خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36178"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
جيل الصحابة[1]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قال الله عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] .
قال جماعة من أهل العلم -من المحققين منهم-: إن هذه الآية خاصة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تتعداهم إلى غيرهم.
وقال آخرون: بل تتعدى إلى غيرهم إذا كانوا على نهج الصحابة.
وعلى أي حال، فإن الآية نزلت فيهم، فهم المقصودون أولاً بها: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] .
وأنت إذا تدبرت حياة الصحابة ومواقفهم، وهجرتهم، وتركهم الأموال والضياع والأولاد والبيوت لله عز وجل، علمت أنهم كذلك، فليس هناك جيل على الإطلاق يساويهم، لا رجالهم ولا نساءهم.
وهذه مواقف من مواقفهم حتى تعلم أن هذا الجيل ينبغي أن لا يمس بسوء وفينا عين تطرف، فليس لنا جيل مشرق في حياتنا نفاخر الدنيا به إلا هذا الجيل.
قصة سعد بن أبي وقاص مع أمه
فطاعة الوالدين لها حدود، إلا طاعة الله ورسوله، فطاعتهما مطلقة، وكل إنسان في الدنيا طاعته مقيدة بقيدين: القيد الأول: الاستطاعة. والقيد الثاني: المعروف، فإذا أُمرت بما لا تستطيع سقط الأمر وسقط وجوبه، وإذا كان مستطاعاً، لكنه حرام، سقط وجوبه، لكن طاعة الله ورسوله مطلقة لا حد لها.
مثلاً: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية، فجاء الوالد، فقال: احلق لحيتك، فحينئذ تعارض أمران، تعارض أمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أمر الوالد، لماذا يثور الوالد على أمر النبي عليه الصلاة والسلام؟!
حينئذ يأتي إنسان ليستفتي، فنفتيه بالفتوى الآتية، الأب هذا يقول له: إذا لم تحلق فاخرج من البيت، فنقول له: أطع ربك وأطع أباك، لا تحلق لحيتك واخرج من البيت، لا تجلس في البيت على رغم والدك، لأنك خروجك من البيت مستطاع ويطاق، فلا تخالف أمره إذ أمرك بالخروج.
إذاً: أطع أمر والدك واخرج من البيت، وأطع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحلق!
لكن كثيراً من الناس يجور على حق النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يجوز، بعض الذين يدركهم الخور والضعف يعصون النبي صلى الله عليه وسلم ويطيعون آباءهم، وهذا ليس له نظير عند الصحابة، فالصحابة ما كانوا يفعلون ذلك ولا قليلاً من ذلك، وهذا سعد بن أبي وقاص يضرب لنا المثل ويضرب لنا الأسوة، يقول لأمه التي هو أبر الناس بها: (والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني).. هناك حدود فاصلة لا يتعداها الإنسان على الإطلاق.
حديث سلمة بن الأكوع
يقول إياس بن سلمة : حدثني أبي قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ونحن أربع عشرة مائة -ألف وأربعمائة- وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبا الركية -على شاطئ البئر- فإما دعا وإما بصق، فجاشت فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال: فبايعته أول الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط من الناس قال: بايع يا سلمة ؟ قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس. قال: وأيضاً، قال: ورآني عزلاً -أي ليس معه سلاح- فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة أو درقة، ثم بايع. حتى إذا كان في آخر الناس قال: ألا تبايعني يا سلمة ؟ قال: قلت: يا رسول الله! قد بايعتك في أول الناس وفي أوسط الناس! قال: وأيضاً، قال: فبايعته الثالثة. ثم قال لي: يا سلمة ! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟ قال: قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلاً فأعطيته إياها. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إنك كما قال الأول: اللهم أبغني حبيباً هو أحب إلي من نفسي)، ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض، وكنت تبيعاً لـطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحثه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجراً إلى الله ورسوله، قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة، فكسحت شوكها، فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم على الشجرة، قال: فبينما هم كذلك، إذ نادى منادٍ من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم . قال: فاخترطت سيفي -أخرجته من جرابه- ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذت سيوفهم فجعلتها ضغثاً في يدي. قال: ثم قلت: والذي أكرم وجه محمد لا يرفع أحدكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس مجفف في سبعين من المشركين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه)، فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل في ذلك: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح:24] قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فنزلنا منزلاً بيننا وبين بني لحيان -وهم المشركون- فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقى هذا الجبل الليلة قال سلمة : فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثاً، ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه -الظهر: الإبل والبغال والحمير- وخرجت معه بفرس طلحة، فلما أصبحنا إذ عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستاقه أجمع وقتل راعيه. قال: وقلت: يا رباح: خذ هذا الفرس، فأبلغه طلحة بن عبيد الله ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمت على أكمة، فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
- الرضع هم اللئام، يقال: لئيم راضع: لأن اللئيم إذا أراد أن يشرب من لبن الشاة يرضع ويمص لبنها من ثدي الشاة حتى لا يسمع الناس أنه يشرب ويشاركونه في اللبن، فيقال: لئيم راضع، فاليوم يوم الرضع أي: هذا هو يوم اللئام- قال: فألحق رجلاً منهم، فأصك سهماً في رحله حتى خلص نصل السهم إلى كتفه، قال: قلت: خذها:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
قال: فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع فرس أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل -دخلوا في تضايقه- علوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم تبعتهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحاً يستخفون -يستخف نفسه لكي يفر، فأي شيء يسبب ثقل الحركة والمشي يتركونه- قال: ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى إذا أتوا متضايقاً من ثنية، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري فجلسوا يتضحون (أي: يتغدون) وجلست على رأس قرن. قال الفزاري : ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح والله ما فارقنا منذ غلس، يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، فصعد إلي أربعة منهم. فلما أمكنوني من الكلام قلت: ألا تعرفوني؟ قالوا: لا. قلت: أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم وجه محمد لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظن -يعني: لا يستطيعون ذلك- فرجعوا، فما برحت مكاني حتى رأيت غبار فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر. فإذا أولهم الأخرم الأسدي على أثره أبو قتادة ، وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي . قال: فأخذت بعنان الأخرم . قال: فولوا مدبرين. وقلت: يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال: يا سلمة ! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن الفزاري . قال: فعقر بـعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه، ولحق به أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم -بـعبد الرحمن- فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم اتبعتهم أعدو على رجلي، حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئاً -كان عداءً سريعاً جداً- حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلي أعدو وراءهم، فحليتهم عنه (أي: أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: فيخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدو فألحق رجلاً منهم، فأصكه بسهم في نغص كتفه. قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
قال: يا ثكلة أمه! أكوع بكرة؟! قال: قلت: نعم يا عدو نفسه أكوعك بكرة.. قال: وإذا بلال قد ذبح ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها. قال: قلت: رسول الله! خلني أنتخب مائة رجل، فنتبع القوم -نفسه طويل- فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أو كنت تفعل ذلك يا سلمة ؟ قال: نعم والذي كرمك. قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه في ضوء النهار، فقال عليه الصلاة والسلام: إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان ... إلى آخر الحديث.
قال سلمة : فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليالٍ حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجعل عمي عامر يرتجز:
تالله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا
فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
فقال عليه الصلاة والسلام: من هذا المرتجز؟ قال: أنا عامر قال: يرحمك ربك أو قال: يغفر لك ربك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استغفر لرجل يخصه بذلك استشهد، فقال عمر بن الخطاب لما سمع ذلك: يا رسول الله: ألا متعتنا بـعامر ؟ علم أنه سيموت، لما استغفر له علموا أنه سيقتل في المعركة.
فلما وصلوا إلى خيبر خرج مرحب -وكان ملكهم- يقول مرتجزاً:
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فخرج عامر بن الأكوع وقال:
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله فمات. فقال جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: بطل عمل عامر! قتل نفسه! قال سلمة : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي، فقال: ما يبكيك يا سلمة ؟ قلت: يا رسول الله! قال جماعة من أصحابك: بطل عمل عامر . قال: كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين. قال: ثم أرسلني إلى علي بن أبي طالب وهو أرمد فقال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله. قال: فأتيت علياً فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله فبصق النبي صلى الله عليه وسلم على عينيه فبرأ وأعطاه الراية، وخرج مرحب وقال:
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي بن أبي طالب :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
كليث غابات كريه المنظرة
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
ثم تبارزوا فقتله علي بن أبي طالب .
وهناك مواقف لو أردنا أن نحصيها عداً لتعبنا، فهذه حياتهم، كان النبي صلى الله عليه وسلم أغلى شيء لديهم، لا يضعون في مقابله أحداً كائناً من كان، عادوا من أجله الآباء والأبناء، وذوي القرابة، وما غرهم ذلك وما وهنوا.
إذا قدمنا القرابة على أمر الله ورسوله فهذا ضعف وخور، وليس حياءً وليس حسن خلق، والله ورسوله أحق بالتقديم.
قتل كعب بن الأشرف
كعب بن الأشرف
؛ فإنه أذى الله ورسوله؟)، فقام محمد بن مسلمة قال: أنا له. وقال أبو نائلة : وأنا كذلك. قال محمد بن مسلمة : (يا رسول الله! أتأذن أن نقول له شيئاً -نكذب عليه، نغرر به- قال: نعم) فجاء محمد بن مسلمة إلى كعب وقال: إن هذا الرجل -يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم- قد عنانا -كل يوم يطلب صدقة، ونحن تعبنا من هذا الموضوع- وجئنا نستسلفك صاعاً أو صاعين من شعير. فقال كعب: -والله لتملنه أي: هذه البداية فقط، لكن أيضاً ستملونه- قال محمد بن مسلمة : إنا لا نريد أن نخالفه حتى نرى إلى أي شيء ينتهي أمره، لكن جئت أستسلفك وسقاً أو وسقين. فقال كعب : ارهنوني نساءكم. فقال محمد بن مسلمة : أنعطيك نساءنا وأنت أجمل العرب؟! إذاً: يفتنَّ بك، فقال: ارهنوني أبناءكم. قال: هذا عار علينا، يسب أحدهم يوماً فيقال: رهن بوسق من شعير أو وسقين، ولكن نعطيك اللأمة.اللأمة: هي الدرع والسيف، وهذه كانت مبادرة ذكية من محمد بن مسلمة ؛ لأنه لو جاء بالسيف لخاف كعب ولظن أن في الأمر شيئاً، فتواعدوا إلى اليوم الثاني، وكان كعب قد تزوج حديثاً من امرأة من العرب، يقال أنها أعطر العرب، أحسن امرأة تصنع العطر، وفي اليوم الموعود جاء محمد بن مسلمة وأبو نائلة في منتصف الليل، فناداه أبو نائلة : يا كعب ! قال: من؟ قال: أبو نائلة .. انزل -هناك موعد-. فقالت امرأة كعب : إني أسمع صوتاً يقطر منه الدم -امرأة ذكية، صوت أبي نائلة وهو ينادي كأنه يقطر دماً، كيف تنزل في هذه الساعة؟- فقال لها: إن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب، لو أن إنساناً يستغيث في الشارع أنجده، فكيف وهذا رضيعي أبو نائلة؟!
وكانوا قد جهزوا الخطة أن محمد بن مسلمة يمسك رأسه والبقية يضربون بالسيوف، فنزل كعب ينفح منه ريح الطيب؟! فقال محمد بن مسلمة : ما رأيت كاليوم عطراً! فقال كعب متبجحاً: كيف لا وعندي أعطر العرب. فقال محمد بن مسلمة : أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم. فأعطاه رأسه فشمه وتركه، ولم يهجم من البداية. لكي يعطيه الأمان، وكل واحد من الموجودين جعل يشم رأسه ويتركه أيضاً، فقال محمد بن مسلمة : أتأذن لي أن أشم رأسك مرة أخرى؛ فحينئذ أمسك محمد برأسه ثم قال: دونكم عدو الله فاضربوه، فضربوه فقتلوه، ومحمد بن مسلمة هو ابن أخته وأبو نائلة أخوه من الرضاعة، لكن إذا كان الأمر يقتضي ذلك والآمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام فلا يتخلفون.
فالصحابة رضوان الله عليهم استطاعوا في عشر سنوات أن يكونوا دولة، والعرب جنس لا يصلح إلا بدين، كانوا قبل الإسلام أمة على هامش الدنيا، لا قيمة لها على الإطلاق، لم يكن لها دين، وإنما كانت الأرض آنذاك لفارس والروم، وكان العرب بدواً رحلاً، رعاة شاء، فجاء الإسلام فرفعهم إلى منزلة سامية، قادة أمم.
واليوم العرب أمة لا قيمة لها تعيش على ضفاف نهر الحياة، لأنها تخلت عن دينها، فلو رجع المسلمون اليوم إلى دينهم؛ لغزوا فارس والروم، وأخذوا أمريكا، وسيطروا على الفرس، لكنهم تركوا دينهم.. وحكموا القوانين الوضعية التي صنعها الغرب وأصبح الرجل لا يمشي في بلد من بلاد المسلمين بأمان الإسلام كما يمشي بأمان القانون، فالإسلام في المساجد فقط، تدخل المسجد الكتاب يحكمك، تخرج من المسجد القانون يحكمك وليس الإسلام، وشريعة الله عز وجل لا تحكم.
فهم الآن مثل أجدادهم الأوائل لا يتمسكون بدين؛ فلا قيمة لهم، لكن الصحابة تمسكوا بالدين، ففي عشر سنوات صارت لهم دولة!
أخبروني عن أي جيل من بني آدم عليه السلام إلى الآن استطاع أن يكون له دولة في عشر سنوات، وهي المدة من بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة إلى وفاته، لماذا؟ لأنه كان عندهم مثل هذا الصنف النفيس من الصحابة الكرام.
وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قامت الفتن في عصره، فقال له قائل: لم ثارت الفتن في عصرك ولم تثر في عصر عمر؟! قال: لأن عمر كان والياً على مثلي، وأنا وال على مثلك..!
اختلفت نوعية الرجال، وأزمتنا في الحقيقة أزمة رجال، لذلك نذكر الجماهير بحياة الصحابة، فهم الأسوة العملية، والذين يطعنون الآن في الصحابة قد طعنوا في الإسلام كله، ولله در الإمام النسائي رحمه الله لما جاءه رجل فقال: إن رجلاً يتكلم في معاوية بن أبي سفيان، فقال الإمام النسائي رحمه: إنما الإسلام دار والصحابة الباب، فمن نقر على الباب إنما أراد الدخول، ومن أراد الصحابة إنما أراد الإسلام.
ولما قيل لـأبي زرعة الرازي رحمه الله: إنهم يتكلمون في الصحابة. قال: (يريدون أن يطعنوا في شهودنا، وهم أولى بالطعن، وهم زنادقة).
يريدون أن يطعنوا في الصحابة وهم الذين نقلوا إلينا الدين، إذا سلمنا بالمقدمة سلمنا بالنتيجة، الصحابي نقل دين الله، فإذا قلت: هذا الصحابي ليس بعدل، قلت: الذي نقله كذب، فالذين يتكلمون على الصحابة يريدون الطعن في الدين؛ لأجل هذا كان ينبغي علينا أن ننظر في حياة الصحابة، فليس لهم نظير في الابتلاء والحب والقول، كما سأعرض عليكم نماذج من ذلك إن شاء الله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة- قالت له أمه: إنك تقول: إن دينك جاء بمكارم الأخلاق وصلة الأرحام -وكان سعد من أبر الناس بأمه- فوالله ما أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بدينك، فإذا مِتُّ عُيِّرت بي؛ فيقال: يا قاتل أمه! وكانوا إذا أرادوا أن يطعموها فتحوا فمها بالعصا، لأنها تأبى أن تأكل وتشرب، حتى يعير سعد بها طيلة العمر، وكما قلت لكم كان من أبر الناس، فقال لها: يا أم! كلي أو دعي، فوالله لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني؛ فأنزل الله عز وجل قوله: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [العنكبوت:8] .
فطاعة الوالدين لها حدود، إلا طاعة الله ورسوله، فطاعتهما مطلقة، وكل إنسان في الدنيا طاعته مقيدة بقيدين: القيد الأول: الاستطاعة. والقيد الثاني: المعروف، فإذا أُمرت بما لا تستطيع سقط الأمر وسقط وجوبه، وإذا كان مستطاعاً، لكنه حرام، سقط وجوبه، لكن طاعة الله ورسوله مطلقة لا حد لها.
مثلاً: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية، فجاء الوالد، فقال: احلق لحيتك، فحينئذ تعارض أمران، تعارض أمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أمر الوالد، لماذا يثور الوالد على أمر النبي عليه الصلاة والسلام؟!
حينئذ يأتي إنسان ليستفتي، فنفتيه بالفتوى الآتية، الأب هذا يقول له: إذا لم تحلق فاخرج من البيت، فنقول له: أطع ربك وأطع أباك، لا تحلق لحيتك واخرج من البيت، لا تجلس في البيت على رغم والدك، لأنك خروجك من البيت مستطاع ويطاق، فلا تخالف أمره إذ أمرك بالخروج.
إذاً: أطع أمر والدك واخرج من البيت، وأطع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحلق!
لكن كثيراً من الناس يجور على حق النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يجوز، بعض الذين يدركهم الخور والضعف يعصون النبي صلى الله عليه وسلم ويطيعون آباءهم، وهذا ليس له نظير عند الصحابة، فالصحابة ما كانوا يفعلون ذلك ولا قليلاً من ذلك، وهذا سعد بن أبي وقاص يضرب لنا المثل ويضرب لنا الأسوة، يقول لأمه التي هو أبر الناس بها: (والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني).. هناك حدود فاصلة لا يتعداها الإنسان على الإطلاق.
موقف آخر لصحابي لا تعرفه الجماهير، لكنه بطل مغوار وفارس شجاع، روى الإمام مسلم في صحيحه خبره العجيب، وهو سلمة بن الأكوع ، وسلمة كان رجلاً شجاعاً، وعداءً سريعاً لا يلحق.
يقول إياس بن سلمة : حدثني أبي قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ونحن أربع عشرة مائة -ألف وأربعمائة- وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبا الركية -على شاطئ البئر- فإما دعا وإما بصق، فجاشت فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال: فبايعته أول الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط من الناس قال: بايع يا سلمة ؟ قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس. قال: وأيضاً، قال: ورآني عزلاً -أي ليس معه سلاح- فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة أو درقة، ثم بايع. حتى إذا كان في آخر الناس قال: ألا تبايعني يا سلمة ؟ قال: قلت: يا رسول الله! قد بايعتك في أول الناس وفي أوسط الناس! قال: وأيضاً، قال: فبايعته الثالثة. ثم قال لي: يا سلمة ! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟ قال: قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلاً فأعطيته إياها. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إنك كما قال الأول: اللهم أبغني حبيباً هو أحب إلي من نفسي)، ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض، وكنت تبيعاً لـطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحثه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجراً إلى الله ورسوله، قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة، فكسحت شوكها، فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم على الشجرة، قال: فبينما هم كذلك، إذ نادى منادٍ من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم . قال: فاخترطت سيفي -أخرجته من جرابه- ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذت سيوفهم فجعلتها ضغثاً في يدي. قال: ثم قلت: والذي أكرم وجه محمد لا يرفع أحدكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس مجفف في سبعين من المشركين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه)، فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل في ذلك: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح:24] قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فنزلنا منزلاً بيننا وبين بني لحيان -وهم المشركون- فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقى هذا الجبل الليلة قال سلمة : فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثاً، ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه -الظهر: الإبل والبغال والحمير- وخرجت معه بفرس طلحة، فلما أصبحنا إذ عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستاقه أجمع وقتل راعيه. قال: وقلت: يا رباح: خذ هذا الفرس، فأبلغه طلحة بن عبيد الله ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمت على أكمة، فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
- الرضع هم اللئام، يقال: لئيم راضع: لأن اللئيم إذا أراد أن يشرب من لبن الشاة يرضع ويمص لبنها من ثدي الشاة حتى لا يسمع الناس أنه يشرب ويشاركونه في اللبن، فيقال: لئيم راضع، فاليوم يوم الرضع أي: هذا هو يوم اللئام- قال: فألحق رجلاً منهم، فأصك سهماً في رحله حتى خلص نصل السهم إلى كتفه، قال: قلت: خذها:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
قال: فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع فرس أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل -دخلوا في تضايقه- علوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم تبعتهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحاً يستخفون -يستخف نفسه لكي يفر، فأي شيء يسبب ثقل الحركة والمشي يتركونه- قال: ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى إذا أتوا متضايقاً من ثنية، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري فجلسوا يتضحون (أي: يتغدون) وجلست على رأس قرن. قال الفزاري : ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح والله ما فارقنا منذ غلس، يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، فصعد إلي أربعة منهم. فلما أمكنوني من الكلام قلت: ألا تعرفوني؟ قالوا: لا. قلت: أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم وجه محمد لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظن -يعني: لا يستطيعون ذلك- فرجعوا، فما برحت مكاني حتى رأيت غبار فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر. فإذا أولهم الأخرم الأسدي على أثره أبو قتادة ، وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي . قال: فأخذت بعنان الأخرم . قال: فولوا مدبرين. وقلت: يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال: يا سلمة ! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن الفزاري . قال: فعقر بـعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه، ولحق به أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم -بـعبد الرحمن- فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم اتبعتهم أعدو على رجلي، حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئاً -كان عداءً سريعاً جداً- حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلي أعدو وراءهم، فحليتهم عنه (أي: أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: فيخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدو فألحق رجلاً منهم، فأصكه بسهم في نغص كتفه. قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
قال: يا ثكلة أمه! أكوع بكرة؟! قال: قلت: نعم يا عدو نفسه أكوعك بكرة.. قال: وإذا بلال قد ذبح ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها. قال: قلت: رسول الله! خلني أنتخب مائة رجل، فنتبع القوم -نفسه طويل- فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أو كنت تفعل ذلك يا سلمة ؟ قال: نعم والذي كرمك. قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه في ضوء النهار، فقال عليه الصلاة والسلام: إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان ... إلى آخر الحديث.
قال سلمة : فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليالٍ حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجعل عمي عامر يرتجز:
تالله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا
فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
فقال عليه الصلاة والسلام: من هذا المرتجز؟ قال: أنا عامر قال: يرحمك ربك أو قال: يغفر لك ربك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استغفر لرجل يخصه بذلك استشهد، فقال عمر بن الخطاب لما سمع ذلك: يا رسول الله: ألا متعتنا بـعامر ؟ علم أنه سيموت، لما استغفر له علموا أنه سيقتل في المعركة.
فلما وصلوا إلى خيبر خرج مرحب -وكان ملكهم- يقول مرتجزاً:
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فخرج عامر بن الأكوع وقال:
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله فمات. فقال جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: بطل عمل عامر! قتل نفسه! قال سلمة : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي، فقال: ما يبكيك يا سلمة ؟ قلت: يا رسول الله! قال جماعة من أصحابك: بطل عمل عامر . قال: كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين. قال: ثم أرسلني إلى علي بن أبي طالب وهو أرمد فقال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله. قال: فأتيت علياً فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله فبصق النبي صلى الله عليه وسلم على عينيه فبرأ وأعطاه الراية، وخرج مرحب وقال:
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي بن أبي طالب :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
كليث غابات كريه المنظرة
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
ثم تبارزوا فقتله علي بن أبي طالب .
وهناك مواقف لو أردنا أن نحصيها عداً لتعبنا، فهذه حياتهم، كان النبي صلى الله عليه وسلم أغلى شيء لديهم، لا يضعون في مقابله أحداً كائناً من كان، عادوا من أجله الآباء والأبناء، وذوي القرابة، وما غرهم ذلك وما وهنوا.
إذا قدمنا القرابة على أمر الله ورسوله فهذا ضعف وخور، وليس حياءً وليس حسن خلق، والله ورسوله أحق بالتقديم.