بَقِيَ 

مقاييس اللغة لابن فارس
(بَقِيَ)الْبَاءُ وَالْقَافُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الدَّوَامُ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ: بَقِيَ الشَّيْءُ يَبْقَى بَقَاءً، وَهُوَ ضِدُّ الْفَنَاءِ. قَالَ: وَلُغَةُ طَيٍّ بَقَى يَبْقَى، وَكَذَلِكَ لُغَتُهُمْ فِي كُلِّ مَكْسُورٍ مَا قَبْلَهَا، يَجْعَلُونَهَا أَلِفًا، نَحْوَ بَقَى وَرَضَا. وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ اجْتِمَاعَ الْكَسْرَةِ وَالْيَاءِ، فَيَفْتَحُونَ مَا قَبْلَ الْيَاءِ، فَتَنْقَلِبُ الْيَاءُ أَلِفًا، وَيَقُولُونَ فِي جَارِيَةٍ جَارَاةً، وَفِي بَانِيَةٍ بَانَاةً، وَفِي نَاصِيَةٍ نَاصَاةً. قَالَ:

وَمَا صَدَّ عَنِّي خَالِدٌ مِنْ بَقِيَّةٍ...وَلَكِنْ أَتَتْ دُونِي الْأُسُودُ الْهَواصِرُ

يُرِيدُ بِالْبَقِيَّةِ هَاهُنَا الْبُقْيَا عَلَيْهِ. وَيَقُولُ الْعَرَبُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَالْبُقْيَا. وَرُبَّمَا قَالُوا الْبَقْوَى. قَالَ الْخَلِيلُ: اسْتَبْقَيْتُ فُلَانًا، وَذَلِكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنْ زَلَلِهِ فَتَسْتَبْقِيَ مَوَدَّتَهُ. قَالَ النَّابِغَةُ:فَلَسْتَ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لَا تَلُمُّهُ...عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ

وَيَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ يَبْقِي الشَّيْءَ بِبَصَرِهِ: إِذَا كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَرْصُدُهُ. قَالَ الْكُمَيْتُ:

ظَلَّتْ وَظَلَّ عَذُوبًا فَوْقَ رَابِيَةٍ...تَبْقِيهِ بِالْأَعْيُنِ الْمَحْرُومَةِ الْعُذُبِ

يَصِفُ الْحِمَارَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَرِدَ بِأُتُنِهِ فَوْقَ رَابِيَةٍ، وَانْتَظَرَ غُرُوبَ الشَّمْسِ. وَكَذَلِكَ بَاتَ فُلَانٌ يَبْقِي الْبَرْقَ: إِذَا صَارَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَيْنَ يَلْمَعُ. قَالَ الْفَزَارِيُّ:

قَدْ هَاجَنِي اللَّيْلَةَ بَرْقٌ لَامِعٌ...فَبِتُّ أَبْقِيهِ وَطَرْفِي هَامِعُ

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: بَقَيْتُ فُلَانًا أَبْقِيهِ: إِذَا رَعَيْتَهُ وَانْتَظَرْتَهُ. وَيُقَالُ: ابْقِ لِيَ الْأَذَانَ، أَيِ ارْقُبْهُ لِي. وَأَنْشَدَ:

فَمَا زِلْتُ أَبْقِي الظُّعْنَ حَتَّى كَأَنَّهَا...أَوَاقِي سَدًى تَغْتَالُهُنَّ الْحَوَائِكُ

وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «بَقَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ» ، يُرِيدُ انْتَظَرْنَاهُ. وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ; لِأَنَّ الِانْتِظَارَ بَعْضُ الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ.