الصفحة 116 من 291

أما الفناء في عرف أصحاب وحدة الوجود فربما كان أشد اتصالا بفكرة الفيدانتا وما يماثلها من الأفكار الهندية ... مثال ذلك أن أبا يزيد البسطامي كان من أهل خراسان , وكان جده زرادشتيا وشيخه في التصوف كرديا. ويقال: أنه أخذ عقيدة الفناء الصوفي عن أبي علي السندي الذي علّمه الطريقة الهندية التي يسمونها مراقبة الأنفاس , والتي وصفها هو بأنها عبادة العارف بالله.

وإنك لتلمح نزعة أبي يزيد إلى وحدة الوجود مائلة في الأقوال المعزوة إليه.

مثال ذلك ك

خرجت من الحق إلى الحق حتى صاحوا مني فيّ (يا من أنا أنت) .

إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني: سبحاني ما أعظم شأني.

للخلق أحوال , ولا حال للعارف , لأنه محيت رسومه , وفنيت هويته بهوية غيره , وغيبت آثاره بآثار غيره) [1] .

وقد كرر هذا القول في مواضع كثيرة مختلفة في مقالاته من التصوف والصوفية.

وكتب الدكتور أبو العلاء عفيفي البحاثة المصري الكبير معلقا على إحدى عباراته , ومصدقا كلامه , ما نصه:

(لا شك أن التصوف الإسلامي في ناحيته العلمية كان إلى حد ما على التصوف البوذي. يدل على ذلك ما ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان عن رهبان الزنادقة الذين كانوا يخرجون للسياحة أزواجا , ولا يقيمون في مكان واحد أكثر من ليلتين. وكانوا يأخذون أنفسهم بتطهير القلب والعفة والصدق والفقر. ويذكر الجاحظ قصة رجلين منهم دخلا مدينة الأهواز) [2] .

ويقول جولد زيهر:

(إن نظرية الصوفيين في فناء الشخصية هي التي تقرب وحدها من فكرة الجوهر الذاتي(اتمان) , إذا لم تكن تتفق معها تماما , ويطلق الصوفيين على هذه الحالة لفظ الفناء أو المحور والاستهلاك) [3] .

وقال أحد الكتّاب:

(أما زيهر فقد ذهب إلى أن الربط بين الفناء والنرفانا دعوى لا تحتاج إلى

(1) في التصوف الإسلامي وتاريخه ترجمة الدكتور أبي العلاء عفيفي ص 75.

(2) أيضا تعليقه رقم 2 ص 24.

(3) العقيدة والشريعة في الإسلام لجولدزيهر ترجمة عربية ص 162.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام