المعتزلة إلى عشرين فرقة كل فرقة تكفر الأخرى وتؤلف الكتب في الرد عليها، ومثلهم كان الشيعة فقد بلغوا اثنتين وعشرون فرقة تكفر كل فرقة الأخرى [1] .
لقد خرج الأشاعرة منتصرين بعد عدة معارك خاضوها مع غيرهم فراجعوا أنفسهم في تكفير بعض الطوائف التي كانوا يكفرونها من قبل، فتراجعوا عما قالوه، أو قاله بعضه وأعلنوا عدم تكفيرهم لهم، وذكروا آخر كلام لأبي الحسن والذي قاله قبل موته أنه لا يكفر أحداً من أهل القبلة.
وبعد هدوء استمر قروناً ظهر في العصر الحاضر فكر التكفير بقوة في بعض البلاد الإسلامية، نتيجة لتصرفات سيئة اكتوى بنارها الكثيرون، ثم ما لبث هذا الفكر أن انقسم على نفسه ليصبح جماعات وفرقاً لها (علماء) ومنظرون!
والغريب أن بعض من لا يعلمون من الكتبة يلقون سبب النمو الفكري لهؤلاء على شيخ الإسلام ابن تيمية ومؤلفاته، ويزعمون أن هذه الجماعات وجدت في تراثه ما يؤيد اتجاهها، وهم بهذا القول يعربون عن جهلهم بالشيخ وكتبه، ولست أدري إذا ما كانت هناك دفائن ودغائل تتستر وراء مثل هذه الأقوال، إذ إن بعضهم ممن عرفوا بالطعن في كل ما هو إسلامي يحاولون إلصاق ما هو سيء بعلماء الإسلام، وأجزم موقناً كإيقاني بوجود الشمس والقمر أن كثيرين منهم لم يقرؤوا للشيخ البتة، وإن قرؤوا فمن خلال مناظير غيرية مع وجود سوابق فكرية رديئة المنبع، وقد يكون السبب التعصب الذميم والذي لا يروج في عالم الفكر والتدين.
وحقيقة الأمر أنني من خلال مطالعتي لمن تحدث عن قضية التكفير ظهر لي بجلاء أن أكثر من ضبط هذه المسألة وبين الشروط والموانع بياناً شافياً من تقسيم وبيان واستدلال وضرب أمثلة واحتمال لأقوال الخصم ورحمة بالأمة هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وليس معنى هذا أن غيره لم يطرق هذا الموضوع بل على العكس فقد طرقه كثيرون من علماء الأمة، ولكنه لم يخرج عن نطاق الطَرق، فتجد لهم كلاماً متناثراً هنا وهناك، وأحياناً كثيرة تجده عاماً عائماً.
(1) انظر المواقف 3/ 671 والفرق بين الفرق120 وما بعدها، ومثالاً على ذلك فرقتا الزيدية والإمامية تكفر كل فرقة منهما الأخرى، ويكفي أن تقرأ كتب الفرقتين العقدية ليتضح لك ذلك جلياً.