خطب ومحاضرات
تحطيم الرءوس وضرب الرموز [2]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
هناك عالم شهير معروف لدى أهل العلم -وإن كان جماهير المسلمين لا يعرفون عنه شيئاً- وهو الإمام أبو زكريا يحيى بن معين رحمه الله، لقد كان يحيى بن معين رفيق الإمام أحمد بن حنبل ، والإمام أحمد معروف عند العوام جميعاً بحكم انتشار مذهبه الفقهي، كان ابن معين رحمه الله أحد الحراس الأشداء الأقوياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولََكَمْ أضرَّ بالكذابين والمغفلين وتوجعوا منه كثيراً! ومع ذلك كان لا يفتأ أن يقذف بالسهام إليهم، ولا يعبأ بنكيرهم ولا بكلامهم.
قيل له يوماً: ألا تخشى أن يكون هؤلاء الذين تكلمت فيهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟
فقال لهم: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحبَّ إلي من أن يكون الرسول خصمي، يقول لي: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذِبَ عن سنتي؟
فالدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم واجب لأسباب منها:
السبب الأول والأهم: هو حفظ الدين؛ لأنه إذا جاز لنا أن نترك الأدلة تفلتت منا دليلاً وراء دليل، سيأتي علينا زمان وليس عندنا دليل معتبر لا القرآن ولا السنة؛ فالمنافقون والعلمانيون يبدءون بالسنة، ثم يُثَنُّون بالقرآن، ونحن الآن في زمن الغربة، وقد سمعنا بآذاننا أن بعض رؤساء الدول العربية قال: إنه يريد أن يشطب بعض آيات المصحف، وقد صدرت فتوى في السعودية وفيها: أنه إذا لم يرجع عن هذا الكلام فهو كافر.
وهذا الرئيس أصدر كتاباً اسمه: (الكتاب الأخضر)، شكله مثل البطيخة، من داخله أحمر، ومن خارجه أخضر، فهو شيوعي، الزحف الأحمر على ديار المسلمين، يقول: إن هناك آيات لابد أن تشطب منها كلمات، وهي قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] نشطب ماذا منها؟ قال نشطب: قُلْ [الإخلاص:1] لماذا؟ قال: لأن هذا الكلام كان موجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن ثَمَّ نشطب هذا الكلام الموجه له، فعندما تأتي تقرأ سورة الإخلاص تقول: (هو الله أحد)، انظر إلى جرأة هذا الإنسان وإلى كلامه! هذا في وقتنا الحاضر فما بالك إذا مضت القرون وظهر الخبث أكثر من ذلك، ولم يوجد علماء، ما الذي يمكن أن يجري في بلاد المسلمين؟!
فالآن الطعن على السنة واضح جداً، والمقصود به الطعن على كتاب الله عز وجل؛ والمسلمون لا يدرون ما المقصود من طعنهم بالسنة؟!
إذاً ترك الأدلة تتفلت منا، مسألة خطيرة جداً! فلا يكون عندنا أي أدلة نستدل بها.
فالدفع واجب لهذا.
ومن الأسباب: حماية لجناب النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة له.
نقول: مَن مكتشف الجاذبية الأرضية؟
يقولون: إسحاق نيوتن . أليس كذلك؟
لو أني قلت الآن: إن هذا غلط، ومن قال: إن إسحاق نيوتن هو مكتشف الجاذبية الأرضية، كل هذا كلام غلط؟!
أترى أن الناس سيردون عليَّ أم لا؟
سيردون عليّ، نقول لهم: مَنْ يكون إسحاق نيوتن ؟ والذين نقلوا عنه المذهب ماذا يساوون؟ نحن الذين نقول: نشترط في الناقل أن يكون ثقةً عدلاً، لكي نقبل كلامه؛ لأن الفاسق خبره مردود، كما قال الله عز وجل: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] فاتفق العلماء: أن من رُمِي بالفسق أو ثبت عليه أن خبره مردود، لا يُقبل لا في الدين ولا في الدنيا، لو جاء رجل أمام القاضي وادعى دعوة، قال له القاضي: أين شهودك؟ فقال: شاهدي فلان. تعال يا فلان! أتشهد أن هذا الرجل له حق؟ قال: نعم. أشهد. وبينما هو يقول: نعم. أشهد، إذ دخل من باب المحكمة رجل، وقال: أيها القاضي! إن هذا الشاهد سب والديه، فإن القاضي مباشرةً يسقط شهادة الشاهد، أو أنه يتعاطى الخمر، أو يشرب حشيشاً، تسقط شهادة هذا الشاهد؛ لماذا؟ لأنه فاسق. وهذا في الدنيا، فالدين من باب أولى.
فالذين نقلوا إلينا خبر أن إسحاق نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية، نقول لهم: سموا لنا رجالكم، أخرجوهم لنا، من يكونون؟ ماذا تظنونهم؟ إن أغلبهم كفرة، ومع ذلك هؤلاء العلمانيون يقطعون بنسبة هذا الاكتشاف إلى إسحاق نيوتن .
حسناً! رواة صحيح البخاري لماذا طعنتم فيهم، وفي رواياتهم؟ على هذه الروايات وقد نقلها الإمام البخاري عن الثقات العدول إنهم أئمة، فهم نجوم الدجى فلماذا رددتم عليهم رواياتهم؟
بل ما يجري الآن في دنيا الناس يقولون: إن هناك أطباقاً طائرة، يوجد من الناس من يصدق بأن هناك أشياء اسمها: الأطباق الطائرة، ويأتي ناس من الكواكب، لا سيما من كوكب زحل، ويقولون: جاء أناسٌ على طائرة قَدْر هذا، ونزلوا في صحراء كذا، وعملوا كذا، ورآهم شهودُ عَيَانٍ، وليسوا عَيَاناً، وعَيَّاناً، وكلاماً من هذا، وبعض الناس يصدق مثل هذا الكلام!
إذاً هل تصدقون أنتم هذا الكلام؟ ومن نقل إلينا هذا الكلام؟ إنها المخابرات الأمريكية، أفيهم عدل واحد؟! إن هؤلاء كلهم كفرة.
إذاً عندما ينقلون هذا الكلام، لماذا يُصَدَّق نَقْلُ هؤلاء الكذبة، ويُرد على المسلمين العدول نَقْـلُهُم؟!
فالمسألة -إذَنْ- ليست مسألة تحاكمٍ علميٍ، المسألة مسألة أهواء.
إن مسألة الدفع لها تبعات، فلا يضيرنا على الإطلاق أن يغضب هؤلاء، أو أن يشنوا علينا هجمات، أو أن يقول: الحياة الجنسية عند علماء الإسلام وأن يفتعلوا علينا قصة من القصص، وحكاية من الحكايات، وينشرونها في وقت ما: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38] وإذا خشي أهل العلم وطلابه من هجمات العلمانيين على أعراضهم بسبب الذود عن دين الله عز وجل فلن يحققوا التوحيد: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب:39] ولذلك لا ينبغي أن يتعلق قلب العالم أو طالب العلم إلا بالله وهو يبلغ دعوة الله، فلا تتعلق بالعوام ولا بنصر العوام، فإنك قد تصبح غريباً فريداً فذاً منبوذاً وحدك، مثلما كان الإمام أحمد رحمه الله في فتنته الشهيرة، كان الإمام أحمد يحضر مجلسه مائة ألف محبرة، فلما أُخِذ ليُجْلَد لم يوجد بجانبه رجل واحد، أين ذهب هؤلاء؟! في حين أن الروايات تقول: إن المأمون سمع همهمة على باب القصر وتمتمة، فقال: ما الخطب؟ قيل: العوام يشتكون من قلة اللحم، نعم. اللحم يقل.. والخبز يقل.. والزيت يقل.. ومن الممكن أن يقوم الناس بالتخريب من أجل الدنيا، ويحْرِقوا (الأتوبيسات) والمنشآت العامة، هذه المسألة سهلة جداً؛ لكن أن يؤخذ واحد من أهل العلم، ويُجْلَد أو يُشْنَق أو يُعْدَم أو نحو ذلك فهذه مسألة لا تهم العوام كثيراً.
لأجل هذا فإن العالم يجب أن يتعلق قلبه بالله عز وجل.
وهذا الرجل الذي برأ نفسه وهو يتكلم عن بعض رواة هذا الحديث، ويقول: إن فلاناً قال: فلانٌ سيئ الحفظ، وفلاناً قال: فلانٌ هذا لا يُحْتَجُّ به، وهم رواة صحيح البخاري.
نحن يا إخواننا نضع ضابطاً عاماً بالنسبة لرواية المتكلَّم فيهم في الصحيحين.
الإمام البخاري كان إماماً فذاً، له اختيار واجتهاد، وسيئُ الحفظ ليست كل رواياته ساقطة، وكذلك الثقة الثبت العدل ليست كل رواياته مقبولة.
الإمام مالك وهو مَن هو ثقةً وإتقاناً وضبطاً، رد عليه علماء الحديث بعض أحاديثه.
سفيان بن عيينة ، سفيان الثوري ، الزهري، شعبة بن الحجاج ، منصور بن المعتمر، منصور بن زاذان ، الأعمش هؤلاء الثُّلَّة، ما من واحد من هؤلاء إلا رد العلماء عليهم بعضَ أحاديثهم.
كذلك مَن ابتُلِي بسوء حفظ فليس كل حديثه مردوداً.
إذاً: إذا أخرج الإمام البخاري ومسلم حديثاً في الصحيحين لراوٍ تَكَلَّم فيه بعض أهل العلم، نقول: لماذا خَرَّج له البخاري وهو مُتَكَلَّمٌ فيه؟
الجواب: أن الإمام البخاري إذا تَكَلَّم العلماء في راوٍ فإنه ينتقي من أحاديث هذا الراوي ما لم يُنْكِرْه أهل العلم.
هذا إمامٌ ليس سهلاً، فعندما يكون الراوي مُتَكَلَّماً فيه، وليس كلُّ ما روى باطلاً ولا خطأً، فـالبخاري كان ينتقي الأحاديث انتقاءً.
فكل حديث أودعه البخاري في صحيحه وفيه راوٍ مُتَكَلَّمٌ فيه، إنما انتقاه البخاري على عين، فلا يُطْعَنُ عليه بدعوى أن الراوي مُتَكَلَّمٌ فيه، هذا هو الضابط. عندما تجيء وتقول: الراوي مُتَكَلَّمٌ فيه فكأنك تقول: إن البخاري مثل بائع اللُّب (الزعقاء) لا يميز، فأنت بهذا أهدرت اختيار البخاري ، وألغيت اجتهاده، وهذا لا يجوز؛ لأن المَلَكَة في الاجتهاد في علم الحديث تشكل نصف العلم، فدراسة المصطلح والطرق: النصف، والمَلَكَة: النصف الآخر.
إن البخاري مَن هو في العلم والفقه؟! لكن يأتي هذا المغبون الخاسر ويقول لك ماذا؟
بعد أن أورد حديث سليمان عليه السلام وقوله: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة) يقول: ويبدو أن البخاري كان رجلاً طيباً، عنده سذاجة وتلقائية، ولم يكن له كبير دراية بعلم الحديث ولا الفقه.
الإمام البخاري ليس عنده دراية بعلم الحديث والفقه؟!
البخاري ذروة في الفقه، دعنا من الفقه الآن.
أيكون الإمام البخاري ليس له دراية بالحديث؟!
إذاً: من الذي له دراية في الدنيا؟!
يعني: لو قال رجلٌ: إن سيبويه لا يعرف النحو لحصبه أهل الأرض بالحجارة؛ لِمَا توافر عندهم جميعاً أن سيبويه المُبَرَّز العالِم الكبير الذي وضع أصول النحو، وأنه هو مقدم أهل البصرة، كما أن الكسائي مقدم أهل الكوفة.
فعندما يأتي شخص ويقول: إن سيبويه لا يعرف شيئاً في النحو، أو يقول مثلاً: إن عاصم بن بهدلة لا يعرف شيئاً في القراءات، والقراءة المشهورة: حفص عن عاصم ، أو يقول: إن نافعاً لم يكن يعرف قراءة القرآن! فانظر! عندما تبلغ الجرأة بهذا الشخص فيقول هذا الكلام!
وبعد ذلك يقول: وهذه المحنة الكبرى في أمتنا؛ يأخذون الدين بحسب شهرة الرجال، ولتذهب المبادئ العقلية إلى الجحيم.
لذلك -بسبب هذا وغيره- كان علينا عبء الدراسة المستفيضة للسنة حديثاً حديثاً: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
إن الذي يغيظني هو: احتجاجه بالآية، يعني: كلُّ الكلام الذي فات كَوْمٌ، واحتجاجُه بالآية: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] كَوْمٌ آخر.
وهذا يذكرني بالرجل الذي يُحكى عنه: أن امرأة ذهبت لتستأجره لقتل قاتل زوجها، فلما أتت إليه قالت له: أنا فقيرة وراعية أيتام! قال لها: نقتله لوجه الله.
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، سيقتله لوجه الله! لا يأخذ منها نقوداً!
فانظر! عندما يتكلم عن البخاري الإمامِ العَلَمِ الفرد! وماذا سيحدُث لو تكلموا عن أمثالنا، ممن ليس لهم حكمة البخاري، ولا مكانته ولا عظمته؟!
شيء عجيبٌ أن لجنة الفتوى وكبار العلماء ما زالت تغط في نومها حتى الآن!
اصحوا من النومَ، أنا عندي ثمانية عشر كتاباً، أشعلت حرباً على السنة في خلال سنتين، وأنا لا أجمع هذا الكتب ولا أشتريها إنما تصلني من مسلمين غيورين على دين الله عز وجل، يقولون: رُد، فأرسل نسخاً منها إلى إخواني وأقول لهم: رُدوا على هذا الخبث المنتشر، والإنسان إذا قرأ الكتاب يجد فيه أشياء غريبة جداً، وفيه أشياء من الشبهات، وفيه أشياء وردت في كتب أهل العلم، وأهل العلم ردوا عليها؛ ولكنهم يغضون الطرف عن رد أهل العلم.
ففي الحديث الذي بدأتُ به في خطبة ماضية، حديث الرجل الذي أمر بحرقه بعد موته وذره في الريح، هذا أصل من الأصول التي يعتمد عليها أهل السنة في الرد على الخوارج.
فالجماعة الذين يحاربون التطرف هذا حديث يرد على أهل التطرف بحق، وهم الذين يكفِّرون جماهير المسلمين ولا يعذرونهم كمثل الرجل الذي يطوف بقبر فهؤلاء يكفرونه، أما نحن فلا نكفره عيناً، الخوارج وجماعة الهجرة والتكفير والتوقف يكفرونه عيناً، ونحن لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة الرسالية التي يكفر بها، وذلك بتوفر الشروط وانتفاء الموانع، وهذا هو الاعتدال، مع اعتقادنا أن ما أتى به جُرْم من أعظم الجرائم، نحن لا نهون من جرمه؛ ولكن لا نكفره بعينه، وإن كان جرمه عظيماً، وعظَمة جرمه تتضح من حديث أبي واقد الليثي -الذي رواه الترمذي وصححه- قال: (كنا حديث عهد بإسلام وخرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمررنا على شجرة للمشركين وقد علقوا عليها أسيافهم، وكانوا يسمونها: ذات أنواط، فقال بعض المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال عليه الصلاة والسلام: الله أكبر! إنها السنن، قلتم كما قال أصحاب موسى لموسى: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]).
ألا ترون الفرق بين قول الصحابة حديثي العهد بالإسلام، وبين قول أصحاب موسى له؟
الفرق واضح، أصحاب موسى قالوا: اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، وهؤلاء قالوا: (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) اجعل لنا شجرة، وليس من اتخاذ الشجرة قصد للعبادة، فمن الممكن أن يتخذوا الشجرة ليعلقوا عليها أسيافهم؛ لكن أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم مجرد المشابهة بكلام الكافرين، فالتشبه بالمشركين في الكلام مرفوض فكيف بفعلهم؟!
فأنا أسوق هذا الكلام للجماعة الذين يعملون الأناشيد الإسلامية، ويأخذون بعض نغمات أهل الفجور في أغانيهم، فيَنْظِمُون أغاني يزعمون أنها إسلامية، مصحوبةً بدف على أوزان الأغاني الفاجرة، وشخص أخبرني أن ثمة شريطاً نازلاً:
لُوْلا لُوْلا لُوْلا لُوْلاكِ لُوْلاكِ
لُوْلا لُوْلا إسلامنا ... ... ...
ولست أعرف من (لُوْلا) هذه؟! ولا ماذا يقصد بهذا الكلام؟!
وقيل: إن ثمة أغنية فاجرة أيضاً على نفس الوزن، يقولون: نحن نستغل شهرة الأغنية والإيقاع، ونعمل أنشودة على وزنها؛ لأن الجماعة الذين تعودوا سماع النغمة المنحرفة هذه سيسمعون النغمة المعدلة، وأذنه لا تنكر الكلام.
فانظر إليهم كيف تشبهوا بأهل الفجور! وما الذي ينطبع في أذهان المستمعين وقد حفظوا الأغنية الفاجرة عندما يسمعون الكلمات الجديدة؟!
هذا مَثَلُهم كَمَثَل ممثلٍ فاجر كان ليلة أمس في أحضان امرأة لا تحل له في الفراش، واليوم يمثل عمر بن عبد العزيز في مسلسل، البارحة كان رجلاً فاجراً، والآن لابسٌ العمامةَ، ومعه لحية، ويعظ الناس، وتراه يسكب الدمع من عينيه، اتقِ الله يا مفتري! بالأمس في أحضان امرأة لا تحل لك، واليوم تمثل شخصية عمر بن عبد العزيز الإمام الخليفة العادل الورع.
ما الذي يمكن أن يخطر ببالك عند مشاهدتك لهذا؟!
أليس هذا طعناً على عمر بن عبد العزيز ؟!
أليس هذا نوعاً من الخلط في ذهن المستمع أو في ذهن المتفرج؟!
وهكذا تبهت الشخصيات القوية الكبيرة! وعندما تبهت هذه الشخصيات بمثل هذا فما معنى هذا؟!
الله عز وجل كرَّمنا كمسلمين على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فنهانا في صلاتنا أن نتشبه بالكلاب، وبالثعالب، وبالديوك، نهى عن نقر الديك، وافتراش الكلب، واحتفاز الثعلب، ونهى عن بروكٍ كبروك البعير، كل هذا إكرام لك ألا تتشبه بحيوان على الإطلاق، فكيف تتشبه بالكافرين؟!
مجرد موافقة الكافرين في أقوالهم ممنوعة.
تجد بعض الجماعة يقولون: (mersi)! (sorry)! (pardon)!
لماذا يا جماعة؟!
أَعَقِمَتْ لغتُنا العربية أن تجد فيها ألفاظاً لطيفة وجميلة؟! أَعَقِمَتْ ألفاظُنا العربية؟!
إخوانُنا أصحابُ المحلات الذي يكتبون أسماءً أجنبية على محلاتهم، والله إنني أرى أن أشرفَ منهم الرجل ( الدَّغْل ) صاحب الفول والطعمية الذي في المنصورة والمحلة، انظر! رغم الاسم العَكِر إلا أنه أشرف؛ لأن ( الدَّغْل ) لفظ عربي.
فنحن نقول لإخواننا الذين عَقِمَت اللغة العربية عندهم أن يجدوا لفظاً عربياً مشرفاً: ارفعوا هذه الأسماء الأجنبية من على المحلات.
عدوُّك الذي يقاتلُك والذي يهلكُك ها أنت ترفع عنوانَه، ولغتَه على باب محلك، أولادُك لابسون للفنائل التي عليها العلم الأمريكي، يرفعون العلم الأمريكي على صدورهم، مُعْظَمُ ملابس الأطفال عليها كتابات باللغة الأجنبية، فينطبع في أذهان الأولاد تقديس وتعظيم هذه اللغة.
فمجرد المشابهة ممنوعة، فكيف بالفعل؟!
وإن كان هناك فرق بين قول أصحاب موسى: اجْعَل لَنَا إِلَهاً [الأعراف:138] وقول الصحابة: (اجعل لنا ذات أنواط) إلا أنهم شابهوهم، فقد أنكر النبي عليه الصلاة والسلام عليهم، وقال: (إنها السنن، قلتم كما قالوا) فنَزَّلهم بمنزلة أصحاب موسى، مع أن قصدهم خلاف ذلك.
هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: أن هذه المشابهة بالقول مدعاة إلى المشابهة بالفعل.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم أن يعظموا شجرةً، مع أنهم يعلمون أنها لا تضر ولا تنفع، فكيف بدعاء الناس للأولياء في المقابر، واعتقاد الناس أنهم يضرون وينفعون! ومع ذلك أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ولم يكفرهم، ولو كان في هذا تكفير لهم، لأمرهم بالاغتسال ونطق الشهادتين.
فهذا يدل على أن من نشأ ببادية أو ببلد ليس فيه علماء ينشرون الكتاب والسنة، فارتكب شيئاً من هذه المخالفات أنه يُعذَر، وليس معنى العذر بالجهل أنه يصير سليماً، لا. بل سيؤاخذ عند الله بتقصيره في طلب العلم، ولكن لا يكفَّر، هذا معنى العذر، لكنه يؤاخذ؛ لأنه قد عرف كل شيء بتفاصيله، فكيف لم يعرف دينه؟! لكن معنى قول أهل السنة: أنه يُعذر بالجهل أي: لا يكفَّر، وليس معناه رفع المؤاخذة بالكلية.
وكذلك أيضاً من هذه الأصول: الحديث الشهير: أن معاذ بن جبل لما ذهب إلى الشام وجد الناس يسجدون للأساقفة، فقال: (لِمَ تسجدون لهم؟ قالوا: نسجد لهم تكريماً وتحيةً لهم، فقال: النبيُ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بأن أسجدَ له، فلما رجع خرَّ بين يديه ساجداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا
وهذا كله داخلٌ تحت هذا الأصل العظيم.
فتصوَّر عندما يضيع هذا الأصل.. ويضيع هذا الأصل.. ويضيع هذا الأصل.. إذاً: ما الذي يبقى لنا مع هؤلاء المبتدعة، فضلاً عن الأعداء؟!
فيا جماعة! لوذوا بعلمائكم، وارجعوا واعرفوا مَن هو العالِم الذي يُرْجَع إليه، فإن علماء الفتوى يقولون: إن العامي مقلد في كل شيء، إلا في اختيار من يقلده، فإنه مجتهد. إذاً: العامي مجتهد في اختيار مَن يقلده، ومن يتبعه في دين الله عز وجل، فإذا كنت مجتهداً فكيف لا تعرف الفرق بين العالِم وبين شبيه العالِم؟!
متى يبلغ البنيان يومـاً تمامَـه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ
ولله در من قال متوجعاً:
لو كان سهماً واحداً لاتقيتُهُ ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ
حكم قراءة كتب أهل البدع
الجواب: كتاب: عرائس المجالس، لا يحل مطالعته، وكذلك كتاب: مكاشفة القلوب، للغزالي أبي حامد لا يحل مطالعته، وكذلك كتاب: إحياء علوم الدين، لا تطالعوه، لماذا؟
لأن فيه خبثاً كثيراً في باب السلوك والتصوف، وخروجاً عن الجادة، وعن مذهب السلف، وفي العقيدة أيضاً فيه خروج عن مذهب السلف، وهو في الفقه ليس له ميزة على بقية الكتب الأخرى، وكثير من العلماء حذروا من مطالعة كتاب: إحياء علوم الدين إلا للعالِم بما فيه.
والحقيقة أن أبا حامد الغزالي نَدِم على كثير من هذه الأقوال التي أنفق عمرَه فيها، ومات وصحيح البخاري على صدره، وكان يقول: أنا قليل البضاعة في الحديث، يعني: أن بضاعته ضعيفة في الحديث. وأظن لو أن الله عز وجل مد في عمره لرجع عن كثير مما قال، واعتقد ما يعتقده أهل السنة في مثل هذه المعاني المهمة.
حال حديث: من أحب أن ينظر إلى قصور الجنة ...
الجواب: هذا حديث ضعيف.
ضابط الاحتجاج بالمصالح المرسلة
الجواب: هذه الفتوى قلتها قبل ذلك مطولة، وذكرتُ أدلتها؛ ولكن لا مانع أن أذكرها بشيء من الاختصار ما أعتقده في هذه الفتوى:
وأن مد الخطوط على الأرض كما هو في كثير من المساجد لتسوية الصف، هو في اعتقادي بدعة.
المصالح المرسلة من شروط الاحتجاج بها: أن لا يرد نص في الكتاب أو في السنة للدلالة على الفعل، ويشترط أن يكون له مقتضى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بإمكانه أن يفعل.
فنحن نقول: لماذا نضع الخط على الأرض؟
الجواب: لنصف الصفوف.
السؤال: صف الصفوف مسئولية مَن؟
مسئولية الإمام.
فالإمام قبل أن يصلي ينبغي عليه أن يصف الصفوف، أو يرسل من يصف الصفوف له، مثلما كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك كان يفعل عمر بن الخطاب كما في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في مطعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: فأرسل رجلاً فصف الصفوف حتى إذا لم يرَ خللاً كبر، فقال: الله أكبر، فما هو إلا ريثما أن قرأ حتى قال: طعنني الكلب أو قال كلمة نحو ذلك، ثم ساق حديث طعنه رضي الله عنه.
فصَفُّ الصفوف مسئولية الإمام.
السؤال: هل كان بوسع النبي صلى الله عليه وسلم أن يشد خطاً على الأرض، أم أن هذا صعب بالنسبة له؟
سهلٌ بالنسبة له أن يشد خيطاً على الأرض.
هل هذا الخط كان له داعٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
نعم. كان له داعٍ، وهو تسوية الصف.
لَمَّا كان له داعٍ وكان باستطاعته أن يفعل ذلك ولم يفعل، دل ذلك على أنه لا يجوز لك أن تفعل، إذ لو كان مشروعاً لفعل.
إذاً! هذه البدعة كم لها مِن السنين؟ كم سنة عمرها؟
أقصى مدة: خمس عشرة سنة، يعني: أنها بدعة جديدة ليس لها أثر في كتب الفقهاء، ولم يفتِ بها أحد من الفقهاء المتبوعين، بل هي بدعة حديثة.
هذه البدعة كان من آثارها السيئة: أن الإمام يعطي قفاه للمصلين ويقول وقفاه لهم ووجهه إلى القبلة: استووا يرحمكم الله، فضيَّع واجبه الذي كان من المفروض أن يفعله، فهذه البدعة ما نجمت ولا ظهرت إلا بسبب تقصير الأئمة في القيام بواجبهم.
إنما لو صح أن نقول: هذه من المصالح المرسلة: إذا لم يكن لها مقتضىً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يَرِد نص بمنعها، ثم إن المصالح المرسلة تحقق لنا مصلحة، مثل: تغريم الصُّنَّاع، ومثل: إشارة المرور، كما هو معلوم أن الصُّنَّاع يغلب عليهم الإهمال، فتذهب لتعطيه سيارتك ليفكها، فيضيِّع عليك نصف السيارة، فتشتري قطع الغيار كلها من جديد. فكان ينبغي أن يُغَرَّم الصانع هذا كله، وهذا مشروع، وحقق الشاطبي أنه مشروع، وأفتى به علي بن أبي طالب وغيره، واعتبر أن هذه من باب المصالح المرسلة، لِمَا غلب على هؤلاء الصُّنَّاع من الإهمال.
فتضمينُهم هذا يعتبر هو المراد في الشريعة، وحزمٌ ضد فوضى هؤلاء.
وكذلك مثل إشارة المرور، هل ثَمَّ نهي عنها؟ هل كان بإمكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يعملها قبل هذا؟
لم يكن هناك مقتضى، وليس هناك نهي عنها، وهي تحقق مصلحة للمسلمين، فهذه تكون داخلة في باب المصالح المرسلة.
لكن الخط لا يدخل في هذا بسبيل، لاسيما أننا نشد الخط لعبادة؛ لأن تسوية الصف داخل في باب العبادة.
والله أعلم.
حكم صيام النصف الأخير من شعبان
الجواب: إذا كان الصيام بدأ من نصف شعبان، فهناك حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) مع حديث: (لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين).
فالجواب أولاً: إن حديث (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) طعن في صحته الإمام أحمد وغيره، وقال: هذا حديث منكر، وصححه بعض أهل العلم.
وعلى التسليم بصحته فنحن نقول ما قال العلماء: إن هذا يكون في حق من ليس له صيام الراتب، فاستأنف الصيام من نصف شعبان.
فالذي لم يتعود على صيام الراتب، إذا انتصف شعبان فلا يصُم.
أما من كان له صيام راتب فهذا له الحق أن يصوم بعد نصف شعبان بشرط أن لا يصوم قبل رمضان بيوم أو يومين خشية أن يصوم يوم الشك.
إذاً: الجمع بين الحديثين أن مَن كان له صيام راتب فله أن يصوم؛ لكن قبل رمضان بيوم أو يومين يقطع الصيام، والذي لم يكن له صيام راتب فإنه لا يصوم بعد النصف من شعبان.
حكم أخذ التعويضات من العراق والكويت
الجواب: نعم. حلال. خُذْها.
الإسراء والمعراج وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماماً
الجواب: أما مسألة أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم: فهذا ثابت في الخبر.
وأما مسألة الصلاة بهم وكيف كانت الصلاة فلم يرد في الأحاديث، أو على حد علمي لا أعلم حديثاً من هذه الأحاديث كيف كانت صلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء.
أما لماذا كان يسأل؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل بنفسه، وإنما جبريل كان يخبره، ولم يكن ليتقدم بين يدي جبريل عليه السلام بشيء، فهذه أول رحلة له صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرف شيئاً، فكان يسكت حتى يعلمه جبريل عليه الصلاة والسلام، وهذا من أدبه صلى الله عليه وسلم، وليس معنى أنه عُرِّف بهم أنه لا يعرفهم، أعني: أحياناً قد تعرف إنساناً ما ويأتي إنسانٌ فيقول لك: هذا فلان الفلاني، فتقول: نعم. أعرفه، فليس معنى أن فلاناً عرَّفك به أنك لا تعرفه، ولَمْ يرد في الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يعرفهم؛ لكن هذا داخل في أدبه صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
فضل حفظ القرآن وحقيقته
الجواب: أحاديث فضل الحفظ ليس فيها معنى الحفظ المجرد، بل فضل الحفظ مع العمل كما في الحديث: (يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأْ وارقَ ورتلْ كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) هذا الحديث لا يشمل مَن حَفِظ القرآن وأكل به، أو لعب به، أو اشترى به ثمناً قليلاً بداهةً.
فكل الأحاديث في فضل الحفظ: إنما هي في الحفظ مع العمل، وليست في الحفظ المجرد، ولذلك تدرك فضل الصحابة بهذا البيان.
صحيحٌ أنه لم يكن أغلبهم يحفظ القرآن؛ لكن كانوا يقفون عند حدود ما أنزل الله عز وجل، كما روى أبو عبد الرحمن السلمي ، عن عثمان ، وابن مسعود قالا: كنا إذا حفظنا عشر آيات لم نتجاوزهن حتى نعمل بهن، فحفظنا العلم والعمل جميعاً.
إذاً: الصحابة كان كل شغلهم أنهم يتعبدون، ويحولون هذا القرآن إلى واقع عملي، إذا وردت: (اتقوا الله) فإنهم يقفون عند الآية ليحققوا التقوى.
إذاً: فضيلة الحفظ ليست في الحفظ المجرد العاري عن العمل، ولهذا صدق ابن عمر وصدق حذيفة لما قالا: (لمقام أحدهم في الصف ساعة خير من عمل أحدكم في الدنيا كلها).
استمع المزيد من الشيخ أبو إسحاق الحويني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أسئلة وأجوبة[1] | 2879 استماع |
التقرب بالنوافل | 2827 استماع |
حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده | 2769 استماع |
لماذا نتزوج | 2706 استماع |
انتبه أيها السالك | 2697 استماع |
سلي صيامك | 2670 استماع |
منزلة المحاسبه الدرس الاول | 2656 استماع |
إياكم والغلو | 2632 استماع |
تأملات فى سورة الدخان | 2619 استماع |
أمريكا التي رأيت | 2602 استماع |