الصفحة 6 من 17

وإما حكم الجاهلية، وإما شريعة الله، وإما الهوى .. والآيات القرآنية في هذا المعنى متواترة كثيرة:

فهما أمران لا ثالث لهما: إما الاستجابة لله والرسول، وإما إتباع الهوى وحكم الجاهلية؛ إما الحكم بما أنزل الله كله وإما الفتنة عما أنزل الله .. وليس بعد هذا التوكيد الصريح الجازم من الله سبحانه مجال للجدال أو للمحال ..

وظيفة الإسلام إذن هي إقصاء الجاهلية من قيادة البشرية، وتولي هذه القيادة على منهجه الخاص، المستقل الملامح، الأَصيل الخصائص .. يريد بهذه القيادة الرشيدة الخير للبشرية واليسر .

الخير الذي ينشأ من رد البشرية إلى خالقها، واليسر الذي ينشأ من التنسيق بين حركة البشرية، وتولي هذه القيادة منهجه الخاص المستقل، ترتفع إلى المستوى الكريم الذي أراده الله لها، وتخلص من حكم الهوى، أو كما قال ربعي بن عامر حين سأله رستم قائد الفرس: ما الذي جاء بكم ؟ فكان جوابه:"الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".

لم يجيء الإسلام إذن ليربت على شهوات الناس الممثلة في تصوراتهم وأنظمتهم وأوضاعهم وعاداتهم وتقاليدهم .. سواء منها ما عاصر مجيء الإسلام، أو ما تخوض البشرية فيه الآن، في الشرق أو في الغرب سواء .. إنما جاء هذا كله إلغاءاً، وينسخه نسخاً، ويقيم الحياة البشرية على أسسه الخاصة . جاء لينشئ الحياة إنشاءاً، لينشئ حياة تنبثق منه انبثاقاً، وترتبط بمحوره ارتباطاً، وقد تشابه جزئيات منه جزئيات في الحياة التي يعيشها الناس في الجاهلية، ولكنها ليست هي، وليست منها، إنما هي مجرد مصادفة هذا التشابه الظاهري الجانبي في الفروع، أما

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام