أين العلماء الربانيون


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد:

فقد اخترت عنوان هذه المحاضرة هذا السؤال: أين ذهب العلماء الربانيون؟ وكيف السبيل إلى وجدانهم؟

ذلك أن العالم الرباني وحده هو الوقود الحقيقي لحركة هذه الأمة، والذي يتطلع إلى سير السالفين ويدمن الاطلاع عليها يرى عشرات المئات بل الألوف من هذه النماذج المشرفة، التي نفتقر عشرة منها أو نفتقر خمسة منها في عالمنا الإسلامي الكبير المنتشر الأرجاء، ولست مبالغاً إذا قلت: إن الرجل إذا أدمن الاطلاع على سير السالفين شعر بغربة عميقة جداً، بين هذا الواقع السلبي الذي يعيشه المسلمون الآن، وبين ماضيهم المشرق جد الإشراق، على حد قول شوقي فيما قال:

بأيمانهم نوران ذكر وسنـة فما بالهم في حالك الظلمات

هنالك نوران: بيدك قرآن وسنة، ومع ذلك كلما وجدت حفرةً سقطت فيها! لا يجدي هذا النور العظيم مع رجل لا يرى!

إن مشكلة هذه الأمة: عدم وجود العلماء الربانيين الذين يأخذون بنواصي أفرادها إلى الخير، ولو أن كل مسلم أمعن النظر في هذه المصيبة التي ابتلي المسلمون بها الآن أقل ما يمكن أن يفعله أن يريق الدموع، أما الأسى والحزن فهذا محله القلب، وإلا فهذه الرءوس الكثيرة جداً في عالم المسلمين اليوم الجاهلة، التي تأخذ بنواصيهم إلى كل شر، ولا أدري بأي قرآن أو بأي سنة أو فهم لأصول المسلمين ينظر هؤلاء إلى النصوص الشرعية!

أنا عجبت أشد العجب -ولعلكم عجبتم لأن هذا أمراً كان مشهوراً في الجرائد الرسمية- من هذا الفاصل الهزلي الرديء الذي نشرته (صحيفة الأهرام) في شهر مارس الماضي عن النقاب.

وهذا الصحفي -أحمد بهاء الدين- تاريخه معروف لدينا جميعاً، لم يعجبه حكم المحكمة الإدارية أن الطالبات لهن الحق في ارتداء النقاب؛ لأن هذا من الحرية الشخصية، فوقف على كلام رجل يوزع جهله يمنةً ويسرة، فلخص منه كلاماً يدل على أن هذا الرجل لم يعرف أين باب الإسلام.

أبجدياته الإسلام يجهلها هذا الرجل الذي صنف كتاب (حجاب ونقاب في نظر الدين) وانتهى بحثه الراقي العلمي الدقيق إلى أن النقاب لا يوجد له أثر لا في القرآن ولا في صحيح السنة وأنه إنما دخل مصر مع المماليك.

وأنا لا يعنيني هؤلاء، ولست أقف عندهم طويلاً، إنما أقف على فتوى الدكتور عبد الغني الراجحي الذي دبج اسمه بقوله: العميد الأسبق لكلية أصول الدين، وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر.

لقد بعث ثلاث رسائل إلى هذا الرجل أحمد بهاء الدين يقول له: قرأت -وأنا أروي بالمعنى- بشغف مقالاتكم الرائعة عن نظر الإسلام في النقاب، وما أوردتموه من قول العلماء الثقات.

أين هم العلماء الثقات؟! الفنجري ؟! هذا الهنجري رجل واحد فكيف صار هو العلماء؟! وصار من الثقات؟!

ثم قال: وقد أحسنتم الاستدلال..! يقول عنه هذا القول مع أنه لم يأت بشيء، هل تتصورون أن النافي أتى بدليل؟ كلما سألته يقول: لا أدري، لا أدري، لا أدري، الذي يثبت شيئاً لابد أن يأتي عليه بالدليل، أما النافي فكما يقول بعض علماء الأصول: لا دليل على النافي خلافاً لـابن حزم .

المهم أن هذا الرجل يقول: لم يثبت، لم يصح، لم يأت، لم.. لم. فأين قول الراجحي عنه : لقد أحسنتم الاستدلال؟

هذا يذكرني بقصة شاب محام أراد أن يجتهد فتبنى قضية رجل ضليع في إجرامه، التهمة عليه (100%) فوقف في ساحة المحكمة قال: يا سيادة القاضي! إن موكلي بريء، والدليل على أنه بريء: أولاً .. أما ثانياً: فهذا يدلنا إلى الدليل الدامغ لبراءة المتهم، وهذا ما سأشرحه في ثالثاً. سيدي القاضي! بعد الذي ذكرته من الأدلة الملزمة أطالب ببراءة موكلي.

أين هذا الذي ذكره هذا المحامي الناشئ في الدفاع عن هذا الرجل الضليع في إجرامه..؟!

هذا العميد الأسبق لكلية أصول الدين يصل في نهاية البحث إلى أن النقاب نحكم عليه بالحرمة وأنه بدعة، وأنا استغرب جداً أن يجهل رجلٌ هذه الأبجديات المبثوثة في جميع دواوين المسلمين!!

فيأتي هذا الرجل فيتكئ عليه كثير من الآباء لإرغام بناتهم لخلع النقاب ويقولون: هذا هو العميد الأسبق لكلية أصول الدين، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر! يقول: لم يصح .. لم يوجد .. بل أنا أفتي بأنه بدعة محرمة في ظل الظروف السياسية الموجودة..!

العالم الرباني: العز بن عبد السلام

يا أيها المسلمون! أين العالم الرباني؟ أين فيكم مثل العز بن عبد السلام هذا العالم القوي الشكيمة؟

لما جاء الملك أيوب -وكان ملكاً على مصر- في احتفال رسمي للدولة، وهو قاعد على الكرسي شامخاً، وحوله الناس يقبلون الأرض، ودخل العز فصرخ وقال: يا أيوب ! تذكر إذا قال الله عز وجل لك: ألم أملكك الأرض ثم تبيح شرب الخمر في الحانة الفلانية، وتترك الدار الفلانية للدعارة والزنا؟! فغضب الذين حول الملك أيوب كيف يناديه بـأيوب ولا يقول له: يا أمير المؤمنين! أو يا أيها الأمير! أو يناديه بالكنية؟

فقال أيوب : وأين ذاك يا سيدي -يقول للعز

قال: في الحانة الفلانية والحانة الفلانية.

قال: يا سيدي! هذا أنا لم أفعله، إنما هذا كان من زمان أبي.

قال: أنت من الذين يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]؟

فأمر أيوب بإبطال هذه الحانات وما فيها من المنكرات.

قال له أبو الحسن البادي -وقد انتشرت الواقعة في الديار المصرية-: ألم تهب الرجل؟! قال: يا بني! إني استحضرت هيبة الله عز وجل فرأيت السلطان قدامي كالقط.

كيف يمكن أن يستحضر بهذه السرعة إلا إن كان هذا الرجل مدرباً على استحضار النية الصالحة من كثرة إدمانها، والعز بن عبد السلام هذا مثل قريب، ولو ضربت الأمثلة في القرون الفاضلة لرأيتم العجب.

العالم الرباني: محمد شاكر

بل أنا لا أذهب بكم بعيداً وأسوق لكم حكاية حكاها لنا الشيخ العلامة، آخر أعيان المحدثين في الديار المصرية، وشيخ الأشبال أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى وطيب ثراه، يقول وهو يخاطب أحد الأدباء الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكلمتين نابيتين، ولعلكم قرأتم القصة في (كلمة الحق) كتاب صدر لشيخ أحمد شاكر رحمه الله.

يقول: إن السلطان فؤاد كان يصلي الجمعة في العابدين، فاستحضروا الشيخ محمد المهدي خطيب مسجد عبدان؛ لأنه كان خطيباً مفوهاً، وكان السلطان يحب أن يصلي وراءه دائماً، دعته الأوقاف ونقلته إلى مسجد آخر حتى يخطب الجمعة، وصادف في هذه الفترة أن طه حسين عميد الأدب العربي، أتى بالدكتوراه في اللغة العربية من فرنسا، فشل في أن يأخذها في بلاد العرب فأخذها في بلاد الأعاجم.

فأراد الخطيب محمد المهدي أن يثني على الملك فؤاد بمناسبة أنه قادم يصلي الجمعة، فقال يمتدح الملك فؤاد : ما عبس وما تولى لما جاءه الأعمى.

الأعمى: هو طه حسين ، ما عبس فيه ولا تولى، بل هش له وبش، وأرسله إلى فرنسا يحضر الدكتوراه.

وبعد أن صلوا الجمعة قام الشيخ محمد شاكر والد الشيخ أحمد شاكر -وكان وكيل الجامع الأزهر- وقف وقال: أيها الناس! صلاتكم باطلة والخطيب كافر، فأعيدوا الصلاة؛ حدث هرج ومرج والسلطان واقف، وهو يقول: أيها الناس! صلاتكم باطلة وخطيبكم كافر. وبعد ذلك إمام مسجد عابدين رفع إلى السلطان الفتوى يأمره بصلاة الظهر، وكان هذا الرجل -محمد المهدي - له ظهر وله مستشارون، فأقنعوه أن يرفع شكوى ضد الشيخ محمد شاكر .

الشيخ محمد شاكر أفتى بهذا لأن في قول الخطيب تعريض بمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي: أن الملك فؤاد صنع أفضل مما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لما جاء ابن أم مكتوم عبس وتولى، ولما جاء طه حسين إلى الملك فؤاد ما عبس ولا تولى، قال: هذا تعريض في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز وإن كان الخطيب يعتقد ذلك فهو كافر.

وأرسل الشيخ محمد شاكر إلى مستشرقين أجانب ممن لهم خبرة بدلالات الألفاظ على المعاني، وأراد أن يستقدمهم ليقول لهم: هل استخدام الخطيب لهذه العبارة فيها تعريض بالمقام النبوي أم لا؟ ولم يرجع لشيخ من شيوخ الأزهر حتى لا يقال: انحازوا له.

فلما علم أن القضية في النهاية ستحدث فتنة وخسراناً فيها محمد المهدي وقد أذله الله، قال الشيخ أحمد شاكر : وأقسم بالله لقد رأيت هذا بعينيّ، طال الزمان بالرجل محمد المهدي -والذي كان من أشهر خطباء مصر، حتى إن الملك فؤاد كان يحرص على الصلاة عنده- فلقد رأيته خانعاً ذليلاً فراشاً لأحد المساجد يتلقى نعال المصلين، فتواريت عنه وهو يعرفني وأنا أعرفه؛ حتى لا يراني، فلست مشفقاً عليه فلم يكن يوماً موضعاً للشفقة.

الشيخ محمد شاكر رحمه الله لا يعرفه كثير من جيلنا؛ والسبب في هذا: انقراض علم التراجم، لم يعد هناك أناس يعتنون بتراجم العلماء العاملين كما اعتنى سلفنا كالحافظ ابن كثير والحافظ شمس الدين الذهبي ، والحافظ المزي ثم أتى بعد ذلك الحافظ زين الدين العراقي ، ثم أتى بعد ذلك الحافظ ابن حجر ، وبعد ذلك الحافظ شمس الدين السخاوي والسيوطي ... إلخ، حتى وصل إلى الشوكاني فصنف البدر الطالع في العلماء، وكل قطر حسب همة علمائه ففقهاء اليمن لهم كتاب في مجلدين فيه تراجم فقهاء اليمن.

أما هنا في مصر ففقراء جداً في فن التراجم، فالشيخ محمد شاكر لا يعرفه جيلنا إلا من خلال المطالعات الدقيقة، لاسيما إذا كان مثلاً الشيخ أحمد شاكر -وهو من أعيان المحدثين- هو الذي ذكر هذه الواقعة، ولولا أنه ذكرها لاندثرت، ولا يوجد كتاب في التراجم بالنسبة للمعاصرين إلا كتاب الزركلي الذي هو كتاب الأعلام، ولكنه كتاب مختصر جداً لا يروي غليلاً.

فالحاصل: أن أمثال هؤلاء العلماء أين هم في الأمة المسلمة الآن، الذين يقودون المسلمين إلى صدع بالحق مهما كلفهم ذلك؟

كيف يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

إذا جاز للعالم الرباني -إن كان موجوداً- أن يخاطب بهذا الحماس هذا الجمع، وأضعاف أضعاف هذا الجمع، أمام جهاز التلفاز الذي ذكروا في آخر إحصائية أن المشاهدين الدائمين لهذا الجهاز يتجاوزون خمسة عشر مليوناً، من في البيوت النساء والأطفال ومن في المقاهي... إلخ، فضلاً أنه في فترة المساء تزداد الكمية جداً، وكذلك في أيام الجمعات والإجازات يزداد عدد المتفرجين.

إذا جاز للعالم الرباني أن يخاطب هذا الجمع، فيفاجئ أن هناك جهازاً لا يمكن منه العالم الرباني يهدم له كل هذا الذي يقوله، يخرج الرجل من هنا جذوة نار في منتهى الحماس، حتى إذا دخل البيت ولم يشم رائحة الإسلام ولا الآداب الإسلامية؛ انطفأت هذه الجذوة، ويظل ما بين الأخذ والرد حتى ييأس أو تموت نفسه اللوامة.

قال لي بعض الناس -بعد أن ذكرت له استنكار العلماء واستنكار كل من له ذوق إسلامي على هؤلاء النسوة اللاتي يمشين في الشوارع عاريات-: أنا أنظر إليهن ولا أشعر بشيء من الشهوة، فأين الفتنة المزعومة التي تذكرها؟!

فقلت له: أنا لا أكذبك، وأنت صادق حين تقول: إن نفسك لم تتحرك بشيء من الشهوة، ولكن أستطيع أن أجزم الآن بأن نفسك اللوامة قد ماتت، النفس اللوامة التي إذا رأت المنكر قرعت تلقائياً، الإنسان المفطور على هذا الدين أول ما يرى المنكر يقرع له ويحس به، قال بعض العلماء المعاصرين: كانوا قديماً يدورون بين سنة وبدعة، ونحن الآن ندور بين بدعة وردة! مبتدعنا إن تهاون قليلاً سقط في الردة، وكانوا قديماً إذا تهاون رجل في السنة سقط في البدعة؛ هذا كله المسئول عنه غياب العالم الرباني العامل بعلمه، فيأخذ كل هذه الجموع إلى طريق الله عز وجل وإلى طريق السعادة.

يا أيها المسلمون! أين العالم الرباني؟ أين فيكم مثل العز بن عبد السلام هذا العالم القوي الشكيمة؟

لما جاء الملك أيوب -وكان ملكاً على مصر- في احتفال رسمي للدولة، وهو قاعد على الكرسي شامخاً، وحوله الناس يقبلون الأرض، ودخل العز فصرخ وقال: يا أيوب ! تذكر إذا قال الله عز وجل لك: ألم أملكك الأرض ثم تبيح شرب الخمر في الحانة الفلانية، وتترك الدار الفلانية للدعارة والزنا؟! فغضب الذين حول الملك أيوب كيف يناديه بـأيوب ولا يقول له: يا أمير المؤمنين! أو يا أيها الأمير! أو يناديه بالكنية؟

فقال أيوب : وأين ذاك يا سيدي -يقول للعز

قال: في الحانة الفلانية والحانة الفلانية.

قال: يا سيدي! هذا أنا لم أفعله، إنما هذا كان من زمان أبي.

قال: أنت من الذين يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]؟

فأمر أيوب بإبطال هذه الحانات وما فيها من المنكرات.

قال له أبو الحسن البادي -وقد انتشرت الواقعة في الديار المصرية-: ألم تهب الرجل؟! قال: يا بني! إني استحضرت هيبة الله عز وجل فرأيت السلطان قدامي كالقط.

كيف يمكن أن يستحضر بهذه السرعة إلا إن كان هذا الرجل مدرباً على استحضار النية الصالحة من كثرة إدمانها، والعز بن عبد السلام هذا مثل قريب، ولو ضربت الأمثلة في القرون الفاضلة لرأيتم العجب.

بل أنا لا أذهب بكم بعيداً وأسوق لكم حكاية حكاها لنا الشيخ العلامة، آخر أعيان المحدثين في الديار المصرية، وشيخ الأشبال أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى وطيب ثراه، يقول وهو يخاطب أحد الأدباء الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكلمتين نابيتين، ولعلكم قرأتم القصة في (كلمة الحق) كتاب صدر لشيخ أحمد شاكر رحمه الله.

يقول: إن السلطان فؤاد كان يصلي الجمعة في العابدين، فاستحضروا الشيخ محمد المهدي خطيب مسجد عبدان؛ لأنه كان خطيباً مفوهاً، وكان السلطان يحب أن يصلي وراءه دائماً، دعته الأوقاف ونقلته إلى مسجد آخر حتى يخطب الجمعة، وصادف في هذه الفترة أن طه حسين عميد الأدب العربي، أتى بالدكتوراه في اللغة العربية من فرنسا، فشل في أن يأخذها في بلاد العرب فأخذها في بلاد الأعاجم.

فأراد الخطيب محمد المهدي أن يثني على الملك فؤاد بمناسبة أنه قادم يصلي الجمعة، فقال يمتدح الملك فؤاد : ما عبس وما تولى لما جاءه الأعمى.

الأعمى: هو طه حسين ، ما عبس فيه ولا تولى، بل هش له وبش، وأرسله إلى فرنسا يحضر الدكتوراه.

وبعد أن صلوا الجمعة قام الشيخ محمد شاكر والد الشيخ أحمد شاكر -وكان وكيل الجامع الأزهر- وقف وقال: أيها الناس! صلاتكم باطلة والخطيب كافر، فأعيدوا الصلاة؛ حدث هرج ومرج والسلطان واقف، وهو يقول: أيها الناس! صلاتكم باطلة وخطيبكم كافر. وبعد ذلك إمام مسجد عابدين رفع إلى السلطان الفتوى يأمره بصلاة الظهر، وكان هذا الرجل -محمد المهدي - له ظهر وله مستشارون، فأقنعوه أن يرفع شكوى ضد الشيخ محمد شاكر .

الشيخ محمد شاكر أفتى بهذا لأن في قول الخطيب تعريض بمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي: أن الملك فؤاد صنع أفضل مما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لما جاء ابن أم مكتوم عبس وتولى، ولما جاء طه حسين إلى الملك فؤاد ما عبس ولا تولى، قال: هذا تعريض في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز وإن كان الخطيب يعتقد ذلك فهو كافر.

وأرسل الشيخ محمد شاكر إلى مستشرقين أجانب ممن لهم خبرة بدلالات الألفاظ على المعاني، وأراد أن يستقدمهم ليقول لهم: هل استخدام الخطيب لهذه العبارة فيها تعريض بالمقام النبوي أم لا؟ ولم يرجع لشيخ من شيوخ الأزهر حتى لا يقال: انحازوا له.

فلما علم أن القضية في النهاية ستحدث فتنة وخسراناً فيها محمد المهدي وقد أذله الله، قال الشيخ أحمد شاكر : وأقسم بالله لقد رأيت هذا بعينيّ، طال الزمان بالرجل محمد المهدي -والذي كان من أشهر خطباء مصر، حتى إن الملك فؤاد كان يحرص على الصلاة عنده- فلقد رأيته خانعاً ذليلاً فراشاً لأحد المساجد يتلقى نعال المصلين، فتواريت عنه وهو يعرفني وأنا أعرفه؛ حتى لا يراني، فلست مشفقاً عليه فلم يكن يوماً موضعاً للشفقة.

الشيخ محمد شاكر رحمه الله لا يعرفه كثير من جيلنا؛ والسبب في هذا: انقراض علم التراجم، لم يعد هناك أناس يعتنون بتراجم العلماء العاملين كما اعتنى سلفنا كالحافظ ابن كثير والحافظ شمس الدين الذهبي ، والحافظ المزي ثم أتى بعد ذلك الحافظ زين الدين العراقي ، ثم أتى بعد ذلك الحافظ ابن حجر ، وبعد ذلك الحافظ شمس الدين السخاوي والسيوطي ... إلخ، حتى وصل إلى الشوكاني فصنف البدر الطالع في العلماء، وكل قطر حسب همة علمائه ففقهاء اليمن لهم كتاب في مجلدين فيه تراجم فقهاء اليمن.

أما هنا في مصر ففقراء جداً في فن التراجم، فالشيخ محمد شاكر لا يعرفه جيلنا إلا من خلال المطالعات الدقيقة، لاسيما إذا كان مثلاً الشيخ أحمد شاكر -وهو من أعيان المحدثين- هو الذي ذكر هذه الواقعة، ولولا أنه ذكرها لاندثرت، ولا يوجد كتاب في التراجم بالنسبة للمعاصرين إلا كتاب الزركلي الذي هو كتاب الأعلام، ولكنه كتاب مختصر جداً لا يروي غليلاً.

فالحاصل: أن أمثال هؤلاء العلماء أين هم في الأمة المسلمة الآن، الذين يقودون المسلمين إلى صدع بالحق مهما كلفهم ذلك؟

كيف يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

إذا جاز للعالم الرباني -إن كان موجوداً- أن يخاطب بهذا الحماس هذا الجمع، وأضعاف أضعاف هذا الجمع، أمام جهاز التلفاز الذي ذكروا في آخر إحصائية أن المشاهدين الدائمين لهذا الجهاز يتجاوزون خمسة عشر مليوناً، من في البيوت النساء والأطفال ومن في المقاهي... إلخ، فضلاً أنه في فترة المساء تزداد الكمية جداً، وكذلك في أيام الجمعات والإجازات يزداد عدد المتفرجين.

إذا جاز للعالم الرباني أن يخاطب هذا الجمع، فيفاجئ أن هناك جهازاً لا يمكن منه العالم الرباني يهدم له كل هذا الذي يقوله، يخرج الرجل من هنا جذوة نار في منتهى الحماس، حتى إذا دخل البيت ولم يشم رائحة الإسلام ولا الآداب الإسلامية؛ انطفأت هذه الجذوة، ويظل ما بين الأخذ والرد حتى ييأس أو تموت نفسه اللوامة.

قال لي بعض الناس -بعد أن ذكرت له استنكار العلماء واستنكار كل من له ذوق إسلامي على هؤلاء النسوة اللاتي يمشين في الشوارع عاريات-: أنا أنظر إليهن ولا أشعر بشيء من الشهوة، فأين الفتنة المزعومة التي تذكرها؟!

فقلت له: أنا لا أكذبك، وأنت صادق حين تقول: إن نفسك لم تتحرك بشيء من الشهوة، ولكن أستطيع أن أجزم الآن بأن نفسك اللوامة قد ماتت، النفس اللوامة التي إذا رأت المنكر قرعت تلقائياً، الإنسان المفطور على هذا الدين أول ما يرى المنكر يقرع له ويحس به، قال بعض العلماء المعاصرين: كانوا قديماً يدورون بين سنة وبدعة، ونحن الآن ندور بين بدعة وردة! مبتدعنا إن تهاون قليلاً سقط في الردة، وكانوا قديماً إذا تهاون رجل في السنة سقط في البدعة؛ هذا كله المسئول عنه غياب العالم الرباني العامل بعلمه، فيأخذ كل هذه الجموع إلى طريق الله عز وجل وإلى طريق السعادة.

ومن أشد المصائب التي حلت بديار المسلمين بفقدان العالم الرباني: غياب الأدب.

هذه النهضة العلمية التي يعيشها المسلمون اليوم لم تواكبها نهضة أخلاقية، بدليل أنك تجد الرجل منا يتبع كثيراً من النصوص النظرية، بينما يعجز عن تطبيق حديث واحد في حياته.

غياب العالم الرباني سبب في فقدان الأدب

وكيع بن الجراح وهو أحد الأئمة الثقات الحفاظ، شيخ أحمد وغيره، ولم يثبت أنه كان شيخ الشافعي ، ولم يثبت له لقاء به الشافعي ، وأنبه على هذا عرضاً؛ لأنهم ينسبون إلى الشافعي بيتين من الشعر، يقول:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يهدى لعاصي

بل الإمام الشافعي كان من طبقة وكيع، فكيف يمكن أن يتتلمذ عليه أو أن يكون شيخاً له، إلا إن كان من باب رواية الأقران عن بعضهم، ولم يثبت هذا أيضاً، إنما هو شيخ للإمام أحمد، والإمام إسحاق بن راهويه .

فكان وكيع يقول: يا أهل الحديث! أدوا زكاة الحديث، اعملوا عن كل مائة حديث بخمسة.

أنا أرجو أن ينظر كل مسلم في محفوظاته من الأحاديث النبوية، ثم ينتقي خمسة أحاديث فيترجمها إلى الواقع العملي.

فغياب العالم الرباني هو السبب في هذه النهضة العلمية التي لم تواكبها نهضة أخلاقية، وأنا هنا أبين لكم أن فقدان الشيوخ هو السبب المباشر لغياب الأدب، ولا يتصور أحدكم أن التلميذ كان يذهب إلى الشيخ يتلقى عنه علماً نظرياً فقط، إنما كان يتلقى عنه الأدب مع العلم، ومن أعظم ما استفاده التلامذة من الأساتذة الكبار: الذل وانكسار النفس وذهاب الكبر؛ لأن هذا العلم لا يصلح إلا بتواضع وإخلاص نية.

الأعمش يعلم طلابه الأخلاق والأدب

لو أخذنا رجلاً عالماً جليلاً كبيراً وهو سليمان بن مهران الأعمش أحد الأئمة الكبار القراء الحفاظ -حفاظ أهل الكوفة- هو شيخ شعبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة الثقات الكبار.

كان عنده من شدة الخلق على تلاميذه شيئاً يضرب به المثل، حتى حكى الخطيب في كتاب (شرف أصحاب الحديث) أنه كان عسراً جداً في الرواية، ولا يكاد يحدث بحديث، مع أن طلاب العلم عندهم نهم، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (اثنان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا) فكان طالب العلم لا يشبع، لاسيما عند الثقة الحافظ الإمام؛ فإنه شرف كبير أن يروي حديثاً عن الأعمش وأن يتسند له.

فكانوا يتهافتون عليه تهافت الفَراش على النار، وكان هو شديد الامتناع في التحديث، فكل يوم يذهب أصحاب الحديث بكراريسهم ومحابرهم بالمئات يقرعون عليه الباب ويدخلون، فلما ضاق بهم ذرعاً اشترى لهم كلباً، فكلما سمع وقع أقدام أطلق الكلب لكي يفرق هذا الجمع، ونرجو أن تتصورا رجلاً كـشعبة يجري أمام الكلب!

أتظن أن شعبة زهد في الأعمش لا سيما أنه كان يماثله مئات في ديار المسلمين؟ أبداً، ما كانوا يزهدون في هؤلاء الأئمة؛ لأنهم ربوا على الأدب، يطلق عليهم الكلب، وبعد أن يؤدي الكلب مهمته يرجع والأعمش جذلان -مسرور- فيعودون مرة أخرى فيطلق عليهم الكلب.

وذات يوم جاء أصحاب الحديث بكراريسهم ومحابرهم وقرعوا الباب، فإذا الكلب غير موجود، فدخلوا على الأعمش دخول المنتصر، فوجدوه يبكي! فقالوا: ما يبكيك يا أبا محمد ؟! فقال لهم: لقد مات الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، اقعدوا أحدثكم، فحدثهم يومئذٍ بحديث -بحديث واحد- وخرجوا كأظفر ما يكون، كأنه رجل فتح حصناً؛ لأنه أخذ حديثاً من الأعمش .

وذات مرة خرج الأعمش في جنازة رجل، وكان به عمش وكان يحفظ ألف ألف حديث -يعني: مليوناً بأرقام اليوم- بإسنادها ومتنها، لا يدخل إسناد في متن، ولا يختلط رجل بآخر، مع شدة في خلقه.

وذات مرة وهو في مجلس التحديث -وكان يكره أن يجلس أحد إلى جواره- فجاء طالب علم جديد لا يعرف طريقة الأعمش ، فجلس بجواره، والطلاب لا يستطيعون أن يقولوا للرجل: ابعد، لكن لو علم الأعمش أن الرجل قعد بجانبه سيفض المجلس؛ فسكتوا، فشعر به الأعمش ؛ فظل يبصق عليه حتى انتهى المجلس، يقول: حدثني فلان -ويبصق عليه- حتى انتهى المجلس، والرجل ساكت خشية أن يقول شيئاً، فيقطع الأعمش المجلس.

وقال له رجل مرةً: يا أبا محمد !حديث كذا وكذا ما إسناده؟ فأخذ بحلقه ولزقه بالحائط وقال: هذا إسناده!

تصور رجل بهذه العسرة في التحديث كيف يتهافتون عليه، ولا يزهدون فيه!!

اليوم لو أن أي طالب علم رأى من معلمه شيئاً يشينه اعتزله ولا يقابله في الطريق، ولا يسلم عليه، هذا إن كان من المتقين، وإلا ربما افترى عليه أيضاً، فأين هذا من ذاك؟!

كان الأعمش بمثل هذا الخلق يكسر الكبر في نفوس تلاميذه، ويعلمهم التواضع الجم، وكان -فيما نحسب- حسن النية، جعل الله له لسان صدق في هذه الأمة، فلا يذكر إلا بالجميل.

وورث أبو بكر بن عياش منه هذا العسر في الرواية، فقالوا له يوماً: حدثنا بحديث. قال لهم: لا، ولا بنصف حديث. فقالوا له: حدثنا بنصف حديث. قال: اختاروا: السند أو المتن؟! فقال له رجل يريد أن يمدحه إلى نفسه: أنت عندنا إسناد -يعني ينتظر أن يقول لهم متناً- فقال لهم: كان إبراهيم يدحرج الدلو.! قال الخطيب : فانظر! ضن عليهم أن يحدثهم بحديث ينفعهم.

ولا يتصورن أحد أن هذا الفعل من هؤلاء السادة فعل شائن، بل كان من أجل أفعالهم لتأديب طلاب العلم، وكان الأعمش يقول: لو كنت بقالاً لاستقذرتموني، وما رفعني إلا الحديث.. لماذا؟ لأنه واضح من لقبه، فهو لقب بـالأعمش لعمش كان في عينه، وليس من الغيبة: أن يذكر الرجل بالعيب الذي فيه على سبيل التعريف وليس على سبيل التنقيص، وهذا موجود بكثرة كـالأعمش وكـالأعرج عبد الرحمن بن هرمز ، أما غندر فهو لقب ليس بعيب، وغندر هو لقب محمد بن جعفر

وهذا ليس من العيب الخَلقي، غندر أي: المشرد بلغة أهل الحجاز، وأطلقها ابن جريج على محمد بن جعفر عندما كان يشرد في مجلسه.

ومثلاً كـابن علية ينسب لأمه إسماعيل بن علية ، والأحول.. ونحو ذلك.

فكل هذه الأوصاف إذا قيلت في جزء التعليم فقط لا تعد من الغيبة، وإن قيلت على سبيل التنقيص فهذه غيبة.

خلق التابعين مع ابن مسعود

إن وجود الشيوخ بكثرة ينقل الأدب لطالب العلم مع العلم، وهذا ميراث متوارث وليس شيئاً جديداً، فقد روى الدارمي في سننه بسنده الصحيح إلى يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه، قال: بينما نحن جلوس على باب عبد الله بن مسعود بعد صلاة الغداة، إذ جاء أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس فقال: أما خرج أبو عبد الرحمن ؟ فقلنا: لا. فقعد معنا.

انظر إلى هؤلاء الناس يقعدون على درج البيت! وهذا شيء يجب على إخواننا أن يتفطنوا له، لكن اليوم يكاد الجرس أن يتلف من كثرة الدق على الباب، وكأن أدب الاستئذان ثلاث مرات قد ذهب، وربما يطرق الباب مائة مرة، ولقد أحصيت مرةً أن رجلاً طرق الجرس علي ستاً وثلاثين مرة، أعدّها عداً، ومازال واقفاً، حتى إن الجرس تلف، وما أدري هل هو السبب أم تكاثرت عليه الدقات.

فأين هذا من فعل هؤلاء السادة؟ يجلس بعد صلاة الغداة ولا يدق على عبد الله بن مسعود الباب، لأنه هو الذي يحتاج إليه، ويقعد على درج البيت ولا يراه من العيب، حتى إذا خرج عبد الله بن مسعود قال: فاكتنفناه. (اكتنفناه): يعني عن يمينه وعن شماله ووراءه وأمامه، وهذا هو فعل العالم الرباني حقاً، لا يفعل كما يفعل بعض الجبابرة يمشي في الأمام والكل وراءه، هذا ليس من الهدي، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (تقدموا وخلوا ظهري للملائكة) وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يتقدم الصفوف، وهذا من أعظم ما يكون أن يكون الرجل في أخريات الناس، يزجي الضعيف ويساعد المحتاج، هب أن رجلاً سقط لا يدري به أحد، من يكون المسئول عنه؟ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في أخريات الناس.

النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه مع الصحابة

وقد حفظ لنا جابر بن عبد الله الأنصاري قصةً رائعة جداً في صحيح البخاري قال: (غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة، فبينما نحن قافلون إذ أعيا ناضحي تحت الليل -الناضح: الجمل- وأرهقه السير، فجعل يضربه حتى يستنفره فلم ينفر الجمل، فجعل يقول: ما زال لنا ناضح سوء. قال: فإذا بي أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من هذا؟ قال: فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول.. جابر . قال: ما دهاك؟ قال: أعيا ناضحي تحت جنح الليل. أمعك عصا؟ فناوله العصا، فضربه فارتدت إليه العافية -إلى الجمل- فركب جابر جمله، وركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته، قال جابر : فجعل الجمل يسبق ناقته، هذا الجمل الذي أعيا يسبق ناقة النبي صلى الله عليه وسلم التي لا تلحق!

وفي صحيح مسلم وغيره أن امرأةً أخذت ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام وفرت عليها -لعلمها أنه لا يلحقها شيء وكانت المرأة أسيرة- فنذرت إن نجاها الله لتنحرن هذه الناقة جميلاً لها! فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بئس ما جازتها!) يعني: أهذا جزاؤها أن الله عز وجل جعلها سبباً في نجاتها، وهي تريد أن تكرمها بأن تذبحها! فقال: (بئس ما جازتها، لا نذر فيما لا يملك المرء، ولا نذر في معصية الله عز وجل).

المهم أن هذا الجمل يسبق الناقة وجابر يشد خطامه؛ لأنهم كانوا يرون أنه من سوء الأدب أن يتقدم أحد على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ظاهر في رواية البخاري ومسلم أن رجلاً أعرابياً صعد على قعيد -القعيد: ولد الناقة- وأطلقه، فسبق ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فشق ذلك على الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ما رفع شيئاً في الدنيا إلا وضعه) يريد أن يطيب من خاطرهم.

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتسامر مع جابر ، ويتفقد أحواله... إلى آخر القصة).

فالحاصل أن من هدي العلماء والأمراء الربانيين أنهم لا يتقدمون في الأمام كما هو واقع في الجاهلية، وفعل الأوروبيين الكفرة الذي أخذه كثيرٌ من المسلمين اليوم، حيث يرون أن في التقدم شيء من الشرف، ويجعلون الكراسي في الأمام، ويكون عن اليمين فلان وعن الشمال فلان، إذا غاب فلان إذاً لابد أن يقعد على الكرسي، حتى أنا رأيت بنفسي أن الصف الأول في المسجد محجوز لجماعة معينة، وإذا أردت أن تأخذ لك محلاً في الصف الأول يمنعونك، وبالفعل منعوا رجلاً رأيته بنفسي، قالوا: هذا مكان الحاج فلان. والحاج فلان لا يدخل إلا في نصف الخطبة، حتى جعلوا الصفوف الأولى للكبراء بخلاف الهدي المعروف، الذي يجب على المسلمين أن يتوارثوه.

(خرج عبد الله بن مسعود مع أبي موسى الأشعري قال: فاكتنفناه، فقال عبد الله بن قيس : يا أبا عبد الرحمن! لقد رأيت في المسجد شيئاً أنكرته، وما رأيت إلا خيراً...) ثم ساق بقية القصة.

الحاصل: أن وجود المشايخ بكثرة كان سبباً مباشراً لأدب طالب العلم، أما أن يتعلم الإنسان من الكتب فقط، ولا يسعى أن يتلقى العلم عن الشيوخ، أو حتى على الأقران الذين سبقوك في هذا المضمار؛ فإن هذا يصيب الأمة -في الحقيقة- بأضرار كثيرةً جداً.

أضرب لكم هذا المثل الخطأ: نحن أعاجم بالنسبة للغتنا العربية، فيأتي الرجل ويفسر القرآن والسنة بما يعرفه من الألفاظ المتوارثة الآن، وهذا لا يجوز أن يفسر بالألفاظ الحادثة بل لا بد أن يفسر القرآن والسنة باللغة التي نزل بها القرآن على العرب، وباللسان الذي كان الصحابة يفهمونه لألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فنحن أعاجم بالنسبة للغتنا العربية.

فإذا دخل رجل المكتبة لكي يقرأ في كتاب فلعله لا يقرأ الجملة صحيحة، وأنا رأيت رجلاً في بعض المسائل كمسألة تقديم اليدين على الركبتين في الصلاة، فيذكر الحاكم في مسنده أثراً عن ابن عمر في أنه يقدم يديه على ركبتيه، ثم قال الحاكم : والقلب إلى رواية ابن عمر أميل؛ لأن في ذلك روايات كثيرة عن الصحابة والتابعين.

فهو يأتي ويقول: القلب أميل. أي: أن الحديث مقلوب!

تصور! الحاكم يقول: القلب أميل إلى رواية ابن عمر لأن له شواهد عن الصحابة والتابعين. وهذا يقول: الحديث مقلوب.. ومعنى ذلك أن قلبه يميل إلى ترجيح رواية ابن عمر لأن لها شواهد كذا وكذا. وليس (القلب أميل) أي أن الحديث مقلوب. وما غر بعض إخواننا من الشباب إلى انتحال فكر الخوارج أو هذه الأفكار المبتدعة إلا لأنهم عكفوا على الكتب فقط، فأعملوا الكتب بعقولهم هم ولا يقبلون تراجعاً ولا يتنازلون عن فهمٍ فهموه، حتى أوصلتهم الجرأة أن تجرءوا على الأئمة الشافعي وأحمد وغيرهم، بل أنا بنفسي سمعت رجلاً منهم عندما قلت له: قول ابن عباس: )كفر دون كفر) فقال: نحن رجال وهم رجال. يعني: يجعل نفسه قرين ابن تيمية ، وابن الصلاح ، والعز بن عبد السلام ، ولو ترقى قليلاً وجعل نفسه المزي ، وابن مندة ، وابن جرير ، ثم ترقى قليلاً فجعله نفسه أحمد، والشافعي ، ومالك ، وهذا لن يعجزه فقد تجرأ على جيل الصحابة مباشرةً، وقال: نحن رجال وهم رجال!

فقلنا: إن كنت تقصد الذكورة؛ فنحن لا ننازعك فيها فأنت ذكر، لكن إن كنت تقصد المقام والفهم.. فشتان! فقد توفرت لـابن عباس دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم فقه في الدين، وعلمه التأويل)، فماذا توافر لك أنت؟! فإذا به يلقي هذه المفاجأة التي أنكرها عليه إخوانه أنفسهم، فقال: وما يدريك أن الله استجاب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم؟!

تصل به هذه الجرأة إلى هذا الحد؛ لأنه لا يرى من يعقب عليه؛ والسبب إنه يأخذ من الكتب مباشرةً، فيفهم ويكتب ما يريد، ولو تعود أن يقعد لشيخ فإنه يهاب أن يتكلم في حضرته؛ لأنه قد يتكلم خطأً، وقد كان نظام الإجازات قديماً من أقوى الأشياء التي كانت تجعل طالب العلم لا يتكلم إلا بعد علم، وبعد أن يجيز له أستاذه وشيخه، حتى إذا رأى شيخه أخطأ ما كان يهجم عليه.

الإمام الشافعي وأدبه مع محمد بن الحسن الشيباني

عندنا مثل رفيع جداً للإمام الشافعي مع الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة -رحمة الله على الجميع- مع أن الإمام الشافعي كان أرفع وأعلى قدراً من محمد بن الحسن ، فقدره كقدر أبي حنيفة رحم الله الجميع، وكان محمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف يمشيان على أصول أبي حنيفة ، وكان سفيان الثوري رحمه الله يقول: (لا ينبل الرجل حتى يكتب عمن فوقه وعمن دونه وعمن مثله). أي: لا يستنكف الإنسان النبيل أن يأخذ فائدة ممن هو أقل منه.

فالإمام الشافعي ذهب إلى الإمام محمد بن الحسن الشيباني يتلقى عنه علم أبي حنيفة ، فكان لا يعجبه بعض ما يقوله محمد بن الحسن ولكنه لا يعترض، كان يسكت، فإذا قام محمد بن الحسن ناظر الشافعي أصحابه فظهر عليهم، الشافعي يقول لهم: تقولون كذا؟ فيقولون: نعم. يقول: فما تقولون في كذا؟ وما تقولون في كذا؟ فيلزمهم الحجة فلا يستطيعون جواباً، فتكرر هذا الأمر مرات، فأبلغوا محمد بن الحسن وقالوا: إنك تقوم فيناظرنا الشافعي فلا نستطيع أن نرد عليه.

فقال محمد بن الحسن : هلاّ ناظرتني.

فقال الشافعي : إني أجلّك عن المناظرة. انظر إلى الأدب العالي!

قال محمد: فلابد.

فقال له: أنتم تقولون -وهذا نوع من أدب الشافعي في المناظرة مع أستاذه الذي هو من أقرانه محمد بن الحسن الشيباني أنتم تقولون بنقض الوضوء بالقهقهة؟ قال: نعم: أي: ولو أن رجلاً قهقه في الصلاة بطلت صلاته وفسد وضوءه.

قال: فما تقول في رجل قذف محصنة في الصلاة، أي: بينما هو يصلي فمرت امرأة قال لها: أنت زانية.

قال: صلاته باطلة.

قال: فما حال طهارته؟

قال: كما هي.

قال: سبحان الله! أقذف محصنة في الصلاة عندكم أهون من قهقهة؟! فألجمه.

قال: فأخذ محمد نعله وانصرف.

وهذا الشيخ العلامة النحرير ذهبي العصر الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني في كتابه العظيم -أنا أنصحكم أن تشتروا هذا الكتاب- كتاب التنكيل بما في تأويل الكافرين من الأراجيف، هذا أعظم كتاب قرأته في باب الرد، فهو يلزم الخصم الحجة بمنتهى الأدب، فذكر مما ذكر في مناظرات الشافعي مع محمد بن الحسن الشيباني ، وأن الشافعي لم يعجبه قول محمد بن الحسن في المياه، وفي نجاسة المياه، فقال له: إنكم لتقولون قولاً لعله لو قيل: تخطاطأ فقال قولكم لكان قد أحسن التخاطؤ.! هذه عبارة راقية جداً، قال الشيخ العلامة عبد الرحمن اليماني رحمه الله : فكان الشافعي رحمه الله يستوفي حقه حتى في التشنيع، ولكن انظر كيف شنع!

هذا القول رغم أنه شديد جداً إلا أنه رقيق، هذا كله ما ورثه الإمام الشافعي ولا ورثه محمد بن الحسن إلا بعد ذهاب الكبر، والقعود أمام الشيوخ، فمصيبتنا عدم وجود العلماء الربانيين الذين نرسل إليهم أبناءنا حتى يتلقون العلم منذ نعومة أظفارهم، وجيلنا هذا جيل حسبه أن يكون قنطرة للجيل القادم، ما منا من أحد إلا أدرك هذا الإسلام وهذا العلم على مشارف الجامعة، لكن بعدما ذهبت السنون الأولى الخطيرة في حياة الإنسان، وهي أيام الصغر:

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه

وإني لأذكر قصةً فيها هذا المعنى: أن رجلاً أعرابياً تزوج امرأة على امرأته الأولى، وكان البيتان متجاورين، فصعدت جارية المرأة الجديدة على السطح، فوجدت جارية المرأة القديمة على الباب، فأنشدت وقالت:

وما تفعل الرجلان رجلٌ صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت

تعرض بالمرأة القديمة، وأن المرأة الجديدة هي سيدتها، فتكرر هذا الكلام من جارية المرأة الجديدة، فبينما هي تمر يوماً إذ قالت لها جارية القديمة:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل

وهذا شيء واقع، أنت قد تكون ولدت هنا في الإسكندرية في منطقة معينة، ثم تذهب إلى بلاد الدنيا ويكون لك شأن عظيم، فإذا رجعت تشعر بحنين في قلبك وأنت تشاهد ملاعب صباك..

كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل

يحن كل إنسان إلى جذره الأول، إلى حياته الأولى .. فلو كانت حياتنا تمشي على الفوضى كما كانت حياة كثير منا وأدركتنا عناية الله عز وجل، فهذا لا يتصور فيه الثبات مثل الذي ينشأ منذ نعومة أظفاره على محاسن هذا الدين.

وكيع بن الجراح وهو أحد الأئمة الثقات الحفاظ، شيخ أحمد وغيره، ولم يثبت أنه كان شيخ الشافعي ، ولم يثبت له لقاء به الشافعي ، وأنبه على هذا عرضاً؛ لأنهم ينسبون إلى الشافعي بيتين من الشعر، يقول:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يهدى لعاصي

بل الإمام الشافعي كان من طبقة وكيع، فكيف يمكن أن يتتلمذ عليه أو أن يكون شيخاً له، إلا إن كان من باب رواية الأقران عن بعضهم، ولم يثبت هذا أيضاً، إنما هو شيخ للإمام أحمد، والإمام إسحاق بن راهويه .

فكان وكيع يقول: يا أهل الحديث! أدوا زكاة الحديث، اعملوا عن كل مائة حديث بخمسة.

أنا أرجو أن ينظر كل مسلم في محفوظاته من الأحاديث النبوية، ثم ينتقي خمسة أحاديث فيترجمها إلى الواقع العملي.

فغياب العالم الرباني هو السبب في هذه النهضة العلمية التي لم تواكبها نهضة أخلاقية، وأنا هنا أبين لكم أن فقدان الشيوخ هو السبب المباشر لغياب الأدب، ولا يتصور أحدكم أن التلميذ كان يذهب إلى الشيخ يتلقى عنه علماً نظرياً فقط، إنما كان يتلقى عنه الأدب مع العلم، ومن أعظم ما استفاده التلامذة من الأساتذة الكبار: الذل وانكسار النفس وذهاب الكبر؛ لأن هذا العلم لا يصلح إلا بتواضع وإخلاص نية.

لو أخذنا رجلاً عالماً جليلاً كبيراً وهو سليمان بن مهران الأعمش أحد الأئمة الكبار القراء الحفاظ -حفاظ أهل الكوفة- هو شيخ شعبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة الثقات الكبار.

كان عنده من شدة الخلق على تلاميذه شيئاً يضرب به المثل، حتى حكى الخطيب في كتاب (شرف أصحاب الحديث) أنه كان عسراً جداً في الرواية، ولا يكاد يحدث بحديث، مع أن طلاب العلم عندهم نهم، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (اثنان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا) فكان طالب العلم لا يشبع، لاسيما عند الثقة الحافظ الإمام؛ فإنه شرف كبير أن يروي حديثاً عن الأعمش وأن يتسند له.

فكانوا يتهافتون عليه تهافت الفَراش على النار، وكان هو شديد الامتناع في التحديث، فكل يوم يذهب أصحاب الحديث بكراريسهم ومحابرهم بالمئات يقرعون عليه الباب ويدخلون، فلما ضاق بهم ذرعاً اشترى لهم كلباً، فكلما سمع وقع أقدام أطلق الكلب لكي يفرق هذا الجمع، ونرجو أن تتصورا رجلاً كـشعبة يجري أمام الكلب!

أتظن أن شعبة زهد في الأعمش لا سيما أنه كان يماثله مئات في ديار المسلمين؟ أبداً، ما كانوا يزهدون في هؤلاء الأئمة؛ لأنهم ربوا على الأدب، يطلق عليهم الكلب، وبعد أن يؤدي الكلب مهمته يرجع والأعمش جذلان -مسرور- فيعودون مرة أخرى فيطلق عليهم الكلب.

وذات يوم جاء أصحاب الحديث بكراريسهم ومحابرهم وقرعوا الباب، فإذا الكلب غير موجود، فدخلوا على الأعمش دخول المنتصر، فوجدوه يبكي! فقالوا: ما يبكيك يا أبا محمد ؟! فقال لهم: لقد مات الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، اقعدوا أحدثكم، فحدثهم يومئذٍ بحديث -بحديث واحد- وخرجوا كأظفر ما يكون، كأنه رجل فتح حصناً؛ لأنه أخذ حديثاً من الأعمش .

وذات مرة خرج الأعمش في جنازة رجل، وكان به عمش وكان يحفظ ألف ألف حديث -يعني: مليوناً بأرقام اليوم- بإسنادها ومتنها، لا يدخل إسناد في متن، ولا يختلط رجل بآخر، مع شدة في خلقه.

وذات مرة وهو في مجلس التحديث -وكان يكره أن يجلس أحد إلى جواره- فجاء طالب علم جديد لا يعرف طريقة الأعمش ، فجلس بجواره، والطلاب لا يستطيعون أن يقولوا للرجل: ابعد، لكن لو علم الأعمش أن الرجل قعد بجانبه سيفض المجلس؛ فسكتوا، فشعر به الأعمش ؛ فظل يبصق عليه حتى انتهى المجلس، يقول: حدثني فلان -ويبصق عليه- حتى انتهى المجلس، والرجل ساكت خشية أن يقول شيئاً، فيقطع الأعمش المجلس.

وقال له رجل مرةً: يا أبا محمد !حديث كذا وكذا ما إسناده؟ فأخذ بحلقه ولزقه بالحائط وقال: هذا إسناده!

تصور رجل بهذه العسرة في التحديث كيف يتهافتون عليه، ولا يزهدون فيه!!

اليوم لو أن أي طالب علم رأى من معلمه شيئاً يشينه اعتزله ولا يقابله في الطريق، ولا يسلم عليه، هذا إن كان من المتقين، وإلا ربما افترى عليه أيضاً، فأين هذا من ذاك؟!

كان الأعمش بمثل هذا الخلق يكسر الكبر في نفوس تلاميذه، ويعلمهم التواضع الجم، وكان -فيما نحسب- حسن النية، جعل الله له لسان صدق في هذه الأمة، فلا يذكر إلا بالجميل.

وورث أبو بكر بن عياش منه هذا العسر في الرواية، فقالوا له يوماً: حدثنا بحديث. قال لهم: لا، ولا بنصف حديث. فقالوا له: حدثنا بنصف حديث. قال: اختاروا: السند أو المتن؟! فقال له رجل يريد أن يمدحه إلى نفسه: أنت عندنا إسناد -يعني ينتظر أن يقول لهم متناً- فقال لهم: كان إبراهيم يدحرج الدلو.! قال الخطيب : فانظر! ضن عليهم أن يحدثهم بحديث ينفعهم.

ولا يتصورن أحد أن هذا الفعل من هؤلاء السادة فعل شائن، بل كان من أجل أفعالهم لتأديب طلاب العلم، وكان الأعمش يقول: لو كنت بقالاً لاستقذرتموني، وما رفعني إلا الحديث.. لماذا؟ لأنه واضح من لقبه، فهو لقب بـالأعمش لعمش كان في عينه، وليس من الغيبة: أن يذكر الرجل بالعيب الذي فيه على سبيل التعريف وليس على سبيل التنقيص، وهذا موجود بكثرة كـالأعمش وكـالأعرج عبد الرحمن بن هرمز ، أما غندر فهو لقب ليس بعيب، وغندر هو لقب محمد بن جعفر

وهذا ليس من العيب الخَلقي، غندر أي: المشرد بلغة أهل الحجاز، وأطلقها ابن جريج على محمد بن جعفر عندما كان يشرد في مجلسه.

ومثلاً كـابن علية ينسب لأمه إسماعيل بن علية ، والأحول.. ونحو ذلك.

فكل هذه الأوصاف إذا قيلت في جزء التعليم فقط لا تعد من الغيبة، وإن قيلت على سبيل التنقيص فهذه غيبة.