا اسمه صراحة!! وهذه خطوة طبيعية ومتوقعة؛ لأنهم لم يجدوا من يحرك ساكناً لذلك.

ولو أن أحداً من الناس اتهمت امرأته بالدعارة لدخل في حرب مع القائل ولو كلفه ذلك حياته، ولن يلومه الناس ولن يتهمونه بالتهور، فمن قتل دون ماله وعرضه فهو شهيد، وهذا يدافع عن عرضه.

وهاهي أمنا: عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وجويرية ، وخديجة رمين في أعراضهن، فأين نخوتنا وشهامتنا؟!

لقد رأوا أمة ميتة لا تتحرك، ترمى في أغلى شيء لديها ولا تتحرك، فما المانع أن يصور اليهود النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة ويلصقونها على أبواب المحلات العربية من أجل أن يصبح المسلمون فيجدون هذه الصورة على أبواب المحلات؟!! لا رد فعل على الإطلاق؛ وكأنما هذا الرسول ليس له أحد في الدنيا!!!

وقد اتصل الرئيس الأمريكي بـسلمان رشدي ، وهو رجل لا قيمة له في دنيا الناس، فلماذا يتصل له الرئيس الأمريكي؟ لأنه سب النبي صلى الله عليه وسلم. نكاية في المسلمين، وتشجيعاً لمن على شاكلته. وعجباً لمن يدعي الإسلام ثم يكون هذا حاله!! وما هو إلا خلف لسلفه السابق أمثال: عمرو بن أبي عزة لما وقع في الأسر يوم بدر، ودخل على النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: أطلق سراحي فعندي أولاد ونساء وسأحفظ لك الجميل، فأطلق سراحه ومنّ عليه، فذهب إليه كفار قريش وقالوا له: أعنا عليهم بشعرك، فقال: إني عاهدتهم وأنا رجلٌ فقير ولي عيال. فقالوا له: عيالك عيالنا! لئن مت نضمن عيالك إلى عيالنا، فهجا النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك قبل وقعة أحد، فلما أمسكه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعف عني ولا أعود. فعفا عنه، فرجع فسبه وشبب بنساء المسلمين، فأمكنه الله منه، فقال له: اعف عني ولا أعود! قال: (لا والله لا أدعك تمشي في شوارع مكة تحك عارضيك وتقول: خدعت محمداً مرتين؛ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، وأمر به فقتل.

هكذا فلنكن ...!

صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْوَانُ

عَسَى الأَيَّامُ أنْ يَرْجعْنَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا

لكنهم قوم لا ينفع فيهم جميل ولا معروف..

فلَمَّا صَرَّحَ الشَّر فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيانُ

وَلَمْ يَبَقَ سِوَى العُدْوَانِ دِنّاهُمْ كَمَا دَانُوا

مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدا وَالزِّقُّ مَلآنُ

إن زق الماء إذا كان ملآناً وطعن فإنه ينفجر بالماء، والمعنى: أننا أصبحنا ممتلئين وسننفجر، هذا هو معنى البيت:

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ ... غَدا وَالزِّقُّ مَلآنُ

والنبي عليه الصلاة والسلام لما رأى كعب بن الأشرف يطعن في عرضه ويشبب بنساء المؤمنين قال: (من لـكعب بن الأشرف ؛ فإنه آذى الله ورسوله؟)، والعلماء يقولون: إن التعقيب بالفاء يدل على أن علة القتل هي السب والأذى، فكان أول من قام هو محمد بن مسلمة وهو ابن أخيه، وقام الآخر وقال: وأنا، فكان أبو نائلة، أخوه من الرضاعة، فهم من أقربائه، وقال محمد بن مسلمة : (يا رسول الله! أتأذن أن نقول له شيئاً؟ أي: نخدعه.. نكذب عليه.. نجره.. قال: نعم.

فذهب محمد بن مسلمة إلى كعب وقال له: جئتُ أقترض منك وسقاً أو وسقين من شعير، فإن هذا الرجل قد أعنتنا وأتعبنا، وكل يوم يطلب منا الصدقة، فقال: كعب: وأيضاً، والله لتملنه. فقال: قد مشينا معه ولا نريد أن نفارقه حتى نرى عاقبة أمره، فقال: ارهنوني نساءكم!! أي: في وسق شعير يريد أن يأخذ امرأة الرجل، والمسألة كلها خداع، فقال: (نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟!) تأتي المرأة فترى هذا الجمال ولاتنظر إليك بعد ذلك؟ فقال: ارهنوني أبناءكم! قال: هذا عارٌ علينا، أن يسب أحدهم يوماً فيقال: رُهن بوسق من شعير، ولكن نرهنك اللأمة، وهو درع الحرب، وكان هذا ذكاء من محمد بن مسلمة، حتى إذا جاء بأدوات الحرب لا يشعر أنهم يريدون قتله، فجاء هو وأبو نائلة وعباد بن بشر وجماعة، وخططوا خطة، وقال محمد بن مسلمة : أنا سأمسك رأسه فإذا تمكنت من رأسه دونكم فاقتلوه، فجاءوا بالليل ونادى أبو نائلة أخوه من الرضاعة، وقال: يا كعب ! فسمعت امرأة كعب الصوت، فقالت: لـكعب : إني أسمع صوتاً يقطر منه الدم، إلى أين أنت ذاهب في هذه الساعة؟ قال: هذا رضيعي أبو نائلة وابن أخي محمد بن مسلمة وإن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب! ونزل يفوح عطراً، فلما دنا من محمد بن مسلمة قال له: ما رأيت كاليوم عطراً، ما هذا العطر؟ فتبسم كعب وقال: عندي أعطر العرب، وأجمل العرب، وكان ما زال عروساً، فقال محمد بن مسلمة : أتأذن لي أن أشم رأسك؟ فأعطاه رأسه، فلما أمسك رأسه واستمكن قال: دونكم عدو الله، فقتلوه).

وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع أهل السيرة على أنه كان مستأمناً معاهداً، فلما سب لم يكن له عهد ولا أمان.


استمع المزيد من الشيخ أبو إسحاق الحويني - عنوان الحلقة اسٌتمع
أسئلة وأجوبة[1] 2879 استماع
التقرب بالنوافل 2827 استماع
حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده 2769 استماع
لماذا نتزوج 2706 استماع
انتبه أيها السالك 2697 استماع
سلي صيامك 2670 استماع
منزلة المحاسبه الدرس الاول 2656 استماع
إياكم والغلو 2632 استماع
تأملات فى سورة الدخان 2619 استماع
أمريكا التي رأيت 2602 استماع