الصفحة 42 من 291

وقال أيضا:

صاحب عزلة بغدادي , وهو أول من لقب بالصوفي , وكان هذا اللفظ يومئذ يدل على بعض زهاد الشيعة بالكوفة , وعلى رهط من الثائرين بالأسكندرية , وقد يعدّ من الزنادقة بسبب إمتناعه عن أكل اللحم , ويريد الأستاذ أول من لقب بالصوفي في بغداد كما يؤخذ مما نقله عن الهمذاني , ونصه:

(ولم يكن السالكون لطرق الله في الأعصار السالفة والقرون الأولى يعرفون باسم المتصوفة , وإنما الصوفي لفظ أشتهر في القرن الثالث , وأول من سمي ببغداد بهذا الاسم عبدك الصوفي , وهو من كبار المشائخ وقدمائهم , وكان قبل بشر بن الحارث الحافي والسري بن المفلس السقطي) [1] .

والجدير بالذكر أن هؤلاء الثلاثة الذين يقال عنهم بأنهم أول من سمّو بهذا الاسم , وتلقبوا بهذا اللقب مطعونون في مذاهبهم وعقائدهم , ورمى كل واحد منهم بالفسق والفجور وحتى الزندقة , وخاصة جابر بن حيان , وعبدك كما سيأتي ذلك مفصلا في محله من الكتاب إن شاء الله.

وقد سبق كلام شيخ الاسلام ابن تيمية حيث قال: (إن لفظ الصوفية لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة , وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك) [2] .

وبمثل ذلك قال ابن خلدون [3] .

فخلاصة الكلام أن الجميع متفقون على حداثة هذا الاسم , وعدم وجوده في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالحين.

نعم, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد خلق الله في الدنيا وزخارفها , وأصحابه على سيرته وطريقته , يعدّون الدنيا وما فيها لهوا ولعبا , زائلة فانية , والأموال والأولاد فتنة ابتلي المؤمنون بها , فلم يكونوا يجعلون أكبر همهم إلا ابتغاء مرضاة الله , يرجون لقاءه وثوابه , ويخافون غضبه وعقابه , آخذين من الدنيا ما أباح الله لهم أخذه , ومجتنبين عنها ما نهى الله عنه , سالكين مسلك الاعتدال , منتهجين منهج المقتصد , غير باغين ولا عادين , مفرطين ولا متطرفين , وعلى رأسهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدون ,

(1) التصوف لماسينيون ومصطفى عبد الرزاق ص 55 , 56 ط دار الكتاب اللبناني 1984 م , أيضا تاريخ التصوف في الإسلام للدكتور قاسم غني ترجمة عربية لصادق نشأت ص 64 ط مكتبة النهضة المصرية القاهرة.

(2) انظر الصوفية والفقراء لشيخ الإسلام بن تيمية ص 5.

(3) انظر مقدمة ابن خلدون ص 476.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام