دهر
لسان العرب لابن منظور
دهر: الدَّهْرُ: الأَمَدُ المَمْدُودُ، وقيل: الدهر أَلف سنة. قال ابن سيده: وقد حكي فيه الدَّهَر، بفتح الهاء: فإِما أَن يكون الدَّهْرُ والدَّهَرُ لغتين كما ذهب إِليه البصريون في هذا النحو فيقتصر على ما سمع منه، وإِما أَن يكون ذلك لمكان حروف الحلق فيطرد في كل شيء كما ذهب إِليه الكوفيون؛ قال أَبو النجم: وجَبَلاَ طَالَ مَعَدّاً فاشْمَخَرْ، أَشَمَّ لا يَسْطِيعُه النَّاسُ، الدَّهَرْ قال ابن سيده: وجمعُ الدَّهْرِ أَدْهُرٌ ودُهُورٌ، وكذلك جمع الدَّهَرِ لأَنا لم نسمع أَدْهاراً ولا سمعنا فيه جمعاً إِلاَّ ما قدّمنا من جمع دَهْرٍ؛ فأَما قوله، صلى الله عليه وسلم: لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فإِن الله: هو الدَّهْرُ؛ فمعناه أَن ما أَصابك من الدهر فالله فاعله ليس الدهر، فإِذا شتمت به الدهر فكأَنك أَردت به الله؛ الجوهري: لأَنهم كانوا يضيقون النوازل إِلى الدهر، فقيل لهم: لا تسبوا فاعل ذلك بكم فإِن ذلك هو الله تعالى؛ وفي رواية: فإِن الدهر هو الله تعالى؛ قال الأَزهري: قال أَبو عبيد قوله فإِن الله هو الدهر مما لا ينبغي لأَحد من أَهل الإِسلام أَن يجهل وجهه وذلك أَن المُعَطِّلَةَ يحتجون به على المسلمين، قال: ورأَيت بعض من يُتهم بالزندقة والدَّهْرِيَّةِ يحتج بهذا الحديث ويقول: أَلا تراه يقول فإِن الله هو الدهر؟ قال: فقلت وهل كان أَحد يسب الله في آباد الدهر؟ وقد قال الأَعشى في الجاهلية: اسْتَأْثرَ اللهُ بالوفاءِ وبالْـ ـحَمْدِ، وَوَلَّى المَلامَةَ الرَّجُلا قال: وتأْويله عندي أَن العرب كان شأْنها أَن تَذُمَّ الدهر وتَسُبَّه عند الحوادث والنوازل تنزل بهم من موت أَو هَرَمٍ فيقولون: أَصابتهم قوارع الدهر وحوادثه وأَبادهم الدهر، فيجعلون الدهر الذي يفعل ذلك فيذمونه، وقد ذكروا ذلك في أَشعارهم وأَخبر الله تعالى عنهم بذلك في كتابه العزيز ثم كذبهم فقال: وقالوا ما هي إِلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إِلاَّ الدهر؛ قال الله عز وجل: وما لهم بذلك من علم إِن هم إِلاَّ يظنون. والدهر: الزمان الطويل ومدّة الحياة الدنيا، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر، على تأْويل: لا تسبوا الذي يفعل بكم هذه الأَشياء فإِنكم إِذا سببتم فاعلها فإِنما يقع السب على الله تعالى لأَنه الفاعل لها لا الدهر، فهذا وجه الحديث؛ قال الأَزهري: وقد فسر الشافعي هذا الحديث بنحو ما فسره أَبو عبيد فظننت أَن أَبا عبيد حكى كلامه، وقيل: معنى نهي النبي، صلى الله عليه وسلم، عن ذم الدهر وسبه أَي لا تسبوا فاعل هذه الأَشياء فإِنكم إِذا سببتموه وقع السب على الله عز وجل لأَنه الفعال لما يريد، فيكون تقدير الرواية الأُولى: فإِن جالب الحوادث ومنزلها هو الله لا غير، فوضع الدهر موضع جالب الحوادث لاشتهار الدهر عندهم بذلك، وتقدير الرواية الثانية: فإِن الله هو الجالب للحوادث لا غير ردّاً لاعتقادهم أَن جالبها الدهر. وعامَلَهُ مُدَاهَرَةً ودِهاراً: من الدَّهْرِ؛ الأَخيرة عن اللحياني، وكذلك اسْتَأْجَرَهُ مُدَاهَرَةً ودِهاراً؛ عنه. الأَزهري: قال الشافعي الحِيْنُ يقع على مُدَّةِ الدنيا، ويوم؛ قال: ونحن لا نعلم للحين غاية، وكذلك زمان ودهر وأَحقاب، ذكر هذا في كتاب الإِيمان؛ حكاه المزني في مختصره عنه. وقال شمر: الزمان والدهر واحد؛ وأَنشد: إِنَّ دَهْراً يَلُفُّ حَبْلِي بِجُمْلٍ لَزَمَانٌ يَهُمُّ بالإِحْسانِ فعارض شمراً خالد بن يزيد وخطَّأَه في قوله الزمان والدهر واحد وقال: الزمان زمان الرطب والفاكهة وزمان الحرّ وزمان البرد، ويكون الزمان شهرين إِلى ستة أَشهر والدهر لا ينقطع. قال الأَزهري: الدهر عند العرب يقع على بعض الدهر الأَطول ويقع على مدة الدنيا كلها. قال: وقد سمعت غير واحد من العرب يقول: أَقمنا على ماء كذا وكذا دهراً، ودارنا التي حللنا بها تحملنا دهراً، وإِذا كان هذا هكذا جاز أَن يقال الزمان والدهر واحد في معنى دون معنى. قال: والسنة عند العرب أَربعة أَزمنة: ربيع وقيظ وخريف وشتاء، ولا يجوز أَن يقال: الدهر أَربعة أَزمنة، فهما يفترقان. وروى الأَزهري بسنده عن أَبي بكر. رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: أَلا إِنَّ الزمانَ قد اسْتَدارَ كهيئته يومَ خَلَق اللهُ السمواتِ والأَرضَ، السنةُ اثنا عشر شهراً، أَربعةٌ منها حُرُمٌ: ثلاثَةٌ منها متوالياتٌ: ذو القَعْدَةِ وذو الحجة والمحرّم، ورجب مفرد؛ قال الأَزهري: أَراد بالزمان الدهر. الجوهري: الدهر الزمان. وقولهم: دَهْرٌ دَاهِرٌ كقولهم أَبَدٌ أَبِيدٌ، ويقال: لا آتيك دَهْرَ الدَّاهِرِين أَي أَبداً. ورجل دُهْرِيٌّ: قديم مُسِنٌّ نسب إِلى الدهر، وهو نادر. قال سيبويه: فإِن سميت بِدَهْرٍ لم تقل إِلاَّ دَهْرِيٌّ على القياس. ورجل دَهْرِيٌّ: مُلْحِدٌ لا يؤمن بالآخرة، يقول ببقاء الدهر، وهو مولَّد. قال ابن الأَنباري: يقال في النسبة إِلى الرجل القديم دَهْرِيٌّ. قال: وإِن كان من بني دَهْرٍ من بني عامر قلت دُهْرِيٌّ لا غير، بضم الدال، قال ثعلب: وهما جميعاً منسوبان إِلى الدَّهْرِ وهم ربما غيروا في النسب، كما قالوا سُهْلِيٌّ للمنسوب إِلى الأَرض السَّهْلَةِ. والدَّهارِيرُ: أَوّل الدَّهْرِ في الزمان الماضي، ولا واحد له؛ وأَنشد أَبو عمرو بن العلاء لرجل من أَهل نجد، وقال ابن بري: هو لِعثْيَر (* قوله: «هو لعثير إلخ» وقيل لابن عيينة المهلبي، قاله صاحب القاموس في البصائر كذا بخط السيد مرتضى بهامش الأَصل). بن لبيد العُذْرِيِّ، قال وقيل هو لِحُرَيْثِ بن جَبَلَةَ العُذْري: فاسْتَقْدِرِ اللهَ خَيْراً وارْضَيَنَّ بهِ، فَبَيْنَما العُسْرُ إِذا دَارَتْ مَيَاسِيرُ وبينما المَرْءُ في الأَحياءِ مُغْتَبَطٌ، إِذا هُوَ الرَّمْسُ تَعْفُوهُ الأَعاصِيرُ يَبْكِي عليه غَرِيبٌ ليس يَعْرِفُهُ، وذُو قَرَابَتهِ في الحَيِّ مَسْرُورُ حتى كأَنْ لم يكن إِلاَّ تَذَكُّرُهُ، والدَّهْرُ أَيَّتَمَا حِينٍ دَهارِيرُ قوله: استقدر الله خيراً أَي اطلب منه أَن يقدر لك خيراً. وقوله: فبينما العسر، العسر مبتدأٌ وخبره محذوف تقديره فبينما العسر كائن أَو حاضر. إِذ دارت مياسير أَي حدثت وحلت، والمياسير: جمع ميسور. وقوله: كأَن لم يكن إِلاَّ تذكره، يكن تامة وإِلاَّ تذكره فاعل بها، واسم كأَن مضمر تقديره كأَنه لم يكن إِلاَّ تذكره، والهاء في تذكره عائدة على الهاء المقدّرة؛ والدهر مبتدأٌ ودهارير خبره، وأَيتما حال ظرف من الزمان والعامل فيه ما في دهارير من معنى الشدّة. وقولهم: دَهْرٌ دَهارِيرٌ أَي شديد، كقولهم: لَيْلَةٌ لَيْلاءُ ونهارٌ أَنْهَرُ ويومٌ أَيْوَمُ وساعَةٌ سَوْعاءُ. وواحدُ الدَّهارِيرَ دَهْرٌ، على غير قياس، كما قالوا: ذَكَرٌ ومَذاكِيرُ وشِبْهٌ ومَشَابهِ، فكأَنها جمع مِذْكارٍ ومُشْبِهٍ، وكأَنّ دَهارِير جمعُ دُهْرُورٍ أَو دَهْرار. والرَّمْسُ: القبر. والأَعاصير: جمع إِعصار، وهي الريح تهب بشدّة. ودُهُورٌ دَهارِير: مختلفة على المبالغة؛ الأَزهري: يقال ذلك في دَهْرِ الدَّهارِير. قال: ولا يفرد منه دِهْرِيرٌ؛ وفي حديث سَطِيح:فإِنَّ ذا الدَّهْرَ أَطْواراً دَهارِيرُ قال الأَزهري: الدَّهارير جمع الدُّهُورِ، أَراد أَن الدهر ذو حالين من بُؤْسٍ ونُعْمٍ. وقال الزمخشري: الدهارير تصاريف الدهر ونوائبه، مشتق من لفظ الدهر، ليس له واحد من لفظه كعباديد. والدهر: النازلة. وفي حديث موت أَبي طالب: لولا أَن قريشاً تقول دَهَرَهُ الجَزَعُ لفعلتُ. يقال: دَهَرَ فلاناً أَمْرٌ إِذا أَصابه مكروه، ودَهَرَهُمْ أَمر نزل بهم مكروه، ودَهَرَ بهم أَمرٌ نزل بهم. وما دَهْري بكذا وما دَهْري كذا أَي ما هَمِّي وغايتي. وفي حديث أُم سليم: ما ذاك دَهْرُكِ. يقال: ما ذاكَ دَهْرِي وما دَهْرِي بكذا أَي هَمِّي وإِرادتي؛ قال مُتَمِّم ابن نُوَيْرَةَ: لَعَمْرِي وما دَهْرِي بِتَأْبِينِ هالِكٍ، ولا جَزَعاً مما أَصابَ فأَوْجَعَا وما ذاك بِدَهْري أَي عادتي. والدَّهْوَرَةُ: جَمْعُك الشيءَ وقَذْفُكَ به في مَهْوَاةٍ؛ ودَهْوَرْتُ الشيء: كذلك. وفي حديث النجاشي: فلا دَهْوَرَة اليومَ على حِزْبِ إِبراهيم، كأَنه أَراد لا ضَيْعَةَ عليهم ولا يترك حفظهم وتعهدهم، والواو زائدة، وهو من الدَّهْوَرَة جَمْعِكَ الشيء وقَذْفِكَ إِياه في مَهْوَاةٍ؛ ودَهْوَرَ اللُّقَمَ منه، وقيل: دَهْوَرَ اللُّقَمَ كبَّرها. الأَزهري: دَهْوَرَ الرجلُ لُقَمَهُ إِذا أَدارها ثم الْتَهَمَها. وقال مجاهد في قوله تعالى: إِذا الشمس كُوِّرَتْ، قال: دُهْوِرَتْ، وقال الربيع بن خُثَيْمٍ: رُمِيَ بها. ويقال: طَعَنَه فَكَوَّرَهُ إِذا أَلقاه. وقال الزجاج في قوله: فكُبْكِبُوا فيها هم والغَاوونَ؛ أَي في الجحيم. قال: ومعنى كبكبوا طُرِحَ بعضهم على بعض، وقال غيره من أَهل اللغة: معناه دُهْوِرُوا. ودَهْوَرَ: سَلَحَ. ودَهْوَرَ كلامَه: قَحَّمَ بعضَه في إِثر بعض. ودَهْوَرَ الحائط: دفعه فسقط. وتَدَهْوَرَ الليلُ: أَدبر. والدَّهْوَرِيُّ من الرجال: الصُّلْبُ الضَّرْب. الليث: رجل دَهْوَرِيُّ الصوت وهو الصُّلْبُ الصَّوْتِ؛ قال الأَزهري: أَظن هذا خطأَ والصواب جَهْوَرِيُّ الصوت أَي رفيع الصوت. ودَاهِرٌ: مَلِكُ الدَّيْبُلِ، قتله محمد بن القاسم الثقفي ابن عمر الحجاج فذكره جرير وقال: وأَرْضَ هِرَقْل قد ذَكَرْتُ وداهِراً، ويَسْعَى لكم من آلِ كِسْرَى النَّواصِفُ وقال الفرزدق: فإِني أَنا الموتُ الذي هو نازلٌ بنفسك، فانْظُرْ كيف أَنْتَ تُحاوِلُهْ فأَجابه جرير: أَنا الدهرُ يُفْني الموتَ، والدَّهْرُ خالدٌ، فَجِئْني بمثلِ الدهرِ شيئاً تُطَاوِلُهْ قال الأَزهري: جعل الدهر الدنيا والآخرة لأَن الموت يفنى بعد انقضاء الدنيا، قال: هكذا جاء في الحديث. وفي نوادر الأَعراب: ما عندي في هذا الأَمر دَهْوَرِيَّة ولا رَخْوَدِيَّةٌ أَي ليس عندي فيه رفق ولا مُهاوَدَةٌ ولا رُوَيْدِيَةٌ ولا هُوَيْدِيَةٌ ولا هَوْدَاء ولا هَيْدَاءُ بمعنى واحد. ودَهْرٌ ودُهَيْرٌ ودَاهِرٌ: أَسماء. ودَهْرٌ: اسم موضع، قال لبيد بن ربيعة: وأَصْبَحَ رَاسِياً بِرُضَامِ دَهْرٍ، وسَالَ به الخمائلُ في الرِّهامِ والدَّوَاهِرُ: رَكايا معروفة؛ قال الفرزدق: إِذاً لأَتَى الدَّوَاهِرَ، عن قريبٍ، بِخِزْيٍ غيرِ مَصْرُوفِ العِقَالِ