ويجدر التنبيه إلى أن الشك المذكور في هذه الأحاديث، والذي هو ناقض لركن التصديق القلبي إنما هو التردد المستقر في القلب، وهذا من سيما المنافقين، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} . أما بعض الوساوس التي يلقيها الشيطان لابن آدم ليزعزعه عن إيقانه، ويشككه في مسلمات دينه، فليست - إن شاء الله تعالى - مما يضر بالإيمان إذا تصدى لها المرء بالعلاج النبوي الناجع، وهو ما رواه أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:» يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته «وفي رواية:» فليقل: آمنت بالله « (1) .
قال أبو زميل: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما شيءٌ أجدُه في نفسي - يعني شيئا من شك - فقال لي:» إذا وجدت في نفسك شيئا فقل: هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم « (2) .
ثم إن المقصود بالشك في هذا المقام هو معناه اللغوي وهو خلاف اليقين (3) ، لا معناه الاصطلاحي وهو قسيم الوهم والظن، كما يذكره الأصوليون، وقد عقده صاحب مراقي السعود بقوله:
والوهم والظن وشك ما احتملْ ... ... لراجحٍ أو ضدِّه أو ما اعتدل (4) .
(1) - أخرجه البخاري في بدء الخلق، برقم: 3276 (627) ، ومسلم في الإيمان برقم: 134 (ص78) ، والرواية الأخرى عند أبي داود في السنة-باب في الجهمية، برقم: 4721 (2/417) .
(2) - رواه أبو داود في كتاب الأدب- باب في رد الوسوسة برقم:5110 (2/500) ، وذكره الألباني في صحيح الكلم الطيب: 57.
(3) - القاموس المحيط: 850.
(4) - نشر البنود: 1/62 والمحلي على جمع الجوامع: 1/154.