الصفحة 268 من 291

وفجوره بأسلوب صوفي: فيقول:

(عشقت واحدا ببلاد المغرب فسلطت عليه الهمة فأخذته وربطته ومنعته عن سواي , إلا أنه كان عليه رقباء , فسكت عن صريح المقال , وجعل يكلمني بلسان الحال , فأهمه وأكمله كذلك فيفهمه , وانتهى الأمر إلى أن صرت أنا هو , وهو أنا , ووقع العشق إلى محض صفاء الروح , فجاءتني روحه سحرا تمرّغ وجهها في التراب وتقول: أيها الشيخ الأمان , الأمان , قتلتني أدركني , فقلت: ماذا تريد؟

قالت: أريد أن تدعني حتى أقبل قدمك , فأذنت لها , ففعلت ورفعت وجهها , فقبلتها حتى استراحت واطمأنت إلى صدري) [1] .

وما دمنا تطرقنا إلى هذا الموضوع فإننا نقول: إن جماعة من الصوفية ولو أنهم تظاهروا بالصلاح والتقوى لم يستطيعوا أن يخفوا ويكتموا عشقهم وفسقهم , وشهدوا عليهم بعدم مبالاة الشرع وأحكامه , والتطرق إلى المنكرات والمحظورات.

فهذا هو الشيخ الأكبر للصوفية محيي الدين بن عربي يرفع الستار عن شخصه وكنهه , مثلما شهد تلميذه نجم الدين الكبري على نفسه , فيقول شارحا لديوانه (ترجمان الأشواق) الذي فضحه هو وعشقه ببنت أحد مشائخ مكة , وتشبيبه وغزله فيها , وقد كثر الكلام والغمز واللمز فيه (وأحدث هذا الشعر دويا وأقاويل حوله مما جعل بدل الحبشي وإسماعيل بن سودقين يطلبان إليه شرح هذا الديوان) [2] .

فأراد أن يغطي ما قاله فيها من الغزل الركيك المتندح عشقا وحبا وجذبا وشوقا إلى تلك الحسناء المكية بغطاء صوفي بدهاء ومكر , فما استطاع إلا إظهار ما كان خافيا من قبل أكثر بكثير.

فانظره ماذا يقول في مقدمة ذخائره , والعبارة ناطقة بصوت رفيع لا بصوت خافت , بما هو مكنون بين جنباتها وتراكيبها:

(فإني لما نزلت مكة سنة خمسمائة وثمان وتسعين ألفيت بها جماعة من الفضلاء , وعصابة من الأكابر والأدباء والصلحاء بين رجال ونساء , ولم أر فيهم مع فضلهم مشغولا بنفسه , مشغوفا فيما بين يومه وأمسه , مثل الشيخ العالم الإمام , بمقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام , نزيل مكة البلد الأمين مكين الدين أبي شجاع زاهر بن رستم

(1) فوائح الجمال وفواتح الجلال لنجم الدين الكبري ص 64 , 65. ط المانيا.

(2) مقدمة ذخائر الأعلاق لمحمد عبد الرحمن الكروي ص (و) ط مطبعة السعادة مصر.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام