الصفحة 35 من 77

الرسول - صلى الله عليه وسلم: (( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت ) )، وهذا الحلف هو المعنى المراد في قوله عليه السلام: (( وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ) ) [1] ، لأنه موافق للشرع إذا أمر بالانتصاف من الظالم". [2] "

قال المباركفوري:"قوله: (( أوفوا ) )من الوفاء، وهو القيام بمقتضى العهد (( بحلف الجاهليّة ) )أي العهود الّتي وقعت فيها، ممّا لا يخالف الشّرع لقوله تعالى: {أوفوا بالعقود} (المائدة: 1) لكنّه مقيّدٌ بما قال الله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة: 2) ، (( فإنّه ) )أي الإسلام (( لا يزيده ) )أي حلف الجاهليّة الّذي ليس بمخالفٍ للإسلام (( إلّا شدّةً ) )أي شدّة توثّقٍ، فيلزمكم الوفاء به". [3]

قال ابن القيم:"وأمّا قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم: (( شهدت حلفاً في الجاهليّة ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم , لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ) )، فهذا - والله أعلم - هو حلف المطيّبين , حيث تحالفت قريش على نصر المظلوم , وكفّ الظّالم ونحوه , فهذا إذا وقع في الإسلام كان تأكيدًا لموجب الإسلام وتقوية له. وأمّا الحلف الّذي أبطله فهو تحالف القبائل: بأن يقوم بعضها مع بعض وينصره، ويحارب من حاربه , ويسالم من سالمه. فهذا لا يعقد في الإسلام". [4]

قال ابن حجر:"ذكره ابن إسحاق وغيره , وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين النّاس ونحو ذلك من خلال الخير , واستمرّ العمل بهذا الحلف بعد البعثة النبوية , ويستفاد من حديث عبد الرّحمن بن عوف أنّهم استمرّوا على ذلك في الإسلام , وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم ...". [5]

(1) رواه مسلم ح (2530) .

(2) الجامع لأحكام القرآن (6/ 33) ، وانظر شرح النووي على مسلم (16/ 82) .

(3) تحفة الأحوذي (5/ 173) .

(4) حاشية ابن القيم (8/ 101) .

(5) فتح الباري (10/ 502) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام