(كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) وغير ذلك من الأحاديث التي استنتجوا منها أنه كان لمحمد عليه السلام وجود قبل وجود الخلق , وقبل وجوده الزماني في صورة النبي المرسل , وأن هذا الوجود قديم غير حادث , وعبروا عنه بالنور المحمدي. وقد أفاضت الشيعة في وصف هذا النور المحمدي , فقالوا أنه ينتقل في الزمان من جيل إلى جيل , وأنه هو الذي ظهر بصورة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء , ثم ظهر أخيرا بصورة خاتم النبيين محمد عليه السلام. وبهذا أرجعو جميع الأنبياء من آدم إلى محمد , وكذلك ورثة محمد إلى أصل واحد. وهو قول نجد له صدى في الغنوصية المسيحية. يقول الأب كليمنت الإسكندري: (ليس في الوجود إلا نبي واحد وهو الإنسان الذي خلقه الله على صورته , والذي يحل فيه روح القدس , والذي يظهر منذ الأزل في كل مكان وزمان بصورة جديدة) .
نجد لكل هذا الكلام نظيرا في كتب ابن عربي فيما يسميه الكلمة المحمدية أو الحقيقة المحمدية أو النور المحمدي. فهو لا يقصد بالكلمة المحمدية في هذا الفص محمداً الرسول , وإنما يقصد الحقيقة المحمدية التي يعتبرها أكمل مجلى خلقي ظهر فيه الحق , بل يعتبره الإنسان الكامل والخليفة الكامل بأخص معانيه. وإذا كان كل واحد من الموجودات مجلى خاص لبعض الأسماء الإلهية التي هي أرباب له , فإن محمدا قد انفرد بانه مجلى للاسم الجامع لجميع تلك الأسماء , وهو الاسم الأعظم الذي هو (الله) . ولهذا كانت له مرتبة الجمعية المطلقة , ومرتبة التعين الأول والذي تعينت به الذات الأحدية , إذ ليس فوقه إلا هذه الذات المنزهة في نفسها عن كل تعين وكل صفة واسم ورسم.
ولهذه الحقيقة المحمدية التي هي أول التعينات - وإن شئت فقل أول المخلوقات - وظائف أخرى ينسبها إليها ابن عربي. فهي من ناحية صلتها بالعالم مبدأ خلق العالم , إذ هي النور الذي خلقه الله قبل كل شيء وخلق منه كل شيء. أو هي العقل الإلهي الذي تجلى الحق فيه لنفسه في حالة الأحدية المطلقة , فكان هذا التجلي بمثابة أول مرحلة من مراحل التنزل الإلهي في صور الوجود. فلما انكشفت له حقيقة ذاته وكمالاتها , وما فيها من أعيان الممكنات التي لا تحصى , أحب إظهار كمالاته في صور تكون له بمثابة المرايا التي يرى فيها نفسه , فكانت أعيان الممكنات الخارجية تلك المرايا.
ومن ناحية صلة الحقيقة المحمدية بالإنسان , يعتبرها ابن عربي صورة كاملة