فهرس الكتاب
الصفحة 215 من 253

وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) سورة يوسف، ولأنَّ العقيدة َمما تحارُ العقولُ المجردةُ فيها, ولا تصلُ إلى إدراكِها إلا منْ طريقِ الشارعِ الحكيمِ، فقد رجعَ كثيرٌ من الفلاسفةِ وأهلِ الكلامِ من المسلمينَ عن مناهجِهم العقليةِ المجردةِ إلى منهجِ الكتابِ والسُّنةِ, ومن هؤلاءِ الفخرُ الرازيُّ- وهو منْ كبارِ الفلاسفةِ المسلمينَ- إذ يقولُ بعد عمرٍ طويلٍ في البحثِ العقليِّ:

نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ ... ... وَغَايَةُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ

وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذَى وَوَبَالُ

وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ: قِيلَ وَقَالُوا

فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ رِجَالٍ وَدَوْلَةٍ ... فَبَادُوا جَمِيعًا مُسْرِعِينَ وَزَالُوا

وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلَتْ شُرُفَاتِهَا ... رِجَالٌ، فَزَالُوا وَالْجِبَالُ جِبَالُ

لَقَدْ تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأَيْتُهَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا تُرْوِي غَلِيلًا، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، اقْرَأْ فِي الْإِثْبَاتِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [1] ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [2] ،وَاقْرَأْ فِي النَّفْيِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [3] ، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [4] ،ثُمَّ قَالَ:"وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي" [5] .

4 -فطريةُ العقيدة الإسلامية:

إنَّ العقيدةَ الإسلامية ليست غريبةً عن الفطرةِ السليمة ولا مناقضةً لها، بل هي على وفاقٍ تامٍّ وانسجامٍ كاملٍ معها. وليس هذا بالأمر الغريبِ, إذ إنَّ خالقَ الإنسانِ العليم بحالهِ هو الذي شرعَ له منَ الديِّنِ ما يناسبُ فطرتَهُ التي خلقهُ عليها، كما قال

(1) - سورة طَهَ آية 5.

(2) - سورة فَاطِرٍ آية 10.

(3) - سورة الشُّورَى آية 11.

(4) - سورة طَهَ آية 110.

(5) - شرح الطحاوية في العقيدة السلفية - (ج 1 / ص 482) ومنهاج السنة النبوية - (ج 5 / ص 190) ودرء التعارض - (ج 1 / ص 89) وسير أعلام النبلاء - (ج 21 / ص 501)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام