خطب ومحاضرات
احذروا خطوات الشيطان [2]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًعبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قال الله عز وجل: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، فقد لخصت الآية عمل الشيطان ومراده، وأنه إنما يدعو الناس ليدخلوا النار، وهكذا كل من في قلبه غل إنما يتمنى أن يقع الناس في السوء، كما قال عز وجل: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً النساء:89].
فكل من في قلبه غل يتمنى النار للناس، ولقد رأينا هذا في الذين انتحلوا فكر الخوارج من أهل التكفير، لا تقر عينه إلا إذا حكم بالكفر على كل الناس، ومن ارتكب أدنى مخالفة فهو من أهل النار عنده، عنده غل، كلما غضب تمنى أن يهلك غيره، وهذا التصرف في الحب والبغض، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لـأسلم مولاه، قال: (يا أسلم لا يكن حبك كلفاً ولا يكن بغضك تلفاً، إذا أحببت كلفت كما يكلف الصبي، وإذا أبغضت تمنيت التلف لمن أبغضته).
فالشيطان يدعو الناس إلى النار، هذا هو مراده، مفردات شره التي وضعها في الأرض على مذهبه لا تدخل تحت الحصر، لكننا حصرناها في الجمعة الماضية في ستة أجناس من الشر، هي كالأعمدة والطرق، كل فرد من مفردات عمل الشيطان إنما تندرج تحت جنس من هذه الستة.
الجنس الأول من الشر: أن يدعو الناس إلى الكفر، فإن أنجى الله العبد من الكفر دعاه إلى البدعة، فإن نجا من البدعة ولزم طريق السنة أوقعه في الكبائر، فإن نجا من الكبيرة أوقعه في الصغيرة، فإن نجا من الصغيرة شغله بالمباح الذي لا ثواب فيه ولا عقاب عن الأهم، فإن نجا من هذه شغله بالمفضول عن الفاضل، وإن كان المفضول خيراً أيضاً.
لابد أن يضع أمامه عقبة من العقبات، فإذا كان الشر مستطيراً إلى هذا الحد، فكيف غفل الناس عن تتبع مذهب الشيطان، حتى يجتنبوه.
عرفت الشر لا للشـر ولكن لتوقيه
ومن لا يعرف الخيـر من الشر يقع فيه
وكان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول كما رواه البخاري في صحيحه : (كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني)، فقه الشر أن تكون عالماً بكل شَرَك ينصبه الشيطان لك، لكي لا يقع المرء فيه من حيث لا يدري، وقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21] فهو يجرك خطوة خطوة، لا يجرك عنوة، ولا يجرك صراحاً، إنما يجرك خطوة خطوة، حتى في عبادتك.
عثمان بن أبي العاص كما رواه مسلم في صحيحه قال: (يا رسول الله إن الشيطان أتاني ليلبس عليَّ صلاتي، فقال: ذاك شيطان اسمه خنزب، فإذا جاءك فانفث عن يسارك ثلاثاً، قال
لقد رأيت أناساً نحلت جسومهم، وصاروا جلداً على عظم من الوسواس القهري الذي يغزو قلوبهم وعقولهم على غير إرادة منهم، وهم يخافون أن يموتوا على الكفر.
يأتي الشيطان فيوسوس له في ذات الله وسواساً قهرياً لا حيلة له في دفعه، فينسب الله إلى كل نقيصة عنده، وهو خائف أن يعتقد قلبه هذا اللفظ في الله فيموت على الكفر، فيأتي وقد ضاعت حياته؛ إذا كان عاملاً لا يعمل، أو كان موظفاً لا يعمل، لا ينام، لا يأكل، لا يشرب.. وهو خائف أن يموت على الكفر، فإن كان الوسواس أدنى من ذلك، وسوس له في الطهارة، فربما توضأ عشرين مرة وثلاثين ومائة، وبعض الناس يظل يتوضأ من أذان الظهر حتى يدخل العصر، وبعضهم لا يستطيع أن يأتي بتكبيرة الإحرام أبداً؛ لأنه يوسوس له، يقول له: أنت ما نويت، وما جئت بالنية. لا يدعك على الإطلاق.
فإن كان الوسواس أدنى من ذلك قال له: لماذا تذهب إلى المسجد، ألا تقصد بعملك وجه الله؟ أجل. يعني: ذهابك إلى المسجد هذا فيه رياء، داخل المسجد وخارج من المسجد تريد أن تقول للناس أنك لا تترك الصلاة!!
فإن كان ضعيف العلم تأثر به، والوسواس أكثر فتكاً في العبَّاد، ولا يتمكن من العلماء أبداً، إنما يُهلك العبَّاد.
مثلاً: رجل عالم مقبل على ربه، خائف على ورعه وإخلاصه.. فجاء الشيطان وقال له: صلِّ في بيتك!! لا تصل في المسجد وراء إمام، فربما لا تدرك التسبيحات كما تريد وتقرأ كما تريد، بينما أنت في بيتك حر، تسبح عشرين تسبيحة أو مائة تسبيحة.. أنت إمامُ نفسك، وفي نفس الوقت أنت حريص على ورعك وتقواك ولا أحد يراك!! أول ما ينادي المؤذن فلتكن أول الخلق يصلي، بينما هم لا يزالون يصلون ركعتين بين الأذان والإقامة وينتظرون حتى تقام الصلاة، فأنت أول من بادر إلى ربه وصلى، وطوِّل في صلاتك.
هذه خطوة!
الخطوة الثانية: الأذان، لماذا أنت مستعجل؟! هي كلها خمس دقائق، توضأ على راحتك وإن تأخرت عشر دقائق.. ثم بعد ذلك ربع ساعة، ثم نصف ساعة.. ثم يجمع الصلاة إلى بعضها، ثم يترك الصلاة.
الشيطان نَفسه طويل، لو كان عندنا من الجد في العمل جد الشياطين لكنا من أولياء الله، سئل الحسن البصري : أينام إبليس؟ قال: (لو نام لوجدنا راحة)، إنه لا ينام على الإطلاق، يعمل الليل والنهار، وكل يوم له خطة، ومذهبه واسع جداً، مفرداته -كما قلت- لا حصر لها.
الذي فرط في معرفة مذهب الشيطان ووقع في حبائله، ينبغي أن يبكي على نفسه طويلاً، وأن يكون كما قال الشاعر:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بهـا أرأيت عيناً للبكاء تعار
العالم الذي لا يجد الوقت إذا مر على أصحاب المقاهي -وهم يلعبون- قال في نفسه: لو كان الوقت يباع لاشتريت أوقات هؤلاء المخبولين، الذين ضيعوا أعمارهم، فهكذا.. لو كانت عيون الناس تعار ليبكي المرء بها على ما قصر وفرط في معرفة مذهب الشيطان؛ لاشترى المرء عيناً يبكي بها.
والشيطان يريد أن يوقعك في شر الأمرين، ولذلك نحن ذكرنا أجناس الشر على حسب خطورتها: الشرك، البدعة، الكبيرة، الصغيرة، المباح، المفضول، ستة أجناس، آخرها أهونها، وأولها أعظمها.
فهو لا يرضى عن كفرك بديلاً، هذا مراده الأول والأصلي، فإذا عجز عن إيقاعك في الكفر أوقعك في أي جنس، والله تبارك وتعالى لما خلق الناس خلقهم جميعاً على التوحيد، كما رواه مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه قال: (خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطبة، فكان مما قال فيها: ألا إن الله أمرني أن أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون -أو ما جهلتم- كل مال نحلته عبداً فهو حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، فحرموا عليهم ما أحللته لهم، وأمروهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإني أنزلت إليك كتاباً لا يغسله الماء، فاقرأه نائماً ويقظاناً، وإن الله أمرني أن أحرِّق قريشاً قلت: ربي! إذاً: يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة، قال: استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وأرسل جيشاً نرسل معه خمساً).
وفي هذا الحديث: أن الله تبارك وتعالى قال إنه خلق الناس على الإسلام جميعاً: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه)، فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30].
فأول مأمور به: التوحيد، وهو الذي ينجيك من الخطر الأول -الشَرَك الأول- الذي ينصبه الشيطان لك، التوحيد الذي أهملته كثير من الجماعات الإسلامية التي تدعو الناس إلى الله؛ لكن ليس على طريق الرسل، التوحيد نوعان: توحيد في الإثبات والمعرفة، وتوحيد في القصد والطلب.
أنا لا أتصور أن تطلب من لا تَعرف، إذاً: لابد أن تعرف حتى تطلب، فأول نوعي التوحيد: توحيد الإثبات والمعرفة، وهذا متضمن لذات الله تبارك وتعالى وأسمائه وصفاته، وأنت إذا قرأت خواتيم سورة الحشر رأيت الأسماء الحسنى كأنها منظومة لؤلؤ، تهز القلب هزاً: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:22-24]، وكذلك إذا تأملت كثيراً من الآيات تجدها مختومة بصفات لله تبارك وتعالى.
وهذا التوحيد (توحيد الإثبات والمعرفة) هو المذكور في قوله تبارك تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172]، هذا هو توحيد الإثبات والمعرفة، عرفناه وأثبتنا له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأثبتنا له الكمال المطلق.
النوع الثاني من التوحيد: هو توحيد الألوهية، توحيد العبادة أنك تقصده ولا تقصد أحداً غيره: وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل:51] .. وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، وقال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45] .. وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] والقرآن مليء بهذا الجنس.
وسورة (الكافرون) في توحيد الطلب والقصد، إذاً: تعرف ربك أولاً حتى تحبه، وتمثل قول القائل:
أنت القتيل بكل مـن أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
أي: اختر أي قتلة تُقتلها، وإنما يختار المرء على قدر نبله وشرفه وتوحيد قصده.
أحببت ربك تقتل فيه، أحببت نبيك تقتل فيه، أحببت المال.. أحببت النساء.. أحببت الجاه.. تقتل فيه.
أهمية توحيد الإثبات والمعرفة بالنسبة لتوحيد القصد
ما عمل الطب النفسي على وجه الأرض؟ عمل الطبيب النفسي أن يطمئن قلب المريض، ويعيد الثقة إليه، ويبين له أنه إنسان يحظى باحترام الآخرين وتقديرهم، فعمل الطب النفسي كله لأجل طمأنة القلب من ناحية المستقبل، فالطب النفسي كله وقف على عتبة آية من كتاب الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
ونحن نعلم أن المحب مولع بذكر من يحب، ولذلك شرع النبي صلى الله عليه وسلم لنا أذكار الصباح والمساء وغيرها من الأذكار الموفقة؛ حتى تكون ذاكراً لربك في كل وقت، فما بال الناس لا يذكرون الله في الصباح ولا المساء، ولا يسبحونه وهم يتفكرون في مظاهر الكون؟! ولا يحبونه. ولو أحبوه لشغفوا بذكره رغماً عنهم.
أحياناً الإنسان وهو نائم يهتف باسم من يحب، وإذا ابتلي بحب إنسان يراه كثيراً في المنام، واسألوا المحبين، يتمثل له المحب في اليقظة، ومن شدة ولعه يصطحبه في المنام أيضاً، والشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشيطان ذئب الإنسان)، لا يترك المرء لا في اليقظة ولا في المنام، فيجيئه في المنام بالكوابيس، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (الرؤى ثلاثة) قسم منها تهاويل الشيطان، وحتى تردع هذا الشيطان الذي جاءك في المنام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أحدكم يتحدث بتلاعب الشيطان به).
شخص يقوم من النوم فيقول لك: يا أخي! البارحة طوال الليل أرى في منامي أني أطير والعفاريت تطير ورائي، إذ نزلت تنزل ورائي، وإذا طلعت تطلع ورائي، وأحياناً يرى نفسه يتردى من قمة جبل، فيستيقظ من منامه فجأة فيجد نفسه على السرير، فيقول: الحمد لله، ما زلت أعيش، أو أن هذا الذي أراه ليس حقيقة.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لِمَ يتحدث أحدكم بتلاعب الشيطان به؟)، عندما يتحدث الإنسان بهذه الرؤى ينتفخ الشيطان ويقول: بقوتي صرعته، أما إذا تفل على يساره ثلاثاً فإن الرؤى لا تضره، والشيطان يتصاغر ويتصاغر حتى يكون كالذباب والذر من الحقارة، فهذا الشيطان لا يدعك حتى في المنام؛ لأنك أنت فريسته وغاية مطلوبه.
والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا الذكر؛ لأنه أولاً يشفي غليل القلب ويريح أعصابه، هذه فائدة الذكر الأولى.
الفائدة الثانية: أنه يحصنك من الشيطان، كما رواه الترمذي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحارث الأشعري الذي أوله: (إن الله تبارك وتعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات، وأمره أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن..) الكلمة الخامسة في هذا الحديث، (قال يحيى عليه السلام: وآمركم بذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فاحترز في حصن حصين، وإن العبد يحرز نفسه من الشيطان بذكر الله).
يعني هذه فائدة الذكر، حتى شرع الله لنا أن نذكره في أشد المواقف وهو لقاء العدو: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45]، أول ما تذكر أنك مع الملك وفي معية الملك يستمد قلبك قوة، وفي حديث عياض بن حمار الذي ذكرناه آنفاً، قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (وأرسل جيشاً نرسل معك خمسة) يعني من الملائكة.
حكم الجهل بالتوحيد
نحن معاشر أهل السنة وإن كنا نَعذر بالجهل في أصول التوحيد أي: نقول لا يكفر؛ لكننا لا نرفع المؤاخذة عن الجاهل، إذا كان بإمكانه أن يرفع جهله، لماذا عرف أعقد من ذلك وترك معرفة الله وهي أسهل وأيسر؟! قال الله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] فمن أراد الوصول إلى الله وصل، لكن لا يصل إليه ويوحده إلا إذا عرفه وأحبه.
القرآن كله قائم على التوحيد وجزاؤه وواجباته، والشرك وجزاء أهله، فمن أول الفاتحة إلى الناس لا تخرج عن هذا الموضوع على الإطلاق: التوحيد وحقوقه وجزاء أهله، وحقوق التوحيد من الأمر والنهي.
فكل الأوامر والنواهي من حقوق التوحيد بمقتضى أنك رضيت بالله رباً، أي: تسمع وتطيع فيما أمرت به، وتنتهي عما نهيت عنه: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ [يوسف:40] أي: لا يحكم فيك إلا الله.
وذكر جزاء الموحدين مسألة ضرورية، حتى يحفز العاملين إلى العمل، فنصب الجزاء سنة قررها القرآن وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، وهو يتكلم عن الجنة، تكلم كثيراً عن جزاء المطيعين لربهم تبارك وتعالى، وفصل هذا الجزاء وفصل نعيم الجنان، وكلما زاد التفصيل زاد التصور؛ لدرجة أنه فصل مرة بعض نعيم الجنان، فسأله رجل: (يا رسول الله! ثيابنا في الجنة أننسجها بأيدينا أم تفتق عنها ثمار الجنة؟ فضحك الناس، فقال: مم تضحكون، من جاهل يسأل عالماً؟ نعم يا أعرابي! تفتق عنها ثمار الجنة).
ويسأله في أدق التفاصيل، فيقول: أنت في عليين، في المقام العالي، ونحن دونك، فهل نراك؟ يسأله في مثل هذه الدقائق، وما أغراه في هذا إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم فصَّل، وهذا كله دافع للعمل.
فأول ما ينبغي عليك أن تعلمه حتى تنجو من الشَرَك الأول الذي ينصبه الشيطان: أن توحد ربك، توحيد الإثبات والمعرفة، تحبه أولاً، فإذا أحببته جاء توحيد الطلب والقصد تلقائياً، لا تشعر بكلفة الأوامر ولا النواهي على الإطلاق.
فائدة ضرب المثل للكفر والكافرين
وبضدها تتميز الأشياء
فقال تبارك وتعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] فأنت أيها الرجل تأمل هذا المثل: لو لم يكن في التمثيل من الكفر إلا هذا المثال لكان كافياً أن تترفع عن أن تقترب من أهله: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً [البقرة:171] تعرف الراعي الذي ينعق -يعني: يرفع صوته إلى آخر حد- ينادي الأنعام: البهائم والبقر والخرفان. الحيوانات سمعت؛ لكن هل عقلت؟ لا. والكافر هكذا: يسمع لكن لا يعقل، وهذا السمع الذي حُرمه الكافر هو سمع القلب، لا سمع الجارحة، فكلٌ يسمع، قال الله عز وجل في بيان جزاء هؤلاء: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ [الأنفال:23] مع أن الكافرين قالوا: قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأنفال:31] فقولهم: (قَدْ سَمِعْنَا) فهل سمعوا فعلاً؟ الله عز وجل قال: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ [الأنفال:23] إذاً: سمعت الأذن ولم يسمع القلب.
فالسمع المفيد لصاحبه هو سمع القلب، فهذه الحيوانات كما أنها لا تعقل ما يقال لها وإن كانت تسمع صوتاً، فالكافرون كذلك، يسمعون آيات الله تتلى عليهم فيلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً [البقرة:26]، مع أن الأمثال -كما يقول العلماء- من باب المبين، يعني: لا يوجد أوضح من هذا، إذا طلبت توضيح الواضح.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
أنا أفهم أنه قد يلتبس عليك المجمل مثل: أقيموا الصلاة، آتوا الزكاة، صوموا رمضان، فأنت لا تفهم -من هذا وحده- كيف تقيم الصلاة ولا كيف تصوم ولا كيف تزكي؛ لأنه كلام مجمل يحتاج إلى تفصيل، لكن إذا فصلنا فهل تأتي -أيضاً- وتسأل في المفصل؟! فالمثال الآنف الذكر من باب المبين.
وفيه يضرب الله عز وجل المثل بشيء واقعي ملموس أنت تعرفه لفكرة يجب اعتقادها.
فالكافر الذي ختم الله عز وجل على قلبه يسمع المثل الواضح فيستغرب ويسأل ويقول: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً [البقرة:26] ماذا يريد أن يقول بالضبط؟ إذ ثبت عليه البيان، هذا من الضلال البعيد كما قال الله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [إبراهيم:18]، فتخيل الصورة! ذرات رماد لا تكاد ترى إلا لمدقق، فتصور هذا الرماد في يوم عاصف شديد الريح، هل تستطيع أن تجمع ذرة إلى ذرة، هذا إشارة إلى بعثرة أعمالهم، فلا ينتفعون بذرة منها، ولذلك ختم الآية وقال: ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [إبراهيم:18]، وفي هذا المعنى يقول القائل الذي نعى حظه في الدنيا.
إن حـظي كرماد فـوق شـوكٍ نثروه ثـم قـالوا لـحفاة يوم ريح اجمعوه
عسر الأمر عليهم، فقال بعض اتركوه إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه
فضرب ربنا عز وجل المثل في إهدار أعمال الذين كفروا بمثل هذه الصورة.
قصة برطيطا العابد
خلاصة القصة: أن رجلاً من بني إسرائيل كان يسمى برطيطا عَبَدَ الله في صومعة سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين، وكان إبليس الكبير يرسل لكل مؤمن شيطاناً على قدره، فإذا كان المؤمن كبير القلب لا يرسل إليه شيطاناً صغيراً، بل يرسل شيطاناً مدرباً عنده خطط كبرى، فإبليس نفسه له جولات مع برطيطا ولكن عجز، فجمع المردة يوماً فقال لهم: لقد أعياني أمر هذا الرجل، ألا يكفيني واحد منكم أمره؟ فقام الأبيض وهو شيطان مارد والأبيض اسمه، وهو الذي يتعرض للأنبياء، وهو أخطرهم، قال: أنا له. قال: انطلق! فانطلق ليدعو الغلام، وحلق رأسه على هيئة الرهبان، وجاء صومعة برطيطا ونادى عليه فلم يجبه، كان برطيطا بدأ يتعبد يدخل في الصلاة عشرة أيام كاملة، لا ينتهي إلا بعد عشرة أيام، ويصوم فلا يأكل إلا بعد عشرة أيام، فالأبيض هذا جاءه وهو في أول العشرة أيام فتركه عشرة أيام في أسفل الصومعة لا يجيبه، فلما وجد الأبيض أن برطيطا لا يجيبه قام هو أيضاً فكبر وصلى، فلما انتهى برطيطا من الصلاة نظر من الصومعة فوجد رجلاً على هيئة حسنة وعلى وجهه خشوع وخضوع وإخبات، فندم على أنه لم يجبه، فأجابه: ماذا تريد؟ قال: أن ترفعني إلى منزلتك فأخدمك وأعبد الله معك، قال: إني عنك مشغول، وكبر ودخل في الصلاة، وتركه عشرة أيام أخرى في أسفل الصومعة، فبعد أن انتهى من الصلاة نظر من الصومعة إليه فوجده في غاية الجد والإخبات في العبادة، فقال له: ماذا تريد؟ قال: ارفعني معك أخدمك وأعبد الله معك، قال له: اطلع. فطلع، فصارا في اجتماع.
برطيطا آخر جهده عشرة أيام، وإذا بالأبيض يصلي أربعين يوماً كاملة، فنظر برطيطا إلى عبادته واستقلها، قال: هذا تقصير مني! أنا فعلاً مخطئ لأني لم أجبه.
ثم بدأا يعبدان الله جميعاً، فقال له الأبيض: علمني! فقال له: لا. أنت الأستاذ! أنت تعبد ربنا أربعين يوماً مرة واحدة، قال له: أنا سأعلمك ذلك، سأعلمك اسم الله الأعظم الذي إذا دعوت به أُجبت، قال له: ما هو؟ فقال: الاسم كذا، ثم نزل الأبيض يمشي في الأسواق، فذهب إلى رجل وصرعه، فأهله يبحثون عن طبيب، فعمل نفسه طبيباً وذهب، قال: ما حكاية هذا الولد؟ قالوا: مصروع، فأخذ يقلبه، فقال: هذا الرجل مصاب بعلة قوية، ليس له دواء إلا عند برطيطا ، اذهبوا إليه، فذهبوا إلى برطيطا ، وهو متلبس بهذا الولد معه، فأول ما قرأ كلمتين أو ثلاثاً برئ وفاق الرجل، بعد أن رقاه برطيطا بالاسم الأعظم بزعمه.
نزل الأبيض من صومعة برطيطا وذهب إلى إبليس وقال له: والله! لقد أهلكت الرجل! أي رجل يطيع الشيطان في أقل شيء طمَّع الشيطان فيه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6] لا يأتيك خير من قبله على الإطلاق.
بعد ذلك بدأ الأبيض يعمل في الناس مثلاً يصرع هذا ويصيب هذا بعلة، وكثر المرض في الناس جداً، وصار المنحوسون يتدافعون إليه ليشفيهم كما زعموا، فذهب الأبيض إلى فتاة من بنات الملوك وصرعها -عمها ملك وأخوتها ملوك- خنقها وجاء في زي طبيب، وقال لهم: لا يوجد حل غير برطيطا ، فذهبوا إليه فأبى، قالوا: سنبني لها صومعة بجانبك وتعاهدها، فبينما هو يلتفت ذات يوم إذ رآها سافرة فوقع حبها في قلبه، فبدأ الشيطان يسول له، ما عليك إذا اقتربت منها وإذا فعلت وفعلت ثم تتوب، ما علموا أنك أذنبت ذنباً، وما على المرء إذا أذنب ذنباً واحداً وسعى وراء رحمة رب العالمين؟
فظل به حتى واقعها، فلما حملت قال له: قد فضحت نفسك وفضحت أشباهك!! فكل عابد سيشكون فيه.
وهذه الخطة إبليسية، حيث ينصبون لك رجلاً شبهك، وبعد فترة تكتشف أن هذا جاسوس كان يسعى للتفرقة بين الناس، والإيقاع بالدعاة.
الشيخ عبد الحميد رحمه الله سمعته مرة يقول: إن نسيت فلن أنسى رجلاً خدمني، وقرأ لي ثلاث سنين حتى اعتبرته ولداً من أولادي، وإذا بي أجده يدق بابي ذات يوم في الفجر، وجاء بالجند يقبض عليَّ.
فقال الشيطان للراهب برطيطا: فضحت نفسك وفضحت أشباهك، لأن الناس كلما رأوا عابداً سيقولون: وما أدرانا لعله يكون مثل برطيطا ! لم يكن هناك أحسن من برطيطا، إذاً: ما الحل؟ فبعد أن اتضحت المسألة وعلم أنهم قاتلوه، جاءه وقال: هل تعرفني؟ قال له: لا. قال: أنا صاحبك، وقد -والله- أحيط بك، المطلوب منك حتى أنجدك أن تسجد لي سجدة واحدة وأنجيك، فلما سجد قال: والله يا برطيطا هذا الذي طلبته منك!
منذ خمس عشرة سنة وهو يتدرج به ليصل إلى هذه السجدة.
إذاً: ما هي آخر خطوات الشيطان؟ ما هو الذي يريده الشيطان بهذه الخطوات التي لا تبدو خطيرة؛ لكن إذا جمعت بعضها إلى بعض صارت جبلاً؟
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
قال: والله يا برطيطا هذا الذي أردته منك! لكن لو جاءه أول مرة وقال: اسجد للشيطان لأبى عليه، ولكن تدرج به حتى إذا سجد قال: هذا الذي أردته منك، فأنزل الله عز وجل الآية على مقتضى هذه الحادثة..
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
فهذا التوحيد (توحيد الإثبات والمعرفة) ضروري لتوحيد القصد والإرادة، كلما عرفته أحببته، واعلم أنه لا يغيثك إلا هو، وليس لك منجى ولا ملجأ منه إلا هو أيضاً، فكلما عرفته اطمأن قلبك؛ لأن كل شر نفسي على وجه الأرض سببه اضطراب القلب وخوفه.
ما عمل الطب النفسي على وجه الأرض؟ عمل الطبيب النفسي أن يطمئن قلب المريض، ويعيد الثقة إليه، ويبين له أنه إنسان يحظى باحترام الآخرين وتقديرهم، فعمل الطب النفسي كله لأجل طمأنة القلب من ناحية المستقبل، فالطب النفسي كله وقف على عتبة آية من كتاب الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
ونحن نعلم أن المحب مولع بذكر من يحب، ولذلك شرع النبي صلى الله عليه وسلم لنا أذكار الصباح والمساء وغيرها من الأذكار الموفقة؛ حتى تكون ذاكراً لربك في كل وقت، فما بال الناس لا يذكرون الله في الصباح ولا المساء، ولا يسبحونه وهم يتفكرون في مظاهر الكون؟! ولا يحبونه. ولو أحبوه لشغفوا بذكره رغماً عنهم.
أحياناً الإنسان وهو نائم يهتف باسم من يحب، وإذا ابتلي بحب إنسان يراه كثيراً في المنام، واسألوا المحبين، يتمثل له المحب في اليقظة، ومن شدة ولعه يصطحبه في المنام أيضاً، والشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشيطان ذئب الإنسان)، لا يترك المرء لا في اليقظة ولا في المنام، فيجيئه في المنام بالكوابيس، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (الرؤى ثلاثة) قسم منها تهاويل الشيطان، وحتى تردع هذا الشيطان الذي جاءك في المنام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أحدكم يتحدث بتلاعب الشيطان به).
شخص يقوم من النوم فيقول لك: يا أخي! البارحة طوال الليل أرى في منامي أني أطير والعفاريت تطير ورائي، إذ نزلت تنزل ورائي، وإذا طلعت تطلع ورائي، وأحياناً يرى نفسه يتردى من قمة جبل، فيستيقظ من منامه فجأة فيجد نفسه على السرير، فيقول: الحمد لله، ما زلت أعيش، أو أن هذا الذي أراه ليس حقيقة.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لِمَ يتحدث أحدكم بتلاعب الشيطان به؟)، عندما يتحدث الإنسان بهذه الرؤى ينتفخ الشيطان ويقول: بقوتي صرعته، أما إذا تفل على يساره ثلاثاً فإن الرؤى لا تضره، والشيطان يتصاغر ويتصاغر حتى يكون كالذباب والذر من الحقارة، فهذا الشيطان لا يدعك حتى في المنام؛ لأنك أنت فريسته وغاية مطلوبه.
والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا الذكر؛ لأنه أولاً يشفي غليل القلب ويريح أعصابه، هذه فائدة الذكر الأولى.
الفائدة الثانية: أنه يحصنك من الشيطان، كما رواه الترمذي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحارث الأشعري الذي أوله: (إن الله تبارك وتعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات، وأمره أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن..) الكلمة الخامسة في هذا الحديث، (قال يحيى عليه السلام: وآمركم بذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فاحترز في حصن حصين، وإن العبد يحرز نفسه من الشيطان بذكر الله).
يعني هذه فائدة الذكر، حتى شرع الله لنا أن نذكره في أشد المواقف وهو لقاء العدو: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45]، أول ما تذكر أنك مع الملك وفي معية الملك يستمد قلبك قوة، وفي حديث عياض بن حمار الذي ذكرناه آنفاً، قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (وأرسل جيشاً نرسل معك خمسة) يعني من الملائكة.
استمع المزيد من الشيخ أبو إسحاق الحويني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أسئلة وأجوبة[1] | 2879 استماع |
التقرب بالنوافل | 2827 استماع |
حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده | 2769 استماع |
لماذا نتزوج | 2706 استماع |
انتبه أيها السالك | 2697 استماع |
سلي صيامك | 2670 استماع |
منزلة المحاسبه الدرس الاول | 2656 استماع |
إياكم والغلو | 2632 استماع |
تأملات فى سورة الدخان | 2619 استماع |
أمريكا التي رأيت | 2602 استماع |