وَالثَّانِي: مَا فِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى اَلنَّارِ، وَهَذَا قَدْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى اَلْخُلُودِ فِيهَا ، أَوْ عَلَى نَارٍ يَخْلُدُ فِيهَا أَهْلُهَا ، وَهِيَ مَا عَدَا اَلدَّرْكِ اَلْأَعْلَى ، فَإِنَّ اَلدَّرْكِ اَلْأَعْلَى يَدْخُلُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ عُصَاةِ اَلْمُوَحِّدِينَ بِذُنُوبِهِمْ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ بِشَفَاعَةِ اَلشَّافِعِينَ ، وَبِرَحْمَةِ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ .
وَفِي اَلصَّحِيحَيْنِ أَنَّ اَللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: - وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُخْرجَنَّ مِنْ اَلنَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ (1)
(1) - نعم هذا حق لا مرية فيه ، ولا يغالط فيه إلا مَدْخُول العقيدة . فأهل السنة والجماعة يعتقدون أن المسلم إذا كان على التوحيد ، ولم يشرك بربه أحدًا ، واقترف بعض السيئات ، مثل السرقة والزنا وشرب الخمر وغير ذلك من الكبائر ، فهو في مشيئة الله ، إن شاء عفا عنه ، وأدخله الجنة ، وإن شاء آخذه بذنبه ، فأدخله النار ، ثم يطهر فيها ، ويكون مصيره في النهاية إلي الجنة ورحمة الله - عز وجل -. وعلى هذا يُحْمَل قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق"أدخله الله الجنة على ما من عمل"أن العمل هذا هو ما دون الكفر والشرك من سائر الكبائر. أما الكفر والشرك فلا يُدْخِلُ الله صاحبه الجنة أبدًا ؛ لأن الله حرَّمَها على الكافرين ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة . قال الإمام النووي - رحمه الله - في شرحه على صحيح مسلم 1/217: [ واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف: أن من مات موحدًا دخل الجنة قطعًا على كل حال . فإن كان سالمًا من المعاصي كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يُحْدِث معصية بعد توبته ، والمُوَفَّقُ الذي لم يُبْتَلَ بمعصيةٍ أصلاً ، فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلاً لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود. والصحيح أن المراد به المرور على الصراط ، وهو منصوب على ظهر جهنم ، أعادنا الله منها ومن سائر المكروه . وأما من كانت له معصية كبيرة ، ومات من غير توبة ، فهو في مشيئة الله -تعالى- فإن شاء عفا عنه ، وأدخله الجنة ، وجعله كالقسم الأول . وإن شاء عَذَّبَه القَدْر الذي يريده -سبحانه وتعالى- ثم يُدْخِلُه الجنة. فلا يَخْلُد في النار أحد مات على التوحيد، ولو عمل من المعاصي ما عمل - كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل. هذا مختصرٌ جامعٌ لمذهب أهل الحق في هذه المسألة. وقد تظاهرتْ أدلةُ الكتاب والسنة وإجماع مَن يُعْتَدَّ به من الأمة على هذه القاعدة ، وتواتراتْ بذلك نصوص تُحَصِّلُ العلمَ القطعيَّ، فإذا تقررتْ هذه القاعدةُ حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره ، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها؛ ليُجْمَع بين نصوص الشرع] انتهى.