الصفحة 3 من 24

ولما قتل وتمت البيعة لعلي ورأى أنه محبوب عند أهل العراق حيث استقر عندهم، أراد أيضًا أن يبطل إسلامهم وأن يوقعهم في الكفر، فدعاهم إلى أن يغلوا في علي وبدل ما هو خليفة وإمام يجعلونه ربًّا وإلهًا، فزيّن لهم وقال لهم: علي هو الرب، علي هو الإله، وانخدع به خلق كثير، واعتقدوا هذا الاعتقاد الفاسد، فقال: ابدءوا بعبادته، فخرج علي مرة وهم صفوف أعدادٌ هائلة، فلما خرج خرّوا له سُجَّدًا، فقال: ما هذا ؟ قالوا: أنت إلهنا، فتعجب لذلك ودعا أكابرهم ليتوبوا، ولكن أصروا و لم يتوبوا، ثم اشتهر أنه أحرقهم، خدّ لهم أخاديد وأضرم فيها النيران، ودعا أحدهم وقال له: تُب، فإن لم يتب ألقي في النار في تلك الأخاديد وهو يُنشد قوله:

لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا * * * أجَّجْتُ ناري ودعوت قُنبرا

وقُنبر هو غلامه.

وما زادهم هذا الإحراق إلا تمسكًا بما هم عليه، وقالوا: الآن عرفنا أنك الرب؛ لأنك الذي تحرق بالنار، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، فتمسكوا بما هم عليه، وقتل من قتل منهم بالإحراق، وقد أنكر عليه ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ الإحراق وقال: إن النار لا يعذب بها إلا الله.

وقال: لو كنت أنا لقتلتهم لقول النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: « من بدل دينه فاقتلوه» (1) وأما بقية الأمة فإنهم متفقون على أنهم يقتلون وأنهم كفار.

هؤلاء الغلاة الذين جعلوا عليًّا إلهًا هم أتباع ابن سبأ ولا يزال كثير منهم على هذه العقيدة، ويُحفظ من نشيدهم قولهم:

أشهد أن لا إله إلا * * * حيدرةُ الأنزعُ البطين

ولا حجابٌ عليه إلا * * * محمد الصادق الأمين

ولا طريق إليه إلا * * * سلمان ذي القوة المتين (2)

(1) رواه البخاري برقم 6922 وقصة الغلاة وإحراقهم في الفتح 12 ـ270، ومجموع الفتاوى 4 ـ 519، ومنهاج السنة النبوية 5 ـ 12.

(2) ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 28 ـ 554، وفي منهاج السنة النبوية 2 ـ 512.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام