ويأخذ ذلك من معنى قوله لا إله إلا الله، كما يلتزم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه بمجرد قوله: محمد رسول الله وما ذاك إلا أن القوم إذ ذاك كانوا عرباً فصحاء يعرفون ويفهمون معنى الشهادة، ومعنى"الأدلة"وما في هذه الكلمة من النفي والإثبات، فلا جرم اقتصر على تلقينهم هذه الكلمة، وذلك أن من شرط نجاة من تلفظ بهذه الشهادة أن يكون عالماً بمعناها عاملاً بمقتضاها ظاهراً وباطناً، قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ الهُ) (محمد:19) وقال عز وجل: (إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف:86) ونحو ذلك من الآيات التي تبين أنه يشترط العلم بمعناها.
وعلى هذا فيجب الكف عن من أتى بالشهادتين ظاهراً من المشركين، ويحقن بذلك دمه حتى يختبر وينظر في أمره بعد ذلك، فإن استقام على الدين والتزم بالتوحيد، وعمل بتعاليم الإسلام، فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وإن خالف مقتضى ما شهد به أو ترك بعض ما كلف به جحداً وإنكاراً، أو استباح المحرمات المعلوم بالضرورة تحريمها، لم تعصمه هذه الكلمة، وهذا هو الواقع في الكثير من أهل هذا الزمان من علماء وعامة جهلة أو مقلدة، حيث إن الكثير من العوام في هذه القرون المتأخرة قد فسدت عقائدهم، ونشؤوا على جهالة بالدين وبمدلول الشهادتين، بل معاني اللغة العربية كلها، فلا جرم أصبح الجمهور منهم لا يفهمون معنى الشهادتين، ويقعون في ما يناقضهما صريحاً، ويكتفون بمجرد التلفظ بهما معتقدين أن الأجر والحسنات وعصمة الدم والمال تحصل بترديد هذه الأحرف الجوفاء، دون معرفة لمعانيها ولا عمل بمقتضاها، لذلك نحن بحاجة إلى الكلام على معاني هاتين الشهادتين لإقامة الحجة على من خالف ذلك معنى، واكتفى بالتلفظ بهما وزعم أنه بذلك مسلم كامل التوحيد.