أعطى الشبابَ منَ الآرابِ ما طَلَبا
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أعطى الشبابَ منَ الآرابِ ما طَلَبا | وراحَ يختالُ في ثوبيْ هوى ً وصِبا |
لَمْ يُدْرِكِ الشَّيْبُ إلاّ فَضْلِ صَبْوَتِهِ | كَما يُغادِرُ فَضْلَ الكأسِ مَنْ شَرِبا |
رأى الشَّبِيبَة َ خَطّاً مُونِقاً فَدَرى | أنَّ الزَّمانَ سيمْحُو مِنْهُ ما كَتَبا |
إنَّ الثَّلاثِينَ لَمْ يُسْفِرْنَ عَنْ أحَدٍ | إلا ارتَدى بِرِداءِ الشَّيْبِ وانتَقَبا |
وَالْمَرْءُ مَنْ شَنَّ فِي الأيَّامِ غارَتَهُ | فبادَرَ العيشَ باللَّذاتِ وانتهبَا |
ما شاءَ فليتَّخِذْ أيّامَهُ فُرَصاً | فَلَيْسَ يَومٌ بِمَرْدُودٍ إذا ذَهَبا |
هلِ الصِّبى غيرُ محبوبٍ ظَرِفْتُ بهِ | لَمْ أقْضِ مِنْ حُبِّهِ قَبْلَ النَّوَى أرَبا |
إنِّي لأحْسَدُ مَنْ طاحَ الغَرامُ بهِ | وجاذَبَتْهُ حِبالُ الشوْقِ فانْجَذَبا |
والعَجْزُ أنْ أتْرُكَ الأوْطار مُقْبِلَة ً | حتّى إذا أدْبَرَتْ حاوَلْتُها طَلَبا |
مالِي وللْحَظِّ لا ينفكُّ يقذِفُ بي | صُمَّ المطالِبِ لا وِرْداً ولا قَرَبا |
أصبَحْتُ فِي قَبْضَة ِ الأيّامِ مُرْتَهَناً | نائِي المَحَلِّ طَرِيداً عَنْهُ مُغتَرِبا |
ألَحَّ دَهْرٌ لَجُوجٌ فِي مُعانَدَتِي | فكُلَّما رُضْتُهُ في مطلَبٍ صَعُبا |
كخائِضِ الوحْلِ إذْ طالَ الْعناءُ بهِ | فكُلَّما قلْقَلَتْهُ نهْضة ٌ رَسَبا |
لأسلُكَنَّ صروفَ الدهرِ مُقتحِماً | هوْلاً يُزَهِّدُ في الأَيامِ مَنْ رَغِبا |
غضْبانَ للمجدِ طلاّباً بثأْرِ عُلاً | واللَّيثُ أفْتَكُ مَا لاقى إذا غَضِبا |
عِندِي عزائمُ رأْيٍ لوْ لَقِيتُ بِها | صَرْفَ الزَّمانِ لَوَلَّى مُمْعِناً هَرَبا |
لاَ يَمْنَعَنَّكَ مِنْ أمْرٍ مَخافَتُهُ | لَيْسَ العُلى لِنَفِيسٍ يَكْرَهُ العَطَبا |
كنْ كيفَ شئتَ إذا ما لمْ تَخِمْ فَرَقاً | لا عَيْبَ للسيفِ إلا أنْ يُقالَ نَبا |
لاَ تَلْحَ فِي طَلَب العَلْياءِ ذَا كَلَفٍ | فقلَّما أعتَبَ المُشْتاقُ منْ عَتَبا |
لَتَعْلَمَنَّ بَناتُ الدَّهْرِ ما صَنَعَتْ | إذا استشاطتْ بناتُ الفكرِ لي غَضَبا |
هيَ القوافِي فإنْ خطْبٌ تمرَّسَ بِي | فَهُنَّ ما شاءَ عَزْمِي مِنْ قَناً وَظُبا |
عقائِلٌ قلَّما زُفَّتْ إلى مَلِكٍ | إلا أباحَ لهنَّ الودَّ والنَّشَبا |
غَرائِبٌ ما حَدا الرَّكْبُ الرِّكابَ بِها | إلاَّ تَرَنَّحْنَ مِنْ تَرْجِيعها طَرَبا |
منْ كُلِّ حسْناءَ تَقْتادُ النُّفُوسَ هوى ً | إذا ألَمَّ بِسَمْعٍ رَجْعُها خَلَبا |
شامَتْ بُرُوقَ حَياً باتَتْ تشِبُّ كَما | تُجاذِبُ الرِّيحُ عنْ أرماحِها العَذَبا |
وکسْتَوْضَحَتْ سبُلَ الآمالِ حائِدَة ً | عَنِ المُلُوكِ إلى أعلاهُمُ حَسَبا |
تَؤُمُّ أبهرهُمْ فضلاً وأغمَرَهُمْ | بذْلاً وأفخرهُمْ فعلاً ومُنتسَبا |
تفيَّأَتْ ظلَّ فخرِ الملكِ واغتبطَتْ | بِحَيْثُ حُلَّ عِقالُ المُزْنِ فکنْسَكَبا |
حَتَّى إذَا وَرَدَتْ تَهْفُو قَلائِدَها | ألفَتْ أغَرَّ بِتاجِ المَجْدِ مُعْتَصِبا |
أشَمَّ أشوسَ مضروباً سُرادقُهُ | عَلَى المَالِكِ مُرْخٍ دُونَها الْحُجُبا |
مُمَنَّعَ العِزِّ معْمُورَ الفِناءِ بهِ | مُظَفَّرَ العَزْمِ وَالآراءِ مُنْتَجَبا |
مِنْ مَعْشَرٍ طَالَما شَبُّوا بِكُلِّ وَغَى ً | ناراً تَظَلُّ أعادِيهِمْ لَها حَطَبا |
بِيضٌ تَوَقَّدُ فِي أيمانِهِمْ شُعَلٌ | هِيَ الصَّواعِقُ إذْ تستوطِنُ السُّحُبا |
مِنْ كُلِّ أرْوَعَ مَضّاءٍ إذا قَصُرَتْ | خُطَى المُحامِينَ فِي مَكْرُوهة ٍ وَثَبا |
ذَا لا كَمَنْ قَصَّرَتْ فِي المَجْدِ هِمَّتُهُ | فباتَ يستبعِدُ المَرْمى الذي قَرُبا |
غَضْبِ العَزِيمَة ِ لَوْ لاقَتْ مَضارِبُها | طُوداً منَ المُشْرِفاتِ الصُّمِّ لانْقَضَبا |
زاكِي العُرُوقِ لَهُ مِنْ طيِّءٍ حسبٌ | لوْ كانَ لفظاً لكانَ النظْمَ والخُطَبا |
الهادِمِينَ مِنَ الأمْوالِ ما عَمَرُوا | والعامِرينَ منَ الآمالِ ما خَرِبا |
رَهْطِ السَّماحِ وفِيهِمْ طَابَ مَوْلِدُهُ | إنَّ السَّماحَ يَمانٍ كُلَّما انْتسبَا |
أمّا المُلوكُ فمالِي عندَهُمْ أرَبٌ | مَنْ جاَوَر العِدَّ لَمْ يَسْتَغْزِرِ القُلُبا |
أيُّ المطالِبِ يَستَوْفِي مدَى هِمَمِي | والشُّهْبُ تَحْسَبُها مِنْ فَوْقِها الشُّهُبا |
خَلا نَدى مَلِكٍ تُصْبِي خلائِقُهُ | قَلْبَ الثَّناءِ إذا قَلْبُ المُحِبِّ صَبَا |
لقدْ رَمَتْ في مرامِيها النَّوى زمناً | فاليومَ لا أنتَحِي في الأرضِ مُضْطَرَبا |
أأرْتَجِي غيرَ عمارٍ لنائِبة ٍ | إذنْ فلا آمنتنِي كفُّهُ النُّوَبا |
المانِعُ الجارَ لوْ شاءَ الزَّمانُ لَهُ | إنَّ الزَّمانَ بَرَتْ عُودِي نَوائِبُهُ |
الباذِلُ المالَ مَسْئولاً وَمُبْتَدِئاً | والصّائنُ المجْدَ مورُوثاً ومُكْتَسَبا |
الواهِبُ النِّعْمَة َ الخَضْراءِ يُتْبِعُها | امثالَها غيْرَ مُعتدٍّ بما وَهَبا |
إذا أرَدْتُ أفاءَتْنِي عَواطِفُهُ | ظِلاًّ يُرِيحُ لِيَ الحَظَّ الَّذِي عَزَبا |
والجَدُّ والْفَهْمُ أسْنَى مِنْحَة ٍ قُسِمَتْ | لِلطالِبينَ ولَكِنْ قَلَّما اصْطَحبا |
أرانِيَ العيْشَ مُخضَرّاً وأسْمَعَنِي | لَفْظاً إذا خاضَ سَمْعاً فَرَّجَ الكُرَبا |
خَلائِقٌ حَسُنَتْ مَرْأى وَمُسْتَمَعاً | قَوْلاً وفِعْلاً يُفِيدُ المالَ وَالأدَبا |
كالرَّوْضِ أهْدى إلى رُوّادهِ أرَجاً | يُذْكِي النَّسِيمَ وأبْدَى مَنْظَراً عَجَبا |
عادتْ بسعدِكَ أعيادُ الزمانِ ولا | زالَ الهناءُ جديداً والمُنى كَثَبا |
يوماً ولا بَرْقُ غيثٍ مِنْ نَداكَ خَبا | |
إنَّ الزَّمانَ بَرَتْ عُوِي نوائِبُهُ | فَما أُعَدُّ بِهِ نَبْعاً وَلا غَرَبا |
وغَالَ بِالْخَفْضِ جَداً كانَ مُعْتَلِياً | وَبِالْمَرارَة ِ عَيْشاً طَالَما عَذُبا |
فَما سَخا الْعَزْمُ بِي إلاّ إلَيْكَ وَلا | وَقَفْتُ إلاّ عَلَيْكَ الظَّنَّ مُحْتَسِبا |
يا رُبَّ أجْرَدَ ورْسِيٍّ سرابِلُهُ | تَكادُ تَقبِسُ مِنْهُ فِي الدُّجَى لَهَبا |
إذا نَضا الفَجْرُ عَنْهُ صِبْغَ فِضَّتِهِ | أجْرى الصَّباحُ علَى أعطافِهِ ذَهَبا |
يَجْرِي فَتَحْسُرُ عَنْهُ العَيْنُ ناظِرَة ً | كَما اسْتَطارَ وَمِيضُ البَرْقِ والْتَهَبا |
جَمِّ النَّشاطِ إذا ظُنَّ الكَلالُ بِهِ | رأَيْتَ مِنْ مرَحٍ في جدِّهِ لَعِبا |
يَرْتاحُ لِلْجَرْيِ فِي إمْساكِهِ قَلِقاً | حتى كأنَّ لهُ في راحة ٍ تعبَا |
يَطْغَى مِراحاً فَيَعْتَنُّ الصَّهِيلُ لَهُ | كَالْبَحْرِ جاشَ بهِ الآذِيُّ فاصْطَخَبا |
جادَتْ يداكَ بهِ في عُرْضِ ما وَهَبَتْ | قَبْلَ السُّؤَالِ وأحْرِ اليَوْمِ أنْ تَهَبا |
رفْقاً بِنا آلَ عمارٍ إذا طلَعَتْ | خَيْلُ السَّماحِ علَى سَرْحِ الثَّنا سُرَبا |
لا تَبْعَثُوها جُيُوشاً يَوْمَ جُودِكُمُ | إنَّ الطلائعَ منْها تبْلُغُ الأَرَبا |
قد أنْضَبَ الحمْدَ ما تَأْتِي مكارِمُكُمْ | ما خِلْتُ أنَّ مَعِيناً قَبْلَهُ نَضَبا |
وَلَوْ نَظَمْتُ نُجُومَ اللَّيْلِ مُمْتَدِحاً | لَمْ أقْضِ مِنْ حَقِّكُمْ بعْضَ الَّذِي وَجَبا |
لأشْكُرَنَّ زماناً كانَ حادِثُهُ | وَغَدْرُهُ بِي إلى مَعْرُوفِكُمْ سَبَبا |
فكَمْ كَسا نِعْمَة ً أدْنى ملابِسِها | أسْنَى مِنَ النِّعْمَة ِ الأولى الَّتِي سَلَبا |
وما ارتَشَفْتُ ثنايا العَيْشِ عندَكُمُ | إلا وجدْتُ بِها مِنْ جُودِكُمْ شَنَبا |