ليلة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

فدرسنا هذا المساء بعنوان: (ليلة في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وسنستعرض هذه الليلة الحديث الشهير المعروف بـ(حديث أم زرع)، ونحن في أمس الحاجة إلى مثل هذه الدروس لإعادة الدفء الذي حل محله البرود في البيوت، وصارت الشركة بين الرجل والمرأة قائمة على أنها هي أخف الضررين، فكثير من البيوت تقوم بسبب الأولاد، مع أن الرجل يتمنى لو أنه فارق المرأة والمرأة تتمنى لو أنها فارقت الرجل، وكلاهما يعيش مبغضاً للآخر، لكنه يصبر بسبب الأولاد، ولو لم يكن بينهما أولاد لتفرقوا كل في ناحية.

هذا الدرس وأشباهه يبين لنا أن هذا الدفء الذي تعاني كثير من بيوت المسلمين فقده، سببه أنهم لا يترسمون خطا النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة النساء، وكذلك النساء لا يترسمن خطا أزواج النبي عليه الصلاة والسلام في ضرب المثل في الوفاء، وفي معرفة لماذا خلقت هذه المرأة، ومعرفة حدود طاعة الرجل.

إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أكثر من موقف؛ بل حياته الكريمة كلها مليئة بهذا النموذج العطوف، فقد كان يعامل النساء معاملة في غاية الرفق وفي غاية الرفعة، وقد أوصانا عليه الصلاة والسلام بالنساء فقال: (رفقاً بالقوارير)، وحديثنا ليس عن الحد الأدنى أو ارتكاب أخف الضررين في العلاقة الزوجية.. إنما نحن نرتقي إلى ما هو فوق هذا، ونضرب المثل بالإحسان، وكما سيظهر من خلال فوائد هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أفضل زوج على وجه الأرض.

روى الإمام البخاري في صحيحه في كتاب النكاح، (باب السمر مع الأهل)، ورواه الإمام مسلم في كتاب الفضائل من صحيحه، وكذلك رواه الإمام النسائي في كتاب عشرة النساء، ورواه كثيرون، وسوف الزيادات التي وردت في روايات من لم أذكرهم في أثناء الكلام.

قالت عائشة رضي الله عنها وهي تقص على النبي عليه الصلاة والسلام حكاية : (جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى.

وقالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.

وقالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق.

وقالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة.

وقالت الخامسة: زوجي إذا دخل فَهِد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد.

وقالت السادسة: زوجي إذا أكل لف، وإذا شرب اشتف، وإذا اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث.

وقالت السابعة: زوجي عيايا أو غيايا، طباقا، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلاً لك.

وقالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب.

وقالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد.

وقالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك! مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك.

وقالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع! أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح. أم أبي زرع! فما أم أبي زرع عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع! مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع! طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع! لا تبث حديثنا تبثيثاً، ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً.

قالت: فخرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً ثرياً، ركب سرياً، وأخذ خطياً، وأراح علي نعماً ثرياً، وأعطاني من كل رائحة زوجاً، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، قالت: فلو أني جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله عنها: كنت لك كـأبي زرع لـأم زرع ).

وفي رواية النسائي قال لها: (ولكني لا أطلقك)، هذه الزيادة وردت عند الإمام النسائي .

هذا حديث ألفاظه قوية جزلة، وقد كانت عائشة رضي الله عنها من أفصح الناس، ولها خطبة في الدفاع عن أبيها أبي بكر الصديق في غاية الروعة، شرحها أبو بكر ابن الأنباري في جزء مفرد، فـعائشة رضي الله عنها تحكي هذه الحكاية الطويلة والرسول عليه الصلاة والسلام الموصول بالله عز وجل، والذي يحمل أعباء الدين كله، جالس يسمع ويعطي أذنه لها، ثم يعقب على هذا الحديث بأن يختار أفضل رجل ضرب به المثل في هذا الحديث، فيقول لها: (كنت لك كـأبي زرع لـأم زرع ) .

وهذا المجلس الذي حكته عائشة مجلس نميمة، وهذا هو الغالب على مجالس النساء.

خبر المرأة الأولى

بدأت القصة بامرأة أردت زوجها صريعاً بالضربة القاضية في الجولة الأولى، تقول: (زوجي لحم جمل غث)، الغث: هو الرديء، تشبهه بأنه لحم جمل رديء، ومعلوم أن أغلب الناس ليس لهم شغف بلحوم الجمال، وهذا اللحم مع أنه لحم غير مرغوب فيه، فهو غث أيضاً، أي: لو كان لحماً جملياً نظيفاً، أو كان لحم قعود صغير لقبلناه على مضض، لكنه جمع ما بين أنه لحم جمل وبين أنه غث ورديء أصلاً.

تقول: (زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر)، قليل من لحم جمل على قمة عالية، ومن الذي سيصعد ويجهد نفسه ويتسلق الجبل لأجل قليل من لحم غث؟ فهي تقول: (على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى)، أي: ليس جبلاً سهل المرتقى، فيمكن الصعود عليه لنأكل اللحم الذي عليه، وليت الجبل إذ هو وعر أن يكون هذا اللحم لحم ضأن مثلاً أو نحوه.

وهي تريد بهذا أن تقول : إن الرجل جمع ما بين سوء الخلق وسوء المعشر، فأخلاقه سيئة جداً لدرجة أنك إذا أردت أن ترضيه كأنك تتسلق جبلاً.

وهناك بعض الناس هكذا، إذا أردت أن ترضيه تبذل جهداً عظيماً حتى يرض عنك، فأخلاقه وعرة كوعورة الجبل، فهي تصف زوجها بهذا.

خبر المرأة الثانية

وقالت المرأة الثانية: (زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره).

تقول: أنا لن أتكلم، ولا أبث خبره، ومع ذلك فقد تكلمت! وفي الرواية الأخرى: (زوجي لا أثير خبره، إني أخاف ألا أذره)، يقول العلماء: إن (لا) هنا زائدة، والمعنى: إني أخاف أن أذره، أي أخاف أن يطلقني لو أفشيت خبره، وإذا تكلمت سأذكر عجره وبجره.

وأصل العجر هو: انتفاخ العروق في الرقبة، والبجر: انتفاخ السرة، فكأنها قالت: له عيوب ظاهرة وباطنة، فكنت عن العيوب الظاهرة بالعجر، الذي هو انتفاخ العروق، وهذا فيه تشويه لجمال الرقبة، فكأنها تصف هذا الرجل أن عيوبه الظاهرة ظاهرة وجلية ومعروفة غير مستترة، وله عيوب خفية لا تعرفها إلا المرأة، وكنت عنها بالبجر، الذي هو انتفاخ السرة.

ومنه قول علي رضي الله عنه في يوم الجمل: (إلى الله أشكو عجري وبجري)، وهذه المرأة أيضاً تذم زوجها.

قلة الوفاء في النساء

وعدد النساء اللواتي ذممن أزواجهن أكثر من عدد النساء اللواتي مدحن أزواجهن، وهذا مصداق لقول النبي عليه الصلاة والسلام لما أتى النساء في يوم عيد، ووعظهن: (يا معشر النساء! تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة من سطة النساء فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن.. فقلن: نكفر بالله؟ قال: لا. تكفرن العشير -أي: الزوج- لو أحسن الرجل إليكن الدهر ثم رأيتن منه يوماً سوءاً لقلتن: ما رأينا منك خيراً قط).

فهذا خلق النساء، ولذلك فإن الوفاء في النساء قليل، والرجل إذا رزقه الله سبحانه وتعالى بزوجة وفية صالحة فإن هذا فعلاً هو متاع الدنيا؛ لأن الوفاء في النساء قليل، وحديث النبي عليه الصلاة والسلام خرج مخرج العموم، وإن كان خطابه موجهاً لنساء الصحابة.

خبر المرأة الثالثة

ثم قالت المرأة الثالثة: (زوجي العشنق)، العشنق: هو الطويل المغفل الذي بلا منفعة، والعلماء يقولون: إن العشنق رأسه صغير وقامته طويلة، وفيه تباعد ما بين الدماغ والقلب، فيمكن أن تنقطع الصلة بينهما فيبقى عنده عقل بلا قلب، أو قلب بلا عقل، تقول: (زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق)، فلا حيلة لها معه، وفي الرواية الأخرى: (وأنا معه على حد السنان المذلق)، أي: تعيش معه على شفا جرف هار، فلا اطمئنان على الإطلاق في حياتها مع هذا الرجل، فهذا الرجل بلغ من سوء خلقه أنه لا يتيح لها الفرصة لا لتتكلم، ولا لتسكت، فعلى كلا الحالين إذا سكتت أو تكلمت فإنه سيطلقها، لكن هي تحبه، أو أنها تريد أن تعيش معه ليطعمها، فهي تسكت على سوء خلقه، ولو سكتت فإنه يعلقها فلا هي متزوجة ولا هي مطلقة.

حاجة المرأة للرجل

ولسائل أن يسأل فيقول: إذاً ما هي الميزة في المعيشة مع هذا الرجل؟

والجواب أن نقول: إن المرأة تحسب ألف حساب لطلاقها، فلو عاشت للأكل والشرب فقط لكان هذا عندها ميزة، فالمرأة تصبر على هذه الحياة المرة لأجل أن تعيش في كنف الرجل. وقد وجدت كثيراً من المشاكل من هذا القبيل، فقد كان أن بعض النساء يرسلن رقعاً مكتوبة، ويتكلمن مشافهة عن الكرب الذي تعيش فيه في بيت أبيها، وتريد أن تتزوج بأي إنسان؛ لأنه إذا كان هناك كرب على أي محور، فكرب تأكل وتشرب معه أفضل من الكرب مع الضيق، فهي مسألة موازنة، فالمرأة لم تطلب الطلاق من زوجها بالرغم من هذا الرفض لشأن هذا الرجل؛ بسبب أنها تحتاج إليه، والله عز وجل قد فطر المرأة على الاستئناس بالرجل، ويقولون في المثل: ظل رجل ولا ظل حائط. وفي خبر هذه المرأة وصلنا إلى الحد الأدنى، وليس هناك أدنى من ذلك، فهذه المرأة تقول: إن زوجها طويل وليس فيه منفعة، ومع هذا الطول المفرط فهو سيء الخلق، لا تستطيع أن تشتكي منه، وإذا سكتت فإن النتيجة أنه يعلقها فيدعها لا هي متزوجة ولا هي مطلقة.

خبر المرأة الرابعة

أما المرأة الرابعة فقد وصفت زوجها وصفاً جميلاً، وهي أول امرأة تصف زوجها بخير، تقول: (زوجي كليل تهامة)، ومعروف أن ليل تهامة من أفضل الأجواء .. (زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة)، أي: لطيف المعشر، وحسن العشرة، (لا حر): أخلاقه ليست شديدة، (ولا قُر): أي: ليس بارداً، (ولا مخافة ولا سآمة)، فالمرأة تأخذ راحتها في الحوار، فتتكلم معه ولا تسكت.

الرفق بالنساء

وأردأ الرجال هو الرجل الذي لا تشعر المرأة بالأنس معه، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجلس لأزواجه ويستمع شكايتهن، ويحل المواقف العصيبة جداً بكل راحة واطمئنان، ولو تعلمنا من النبي عليه الصلاة والسلام صفة الزوج الصالح لانتهت مشاكل البيوت.

ففي الصحيحين عن عائشة قالت: (ما رأيت صانعة طعام أجود من صفية ، ففي يوم من الأيام أرسلت صفية رضي الله عنها إناء فيه طعام إلى بيت عائشة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ومعه ضيوف، فأخذت عائشة الإناء وكسرته، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابة: غارت أمكم، ثم أخذ إناءها وأرسله إلى صفية ، وقال: طعام بطعام وإناء بإناء)، فانتهت المشكلة، وحُلت بابتسام، وهكذا إذا عز أخوك فهُن، فإذا كانت المرأة متعصبة ومتصلبة فهُن، ولا يأخذ الرجل العناد والأنفة ويبادر بالطلاق، فيصرح به في وقت، ويكني في وقت آخر، كما لو كان الطلاق سيسحب منه، فيريد أن يستخدمه قبل أن يسحب منه.

المرأة أسيرة عند زوجها

لابد أن يعلم الزوج أن المرأة أسيرة عنده، وهذا الوصف وصفها به النبي عليه الصلاة والسلام عندما أوصى بالنساء في آخر ما تكلم به عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت، فقد قال: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم)، عوان: يعني أسيرات، فحتى لو أن المرأة فرت منك فإنها لا تستطيع أن تتزوج غيرك إلا إذا أعطيتها الإفراج، وإلا فستظل في سجنك مدة طويلة، وبعض المذاهب كالأحناف يقولون: تظل في سجنك مدى الحياة، والمالكية يقولون: القاضي يطلق إذا ثبت الضرر، لكن على أي حال هي في السجن، فعندما تكون المرأة مسجونة وأنت السجان، فلابد أن تقدر هذه العلاقة، وأن المرأة في النهاية لا تستطيع أن ترغم أنفك على شيء، فكن معها حليماً، وحاول أن تحل أصعب المواقف بالابتسامة وبالكلمة الطيبة.

حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع نسائه

إن من جوانب عظمة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه تزوج تسع نسوة ومع ذلك فعل الذي فعل في حياته صلى الله عليه وسلم، والرجل منا لو تزوج مثلاً بامرأتين، وابتلاه الله عز وجل بإحداهن أو بهن معاً؛ فإنك تجده يكلم نفسه في الشارع، ويتمتم وهو يمشي، فيظن من يراه أنه يسبح ويقول: يا فلان أنت تسبح؟ فيقول: لا. أنا أحسبل، أي: يقول: حسبي الله ونعم الوكيل! مع أنهن امرأتان فقط.

وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان معه تسع نسوة، ومرت عليه مواقف صعبة تتعجب من تصرفه فيها! ففي الصحيحين من حديث عائشةعائشة رضي الله عنها كانت طرفاً دائماً في كل حادثة- تقول عائشة رضي الله عنها: (كان الناس يتحرون بهداياهم ليلة عائشة )؛ لمعرفتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها ويقربها، فأنت إذا أحببت حبيبي فأنت حبيبي، فحبيب حبيبي حبيبي، وعدو حبيبي عدوي، هذه هي قاعدة الولاء والبراء، لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ [المجادلة:22]، فالصحابة كانوا يتحرون بهداياهم ليلة عائشة ، فتكون عند عائشة هدايا كثيرة، وكان بقية زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يردن مثل هذا أيضاً، وأردن أن يقسمن هذه الهدايا بالتساوي، فأرسلن أحب الناس إليه، وهي فاطمة رضي الله عنها، قالت عائشة : (فجاءت فاطمة لا تخطئ مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في لحافي، فدخلت، فلما رآها قال: أهلاً بابنتي، فجلست فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك يسألنك العدل في ابنة ابن أبي قحافة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أي بنيتي! أتحبينني؟ قالت: أجل، قال: فأحبي هذه)، ففهمت الجواب، وهو أنها لا تراجعه، وكان جميع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعات في بيت إحداهن ومنتظرات النتيجة، فدخلت فاطمة رضي الله عنها وقالت: (والله لا أراجعه فيها أبداً)، فلم ييأسن وأرسلن أحب أزواجه إليه بعد عائشة، وهي زينب رضي الله عنها، تقول عائشة رضي الله عنها: (فجاءت زينب وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في لحافي، فتكلمت، وفي بعض الروايات تقول عائشة: وجدعت، أي: قالت كلام ثقيلاً، قالت عائشة رضي الله عنها: فنظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل يكره أن أنتصر؟ وهي بخبرتها وعشرتها معه تعرف إذا كان كارهاً أو غير كاره.

مراعاة المرأة لمشاعر زوجها

فهذا درس للنساء يتعلمن منه، وينظرن إلى هذا الوفاء، فإذا كان هذا الفعل يعكر على الزوج فلا تفعله، فإن عائشة رضي الله عنه ما قامت ودافعت، إنما قالت: (فنظرت إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم هل يكره أن أنتصر؟)، فهذا درس تعلمه السيدة عائشة للنساء، أنها تراعي زوجها، فإذا كان زوجها يتعكر من صفة معينة، فلا يجوز أن تفعلها أبداً، وهذا هو مقتضى الوفاء والعشرة بالمعروف.

وهذه أسماء رضي الله عنها تقول كما رواه البخاري في صحيحه: (تزوجني الزبير بن العوام وما له في الأرض شيء، غير أرض أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم إياها على بعد ثلثي فرسخ من المدينة)، والزبير بن العوام كان شديداً، وكان متزوجاً بامرأتين، فإذا أراد أن يضربهما ربط ظفائرهما في بعض حتى لا تهربان، فكانت المرأة الأخرى تتقي الضرب بيديها، أما أسماء فما كانت تحسن ذلك، فكان يظهر أثر الضرب عليها وينتفخ وجهها، فتذهب وتشتكي الزبير ، فيقول أبو بكر لها: (ارجعي يا ابنتي فإن الزبير رجل صالح).

المرأة لآخر أزواجها

وقال لها: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرأة لآخر أزواجها)، أي أن المرأة إذا مات زوجها، وكانت تحبه، وهي تستطيع أن تعيش وحدها بلا زوج، فلا تتزوج؛ حتى تكون زوجة زوجها الذي تحبه ومات عنها؛ لأن المرأة لآخر أزواجها، حتى إن أم الدرداء الفقيهة عندما أرسل إليها معاوية بن أبي سفيان يريد أن يخطبها، ومعاوية كان أمير المؤمنين، فقالت له أم الدرداء : (يا معاوية! ما مثلك يرد، ولكني عاهدت أبا الدرداء عهداً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة لآخر أزواجها)، فقال لها أبو الدرداء : (تعالي نتعاهد -وهو حي- ألا تتزوجي بعدي)، حتى تكون زوجته في الآخرة.

فكان أبو بكر يقول لـأسماء : (يا بنيتي! إن الزبير رجل صالح)، فقسوة الزبير رضي الله عنه وشدته كانت معروفة عنه، حتى إنه ذات مرة كان جالساً مع عمر بن الخطاب يتكلمون، فقال الزبير : (أنا مؤمن الرضا كافر الغضب)، يعني: عندما أرضى أكون كالنسيم، وعندما أغضب أتغير كثيراً، فقال له عمر مداعباً: (أظنها لو آلت إليك -يعني الخلافة- لظللت يومك بالبرحاء تقاتل على مد من شعير)، أي: من الممكن أن تعلن حالة الطوارئ القصوى إذا أخذ أحد قليلاً من الشعير، فكان هذا معروفاً عن الزبير رضي الله عنه، وهو أحد العشرة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة، وقال فيه : (لكل نبي حواري وحواريي الزبير بن العوام).

فتقول أسماء رضي الله عنها أنها كانت تذهب إلى هذه الأرض التي كانت على بعد ثلثي فرسخ، وتأتي بالنوى، وتدقه للفرس، وذات مرة وهي آتية من هذه الأرض تحمل النوى على رأسها، رآها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يركب دابته ومعه نفر من أصحابه، قالت: (فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم البعير ودعاني للركوب خلفه، قالت: فاستحييت، وذكرت الزبير وغيرته، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنني استحييت مضى، فلما ذهبت إلى البيت ذكرت للزبير أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعاها للركوب خلفه، فذكرت غيرته فلم تركب، فقال لها الزبير : لمشيك أشد علي من ركوبك خلفه)، فمن شدة غيرته تراعي هذه المرأة الصالحة هذا الأمر عند زوجها، والزوج كما يقول بعض العلماء: مفتاح الجنة بالنسبة للمرأة، أو أحد مفاتيحها؛ للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأسماء بنت يزيد : (أي هذه! أذات بعل أنت؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه -أي: لا أقصر في طاعته- قال: انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك)، فحق الزوج عظيم جداً.

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (فنظرت إليه هل يكره أن أنتصر؟ فلما علمت أنه لا يكره أن أنتصر، قمت لها فأفحمتها، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنها ابنة أبي بكر

) )، وانتهى الإشكال، بل لا إشكال أصلاً، فانظر إلى حلمه عليه الصلاة والسلام، وكل نشوزٍ أو جل النشوز في البيوت سببه الرجل؛ لأنه لا يقوم بحق القوامة، ولو قام بحق القوامة لقل أن تنشز المرأة، وأنا لا أقول هذا الكلام من كيسي؛ بل أقول هذا الكلام بالبحث الميداني، وقد رأيته بعيني، فلا تنشز المرأة إلا بعدما يهدر الرجل قوامته أو بعضها أو يتسامح فيها.

قوة المرأة في ضعفها

فالمرأة ضعيفة وهي مجبولة على أن تأنس بالرجل، وقوتها في ضعفها، والذين أرادوا أن يحرروا المرأة أرادوا أن يحرروها من الزوج، وأرادوا أن تصير لها مواصفات الرجل، وهذا لا يمكن؛ إذ لا يمكن أن يعيش الرجل مع رجل في البيت أبداً، فالمرأة قوتها في ضعفها، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال لنا ذلك، فقد قال: (ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم منكن)، فلا يوجد أحد يستطيع أن يخدعك إلا المرأة، فقوتها في ضعفها. وأهم شيء عند المرأة أن تشعر بالدفء، وأول ما تبدأ تشعر بالبرودة، تبدأ تكبت وتخون زوجها مثلاً بالمال، فتسرق زوجها؛ لأنه ليس له أمان، وتكذب؛ لأن الرجل لا يقبل اعتذاراً، فالرجل هو الذي يعلمها الكذب، وهذا هو الإرهاب، لكن المرأة إذا أعطيتها الدفء تأخذ منها كل شيء، وتكون امرأة صالحة.

المرأة تحب الأمان عند زوجها

فهذه المرأة تقول: (زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر).. أي: ليس ناراً على زيت حار، كلما يتكلم يتطاير الشر من عينيه، (ولاقر) أي: بارد ليس عنده إحساس أبداً، وقلما يتحرك، فهو لا هكذا ولا هكذا.. (ولا مخافة): أي: لا تخاف أنها تقول أي شيء بحضرته؛ لأنه يعذرها دائماً، كما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يفعلن، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم يقول لـعائشة: (إني لأعرف غضبك من رضاك) مع أن رضاها أو سخطها لا يضره؛ بل رضاه وسخطه هو الذي يضرها أو ينفعها يقول: ( إني لأعلم إن كنت عني راضية أو علي غضبى، فقالت: وكيف تعلم ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كنت عني راضية تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى تقولين: لا ورب إبراهيم)، مع ان المعنى واحد.

ومثل هذا فعل ابن عمر، فقد كان له جارة عجوز، فكان يقول لها: (خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام)، فتبكي، مع أن خالق الكرام واللئام واحد وهو الله عز وجل.

فـعائشة رضي الله عنها تعترف وتقول: (نعم والله ما أهجر إلا اسمك)، فتعترف وهي آمنة، طالما أنها لم تأت معصية لله عز وجل، فهي آمنة، حتى لو ساء خلقها مثلاً على زوجها، والمرأة تحب هذا الطراز من الرجال الذي تعيش آمنة في كنفه.

خبر المرأة الخامسة

وقالت الخامسة: (زوجي إذا دخل فهِد، وإذا خرج أسد، ولا يسأل عما عهد). اختلف شراح الحديث هل قولها هذا خرج مخرج الذم أم خرج مخرج المدح؟ لكن الظاهر أنه خرج مخرج المدح، فقولها: (زوجي إذا دخل فهد) يقولون: من طبع الفهد -وهو الحيوان المعروف- أنه كثير النوم، فهي تصفه بالغفلة، والرجل الذي يزيد ذكاؤه عن الحد، والذي يتتبع كل صغيرة وكبيرة، رجل متعب جداً، فلا بد من شيء من التغافل.

قيل لأعرابي: من العاقل؟ قال: (الفطن المتغافل). يعني: الذي يتجاهل بإرادته، وليس لازماً أن يُعرفها أنه يعرف، ولكنه يتجاهل بإرادته؛ لأن هذا يضيع حلاوة التغافل.

من أخلاق الزوج الجيد المداراة

فلابد للرجل -وإن كان سيداً مطاعاً أو ملكاً متوجاً- أن يداري رعيته.. والمداراة من خلق المسلم الحاذق، وكم من مشاكل تحصل في البيوت بسبب أن الرجل لا يداري! مع أنه يمكن أن تمر هذه المشاكل بسلام لو أن الرجل تغافل قليلاً، وقد أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا التغافل فقال: (إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته ظل على عوجه، فاقبلوهن على عوج).

أي: أن المرأة فيها عوج، والمطلوب من الرجل أن يميل مع هذا العوج ولا يظل مستقيماً دائماً، وهذا معناه أن الرجل ينزل من مكان الرجولة إلى مستوى المرأة، والرسول عليه الصلاة والسلام أفضل من مشى على الأرض بقدميه، وأعبد من عبد لله عز وجل، ما نقص من هذه المكانة العظيمة شيئاً لما قال للصحابة يوماً: (تقدموا، ثم قال لـعائشة : تعالي أسابقك، قالت: فسابقته فسبقته، قالت: فتركني حتى نسيت، وحملت اللحم -أي: صارت سمينة- وفي غزوة من الغزوات قال لهم: تقدموا، ثم قال لها: تعالي أسابقك، قالت: فسابقته فسبقني، فجعل يضحك، ويقول: هذه بتلك)، فهذا الفعل ما نقص من قدره صلى الله عليه وسلم؛ بل زاد فيه.

فأنت إذا أردت أن ترفع مستوى المرأة حتى تصير مثلك؛ فكأنك تريد رجلاً آخر في البيت، وهذا لا يصلح؛ لأنك لا تستطيع أن تعيش مع رجل آخر، والمرأة لو كان فيها جدية وطبيعتها مثل الرجال فلن تستطيع أن تعيش معها أبداً، فاللازم أنك تكون على مستوى المرأة، وتنزل من مكان الرجل إلى مستوى المرأة، وهذا النزول اسمه: المداراة، فمثلاً: رجل من طبع امرأته أنها لا تكاد ترضى، بل دائماً تصفه بأنه لا يفهم، ولا يعرف شيئاً، والناس كلهم يخدعونه، فذهب واشترى حذاء مثلاً، والبائع أكرمه فعلاً. فتسأله: بكم اشتريته؟ فيقول: بأربعين جنيهاً، فتقول: لقد خدعك.. لو كنت أنا الذي أشتريه لاشتريته بعشرين جنيهاً فقط، فتكدر على الرجل هذه الهدية، بدلاً من أن تقول له: الله يبارك فيك، الله يحفظك، الله يوسع عليك، ونحن دائماً نتعبك .. مع أنها لن تخسر شيئاً إذا قالت هذا الكلام.

والرجل إذا ذهب واشترى شيئاً وهو يعلم أن امرأته ستظل تقول له: لقد خدعوك، فإنه يتخلص ويقول لها: هذا هدية، وينهي الأمر بدلاً من أن يكدر حاله، فإذا كنت تعرف أن هذا الخلق موجود في المرأة، فلا داعي لأن تكدر الحياة؛ بل لا بد من المداراة؛ إذ هي خلق المسلم الحاذق، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يداري، وقد علمنا ذلك.

أما دليل المداراة: فهو حديث في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (بئس أخو العشيرة)، فلما دخل الرجل، ألا الرسول عليه الصلاة والسلام له الكلام، واستقبله استقبالاً حافلاً، وأخذ الرجل حاجته ومضى، وعائشة رضي الله عنها ترى وتسمع الموقف، فقد قال له أولاً: (بئس أخو العشيرة)، وهذا ذم له، والآن يلين له الكلام، ويفرش له العباءة، فقالت: (يا رسول الله! قلت ما قلت وفعلت ما فعلت!) فقال عليه الصلاة والسلام: (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يتقى لفحشه)، أي: الذي تحترمه لأنه قليل الأدب، وتحترمه لأن لسانه شديد، فهذا شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة. فهذا الحديث أصل في المداراة، وهناك فرق واضح جداً بينها وبين النفاق.

فهذه المرأة تمدح زوجها وتقول: (إذا دخل فهد)، فوصفته بالغفلة؛ لأن الفهد موصوف بالغفلة وكثرة النوم.

ثم أردفت تقول: ولا تظنوا أنه مغفل في وسط الرجال؛ بل (إذا خرج أسد) أي: كالأسد، فوصفته بأنه يتغافل عما يكون في البيت، لكنه إذا خرج فهو رجل في وسط الرجال.

عدم سؤال الرجل امرأته عن كل شيء

قالت: (ولا يسأل عما عهد)، فلا يأتي ويقول لها: أنا أعطيتك موزاً فأين ذهبتِ به؟ مثل ما يذكرون عن بعض البخلاء أنه كان كلما يحضر لحماً كان يعد اللحم، فيأتي فيلقى اللحم ناقصاً ثلاث قطع أو أربع. فيسأل: أين باقي اللحم؟ فتقول له: أكلها القط، فيأتي بميزانه إذا خرج، فيزن اللحم، ويزن القط، وبعد ذلك يذهب لعمله ثم يأتي، فيجد ثلاث قطع قد ذهبت، فيحضر القط ويزنه فلا يجد شيئاً .. وهذا لا ينبغي؛ بل كن كريماً، فربما كانت المرأة مثلاً تعطي بعض الشيء لأهلها، أو تتصدق، أو نحو ذلك، فلا تحرجها؛ بل وسع عليها، فالمرأة هذه تقول: (ولا يسأل عما عهد). وهذا من كرمه وإغضائه، إذاً: فهذه المرأة مدحت زوجها.

خبر المرأة السادسة

وقالت السادسة: (زوجي إذا أكل لف، وإذا شرب اشتف، وإذا اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث).

(إذا أكل لف): يلف: أي: يأكل من كل الأطباق، ولا يترك صنفاً إلا ويأكل منه، (وإذا شرب اشتف)، أي: يستمر يشرب حتى لا يبقي شيئاً، فهو نهوم، أكول، وهذا يدل على أن المرأة ماهرة، فما ترك شيئاً إلا أكل منه، ويشرب بنوع من النهم، وتكون النتيجة أنه عندما ينام يلتف لوحده، هذا هو الجزاء، ولا يشكر هذه المرأة التي طعامها جميل، وشرابها جميل، لدرجة أنه يأكل بشره، بل يكافئ المرأة بأنه إذا اضطجع التف، فهي تشتكيه.

اللف في الأكل مخالف للسنة

ومسألة اللف مخالفة للسنة، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : (يا غلام! سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك)، والبخلاء يستغلون هذا الحديث أسوأ استغلال، فيضع الجبن أمام الضيف، ويضع الديك الرومي أمامه، ويقول: كل واحد يأكل مما يليه، هكذا السنة!

ومما يحكون في قصص البخلاء: أن رجلاً دعا آخر وذبح له ديكاً رومياً، وصنع ملوخية، والضيف عادة لا يمد يده إلى اللحم في البداية، بل تجده يأكل وبطنه تمتلئ أرزاً وخبزاً وهو يقول للديك: هيت لك! لكن يمنعه حياؤه وخجله أن تقع يده أول ما تقع على الديك، فالرجل وضع الديك الرومي أمامه، والملوخية لها اسم (الشريفة) فقال له: كل من (الشريفة)، والضيف يريد أن يمد يده إلى اللحم، والبخيل يقول له: كل من (الشريفة)، فكاد الضيف أن يشبع، فمدَّ يده إلى الديك، والبخيل يقول له: كل من (الشريفة)، فقال له: اتركني مع قليل الأصل!

من أدب الضيافة ألا تحوج الضيف إلى مد يده

فينبغي ألا تحوج الضيف إلى أن يمد يده، وهذا أدب نعلمه لربات البيوت، أدب تنظيم المائدة، وتنظيم الأكل، حتى لا تحوج الضيف إلى أن يمد يده؛ بل يوضع من كل الأصناف أمام كل الضيوف، حتى لا يحتاج أحد إلى أن يمد يده، فهذا أدب من آداب وضع الطعام.

أهمية التخفيف عن المرأة بالكلمة الطيبة

هذه المرأة تقول: (زوجي إذا أكل لف، وإذا شرب اشتف، وإذا اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث)، إيلاج الكف: أن يولج الرجل يده على امرأته ويربت على كتفها، والمرأة تحتاج بعد عناء اليوم الطويل إلى هذه الكلمة الطيبة، فهي طوال يومها في المطبخ، وتطعم الأولاد، وتنظف البيت، فهي تحتاج إلى كلمة طيبة، كأن يقول لها: لقد تعبتِ اليوم، جزاك الله خيراً، ويتكلم بهذا الكلام، واعلم أنك عندما تقول هذه الكلمات، لو أن المرأة نقلت جبلاً من مكان إلى مكان؛ فإنه يزول عنها الهم، ويزول عنها التعب. فهي تحتاج إلى كلمة طيبة، وأنت كلما تدخل وتقول لها: جزاك الله خيراً، أنت تتعبين لأجلنا، وأنت أيضاً تتعب لأجلها، وهذه حقيقة معروفة، لكن أنت إذا اعترفت بجميلها اعترفت بجميلك، فأنت تؤدبها، وتعينها على أن تقدم