وينبغي أن تكون محاولات الإنسان في سبيل الدين أشق وأطول من محاولاته في سبيل العلوم والصناعات ، لأن حقيقة الكون الكبرى اشق مطلبا وأطول طريقا من حقيقة هذه الأشياء المتفرقة التي يعالجها العلم تارة والصناعة تارة أخري .
وقد جعل الناس شأن الشمس الساطعة وهي أظهر ما تراه العيون وتحسه الأبدان ، ولبثوا ألي زمن قريب يقولون بدورانها حول الأرض ويفسرون حركتها وعوارضها كما تفسر الألغاز والأحلام ولم يخطر لأحد أن ينكر وجود الشمس لأن العقول كانت في ظلام من أمرها فوق ظلام ، ولعلها لا تزال .
فالرجوع إلي أصول الأديان في عصور الجاهلية الأولي لا يدل علي بطلان التدين ، وعلي أنها تبحث عن محال . وكل ما يدل عليه أن الحقيقة الكبرى اكبر من أن تتجلى للناس كاملة في عصر واحد .
يري كثير من العلماء أن الأساطير هي أصل الدين بين الهمج . وهو رأي لا يرفض كله ولا يقبل كله . لأن العقائد الهمجية قد تلبست بالأساطير في جميع القبائل الفطرية ، فلا يسهل من أجل هذا أن نرفض القول بالعلاقة بين الأسطورة والعقيدة ، ولكن لا يسهل من جهة أخري أن نطابق بين العقيدة والأسطورة في كل شيء وفي كل خاصة ، لأن العقيدة قد تحتوي الأسطورة ولكن الأسطورة لا تحتويها ، إذ يشتمل عنصر العقيدة علي زيادة لا يشتمل عليها عنصر الأسطورة ، وهي زيادة الإلزام الأخلاقي والشعور الأدبي بالطاعة والولاء ، والأمل في المعونة والرحمة من جانب الرب المعبود .
وقد وجدت أساطير كثيرة لا تتجاوز الأوصاف الرمزية والمشابهة الفنية التي طبع عليها الخيال: فهي ترجع إلي ملكة التجسيم والتصوير ، ولا ترجع إلي ملكة الإيمان والاعتقاد .