الصفحة 34 من 213

ويجدر التنبيه إلى أن الشك المذكور في هذه الأحاديث، والذي هو ناقض لركن التصديق القلبي إنما هو التردد المستقر في القلب، وهذا من سيما المنافقين، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} . أما بعض الوساوس التي يلقيها الشيطان لابن آدم ليزعزعه عن إيقانه، ويشككه في مسلمات دينه، فليست - إن شاء الله تعالى - مما يضر بالإيمان إذا تصدى لها المرء بالعلاج النبوي الناجع، وهو ما رواه أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:» يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته «وفي رواية:» فليقل: آمنت بالله « (1) .

قال أبو زميل: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما شيءٌ أجدُه في نفسي - يعني شيئا من شك - فقال لي:» إذا وجدت في نفسك شيئا فقل: هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم « (2) .

ثم إن المقصود بالشك في هذا المقام هو معناه اللغوي وهو خلاف اليقين (3) ، لا معناه الاصطلاحي وهو قسيم الوهم والظن، كما يذكره الأصوليون، وقد عقده صاحب مراقي السعود بقوله:

والوهم والظن وشك ما احتملْ ... ... لراجحٍ أو ضدِّه أو ما اعتدل (4) .

(1) - أخرجه البخاري في بدء الخلق، برقم: 3276 (627) ، ومسلم في الإيمان برقم: 134 (ص78) ، والرواية الأخرى عند أبي داود في السنة-باب في الجهمية، برقم: 4721 (2/417) .

(2) - رواه أبو داود في كتاب الأدب- باب في رد الوسوسة برقم:5110 (2/500) ، وذكره الألباني في صحيح الكلم الطيب: 57.

(3) - القاموس المحيط: 850.

(4) - نشر البنود: 1/62 والمحلي على جمع الجوامع: 1/154.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام