الصفحة 7 من 17

أصل الشجرة فهو مختلف تماماً، تلك شجرة تطلعها حكمة الله، وهذه شجرة تطلعها أهواء البشر:

وهذه الجاهلية خبثت قديماً وخبثت حديثاً .. يختلف خبثها في مظهره وشكله، ولكنه واحد في مغرسه وأصله .. إنه هوى البشر الجهال المغرضين، الذين لا يملكون التخلص من جهلهم وغرضهم، ومصلحة أفراد منهم أو طبقات أو أمم أو أجناس يغلبونها على العدل والحق والخير، حتى تجيء شريعة الله فتنسخ هذا كله، وتشرِّع للناس جميعاً تشريعاً لا يشوبه جهل البشر، ولا يلوِّثه هواهم، ولا تميل به مصلحة فريق منهم .

أولا: تميز المنهج

كان القرآن الكريم، وهو يبني العقيدة في ضمائر الجماعة المسلمة، يخوض بهذه الجماعة المسلمة معركة ضخمة مع الجاهلية من حولها، ويخوض بها معركة ضخمة مع رواسب الجاهلية في ضميرها هي وأخلاقها وواقعها .. ومن هذه الملابسات ظهر بناء العقيدة لا في صورة"نظرية"ولا في صورة"لاهوت"ولا في صورة"جدل كلامي"ولكن في صورة تجمع عضوي حيوي وتكوين تنظيمي مباشر للحياة، ممثل في الجماعة المسلمة ذاتها، وكان نمو الجماعة المسلمة في تصورها الإعتقادي، وفي سلوكها الواقعي وفق هذا التصور، وفي دربتها على مواجهة الجاهلية كمنظمة محاربة لها .. كان هذا النمو ذاته ممثلاً تماماً لنمو البناء العقيدي، وترجمةً حيةً له .. وهذا هو منهج الإسلام الذي يمثل طبيعته كذلك .

وإنه لمن الضروري لأصحاب الدعوة الإسلامية أن يدركوا طبيعة هذا الدين ومنهجه في الحركة على هذا النحو الذي بينَّاه، ذلك ليعلموا أن مرحلة بناء العقيدة التي طالت في العهد المكي على هذا النحو، لم تكن منعزلة عن مرحلة التكوين العملي للحركة الإسلامية، والبناء الواقعي للجماعة المسلمة . لم تكن مرحلة تلقِّي"النظرية ودراستها"! ولكنها كانت مرحلة البناء القاعدي للعقيدة وللجماعة وللحركة وللوجود الفعلي معاً .. وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة هذا البناء مرة أخرى .

هكذا ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة، وأن تتم خطوات البناء على مهل، وفي عمق وتثبت ...

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام