(أمة وسطاً) في التصور والاعتقاد؛ لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي، إنما تتبع الفطرة بلا تفريط ولا إفراط.
(أمة وسطاً) في التفكير والشعور؛ لا تجمد على ما علمت وتغلق منافذ؛ التجربة والمعرفة، ولا تتبع كذلك كل ناعق. أو تقلد تقليد القردة المضحك.
(أمة وسطاً) في الارتباط والعلاقات؛ لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته، ولا تطلقه كذلك فرداً جشعاً لا هم له إلا ذاته.
(أمة وسطاً) في المكان؛ في كرة الأرض وفي أوسط بقاعها، وما تزال هذه الأمة التي عمر أرضها الإسلام إلى هذه اللحظة تتوسط العالم) (1) .
الإسلام وسط بين الأمم
ذكرنا آنفاً أن القرآن الكريم طرق موضوع الوسطية في عدة آيات من كتاب الله عز وجل وذكر هذا الموضوع في أم الكتاب -السبع المثاني- وهي قوله تعالى: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) ) [الفاتحة:6، 7] .
يقول الشيخ خليل هراس شارح الواسطية: (هذه الأمة وسطٌ بين: الأمم التي تجنح إلى الغلو الضار، والأمم التي تميل إلى التفريط المهلك؛ فإن من الأمم من غلا في المخلوقين وجعل لهم من صفات الخالق وحقوقه، كالنصارى الذين غلوا في المسيح والرهبان. ومنهم من جفا الأنبياء وأتباعهم حتى قتلهم، وردَّ دعوتهم كاليهود الذين قتلوا زكريا، ويحيى، وحاولوا قتل المسيح ورموه بالبهتان، أما هذه الأمة فقد آمنت بكل الرسل واعتقدت رسالتهم. ومن الأمم من استحلت كل خبيث وطيب. ومنها ما حرم الطيبات غلواً ومجاوزة، وأما هذه الأمة فقد أحل الله لها الطيبات وحرم عليها الخبائث.
إلى غير ذلك من الأمور التي منَّ الله بها على هذه الأمة الكاملة بالتوسط فيها (2) .
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (1/131،132،133) .
(2) شرح العقيدة الواسطية لخليل هراس (184) .